القرحة الهضمية
قرحه هضميه
peptic ulcer - ulcère peptique
زياد درويش
القرحة المترافقة بخمج بالملويات البوابية
الأسباب غير الشائعة للقرحة الهضمية
القرحة المعندة refractory ulcer
القرحة هي تلف موضع في جدار الجزء العلوي من أنبوب الهضم يتناول الطبقة المخاطية والطبقة تحت المخاطية من الجدار وينجم عن الفعل الهاضم لعصارة المعدة الحاوية على حمض (كلوريدريك والببسين).
تقدر قرحة العفج بنحو 80% من مجموع القرحات الهضمية في الإحصاءات الغربية، وهي أكثر الأمراض العضوية الهضمية شيوعاً، إلا أن نسبة مهمة منها تبقى من دون أعراض. وتتوضع قرحة العفج في السنتمرات الثلاثة الأولى منه أي في البصلة، وتبدو على شكل تآكل مدور أو بيضوي تستره فتحة التهابية بيضاء أو مصفرة، وقد تكون القرحة متطاولة أو غير منتظمة.
الصورة (1) أ - صورة تبين قرحة حميدة كبيرة متوضعة في جسم المعدة ب - صورة تبين قرحة عميقة واسعة متوضعة في بصلة العفج ج - صورة مأخوذة في أثناء التنظير الداخلي تظهر قرحة حميدة في المعدة |
يراوح قطر القرحة بين بضعة ملمترات وبضعة سنتمرات على نحو تشمل الجدار الأمامي أو الخلفي للبصلة بكامله، لكن الغالبية العظمى من القرحات لا يتجاوز قطرها 10ملم. وقد تكون قرحة البصلة مزدوجة تتوضع على الجدارين الأمامي والخلفي للبصلة، أو أنها تترافق بقرحة في المعدة. تتوضع القرحة الهضمية في أحوال نادرة من القطعة الثانية في العفج وتدعى حينئذٍ القرحة بعد البصلة post-bulbar، كما أنها يمكن أن تتوضع في أي جزء من الأنبوب الهضمي عندما يتعرض لفعل حمض (كلوريدريك والببسين) كما هي الحال في قرحة المريء الهضمية عند المصابين بالجزر المعدي المريئي، وقرحة القسم القاصي من الدقاق عند المصابين «برتج ميكل» بسبب تعرض هذا القسم لحمض كلوريدريك الذي تفرزه مخاطية الرتج. أما قرحة المعدة التي تقدر بنحو عشرين بالمئة من مجموع القرحات الهضمية فتتوضع في أي مكان منها إلا أن الغالبية العظمى تتوضع على الانحناء الصغير من غار المعدة قريباً من ثلمته incisura (الصورة 1).
تشير الدراسات الأجنبية إلى أن انتشار prevalence القرحة الهضمية على مدى الحياة يبلغ نحو عشرة بالمئة، أي إن عشرة بالمئة من مجموع السكان يصابون في مرحلة ما من حياتهم بالقرحة الهضمية، وترجح الإصابة عند الذكور، أما انتشار القرحة الهضمية في نقطة معينة من الزمن فيبلغ واحداً بالمئة وسطياً، إلا أنه بلغ 2.5% في إحدى الدراسات التي أجريت في اليابان وشملت عشرة آلاف شخص. أما وقوعات incidenceالقرحة السنوية ويقصد بها الحالات الجديدة من القرحة الهضمية التي تحدث خلال عام واحد فتراوح بين 0.1-0.3 بالمئة.
تشير الدراسات الإحصائية إلى أن وقوعات القرحات الهضمية في أوربا والولايات المتحدة بدأت بالتراجع بدءاً من ستينات القرن الماضي، كما أن رجحان القرحة عند الذكور يميل للتراجع ويعزى ذلك في أحد جوانبه إلى التبدلات الحاصلة في عادة التدخين وإلى التحسن في مستوى التصحح (حفظ الصحة) hygiene والتصحاح sanitation في تلك الدول وما نجم عن ذلك من تراجع انتشار الخمج بالملويات البوابية التي لها دور مهم في أمراض القرحة الهضمية.
يختلف انتشار القرحة الهضمية من منطقة جغرافية لأخرى، فهي أكثر شيوعاً في شمالي بريطانيا من جنوبها، كما أن انتشار القرحة المعدية في اليابان يزيد كثيراً عما هو عليه في البلدان الأخرى، وقد عزا بعضهم هذه الاختلافات إلى التباين الحاصل في انتشار الخمج بالملويات البوابية، إلا أن هذه العلاقة لا تصح في جميع المناطق؛ مما يدل على وجود عوامل أخرى مسؤولة عن هذه الاختلافات الجغرافية في انتشار القرحة.
الفيزيولوجية المرضية
«لا قرحة من دون حمض» هذه المقولة التي أطلقها «شوارتز» Schwartz في مطلع القرن الماضي ماتزال صحيحة حتى اليوم، فالقرحة الهضمية التي هي تلف موضع في جدار الأنبوب الهضمي ناجم عن فعل حمض كلوريدريك والببسين لا تحدث في الحالات السوية بسبب وسائل دفاعية متعددة تحمي المخاطية من الفعل الهاضم لعصارة المعدة، إضافة إلى عدد من الآليات التي تقوم بإصلاح الأذى الذي قد يحصل في المخاطية فور حدوثه وتمنع الأذية التشريجية من التفاقم والوصول إلى مرحلة التقرح. يوجد إذاً في الحالات السوية توازن بين العوامل المؤذية لجدار الأنبوب الهضمي المتمثلة في حمض كلوريدريك والببسين وبين الوسائل الدفاعية التي تمتلكها العضوية وتقاوم بوساطتها التأثير الهاضم لهذه المواد، فإذا اختل هذا التوازن بسبب ازدياد فعالية العوامل المؤذية أو تراجعت فعالية الوسائل الدفاعية تشكلت القرحة في أحد أجزاء الأنبوب الهضمي ولاسيما في المعدة والعفج. تختلف طبيعة الخلل الحاصل في التوازن الفيزيولوجي القائم من شخص لآخر، كما أن هذا الخلل قد يكون متعدد الجوانب، إلا أن النتيجة النهائية واحدة في جميع الأحوال وهي التقرح الهضمي. وفيما يلي الاضطرابات التي قد تخل بالتوازن الطبيعي القائم بين هذه العوامل المتعددة عند المصابين بالقرحة الهضمية:
1- اضطرابات إفراز الحمض والبببسين:
- إن وجود حمض كلوريدريك أمر ضروري لحدوث القرحة الهضمية ومن النادر جداً وجود تقرح هضمي في غياب هذا الحمض ويوحي ذلك عند حدوثه بوجود سبب مستبطن للتقرح كالسرطان أو الآفات الارتشاحية في الجدار.
يشاهد عند مرضى القرحة الهضمية اضطرابات متعددة في إفراز الحمض تأخذ منحى واحداً هو زيادة الإفراز منها: ارتفاع النتاج الحامض الأقصى (MAO) maxmnum acid output وزيادة إفراز الحامض الليلي، وتعزو الأبحاث الحديثة هذه الاضطرابات الإفرازية إلى الخمج بالملويات البوابية إذ إن القضاء على هذا الخمج كثيراً ما يؤدي إلى تراجع هذه الاضطرابات.
أما في قرحات المعدة فإن الخلل الحاصل في إفراز الحمض يختلف باختلاف مكان توضع القرحة. تقرحات القسم الداني من المعدة تترافق بنقص إفراز حمض كلوريديك وربما نجم ذلك عن امتداد التهاب الغار المرافق إلى جسم المعدة وهو الجزء المفرز للحمض من المعدة. أما قرحات القسم الداني من المعدة المترافقة بقرحة العفج فإن إفراز الحمض فيها يكون سوياً أو أنه يزداد عما هو عليه عند الأصحاء وينطبق الأمر نفسه على قرحات القسم القاصي من المعدة.
- للببسين دور مهم في إحداث القرحة الهضمية، إذ من المؤكد أن الفعل المقرح لحمض الكلوريدريك يزداد كثيراً بوجود الببسين. تفرز الخلايا الأساسية chief cell طلائع الببسين التي تتقلب إلى أنزيم فعال بوجود تركيز عالٍ من حمض كلوريدريك مما يعطي العصارة المعدية خواصها الحالة للبروتين.
2- الخلل في وسائل دفاع المخاطية وفي قدرتها على الترمم: يمكن القول عموماً إن إفراز الحمض المعدي يكون ناقصاً أو سوياً عند المصابين بقرحة المعدة، كما أن قسماً من المصابين بقرحة العفج يكون إفراز الحمض لديهم سوياً، ويعزى حدوث القرحة عند هؤلاء وأولئك إلى خلل في وسائل دفاع المخاطية وفي قدرتها على ترميم الأذيات التي تحصل فيها نتيجة تعرضها لفعل الحمض والببسين.
