logo

logo

logo

logo

logo

التعدين البحري

تعدين بحري

Marine mining -

 التعدين البحري

التعدين البحري

محمد باسل البحرة 

أنواع المعادن المكتشفة في المياه البحرية

معوقات الاستكشاف والاستخراج من البحر

معدات التعدين البحري

واقع التعدين البحري الحالي

تقنيات استخراج المعادن من البحر

الآفاق المستقبلية للتعدين البحري

 

التّعدين البحري marine mining هو عملية استخراج المعادن من قاع المحيطات أو البحار، وتشمل أعمال الكشف والتنقيب عن أماكن وجود الخامات والفلزات المعدنية، واختيار الأدوات المناسبة لاستخراجها إلى السَّطح واستخلاص المعادن منها.

يُعد التعدين البحري من التطبيقات الجديدة التي دخلت حيز الاستثمار حديثاً في مطلع القرن العشرين، نتيجة تزايد الطلب على المعادن، والذي رافق التقدم الحضاري عقب الثورة الصناعية ولاسيما الحديد والنحاس والمنغنيز؛ مما دفع الباحثين باتجاه إيجاد مصادر جديدة في قيعان مياه المحيطات والبحار التي تكوّن في مساحتها ثلثي مساحة الكرة الأرضية.

في بداية الأمر كانت فرضية التعدين البحري غير مجدية اقتصادياً لارتفاع التكاليف وعدم توفر التقنيات المناسبة، إضافة إلى الضغوط المرتفعة والحرارة المنخفضة (بحدود 2°س) في الأعماق؛ ولكن مع التطور التقني ولا سيما الإنسالات (الربوتات) وأجهزة الاستشعار عن بعد التي استُمِدَّ معظمها من الأجهزة المستخدمة في استخراج النفط والغاز من البحر؛ ساعدت التقنيات الحديثة كثيراً على تطوير التعدَّين البحري إلى درجة أنه أصبح حلم المستقبل لكثير من الدول، ويتوقع أن تفوق أرباح الاستثمار في قطاع التعدين البحري -بفضل هذه التقنيات- عائدات الاستثمار في نطاق استخراج النفط والغاز، إضافة إلى إمكان تطبيقه بسهولة حتى في الأعماق السحيقة.

اكتشف الباحثون في قاع المحيط في ستينيات القرن العشرين عقيدات (كتل رسوبية متحجرة) متعددة المعادن، تتكون في الأساس من المنغنيز مع كميات أصغر من النيكل والنحاس والكوبالت والحديد والسليكون، وهي منتشرة في أعماق تراوح بين 400-600م. وقد أدت الزيادة الحادة في الطلب على المعادن -في ذلك الوقت- إلى ارتفاع في الأسعار مع تناقص الكميات المتوَفرة على اليابسة؛ فأثار اكتشاف هذا المصدر الجديد اهتمام المستثمرين. وفي أوائل السبعينيات بدأت التجارب الميدانية من أجل استخراج هذه العُقيدات من الأعماق، وتمثلت الصعوبات التى واجهت الباحثين في عاملين اثنين أساسيَّين:

1- الكميات المكتشفة خلال أعمال التنقيب تحتوي على نسبة ضئيلة من المعادن لا تكفي لتغطية تكاليف استخراجها.

2- كان معظم ما اكتُشف منها في المياه الدولية التي تخضع لسلطة دول عدة، وثمة صعوبة كبيرة في تحديد الجهة المسؤولة عنها للحصول على رخص الاستثمار فيها، إضافةً إلى عدم توفر طريقة عادلة لتوزيع عائدات الأرباح.

كانت عمليات التعدين الأولى محدودة في المناطق الاقتصادية؛ أي ضمن المياه الإقليمية للدولة، والتي تمتد إلى مسافة 200 ميل بحري قبالة سواحلها، وتمتلك فيها حقوق استثمار مواردها البحرية. ولما كانت الحقول المجدية المكتشفة متموضعة على طول حدود الألواح التكتونية tectonics plates الموجودة في المياه الدولية؛ فإن استثمارها ينطوي على تعقيدات قانونية كبيرة؛ ممّا أدى إلى عقد اتفاقيات دولية وفرض آليات قانونية لأعمال التنقيب والتعدين في المياه الدُّولية، وتمثل ذلك كله في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار United Nations Convention on the Law of the Sea (UNCLOS)، والتي نصت على تنظيم هذا القطاع وعلى تقاسم المنافع بين الدول، مع التركيز على المساعدة في التنمية للدول الفقيرة.