أ- تملك المخاطية الوسائل الدفاعية التالية:
- إفراز المخاط: تفرز الخلايا الظهارية للمعدة والعفج المخاط الذي يشكل طبقة هلامية متمادية تلتصق بالمخاطية، تقلل هذه الطبقة الأذيات الميكانيكية التي تتعرض لها المخاطية وتعوق انتشار الببسين وشوارد الهيدروجين إلى سطح الخلايا الظهارية، وتثبت المجال الباهائي pH الكائن بين الخلايا الظهارية ولمعة المعدة. تتغير الصفات الفيزيائية للمخاط عند المصابين بالقرحة إذ تقل لزوجته كما أن كره الماء الذي تتميز به طبقة المخاط يتراجع كثيراً عندهم مما يقلل من قدرته على منع الببسين وشوارد الهيدروجين من النفوذ والوصول إلى الخلايا الظهارية. ويعتقد بعضهم أن الخمج بالملويات البوابية هو السبب في تبدل الخواص الفيزيائية للمخاط مما يؤهب لحدوث التقرحات الهضمية.
- إفراز (البيكاربونات): تفرز الخلايا الظهارية للمعدة والعفج البيكاربونات في داخل طبقة المخاط التي تبطن الغشاء المخاطي للمعدة والعفج وتقوم بتعديل شوارد الهيدروجين H2 التي تسربت من لمعة المعدة إلى هذه الطبقة مما يخلق مجالاً باهائياً بين اللمعة المعدية شديدة الحموضة وبين سطح الخلايا الظهارية. يحرض البروستاغلاندين E إفراز المخاط والبيكاربونات مما يعلل تأثيره الواقي للغشاء المخاطي المعدي العفجي.
- التروية الدموية: إن ضمان التروية الدموية الكافية للمخاطية أمر ضروري للحفاظ على سلامتها. ومن الدلائل على ذلك عند الإنسان القرحات المعدية العفجية التي تحدث عند المصابين بقصور الدوران المساريقي والتي تعند على المعالجة الدوائية لكنها تشفى بعد توسيع الشريان المساريقي (بالبالون).
ب- ترميم الأذيات المخاطية: يتم إصلاح الأذى الذي يصيب المخاطية المعدية العفجية بوسائل متعددة أهمها:
- الإعادة (الترميم) restitution: وهي حدثية يتم بوساطتها إغلاق الفجوات التي تحدث في الظهارة المعدية العفجية بسرعة عن طريق الخلايا المجاورة التي تمتد تدريجياً فوق الغشاء القاعدي المعدي مما يساعد على إغلاق هذه الفجوات بسرعة.
- تسارع التكاثر الخلوي الذي يسهم بدوره في إصلاح الأذى الذي لحق بالخلايا الظهارية.
إذا تغلبت العوامل المؤذية على وسائل الدفاع والترميم آنفة الذكر تخرب الغشاء القاعدي وحدث تلف حاد أو تقرح في المخاطية الذي يتجه نحو الشفاء بفعل الآليات المألوفة في شفاء الجروح. أما إذا أخفقت هذه الآليات في تحقيق ذلك دخل التقرح الحاد مرحلة الإزمان وانقلب إلى قرحة مزمنة.
الأسباب
الشكل (2) رسم يبين ذات الصلة بتشكل الداء القرحي والنسب المذكورة تقريبية وهي مأخوذة من دراسات أجريت في الدول الغربية |
تشير الدراسات الحديثة إلى أن هناك نوعين شائعين من القرحة الهضمية، يترافق النوع الأول بوجود خمج بالملويات البوابية ويترافق الشكل الثاني باستعمال مضادات الالتهاب غير الستروئيدية (م ا غ س) ومنها الاسبيرين.
يختل في كلا هذين الشكلين التوازن القائم بين العوامل المؤذية للمخاطية ووسائل دفاعها ينتهي بحدوث التقرح. أما الأشكال غير الشائعة من القرحة فيعزى معظمها إلى فرط إفراز الحمض المعدي (الشكل 2).
1- القرحة المترافقة بخمج بالملويات البوابية:
الملويات البوابية جراثيم سلبية الغرام ذات شكل لولبي، أليفة للهواء القليل micro aerophilic مجهزة بسياط في إحدى نهايتيها. تنتشر هذه الجراثيم في جميع أنحاء العالم ويقدر أن أكثر من نصف سكان الكرة الأرضية مصابون بهذا الخمج، ويبدو أن لذلك علاقة بالمستوى الاقتصادي والاجتماعي للسكان؛ إذ إن انتشار الخمج في البلدان النامية يتناسب عكساً مع ارتفاع المستوى الاقتصادي والاجتماعي للأفراد. يحدث الخمج في البلدان النامية في مرحلة مبكرة من العمر ويزداد الانتشار مع تقدم العمر إلى أن تشمل الإصابة الغالبية العظمى من الكهول. أما في البلدان الصناعية فإن أكثر من خمسين بالمئة من سكانها الذين تجاوزا الستين من العمر مصابون بهذا الخمج. يزداد انتشار الخمج أيضاً في التجمعات السكانية المزدحمة كالمؤسسات الصحية مما يشير إلى أن انتقال الخمج يتم مباشرة من شخص لآخر، ومن المرجح حدوث ذلك عن الطريق الشرجي الفموي، كما يؤكد أهمية معايير التصحح والتصحاح في الحد من انتشار هذا الخمج.
تتوضع الملويات في الطلاء المخاطي الذي يبطن المعدة ولاسيما من ناحية الغار إلا أن بعضاً منها قد يغزو المخاطية، تفرز هذه الجرثومة أنزيم (اليورياز) unease الذي يحفّز انشطار اليورية وينجم عن ذلك تشكل الأمونيا القلوية التي تحيط بالجرثوم وتقيه من التأثير المؤذي للحمض المعدي.
تصاب المعدة المخموجة بهذا الجرثوم بالالتهاب المزمن الذي يمتد عدة عقود وقد ينتهي أحياناً بحدوث ضمور المعدة والحؤول المعدي الذي يؤهب للإصابة بالسرطان.
بينت الدراسات العديدة وجود علاقة بين الخمج بالملويات والقرحة الهضمية، ففي الولايات المتحدة يشاهد الخمج بالملويات عند 80% من المصابين بقرحة العفج وعند حوالي 60% من المصابين بقرحة المعدة، وقد أكدت هذه الدراسات أن القضاء على الخمج بالملويات يؤدي إلى زوال الالتهاب المعدي وشفاء القرحة، كما أنه يخفض معدل نكس القرحة إلى أقل من عشرة بالمئة كل عام.
يتضح من ذلك أن للملويات دوراً مهماً في إمراض pathogenesis القرحة الهضمية ويتم ذلك عن طريق التهاب المعدة المزمن الذي تسببه، إلا أن ما يلفت النظر هو أنه على الرغم من الانتشار الواسع للخمج بهذا الجرثوم فإن نسبة المصابين بالقرحة لا تتعدى جزءاً صغيراً منهم مما يدل على وجود عوامل أخرى غير الخمج ذات دور مهم في حدوث القرحة منها عوامل بيئية وأخرى تتعلق بالمضيف إلى جانب عوامل خاصة بالجرثوم نفسه. فقد تبيّن أن بعض ذراري الملوية البوابية تفرز بروتيناً يدعى المستضد السام للخلايا cytotoxic-associated antigen (CagA) وأن الإصابة بهذا النمط من الذراري يسبب التهاباً شديداً في مخاطية المعدة بالمقارنة مع الذراري التي لا تفرز هذا البروتين، كما اتضح أن زيادة شدة الالتهاب المعدي تزيد من خطر الإصابة بالقرحة. وقد تم أخيراً تعرف بروتينات جرثومية أخرى تزيد عند حدوثها شدة الالتهاب المعدي وخطر الإصابة بالقرحة.
تشخيص الخمج بالملويات: هناك عدة طرق لتشخيص الخمج بالملويات يمكن تقسيمها إلى فئتين:
1- الطرق الباضعة التي تحتاج إلى أخذ خزعة من المعدة: تؤخذ الخزعة في أثناء التنظير الداخلي من ناحية غار المعدة وجسمها، إلا أنه يمكن الحصول على خزعات مناسبة في الوقت الحاضر، من دون إجراء التنظير، وذلك عن طريق الأنبوب الأنفي المعدي أو أنبوب الخزعات المعوية. ترسل الخزعة للفحص النسيجي الذي يكشف وجود الجراثيم بأعداد كبيرة في أكثر الحالات. يمكن تشخيص الخمج بسرعة بتطبيق اختبار اليورياز على الخزعة التي توضع فوق صفيحة خاصة مغطاة بطبقة من وسط غني باليورية، ففي حالة وجود الملويات تتقلب اليورية إلى أمونيا وثاني أكسيد الكربون بفعل أنزيم اليورياز الذي تفرزه الجراثيم مما يؤدي إلى تبدل لون الوسط الذي يكشف عيانياً.
2- الطرق غير الباضعة non-invasive لاتحتاج هذه الاختبارات إلى أخذ خزعة من المعدة وتشمل:
ـــ الاختبار المصلي: الذي يعتمد على كشف أضداد الملويات من صنف IgG في مصل الدم، تعادل هذه الطريقة في حساسيتها ونوعيتها الاختبارات المعتمدة على الخزعة، وقد طورت على نحو أصبح بالإمكان إجراؤها في عيادة الطبيب، إلا أنه لا يمكن استخدام هذه الطريقة للتأكد من نجاح المعالجة.
ـــ اختبار النَفَس باليورية urea-breath test: يستخدم لهذه الغاية اليورية المعلمة بالكربون C13 أو C14 التي تؤخذ عن طريق الفم. إذا احتوت المعدة على أنزيم اليورياز الذي تفرزه الملويات تفككت اليورية وانطلق ثاني أكسيد الكربون المعلم الذي ينتقل إلى الدوران ومن ثم يطرح مع هواء الزفير حيث يمكن كشفه. يفيد هذا الاختبار أيضاً في تقييم مدى نجاح المعالجة في القضاء على الخمج.
ـــ كشف مستضد الملويات البوابية في البراز وتعادل حساسية هذه الطريقة ونوعيتها ما هي عليه في الفحص النسيجي للخزعة أو في اختبار النَفَس.
2- القرحة التالية لاستعمال مضادات الالتهاب غير الستروئيدية (م ا غ س):
يمكن تقسيم الآفات التي تسببها م ا غ س في المخاطية المعدية العفجية إلى قسمين:
ـــ الآفات السطحية التي تتجلى على شكل نزوف نمشية أو سحجات (تآكلات) وتصادف عند نحو 50% من المرضى.
ـــ القرحات التي تكون غير مؤلمة في أكثر الحالات وتكشف عن طريق التنظير الداخلي وتتصف في هذه الحالات بصغرها وقلة عمقها (القرحة اللاعرضية)، إلا أنها قد تتظاهر بالألم الوصفي أو أحد المضاعفات القرحية، وتتميز في هذه الحالة بأنها أكبر حجماً وأكثر عمقاً. تحدث القرحات عند 15-45% من المرضى بعد الاستعمال المديد لـ م ا غ س.
الفيزيولوجية المرضية للقرحات الدوائية: تؤثر مضادات الالتهاب غير الستروئيدية عن طريقين مختلفين:
أ- الطريق الموضعي: وهو ما يحدث عندما تؤخذ م ا غ س عن طريق الفم وتظهر الأذيات الناجمة عن ذلك خلال دقائق بعد تناول هذه الأدوية على شكل نزوف نمشية أو سحجات.
ب- التأثير بالطريق العام (الجهازي): الذي يؤدي إلى حدوث قرحات صريحة تخترق العضلة المخاطية. يحدث التقرح عند أخذ الدواء عن الطريق العام (حقن دوائية أو تحاميل) أو على شكل غليفات enteric-coated من دون أن يترافق بآفات سطحية في المخاطية كالتي أشير إليها من قبل. يعتقد أن التأثير الجهازي systemic لـ م ا غ س في إحداث القرحة يتم عن طريق تثبيطها أنزيم (سيكلوأوكسي جيناز) (COX) cyclooxygenase اللازم لإنشاء (البروستاغلاندينات). للبروستاغلاندين دور مهم في حدوث العلامات الالتهابية في مختلف أنحاء الجسم وفي وقاية المخاطية المعدية من الأذى؛ إذ إنه يتواسط في إفراز المخاط والبيكاربونات ويزيد الجريان الدموي في المخاطية المعدية المعوية. تثبط م ا غ س أنزيم COX وتخفض بالتالي إنتاج البروستاغلاندين مما يؤدي إلى تراجع العلامات الالتهابية في الجسم من جهة وإلى تراجع تأثيرها الواقي للمخاطية المعدية العفجية من جهة أخرى. وقد بينت الأبحاث أن هناك نمطين من أنزيم COX هما cox-1 الذي يوجد في جميع أنسجة الجسم ومنها المعدة، وcox-2 الذي يؤدي الدور الرئيسي في ظهور العلامات الالتهابية ويوجد بمقادير قليلة في المعدة. استناداً إلى هذه الخواص عمدت الصناعة الدوائية إلى إنشاء م ا غ س نوعية تثبط تثبيطاً رئيسياً أنزيم cox-2 مما يحفظ لهذه الأدوية خواصها المضادة للالتهاب من دون أن يخل بتأثير البروستاغلاندين الواقي للمخاطية المعدية العفجية.
عوامل الخطورة في حدوث القرحات الدوائية (م ا غ س): على الرغم من شيوع استعمال م ا غ س فإنه قلّ أن يبدي مستعملوها أعراض القرحة أو تحدث لديهم مضاعفاتها؛ لذلك كان من المهم معرفة العوامل التي تزيد من خطر الإصابة بالقرحة ومضاعفاتها عند مستعملي هذه الأدوية حتى يمكن اتخاذ التدابير الوقائية لديهم. وأهم عوامل الخطورة هي:
ـــ العمر فقد تبين أن خطر الإصابة بالقرحة الدوائية يزداد مع تقدم العمر.
ـــ مدة الاستعمال: قد تظهر القرحة التنظيرية (اللاعرضية) بعد بضعة أيام من استعمال م ا غ س إلا أن الخطر يزداد مع الاستمرار في العلاج.
ـــ مقدار الجرعة: يزداد خطر الإصابة بالقرحة الدوائية ومضاعفاتها مع ازدياد الجرعة المأخوذة، إلا أن احتمال حدوث الإصابة يبقى قائماً ولو كانت المقادير المأخوذة منخفضة. ويزداد خطر الإصابة أيضاً عند تناول أكثر من دواء واحد مضاد للالتهاب، ومنها الاسبيرين، في آن واحد، أو أخذها بالاشتراك مع أحد الستروئيدات القشرية أو مضادات التخثر.
الأسباب غير الشائعة للقرحة الهضمية
يؤدي الإفراط في إفراز حمض كلوريدريك إلى إخلال التوازن القائم بين التأثير الهاضم للحمض والببسين من جهة وبين دفاعات المخاطية الهضمية من جهة أخرى ويعرض لحدوث القرحة الهضمية. وأهم الحالات المرضية التي يحدث فيها هذا الخلل هي الأورام الغاسترينية (داء زولنجر- أليسون) وداء كثرة الخلايا البدينة mastocytosis وكثرة الخلايا الأسسة basophilia التي تشاهد في بعض أمراض الدم الخبيثة.
العوامل التي تزيد في خطر الإصابة بالقرحة الهضمية
- التدخين: هناك عدد من البينات التي تدعم وجود علاقة بين التدخين والقرحة الهضمية، فقد دلت الدراسات الوبائية أن المدخنين أكثر عرضة للإصابة بالقرحة الهضمية، كما يقر معظم المؤلفين أن التدخين يعوق شفاء القرحة ويسرع نكسها ويزيد من حدوث المضاعفات القرحية.
أما آلية تأثير التدخين في حدوث المرض القرحي وتطوره فقد عزيت إلى التبدلات التي يحدثها في إفراز الحمض والببسين والبيكاربونات من الظهارة المعدية المعوية.
- الكرب stress: تشير كثير من الدراسات إلى أن سورات المرض القرحي كثيراً ما تحدث بعد التعرض لأحداث الحياة المكربة stressful كالخسارة المادية أو مرض أحد أفراد العائلة أو التعطل عن العمل، إلا أنه لا توجد بينات على أن الكروب وحدها كافية لإحداث الإصابة القرحية. وقد سبق القول إن الخمج بالملويات البوابية وتناول م ا غ س هما سببان رئيسيان ولكنهما غير كافيين للإصابة بالقرحة إذ إن أكثر الأشخاص المعرضين لهذه الحالات لا يصابون بالقرحة، ولابد من عوامل أخرى تساعد على إحداث المرض القرحي عند بعضهم وقد يكون الكرب أحد هذه العوامل المساعدة.
ـــ الأمراض المرافقة: لاحظ الأطباء من زمن طويل ارتفاع معدل الإصابة بالقرحة الهضمية عند بعض المرضى ولاسيما المصابين منهم بأمراض الرئة المزمنة أو تشمع الكبد أو القصور الكلوي كما لوحظ ارتفاع معدل الإصابة بالقرحة بعد زرع الكلية.
الأعراض والعلامات
1- الألم: هو العرض الرئيسي للقرحة الهضمية وكثيراً ما يكون العرض الوحيد.
يتوضع الألم في الشرسوف عادة ولكن قد يشعر به أحياناً في المراق اليمنى أو اليسرى، وقد يتمركز في بقعة محددة يشير إليها المريض بإصبعه (الألم الإصبعي). والألم القرحي ألم ثابت كليل يصفه أكثر المرضى «بالفرك» أو «المرت» أو يشبهونه بألم الجوع أو الألم الحارق، وقد ينتشر الألم إلى الظهر ولاسيما في القرحة النافذة إلى المعثكلة. الصفتان الرئيستان اللتان تميزان الألم القرحي النموذجي هما:
ـــ العلاقة الخاصة مع الطعام إذ إن الألم يحدث بعد 1-3 ساعات من الوجبة الطعامية ويزول بتناول الطعام من جديد أو تناول القلويات، وقد يحدث الألم في ساعات الصباح الأولى فيوقظ المريض من النوم إلا أنه لا يوجد صباحاً على الريق.
ـــ الدورية: يأتي الألم القرحي على شكل هجمات تستمر الواحدة منها عدة أسابيع وتزول من نفسها عدة أشهر أو أكثر.