تتضمن الاتفاقية تنسيق مشاريع التعدين في الأعماق البحرية الدولية بإشراف السُّلطة الدُّولية لقيعان البحار  International Seabed Authority (ISA) التي فتحت الباب واسعاً للباحثين عن التمويل المناسب لاستكمال البحوث الجيولوجية في الأعماق الدولية؛ ممّا مَهّدَ لبداية مرحلة جديدة من التعدين البحري.

وفي ثمانينيات القرن العشرين اكتشف المُنَقِّبون مساحات واسعة من الرواسب البركانية المعروفة باسم كبريتيد قاع البحر Seafloor Massive Sulphide (SMS)، وهي تحتوي على تركيزات ملموسة من النحاس والزنك والذهب والفضة والمعادن النادرة الأخرى. وقد اهتم علماء الجيولوجيا بهذه الكبريتيدات عندما لاحظوا أوجه تشابه ملحوظة بينها وبين الرواسب الكبريتية البركانية على اليابسة Volcanogenic Massive Sulphide (VMS)؛ مثل الرواسب الموجودة في موقع كيد كريك Kidd Creek في كندا التي تُعدُّ المصدر الرئيسي لكلٍّ من النحاس والزنك والرصاص والذهب والفضة في العالم ولها أهمية اقتصادية هائلة.

تركزت بحوث الجيوكيميا - خلال تلك الفترة- على إيجاد طريقة مناسبة لاستخراج رواسب كبريتيدات قاع البحار؛ لكن مواقع التنقيب المكتشفة كانت على مساحات صغيرة لا تتجاوز 200م2، وتقل كمية الرواسب فيها عن 10 ملايين طن؛ ممّا جعل معظم شركات التعدين تصرف النظر عنها سريعاً بصفتها أصغر من أن تكون لها جدوى اقتصادية.

من ناحية أخرى شهد منتصف التسعينيات تطوراً مهماً في دراسة جيوكيميا المعادن، وتوصل الباحثون في أثناء التعدين في إحدى هضاب قاع البحر إلى طريقة جديدة لا تتطلب تكوين بنية تحتية كالتي تُستخدم على اليابسة؛ إذ يمكن فك كل المعدّات المطلوبة ونقلها من مكان إلى آخر، ومن هضبة إلى أخرى. وبهذا قد يصبح للمساحات الصّغيرة قيمةً اقتصادية، وبدلاً من الحاجة إلى أن يكون الحد الأدنى لحجم الرواسب مثلاً 20 مليون طنٍ ليكون الاستثمار مربحاً اقتصادياً كما هي الحال على اليابسة؛ فيمكن التّعدين في عشرة مواقع لا يتجاوز حجم الرواسب في كُل منها مليوني طن.

قامت شركةُ الخدمات الاستشارية الدولية نوتيلوس للفلزات Nautilus minerals بإجراء دراسة الجدوى الاقتصادية لهذه الطريقة، استغرقت الأبحاث تسعة أشهر، وخلصت إلى أن كلفة النحاس وحده قد تساوي نحو نصف كلفة إنشاء منجم جديد على اليابسة؛ وبهذه الطريقة أمكن نقل الاكتشافات الجيولوجية إلى حيز الاستثمار وارتسمت الملامح الأولية للتعدين البحري.

تناولت البحوث العلمية كذلك دراسة آلية تشكل الترسّبات الكبريتية قرب الفوهات الحرارية المائية، وكان الظن السائد في البداية أن غالبية الرواسب تكونت تحت المحيط بالطريقة نفسها التي تكونت فيها على اليابسة؛ لكن البحث أعطى معلومات مهمة تمثلت باكتشاف المداخن الكبريتية التي تتكوّن قرب الفوهات الحرارية المائية hydrothermal vent في قاع المحيطات، وهي ما يعرف جيولوجياً بأنها فوهات تنبعث منها غازات معدنية حارة. وأعلى درجة حرارة تم قياسها عند فوهة المدخنة 464°س في تو بوتس Two Boats وفوهة سيستر بيكس Sister Peaks في قاع المحيط الأطلسي على عمق نحو300 م.