إلا أن الألم القرحي قد يكون في كثير من الحالات غير نموذجي من حيث التوضع أو العلاقة مع الطعام، وقد يفقد الألم تماماً في القرحة الهضمية ويتظاهر المرض القرحي للمرة الأولى بأحد المضاعفات الخطيرة كالنزف أو الانثقاب، ويبدو أن غياب الألم القرحي أكثر شيوعاً عند الشيوخ وعند الذين يتناولون م ا غ س. ويشاهد هذا الافتراق بين القرحة والألم أيضاً عند المرضى العرضيين فقد تبين لدى تنظير المصابين بالقرحة بعد زوال الألم بالعلاج أن القرحة ما تزال موجودة عند 15-44% منهم، وبالمقابل استمر الألم عند المرضى بعد شفاء القرحة المثبت تنظيرياً في 4-39% من الحالات، وهكذا فإن زوال الألم لا يعني دوماً شفاء القرحة، كما أن استمراره لا يعني بقاء الفوهة القرحية.
2- اللذع أو حرقة الفؤاد pyrosis: عرض شائع يصادف في كثير من الحالات وقد يترافق بقلس العصارة المعدية الحامضة ويشير عادةً إلى إصابة مرافقة بالجزر المعدي المريئي.
3- الغثيان والقياء: عرضان قليلا الحدوث في القرحة غير المتضاعفة، ولكنهما قد يكونان عرضين بارزين في قرحة البواب بسبب تأثيرها في عمل المضخة الغارية البوابية.
4- يندر أن يشكو المرضى من القهم ونقص الوزن وهما أكثر حدوثاً في قرحات المعدة.
أما الفحص الفيزيائي فكثيراً ما يكشف إيلاماً موضعاً في الشرسوف أو إلى أيمن الخط المتوسط إلا أنه قد يكون سلبياً تماماً.
التشخيص
إن الألم الشرسوفي الذي يزول بتناول الطعام أو القلويات ويتردد تردداً دورياً هو المعيار الرئيسي لتشخيص القرحة الهضمية، ويتأكد التشخيص بكشف الفوهة القرحية بالتنظير الداخلي أو بالتصوير الشعاعي للمعدة والعفج.
تراجعت أهمية التصوير الشعاعي في التشخيص بعد قدوم التنظير الداخلي بسبب كونه أكثر حساسية إضافة إلى كونه يظهر الآفات السطحية في مخاطية المعدة كالالتهابات والسحجات والنزوف النمشية التي قد تكون السبب في الأعراض التي يشكو منها المريض ولا يكشفها التصوير الشعاعي عادة. ومن ميزات التنظير الداخلي أنه يسمح بأخذ خزعات من الآفات المشتبهة وفحصها نسجياً للتأكد من التشخيص.
يعتمد تشخيص القرحة العفجية شعاعياً على رؤية الفوهة القرحية التي تتوضع غالباً في البصلة وتبدو على شكل تجمع كثيف من الباريوم مدور الشكل أو بيضوي تحيط به هالة أقل كثافة ناجمة عن الوذمة المحيطة بالقرحة، وكثيراً ما يرافق الفوهةَ القرحيةَ تشوهٌ في البصلة ناجم عن التشنج أو الوذمة أو التليف الذي يكون أكثر شدة كلما كانت القرحة أكثر قدماً.
أما قرحة المعدة الحميدة فيمكن أن تتوضع في أي مكان من هذا العضو، إلا أنها أكثر مصادفة على الانحناء الصغير قريباً من الثلمة incisura. يجب تفريق قرحات المعدة الحميدة عن تلك الناجمة عن آفة خبيثة فيها. تشير بعض العلامات الشعاعية إلى سلامة القرحة المعدية وتساعد على تمييزها من القرحة الخبيثة، إلا أن هذه العلامات على أهميتها لايمكن أن تؤكد تأكيداً جازماً سلامة القرحة ويصبح التنظير الداخلي وأخذ الخزعات للفحص النسيجي أمراً واجباً في كل مرة يكشف فيها الفحص الشعاعي وجود قرحة في المعدة.
يعد التنظير الداخلي بالمنظار الليفي طريقة حساسة وآمنة لتشخيص القرحات الهضمية مما دعا لانتشارها على نطاق واسع، ويعتقد أن باستطاعة الطبيب المتمرس بهذه التقنية كشف 95% من الآفات الهضمية التي يكشفها التداخل الجراحي. تظهر القرحة في أثناء التنظير على شكل تلف في جدار المعدة أو العفج دائري الشكل أو بيضوي منتظم الحواف ذي قاعدة ملساء تسترها غالباً نتحة التهابية. يجب تمييز قرحات المعدة الحميدة من القرحات الخبيثة (الورمية)، ومما يوحي بخباثة القرحة وقوعها فوق كتلة متبارزة في لمعة المعدة وعدم انتظام محيطها ونتوء حوافها، إلا أن كل هذه العلامات الدالة على الخبث قد تكون مفقودة؛ لذلك يجب دوماً أخذ خزعات لا يقل عددها عن ستة من حواف القرحة وخزعة من قاعدتها وفحصها نسجياً للتأكد من طبيعتها. يكشف الفحص النسيجي الخباثة في أكثر من 95% من الحالات، وإذا أضيف إليه الفحص الخلوي للكشاطة المأخوذة من الآفة بوساطة الفرشاة تجاوزت النسبة 98%.
التشخيص التفريقي
تلتبس القرحة الهضمية بالعديد من الآفات التي تتظاهر بآلام بطنية علوية ومن أهم هذه الآفات:
1- عسر الهضم قرحي الشكل dyspepsia ulcer-like: يشكو كثير من المرضى من أعراض قرحية نموذجية في الوقت الذي لا يكشف فيه التنظير الداخلي وجود قرحة لديهم، وقد يكشف التنظير عند قسم من هؤلاء المرضى وجود التهاب في العفج يبدو على شكل نزوف نمشية أو سحجات فيه ويترافق في معظم الحالات بالتهاب الغار المعدي. تشير بعض الدراسات إلى أن نصف المصابين بالتهاب العفج سيصابون بالقرحة الهضمية في وقت لاحق.
2- عسر الهضم دوائي المنشأ: وأكثر الأدوية التي تسبب عسر الهضم في م ا غ س، ومنها (الديجيتال والأمينوفيلين). تتحسن الأعراض عادة بعد إنقاص الجرعة الدوائية أو إيقاف الدواء.
3- سرطانة المعدة: قد يأخذ الألم في سرطانة المعدة صفات الألم القرحي ولاسيما إذا تقرحت الكتلة الورمية، أي إنه يزول بتناول الطعام أو القلويات ويعاود بعد فراغ المعدة. يجب اللجوء إلى الفحص الشعاعي والتنظيري لتمييز هذه الحالات من القرحة الحميدة.
4- عسر الهضم حركي المنشأ [ر. عسر الهضم].
5- قد تلتبس الآلام قرحية المنشأ في بعض الحالات بالآلام المعثكلية أو آلام المرارة.
1- القرحة بعد البصلة post-bulbar ulcer: تتوضع قرحة العفج في السنتمرات الثلاثة الأولى بعد البواب أي في البصلة، وما توضع منها بعد هذه المسافة دعي القرحة بعد البصلة. توحي القرحات بعد البصلة بإصابة المريض بالورم (الغاستريني) gastrinoma. تتصف القرحات بعد البصلة بعنادها على المعالجة وكثرة تعرضها للمضاعفات كالنزف والانسداد.
2- القرحة العرطلة: يراوح قطر القرحة الهضمية في معظم الحالات بين 1-2سم فإذا تجاوز قطرها هذا الحد عدت قرحة عرطلة، تتوضع قرحة العفج العرطلة على الوجه الخلفي للبصلة عادة، وكثيراً ما تتضاعف بالنزف والنفاذ penetration.
3- القرحة متعددة البؤر: وهو ما يرى في 2-20% من الحالات ويشير ذلك إلى شدة الأهبة القرحية عند المصاب.
التطور الطبيعي للقرحة: تشفى القرحة الهضمية الحميدة في أكثر الحالات عفوياً بعد عدة أسابيع من بدء الأعراض، ويحدث الأمر نفسه بعد استعمال الدواء الغفل placebo إلا أن القرحة تنكس بعد 6-12 شهراً من شفائها في 50-80% من الحالات.
المعالجة
تهدف المعالجة الطبية إلى:
1- إعادة التوازن بين العوامل المؤذية للمخاطية وبين وسائل الدفاع عن طريق:
ـــ تقليل إفراز حمض كلوريدريك أو تعديل الحمض المفرز.
ـــ تعزيز وسائل دفاع المخاطية.
2- إزالة الأسباب التي أدت إلى إخلال هذا التوازن وأهمها:
ـــ الخمج بالملويات البوابية.
ـــ استعمال م ا غ س.
1- إعادة التوازن الفيزيولوجي:
أ- تقليل إفراز حمض كلوريدريك أو تعديله، ويتم ذلك بـ:
- إعطاء مضادات الحموضة anti-acid: يؤدي إعطاء جرعات من مضادات الحمض بمقادير قليلة تعادل قدرتها الدارئة 120مل مول أو أكثر إلى شفاء القرحة بنسبة تقارب تأثير ضادات المستقبلات H2، واتضح أن قدرتها الشافية لا تتماشى مع قدرتها على تعديل الحموضة؛ مما يدل على وجود آليات أخرى غير معروفة تتداخل في عملية الشفاء. وقد تراجع استعمال مضادات الحموضة بعد توافر أدوية أخرى أكثر فاعلية منها، إلا أنها ما تزال تستعمل لمعالجة أعراض عسر الهضم خاصة.
- مثبطات إفراز الحمض، وتتضمن هذه الفئة:
ـــ ضادات مستقبلات (الهيستامين :(H2 تعمل هذه الأدوية عن طريق إحصار مستقبلات الهيستامين H2 في الخلايا الجدارية مما يمنع فعل الهيستامين المحرض لإفراز الحمض. كان (السيمتدين) أول هذه الأدوية تلاه بعد ذلك (الرانيتيدين والفاموتيدين ثم النيزاتيدين) nizatidine. تتحسن الأعراض القرحية باستعمال هذه الأدوية خلال بضعة أيام وتزول تماماً بعد أسبوعين أو أكثر وقبل أن تندمل القرحة تماماً. ينصح بالاستمرار في معالجة القرحة العفجية مدة 4-6 أسابيع، أما في قرحة المعدة فيفضل الاستمرار في العلاج مدة 12 أسبوعاً لأن شفاءها أبطأ مما هو في قرحة العفج، وفي كل حال يجب التأكد من شفاء القرحة المعدية بالتنظير الداخلي لنفي الخباثة.
تعد ضادات مستقبلات الهيستامين H2 أدوية آمنة جداً وجيدة التحمل، وقد درست التأثيرات الجانبية للسيمتدين خاصة وتبين أنها قليلة جداً وأهمها التثدي والعنانة التي تحدث خصوصاً بعد الاستعمال المديد والجرعات العالية كما هي الحال في متلازمة «زولنجر- اليسون» وتندر جداً عند من يتناولون الجرعات العادية.
ـــ مثبطات مضخة البروتون (PPI) proton pump inhibitors: تعمل هذه الفئة من الأدوية عن طريق تثبيط عمل أنزيم H.K.ATpase الكائن في غشاء الخلايا الجدارية للمعدة والذي يقوم بعملية المبادلة بين شوارد البوتاسيوم في لمعة المعدة والهدروجين في الخلايا الجدارية وهي المرحلة الأخيرة من مراحل إفراز الحمض. يتميز هذا التثبيط بأنه غير عكوس مما يعلل التأثير المديد لهذه الأدوية الذي يتجاوز 24 ساعة، ويعود ذلك إلى أن الخلية الجدارية لاتستطيع العودة لإفراز الحمض من جديد إلا بعد إنشاء كمية جديدة من الأنزيم.
يتوافر حالياً خمسة أنواع من هذه الأدوية هي (الأوميبرازول) وهو أقدمها و(ايزومبرازول) rabeprazole, pantoprazole, lansoprazole, esomeprazole.
تصل فاعلية هذه الأدوية حدها الأقصى إذا كانت الخلية الجدارية بحالة تفعيل بوساطة الطعام لذلك يفضل إعطاؤها بجرعة يومية وحيدة قبل طعام الإفطار مباشرة. ليس لهذه الفئة من الأدوية تأثيرات سامة مباشرة لذلك يمكن استعمالها بحرية عند المصابين بقصور كلوي أو كبدي كما أن تأثيراتها الجانبية نادرة.
بينت الدراسات المقارنة أن نتائج معالجة القرحة الهضمية بمثبطات مضخة البروتون أفضل مما هي باستعمال ضادات المستقبلات H2 إذ بلغ معدل شفاء القرحة العفجية 100% باستعمال جرعة من الأوميبرازول مقدارها 40ملغ يومياً، كما تبين أيضاً أن مثبطات مضخة البروتون تفوق ضادات المستقبلات H2 في معالجة القرحات الهضمية والوقاية منها عند المرضى الذين يستمرون في تناول م ا غ س.
ب- تعزيز وسائل دفاع المخاطية:
- واقيات الجدار mucosa-protective agents
- (السوكرالفات) sucralfate: وهو مؤلف من عديد السكاكر مع هدروكسيد الألمنيوم. لا يؤثر هذا الدواء في إفراز الحمض والببسين ولا يعدل الحموضة المعدية، وإنما يعزى تأثيره الشافي للقرحة إلى كونه يلتصق بقاع القرحة ويمنع الحمض والببسين من الوصول إليها، إضافة إلى ذلك يحرض السوكرالفات إنتاج (البروستاغلاندين) كما يحرض تكون الأوعية angiogenesis ويرتبط بالحموض الصفراوية مما يمنع تأثيرها المؤذي للمخاطية. يعطى هذا الدواء بمقدار 1غرام قبل ساعة من الوجبات الطعامية الثلاث وقبل النوم. وهو دواء مأمون لا تعرف له تأثيرات جانبية. تشفى القرحة العفجية بعد 4-6 أسابيع من استعماله بنسبة تعادل ما يشاهد بعد استعمال ضادات مستقبلات الهيستامين H2.
- البزموت: يوجد في الوقت الحاضر نوعان من مستحضرات البزموت التي تستعمل في معالجة القرحة هما تحت سيترات البزموت الغروي (CBS) colloidal bismuth vsubcitrate وتحت ساليسيلات البزموت (B.S.S) bismuth subsalicylate. يرتبط البزموت بالمخاط المعدي ويشكل معه معقداً يغطي قاع القرحة مما يقيها من فعل الحمض والببسين، كما أن له تأثيراً مضاداً للملويات البوابية. يمتص البزموت بمقادير زهيدة جداً من الأنبوب الهضمي لذلك يندر جداً ظهور أعراض سمية بعد استعماله بالمقادير المعتادة.
- مضاهئات البروستاغلاندين E: يسهم البروستاغلاندين داخلي المنشأ في تنظيم تروية الغشاء المخاطي ويحرض إفراز المخاط والبيكاربونات وتكاثر الخلايا الظهارية ويزيد بذلك مقاومة المخاطية الهضمية، ويضاف إلى ذلك تأثيره المثبط لإفراز الحمض. وقد تبين أن تأثير م ا غ س المقّرح يتناسب مع قدرتها على تثبيط إنشاء البروستاغلاندين، لذلك استعملت مضاهئات البروستاغلاندين ولاسيما الميزوبروستول misoprostol وهو مضاهئ للبروستاغلاندين E1 في الوقاية من التأثير المقرح لهذه الأدوية. يعطى هذا الدواء بمقدار 400-800ملغ يومياً إلا أن التأثيرات الجانبية المتعددة له وأهمها الألم البطني والإسهال (30% من الحالات) تحد من استعماله وقد تدعو إلى إيقافه في 5% من الحالات.
2- معالجة الأسباب:
أ- معالجة الخمج بالملويات البوابية: تطورت خطة معالجة القرحة الهضمية بعد اكتشاف الملويات البوابية ومعرفة دورها في حدوث هذا الداء، فقد تبين أن القضاء على الملويات يشفي القرحة ويقي أيضاً من حدوث النكس.
يعد الخمج بالملويات السبب في حدوث القرحة العفجية في 90% من الحالات، ويتأكد وجود الخمج بالكشف عن أنزيم اليورياز في الخزعات المعدية المأخوذة في أثناء التنظير أو بإحدى الوسائل غير الباضعة التي ذكرت آنفاً. وقد تبين أن القضاء على الملويات البوابية يؤدي إلى شفاء القرحة من دون الحاجة إلى إشراكه بأدوية مثبطة للإفراز.
أما في القرحات المعدية فإن الخمج بالملويات يشاهد في 70% من الحالات، وتبين أن القضاء على هذا الخمج يؤدي أيضاً إلى شفاء القرحة ولا يختلف معدل الشفاء عما هو عليه عند استعمال الأدوية المثبطة للإفراز، ومع ذلك يفضل معظم الأطباء إضافة الأدوية المثبطة ولاسيما في القرحات الكبيرة (التي يبلغ قطرها 1.5سم أو أكثر) وفي القرحات المتضاعفة. وفي كل الحالات يجب مراقبة المريض تنظيرياً بعد انتهاء المعالجة للتأكد من شفاء القرحة ولاسيما عندما لاتزول الأعراض تماماً أو عندما يكون هناك شك بخبث القرحة. يقي القضاء على الملويات البوابية من حدوث النكس في القرحة العفجية والمعدية ولا يتطلب الأمر عندئذٍ إعطاء علاج مثبط للإفراز باستمرار للوقاية من النكس خلافاً لما كان شائعاً من قبل.
يتطلب القضاء على الملويات البوابية استعمال أكثر من صادة واحدة، كما تبين أن إضافة أحد مثبطات الإفراز ولاسيما مثبطات مضخة البروتون تزيد من فعالية الصادات المستعملة. يتفق معظم الأطباء في الوقت الحاضر على استعمال أحد الأنظمة التالية للعلاج:
- نظام المعالجة الثلاثية الذي يجمع بين:
- مثبط مضخة البروتون (PPI) مرتين يومياً.
- أموكسي سيللين 1000 ملغ مرتين يومياً amoxicillin.
- كلاريذرومايسين 500 ملغ مرتين يومياً clarithromycin.