أشكال الفوهات قمعية أو أنبوبية ناتجة من ترسبات مركبات معدنية على شكل مداخن، تنطلق منها غازات سوداء black smoker أو غازات بيضاء white smoker بحسب ما ينحل فيها من أملاح المعادن، فإذا كانت الأدخنة غنية بأملاح الحديد- مثل البيريت- تكون الأدخنة رمادية سوداء، وإذا كانت الأملاح المنحلة غنية بمركبات كبريتية فتكون الأدخنة بيضاء (الشكل 1).

الشكل (1) آلية تشكل المدخنة الكبريتية في قاع البحر.

تتشكل المداخن بثلاث مراحل بدء اً من مرحلة تسرب ماء البحر عبر الشقوق إلى أعماق الصخور البركانية الساخنة، فترتفع درجة حرارته، وتنحل فيه معادن الزنك والرصاص والنحاس والذهب والكبريت في أثناء تغلغله عبر الصخور، وعندما يختلط السائل الساخن مرة أخرى بمياه البحر الباردة تترسّب هذه العناصر على هيئة مركبات كبريتية سوداء ، ومع تكرار التسرب عبر الشّقوق تتشكل مدخنة مخروطية طويلة يراوح ارتفاعها المتوسّط بين 20 و 25 متراً، ويمكن أن يصل حتى 60 متراً (الشكل 2).

الشكل (2) مراحل تشكل المدخنة البحرية.

تنهار هذه المداخن بمرور الوقت وتترك أكواماً من الرواسب الغنية بالمعادن حول فتحة الفوهة، وتتبلور مرة أخرى في شكل هضاب من كبريتيدات قاع البحار اللامتبلورة.

يرى الباحثون أن الاستثمار يجب أن يجري في المرحلة الأخيرة لتشكل المدخنة، حيث تكون الكمية الأكبر من المعادن قد ترسّبت وأصبح استخراجها أسهل من الحفر في الأعماق الصخرية، إضافة إلى ذلك، تكون المدخنة في المرحلة الأولى في طور التكوين وغير مكتملة، ومن ثمَّ يجب أن يجري التنقيب في المرحلة الثالثة لتشكّل المدخنة، حيث يخرج المزيد من الخامات إلى السطح، ولكن المداخن المكتملة وغير المكتملة غالباً ما تكون قريبة من بعضها بعض، وبنية المدخنة الجديدة رخوة وهشَّة وتشبه في قوامها قوام الفحم اللين، وتمثل هذه الصعوبات تحديات أساسية للباحثين في أثناء التنقيب والاستخراج.

أنواع المعادن المكتشفة في المياه البحرية

تحتوي أعماق البحار على العديد من الموارد المختلفة المتاحة للاستخراج، ولا سيما المعادن بما فيها الفضة والذهب والنحاس والمنغنيز والكوبالت والزنك. وقد عُثر على هذه المواد الخام بأشكال مختلفة في أعماق متفاوتة من قاع البحر؛ فتنتشر -مثلاً- على عمق
2400-800م عقيدات المنغنيز manganese crusts القشرية وتحوي معادن الفاناديوم والكوبلت والموليبدنيوم والبلاتينيوم، وعلى عمق 3700-1400 م توجد توضعات كبريتية sulfide deposits محتوية على النحاس والرصاص والزنك والحديد والذهب (الشكل 3).

الشكل (3) عينة من الكبريتيدات المعدنية من قاع المحيط الهادئ.

وعند الأعماق 6000-4000م يعثر على عقيدات متعددة المعادن polymetallic nodules تحتوي -بصورة أساسية- على النحاس والنيكل والكوبلت والمنغنيز (الشكل 4).

الشكل (4) مثال عن فلزات متعددة المعادن مكتشفة في مياه البحر.