أو ميترونيدازول 500 ملغ مرتين يومياً metronidazole.
- نظام المعالجة الرباعية ويتضمن:
- مثبط مضخة البروتون مرتين يومياً.
- البزموت مضغوطتان أربع مرات يومياً.
- مترونيدازول 500 ملغ 3 مرات يومياً.
- تتراسيكلين 500 ملغ 3 مرات يومياً.
ومن الواضح أن نظام المعالجة الثلاثية أسهل تطبيقاً من قبل المريض، كما أن التأثيرات الجانبية للعلاج كانت ضئيلة ونتائج المعالجة جيدة عموماً مما دعا إلى شيوع استعماله.
تعطى المعالجة مدة 14 يوماً، إلا أن هناك دراسات كثيرة تبين أن العلاج مدة سبعة أيام يكفي للقضاء على الخمج. تختلف نسبة الاستجابة للعلاج من دراسة لأخرى، وتبلغ وسطياً حوالي 80% من الحالات.
ب- معالجة القرحة الناجمة عن استعمال م ا غ س: الخطوة الأولى والأهم في معالجة القرحة المرافقة لاستعمال م ا غ س هي وقف هذا الصنف من العلاج، يضاف إلى ذلك إعطاء أحد مثبطات الإفراز من أي نوع كان، أما إذا لم يكن بالمستطاع إيقاف م ا غ س فإن المعالجة بمثبطات مضخة البروتون هي المفضلة وتؤدي بعد 8 أسابيع من العلاج إلى شفاء القرحة في 80%، مع الإشارة إلى أن استجابة القرحة المعدية للعلاج تكون أبطأ من استجابة القرحة العفجية.
إذا تطلبت حالة المريض استعمال م ا غ س مدة طويلة وجب إعطاء المريض معالجة واقية من حدوث التقرحات الهضمية، وقد تبين أن إعطاء مثبطات مضخة البروتون (PPI) أكثر فائدة من ضادات المستقبلات H2 في الوقاية من قرحات المعدة والعفج وتعادل فائدة (الميزوبروستول) misoprostol في هذا المجال، إلا أن سهولة استعمال مثبطات المضخة وقلة تأثيراتها الجانبية وأمانها كانت السبب في شيوع استعمالها للوقاية من التقرحات الهضمية عند من يتناولون م ا غ س.
كثيراً ما يجتمع عند المريض الواحد الخمج بالملويات البوابية واستعمال م ا غ س. تشير بعض الدراسات إلى أن القضاء على الخمج بالملويات البوابية عند المرضى المقبلين على استعمال م ا غ س ينقص خطر الإصابة بالقرحة لديهم؛ لذلك ينصح بإجراء الاختبارات الضرورية لتشخيص هذا الخمج ومن ثم معالجته عند هذه الفئة من المرضى.
القرحة المعندة refractory ulcer
يعد كثير من المؤلفين القرحة الهضمية معندة على العلاج إذا لم تندمل الفوهة القرحية بعد ثمانية أسابيع من المعالجة بأحد مثبطات الإفراز. إن استمرار الأعراض القرحية ولاسيما الألم لا يعني عدم استجابة القرحة للعلاج؛ إذ كثيراً ما يستمر الألم على الرغم من اندمال القرحة كما أن غياب الأعراض لا يعني اندمال القرحة؛ لذلك لايمكن القول إن القرحة معندة على العلاج إلا بعد إجراء التنظير الداخلي والتأكد من استمرار وجود الفوهة القرحية.
يعود السبب في عناد القرحة إلى أسباب متعددة أهمها:
1- عدم التزام المريض بتناول العلاج حسب تعليمات الطبيب أو عدم الاستمرار في العلاج مدة كافية.
2- استمرار المريض في تناول م ا غ س ولاسيما الاسبرين علناً أو خفاءً.
3- إصرار المريض على التدخين بكميات كبيرة على الرغم من تحذيره من ذلك.
4- عدم معالجة الخمج بالملويات البوابية المرافق للقرحة أو عدم استجابته للعلاج إذا سبق أن أعطي.
5- الإصابة بحالة مرضية تسبب زيادة إفراز الحمض وأهمها متلازمة (زولنجر- أليسون).
6- قد تكون القرحة غير هضمية في الواقع وإنما سببها آفة خبيثة في المعدة أو داء التهابي معوي (داء كرون) الذي قد يتوضع في المعدة أو العفج.
تستجيب القرحة المعندة للعلاج إذا أزيل السبب أو الأسباب آنفة الذكر، وفي الحالات الأخرى كثيراً ما يؤدي تمديد فترة العلاج أو زيادة الجرعة اليومية منه أو تغيير الدواء المستعمل أو تعديل مواعيد أخذ الجرعات إلى شفاء القرحة المعندة.
المتلازمة السحجية التالية للكرب stress-related erosive syndrome وتدعى أيضاً التهاب المعدة الكربي stress gastritis أو قرحات الكرب stress ulcer:
عرف منذ زمن طويل أن الكروب الفيزيولوجية physiologic stress تترافق بآفات حادة متفاوتة الشدة في المخاطية المعدية العفجية تتجلى على شكل سحجات سطحية أو نزوف تحت المخاطية أو أنها تأخذ أحياناً هيئة قرحات عميقة قد تتضاعف بالانثقاب أو النزف الغزير. نذكر من هذه الكروب الفيزيولوجية الحروق الواسعة (قرحة كورلينغ Curling’s ulcer) ورضوض الرأس الشديدة والمداخلات الجراحية على الجملة العصبية المركزية (قرحة كوشينغ Cushing’s ulcer) ومنها الإنتانات الدموية والرضوض الشديدة الواسعة، وقد بيّن التنظير الداخلي أن الأذيات الحادثة في المخاطية الهضمية تبدأ بالظهور بعد عدة ساعات من التعرض للكرب وأنها تصيب نسبة كبيرة من المرضى في أقسام العناية المشددة المصابين بحالات مرضية خطيرة، أما القرحات خاصة فإنها تتأخر في الظهور عدة أيام. يؤدي الكرب الفيزيولوجي الشديد إلى خلل في دفاع المخاطية الهضمية الذي يعزى بشكل رئيسي إلى نقص التروية الدموية والإقفار الملازم لذلك.
تتميز المتلازمة السحجية الكربية بكونها لاعرضية في معظم الحالات، والمظهر الوحيد لها هو النزف الهضمي العلوي الذي يصدر عادة عن الأذيات السطحية المنتشرة في المخاطية وقد يتجلى على شكل قياء دموي أو تغوط دموي، أما النزف الجسيم فمصدره غالباً القرحات الكربية، وهي قرحات عميقة (أكثر من 2ملم) تتجاوز حدود المخاطية وواسعة. وقد تكون متعددة. يتميز النزف في قرحات الكرب إضافة إلى غزارته بعدم ميله إلى التوقف العفوي خلافاً لما هي الحال في النزف من القرحة الهضمية المزمنة مما يجعل إنذار النزف من قرحات الكرب سيئاً عموماً إذ يبلغ معدل الوفيات 30% ويعود ذلك بالدرجة الأولى إلى خطورة الحالة المرضية المستبطنة إضافة إلى النزف الغزير.
يعالج النزف الهضمي في هذه المتلازمة بتسريب مثبطات مضخة البروتون وريدياً ومن ثم إجراء تنظير هضمي علوي لتحديد مصدره وبيان إن كان قرحة حادة صريحة أو سحجات منتشرة ومحاولة إيقاف النزف بالمعالجة التنظيرية إن أمكن.
نظراً لخطورة المضاعفات التالية للإصابة بالمتلازمة السحجية الكربية ولاسيما النزف والانثقاب وقلة فعالية المعالجة فقد تركز الاهتمام على الوقاية من حدوث هذه المتلازمة ومضاعفاتها، ولتحقيق ذلك شاع استخدام ضادات المستقبلات H2 ومثبطات مضخة البروتون تسريباً في الوريد أو إعطاء السوكرالفات عن طريق الأنبوب المعدي، إلا أنه لايوجد اتفاق على فائدة هذه الوسائل الوقائية إذ إن الدراسات التي أجريت حول هذا الموضوع أعطت نتائج متضاربة.
1- النزف: يتعرض 15-20% من المصابين بالقرحة الهضمية لحدوث النزف الهضمي في إحدى مراحل تطور الآفة، وتعد القرحة السبب في حوالي نصف حوادث النزف الهضمي العلوي الهام. يكثر حدوث النزف القرحي عند المرضى الذين بلغوا العقد السادس من العمر، ويبدو أن استعمال م ا غ س أو الاسبرين هو السبب في تحريض النزف عند نسبة كبيرة من هؤلاء المرضى ويكشف الاستجواب وجود أعراض قرحية في سوابق المريض عند حوالي 80% من المرضى كما أنه قد يكشف وجود نزف سابق.
الصورة (3) سمات النزف
القرحي كما يكشفها التنظير الداخلي أ - وعاء كبير متبارز في منتصف الفوهة القرحة، ب - خثرة ملتصقة تغطي القسم الأكبر من الفوهة القرحية جـ - فوهة قرحة عميقة مع وجود بقعة صغيرة سوداء في أحد جوانبها (السهم)، د - قرحة ذات قاعدة نظيفة |
يتجلى النزف القرحي بالقياء الدموي أو التغوط الدموي الأسود أو بكليهما، إلا أن الوهط الدوراني والغشي قد يكون المظهر الأول للنزف القرحي الجسيم، وعلى الرغم من أن وجود قصة قرحية في سوابق المريض يوحي إلى حد كبير بسبب النزف فإنه لايمكن تأكيد السبب القرحي للنزف إلا بالتنظير الداخلي.
يتوقف النزف القرحي عفوياً في 90% من الحالات من دون حاجة إلى أي تدخل خارجي لوقف النزف، إلا أن النزف لا يتوقف عند بعض المرضى أو أنه يعاود من جديد مما يعرض هؤلاء المرضى للوفاة بسبب الاستنزاف. هناك عدد من المظاهر السريرية والتنظيرية التي تميز هذه الفئة من المرضى ذوي الإنذار السيئ، منها القياء الدموي الأحمر والتغوط الدموي الأحمر وعدم الاستقرار الدينمي الذي يستدعي نقل أربع وحدات من الدم أو من موسعات حجم البلازما خلال أربع وعشرين ساعة، كما أن تقدم سن المريض الذي يتجاوز 65 سنة يعد من العلامات ذات الإنذار السيئ. وقد تبين أن معظم الوفيات التالية للنزف القرحي لا تنجم عن الاستنزاف فقط وإنما يعود سببها أيضاً إلى الأمراض المزمنة الأخرى المرافقة.
قد يكشف التنظير استمرار النزف القرحي الذي يأخذ شكل نزّ مستمر من فوهة القرحة أو تدفق الدم الصريح منها، كما أنه يكشف بعض العلامات التي توحي بإمكان تكرار النزف وهي وجود وعاء غير نازف في فوهة القرحة يتجلى على هيئة خثرة صغيرة متبارزة، أو وجود خثرة ملتصقة بفوهة القرحة (الصورة 3).
تحدث الوفاة من النزف القرحي بعد انقضاء بضعة أيام على بدئه وهي أكثر مصادفة في قرحة المعدة، كما أن تكرر النزف أكثر حدوثاً في قرحات المعدة أيضاً.
- المعالجة: يجب أن يقبل المريض المصاب بنزف قرحي جسيم في وحدة العناية المشددة ويوضع تحت إشراف فريق يضم مختصاً بالأمراض الهضمية وآخر بالجراحة. تهدف المعالجة في المرحلة الأولى إلى تعويض حجم الدم وكتلة الكريات الحمر وتأمين الاستقرار الدينمي الدموي، ويتم ذلك بتسريب المصل الفيزيولوجي أو محلول «رينغر» أو موسعات حجم البلازما ومن ثم نقل الدم الكامل فور توافره حتى يصل الهماتوكريت إلى حوالي ثلاثين بالمئة.
من المعروف أن عمل الببسين الهاضم يتوقف إذا تجاوز باهاء المعدة 4 مما يمنع انهضام العلقة الدموية التي تسد الوعاء المفتوح كما أنه يحسن عمل الصفيحات الدموية. استناداً إلى هذه الحقيقة شاع استعمال مثبطات إفراز الحمض في معالجة النزف القرحي، وقد ثبت أن إعطاء هذه الأدوية تسريباً في الوريد يمنع عودة النزف بعد توقفه العفوي، كما أنه يقلل حاجة المرضى إلى نقل الدم ويقصّر مدة الإقامة في المشفى. أما المرضى الذين يبين التنظير لديهم استمرار النزف أو وجود وعاء دموي في قاع القرحة أو وجود خثرة ملتصقة بفوهة القرحة فمن الواجب إعطاؤهم مثبطات الإفراز ومن ثم العمل على إرقاء النزف لديهم بإحدى الطرق التنظيرية.
- المعالجة التنظيرية المرقئة: تتوافر في الوقت الحاضر عدة طرق تنظيرية لإرقاء الدم النازف من فوهة القرحة، وهناك اتفاق على أن هذه الطرق المختلفة يجب أن تطبق فقط عند المرضى المعرضين للاستنزاف بسبب استمرار النزف أو احتمال تكرره.
وقد بيّن العديد من الدراسات أن المعالجة التنظيرية تنقص تكرر النزف والحاجة إلى المعالجة الجراحية كما تنقص أيضاً الوفيات الناجمة عن النزف.
أ- طريقة الحقن الموضعي: تعتمد هذه الطريقة على حقن أحد المحاليل المقبضة للأوعية في قاعدة القرحة مثل محلول الابينفرين بنسبة واحد إلى عشرة آلاف الذي يعطي نتائج جيدة، كما يقترح آخرون حقن إحدى المواد المصلبة التي تؤدي إلى تخثر الدم في الوعاء النازف ومنه توقف النزف ومنع تكرره، ومن هذه المواد المصلبة الكحول الصرف والمصل الغريزي مفرط التوتر ومحلول (البولي دوكانول) polidocanol.
ب- تطبيق الحرارة الموضعية: ويتم ذلك بوساطة:
- التخثير الكهربائي ثنائي القطب (BPEC): يؤدي تطبيق هذه الطريقة إلى تخثر الدم في الأوعية التي لايتجاوز قطرها 2ملم بفعل الحرارة التي يطلقها التيار الكهربائي، تتميز هذه الطريقة بقلة الأذى الذي تحدثه في النسج وتماثل نتائجها طريقة الحقن الموضعي.
- التخثير بوساطة غاز (الارغون- بلازما) argon-plasma coagulation: وهي طريقة آمنة وفعالة وسهلة التطبيق.
- المسبار الحراري heater probe: يؤدي تطبيق الحرارة على البؤرة النازفة إلى تخثر الدم ضمن الوعاء وتوقف النزف، وتماثل نتائجها تلك التي ترى في الطرق السابقة.
ج- الطرق الميكانيكية: استعملت في السنوات الأخيرة المشابك المعدنية clip لسد الأوعية الدموية المفتوحة عن طريق التنظير. لا تتفوق هذه الطريقة على الطرق السابقة في إيقاف النزف كما أن الإخفاق في تطبيق المشابك كثير الحدوث.
د- الطرق المشتركة: يقترح بعضهم استعمال أكثر من طريقة واحدة من الطرق الآنفة الذكر في آن واحد لإرقاء النزف، وأكثر المشاركات شيوعاً هي حقن (الابينفرين) يتلوه تطبيق المسبار الحراري وكانت نتائج هذه المعالجة المشتركة أفضل من المعالجات الوحيدة.
وتبقى الجراحة الملاذ الوحيد في الحالات التي لا يعنو فيها النزف للمعالجات التنظيرية وهي غير قليلة، أو إذا عاود النزف من جديد بعد توقفه أول الأمر. لاتوجد قواعد متفق عليها من الجميع لتحديد موعد التداخل الجراحي، إلا أن أكثر الجراحين يفضلون التداخل الجراحي الباكر إذا تبين أن المريض يحتاج إلى إعطاء أربع وحدات أو أكثر من الدم أومن موسعات البلازما خلال 24 ساعة للمحافظة على الاستقرار الدينمي الدموي لديه، ويجب أن يؤخذ في الحسبان عند انتقاء الطريقة الجراحية حالة المريض العامة ومدى تحمله للعمل الجراحي.
2- الانثقاب perforation: عندما تصل القرحة إلى الطبقة المصلية وتتلفها فإنها تنفتح على جوف الصفاق وهو ما يحدث في نحو 6% من قرحات العفج. قد يكون الانثقاب العرض الأول للقرحة في نحو ربع الحالات، وقد تنزف القرحة المنثقبة مما يزيد من خطورة الحالة.
يتظاهر الانثقاب في الحالات النموذجية بألم فائق الشدة في الشرسوف أو في الربع العلوي الأيمن من البطن يصفه بعضهم بطعنة الخنجر ويستلقي المريض من دون حراك. يكشف الفحص السريري أن جدار البطن ثابت لا يتحرك ويكون مؤلماً جداً بالجس ومتفقعاً وقد يأخذ قواماً خشبياً، وكثيراً ما تزول أصمية الكبد بالقرع بسبب تسرب الهواء إلى جوف الصفاق. قد تبدو على المريض علامات التحسن بعد بضع ساعات إلا أن العلامات البطنية لا تتراجع. إذا لم يسعف المريض اشتد التهاب الصفاق وتمدد البطن الممتلئ بالهواء وارتفعت الحرارة وظهرت أعراض الصدمة. توحي الأعراض والعلامات السريرية في معظم الحالات بتشخيص الانثقاب ويتأكد التشخيص بكشف الهواء الحر في جوف الصفاق لدى تصوير البطن الشعاعي بوضعية الوقوف.
يصعب التشخيص في الحالات اللانموذجية كما هي الحال عند الشيوخ والمدنفين والسكارى والمعالجين بالستروئيدات القشرية بسبب غياب الألم الشديد المفاجئ في هذه الحالات، ويلتبس التشخيص بآفات البطن الحادة الأخرى كالتهاب المرارة الحاد والتهاب المعثكلة الحاد كما يلتبس بالتهاب الزائدة إذا تسربت محتويات المعدة إلى القسم السفلي الأيمن من البطن.