يمكن أن يصل وزن هذه الترسّبات إلى مئة مليون طن، وتحتوي على عناصر معدنية ترابية نادرة ذات تطبيقات مهمة في التقنيات المتطوّرة، مثل سواقات الأقراص الصّلبة ذات الكثافة التخزينية العالية، والليزر، وموّلدات العنفات الهوائية.

يعتمد نجاح مشاريع التعدين البحري على المعرفة العلميّة والعمليّة بالعلوم الجيولوجية، ولا بد لإنجاح هذه المشاريع- ولا سيما في مجال استكشاف الخامات واستخراجها- من ربط المعلومات الهندسية بمعلومات وفيرة في مجالات الإدارة والاقتصاد والقانون ومراعاة القرارات الدولية للحصول على رخص الاستثمار، ولا يُتخذ قرار تنفيذ هذه المشاريع الضخمة ذات الكلفة الاقتصادية العالية إلا وفق معطيات الجدوى الاقتصادية.

تتطلب دراسة جدوى المشاريع التعدينية دراسةً جيولوجيةً شاملة عن المنطقة ثم يتبعها بحث جيوكيميائي geochemistry وبحث جيوفيزيائي geophysics واستعمال الكثير من التقنيات المتقدمة مثل الاستشعار من بعد وغيره.

يعتمد مبدأ الاستشعار من بعد على استخدام الأمواج الكهرطيسية المنعكسة عن الأجسام، ويتطلب لرسم الخريطة الجيولوجية عدة مراحل تعتمد على الرصد ثم دراسة الموقع جيداً، وبمعالجة البيانات والمعلومات يتم رسم الخريطة التي تقدم معلومات مهمة للباحثين والمنقِّبين لتحديد المكان ومواقع توضع الفلزات المعدنية (الشكل 5).

الشكل (5) مراحل رسم الخريطة الجيولوجية.

تستخدم الرادارات المحمولة في الأقمار الصناعية والطائرات في المرحلة الأولى لدراسة قيعان البحار وما تحويه من مكونات بإرسال نبضات كهرطيسية بترددات معينة، ثم التقاط النبضات المرتدة عن القاع وتحليلها بوساطة معالجات الإشارات الرقمية لرسم صورة عن المنطقة الممسوحة (الشكل 6).

الشكل (6) الخريطة الجيولوجية للمناطق المائية.

وبعد رسم الخريطة الجيولوجية وتحديد المكَامِن المعدنية يجري الانتقال إلى مرحلة التنقيب الأولي باستخراج عينات من المنطقة المكتشفة ودراستها بطريقة علمية تحليلية طبقاً لمبادئ الجيولوجيا البحرية geology marine، وتنتهي برسم الخريطة الجيولوجية للقاع التي تحدد التوزع الحبيبي، والخواص الفيزيائية ودرجة حرارة مياه البحر وملوحتها، إضافة إلى دراسة خواص المياه الكيميائية لمعرفة مستوى الحموض فيها وجودتها.

معدات التعدين البحري

وفرت التقانة الحديثة والتغييرات الاقتصادية إمكان التّعدين في قيعان البحار والمحيطات وتطبيقاته، كما وفرت المعدّات الضرورية للاستخراج والتحكم فيها عن بُعد، وهي تشبه المعدات الدوارة المستخدمة في استخراج الفحم؛ إذ يتطلب استخراج الرواسب المعدنية

من القاع معدات خاصة لتقطيع الكتل bulk cutter وتنقيتها auxiliary cutter أو استعمال أدوات متعددة معاً بحسب طبيعة القاع الذي يجري فيه التعدين assembled bulk cutter تجرف التربة أولاً ثم تقطع الكتل وتنقى (الشكل 7):

الشكل (7) بعض الآليات المستخدمة في التعدين البحري.

أما الجروف الصخرية القاسية، وتحديداً في المياه الضحلة؛ فتقطع الأحجار باستخدام روبوتات ذوات أذرع خاصة يُتحكم فيها من السّطح، كما هو متبع في استخراج الألماس مثلاً من المياه الضحلة نسبياً قبالة ساحل ناميبيا (الشكل 8).

الشكل (8) روبوتات خاصة مستخدمة في اقتلاع الصخور القاسية من القاع.