المعالجة المدرسية للانثقاب هي التداخل الجراحي العاجل ورتق القرحة المنثقبة. يجب إنعاش المريض قبل العمل الجراحي والعمل على تصحيح الخلل في السوائل والشوارد ووضع أنبوب أنفي معدي لمص السوائل المستمر وإعطاء الصادات واسعة الطيف. أما العملية الأكثر استعمالاً في الوقت الحاضر فهي رتق الانثقاب باستخدام رقعة من الثرب يتلوها معالجة دوائية تتضمن مثبطات مضخة البروتون (PPI) مع الصادات للقضاء على الملويات البوابية. يفضل كثير من الجراحين في الوقت الحاضر إجراء عملية الرتق عن طريق التنظير إذ إن العملية تتطلب وقتاً أقصر في هذه الحالة وتختصر مدة الاستشفاء.
يدعو بعض الأطباء إلى معالجة الانثقاب بالطريقة المحافظة التي تعتمد على الأسس الثلاثة التالية:
- مص المفرزات المعدية المستمر.
- تقويم الخلل في السوائل والشوارد.
- إعطاء الصادات واسعة الطيف.
ومع ذلك يفضل أكثر الأطباء المداخلة الجراحية الباكرة لمعالجة الانثقاب ولاسيما عند المتقدمين في السن إذ إن النتائج أفضل في هذه الحالات.
3- انسداد مخرج المعدة outlet obstruction gastric (أو انسداد البواب): الانسداد مضاعفة أقل حدوثاً من النزف والانثقاب إذ تشير الإحصاءات القديمة إلى أنها تصيب 2% من المقروحين. تنجم الغالبية العظمى من الحالات عن الإصابة بقرحة البصلة والبواب والناحية قبيل البواب prepyloric، وذلك بسبب الوذمة والتشنج العضلي الذي يرافق القرحة الفعالة أو بسبب التندب الذي يتلو شفاء القرحة. وهناك أسباب عضوية أخرى لانسداد مخرج المعدة أهمها الأورام الخبيثة. القياء هو العرض الرئيسي للانسداد ويحدث بعد الطعام وقد يحتوي القيء على بقايا طعامية تعود إلى وجبة تناولها المريض قبل 12 ساعة أو أكثر ويعد ذلك دليلاً قوياً على وجود الانسداد. الألم الشرسوفي عرض شائع أيضاً يصفه المريض على أنه ثقل أو امتلاء في الشرسوف يخف بعد حدوث القياء. ومن الأعراض الأخرى أيضاً الغثيان والقهم والشبع المبكر ونقص الوزن. يكشف الفحص السريري وجود علامات التجفاف وتمدد الناحية الشرسوفية من البطن وقد ترى الحركات الحوية وهي تتجه من الأعلى إلى الأسفل في تلك الناحية، كما تسمع الخضخضة في ثلث الحالات ويفتش عنها بعد انقضاء أربع ساعات على تناول الطعام أو الشراب. تكشف الفحوص المخبرية وجود فقر الدم ونقص الألبومين الدموي بسبب سوء التغذية وتضطرب شوارد الدم بسبب ضياع شوارد الكلور والهيدروجين مع القياء المتكرر مما يؤدي إلى حدوث القلاء الاستقلابي. يتأكد تشخيص الانسداد بقياس حجم رشافة المعدة على الريق التي تتجاوز 200مل ليتر في حالة الانسداد كما أنها تتجاوز 300مل ليتر إذا قيست بعد تناول الطعام بأربع ساعات. يعد التنظير الداخلي خطوة أساسية في دراسة حالات انسداد البواب والتمييز بين الانسداد العضوي والاحتباس المعدي الذي ينجم عن وهن جدار المعدة الذي يشاهد في عدة حالات مرضية ولاسيما في الاعتلال العصبي السكري.
- المعالجة: تتضمن المعالجة الطبية إفراغ المعدة بأنبوب واسع القطر وغسلها بالمصل الغريزي ثم وضع أنبوب أنفي معدي لمص المفرزات المستمر. يعالج التجفاف واضطراب الشوارد بتسريب المصل الفيزيولوجي ويضاف إليه كلوريد البوتاسيم لتعويض نقص البوتاسيوم، وإذا كانت حالة المريض التغذوية سيئة وجب اللجوء إلى التغذية الوريدية.
تعطى مثبطات مضخة البروتون عن طريق الوريد مما يقلل إفراز الحمض المعدي ويسهّل معالجة اضطراب الشوارد. إذا تحسنت الحالة بعد عدة أيام من المعالجة بمص المفرزات يستأنف إعطاء السوائل عن طريق الفم ويزاد تدريجياً إلى أن يعود المريض إلى تغذية طبيعية. يستجيب نحو ثلث المرضى المصابين بانسداد البواب القرحي لهذه المعالجة المحافظة وهم على الأرجح المصابون بقرحة فعالة ووذمة حادة مرافقة، أما بقية المرضى ومعظمهم ممن يشكون من أعراض قرحية مزمنة وسبق أن أصيبوا بأحد المضاعفات القرحية فإن أعراض الانسداد لا تتراجع عندهم أو أنها تنكس بسرعة، ويجب في هذه الحالة اللجوء إلى توسيع التضيق بوساطة (البالون) الذي يدخل إلى مكان التضيق في أثناء التنظير ثم ينفخ بالماء أو أحد المواد الظليلة وتحت المراقبة الشعاعية. يتم التوسيع تدريجياً وعلى عدة جلسات إلى أن يصل قطر البالون المؤسّع إلى 15ملم الذي يعد كافياً لإزالة أعراض الانسداد. يمكن التغلب على الانسداد في 70% من المرضى باستعمال المعالجة المحافظة والتوسيع في أثناء التنظير. إذا لم تتراجع أعراض الانسداد أو عادت للظهور بعد تحسنها وجب اللجوء إلى المعالجة الجراحية وأساسها قطع العصب المبهم الجذعي مع إجراء مفاغرة معدية صائمية، وقد يتطلب الأمر أحياناً قطع الغار المعدي إضافة إلى قطع العصب المبهم.
علينا أن نتذكر: > القرحة الهضمية هي أكثر الأمراض الهضمية العضوية شيوعاً. وهي تآكل موضع يتناول جدار الجزء العلوي من السبيل الهضمي. > تتوضع معظم القرحات الهضمية في الجزء الأول من العفج (نحو 80%) ويتوضع القسم الباقي في المعدة ونادراً في المريء. > السبب الرئيس للقرحة الهضمية هو الخمج بالملويات البوابية (نحو 90%)، والسبب المهم الآخر هو استعمال مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية، وهناك حالات نادرة سببها زيادة فرط حمض كلوريدريك المعدة. > الألم الشرسوفي هو العرض الرئيس وقد يكون الوحيد للقرحة الهضمية إلا أن القرحة قد تكون صامتة وتتظاهر لأول مرة بالنزف الهضمي العلوي، وفي جميع الحالات يعد التنظير الهضمي العلوي أفضل وسيلة للتشخيص. > تعتمد معالجة القرحة على إعطاء مثبطات إفراز المعدة مثل ضادات مستقبلات الهستامين ومثبطات مضخة البروتون (PPI)، أما المعالجة الجراحية فلم يعد لها دور إلا في حالة حدوث المضاعفات كالنزف والانثقاب وانسداد مخرج المعدة وبعد أن تخفق المعالجة الطبية في السيطرة عليها. وتشرك هذه المعالجة دوماً مع إعطاء الصادات للقضاء على الملويات البوابية مما يمنع نكس القرحة.
|
التصنيف : أمراض المعدة والعفج
النوع : أمراض المعدة والعفج
المجلد: المجلد الأول
رقم الصفحة ضمن المجلد : 148
مشاركة :اترك تعليقك
آخر أخبار الهيئة :
- صدور المجلد الثامن من موسوعة الآثار في سورية
- توصيات مجلس الإدارة
- صدور المجلد الثامن عشر من الموسوعة الطبية
- إعلان..وافق مجلس إدارة هيئة الموسوعة العربية على وقف النشر الورقي لموسوعة العلوم والتقانات، ليصبح إلكترونياً فقط. وقد باشرت الموسوعة بنشر بحوث المجلد التاسع على الموقع مع بداية شهر تشرين الثاني / أكتوبر 2023.
- الدكتورة سندس محمد سعيد الحلبي مدير عام لهيئة الموسوعة العربية تكليفاً
- دار الفكر الموزع الحصري لمنشورات هيئة الموسوعة العربية
البحوث الأكثر قراءة
هل تعلم ؟؟
الكل : 57203720
اليوم : 23005
المجلدات الصادرة عن الموسوعة العربية :
-
المجلد الأول
-
المجلد الثاني
-
المجلد الثالث
-
المجلد الرابع
-
المجلد الخامس
-
المجلد السادس
-
المجلد السابع
-
المجلدالثامن
-
المجلد التاسع
-
المجلد العاشر
-
المجلد الحادي عشر
-
المجلد الثاني عشر
-
المجلد الثالث عشر
-
المجلد الرابع عشر
-
المجلد الخامس عشر
-
كتاب أمراض الشيخوخة
-
المجلد السادس عشر
-
المجلد السابع عشر
-
كتاب علم المناعة
-
المجلد الثامن عشر