تقنيات استخراج المعادن من البحر

بعد الحفر ثمة طريقتان لاستخراج الرواسب الناتجة إلى السطح تختلف باختلاف الكميات المكتشفة وطبيعتها:

1- الطريقة المستمرة بالدلاء Continuous - Line Bucket system (CLB):

تستعمل في مناطق تكون الرواسب المتركزة قريبة بعضها من بعض وبكميات كبيرة؛ حيث تُجهَّز منصة عائمة على السطح مزودة بسير ناقل من الدلاء يصل إلى القاع يحمل الرواسب -على نحو مستمر- إلى المنصة على السطح، حيث تصفّى من الماء وتُحمَّل في ناقلات إلى أماكن المعالجة على اليابسة (الشكل 9).

الشكل (9) الطريقة المستمرة بالدلاء في استخراج الرواسب من القاع (CLB).

2- الطريقة الهدروليكية Hydraulic Suction system (HS):

تعتمد هذه الطريقة على استخدام سفن ضخمة تنزل الآلات والتجهيزات إلى قاع البحر؛ حيث تقوم هذه الآلات بتفتيت الصخور وطحنها محولة إياها إلى رداغ (طين رقيق) slurry عن طريق غرفة التحكم على السطح، ومن ثم ضخه بمضخات هدروليكية عبر الأنابيب إلى السفينة على السطح، وهى أحدث الطرق المستعملة حالياً (الشكل 10).

الشكل (10) الطريقة الهدروليكية (HS).

يعد نظام الضخ الهدروليكي الأسلوبَ المفضَّل لجمع الرواسب المعدنية الموجودة في مناطق متناثرة بعيدة بعضها عن بعض؛ فهو يعمل مثل السير الناقل؛ إذ يمتد من قاع البحر إلى سطح السفينة حيث تعالج المعادن المطلوبة، وتعاد المخلفات إلى البحر.

معوقات الاستكشاف والاستخراج من البحر

أثارت التقانات المستخدمة في التعدين شكوكاً حول تأثيرها في أشكال الحياة في المحيطات منذ ما يقارب 20 سنة، ويمكن لهذه العمليات أن تدمر بشدة المجتمعات الحيوية الحساسة التي تعيش قرب العُقيدات الغنية بالمعادن في قاع البحر، إضافة إلى التدمير الفيزيائي للمَواطن البيئية، يمكن أن ينتج من أعمال التعدين تلال من الرواسب المعلقة تخنق الكائنات الحية في الأعماق، كما يمكن أن تتأثر الأنواع الحية بالضخ والتلوث الضوئي، والتسمم بالمعادن السامة والمواد الكيميائية الأخرى الناجمة عن عمليات التعدين. ولذلك يخشى العلماء أنه في حال حدوث فورة تنقيب عن المعادن الثمينة في قيعان المحيطات يمكن أن تلحق بالمنظومة البيئية الفريدة أضرار بالغة، توازي الأضرار البيئية التي سببتها صناعة التعدين على سطح الأرض أو تفوقها.

غير أن المنقِّبين يؤكدون أن ذلك لن يحدث؛ نتيجة السعي إلى احتواء التأثيرات البيئية على نحو جيد، وسوف تُراقَب تأثيرات الترسبات الدقيقة التي ستهبط إلى قاع البحر من ماء التصريف العائد من محطات المعالجة.

يقول مؤيدو التعدين البحري إن احتمال الضرر ضئيل للغاية لعدة أسباب؛ منها عدم وجود كمٍّ كبير من الطمي في المناطق التي يحدث فيها التعدين، والآلات مصمّمة لسحب أي رواسب وترشيحها قبل أن يعاد الماء إلى المحيط، ومعالجته في محطة معالجة على سطح السفينة وتخليصه من الجسيمات التي يزيد حجمها على µm8؛ ممّا يساهم -على نحو فعال- في خفض التأثير الضار للمركبات السامة في الكائنات الحية في البحر. أما الضجيج فيمكن التخفيف منه بنقل ضواغط الهواء اللازمة من أجل الرفع إلى السطح.

ولا تلوح في الأفق إلى اليوم أي إشارة إلى تسوية هذا الجدل، مع وجود كثير من الأمور على المحك، ويؤكد المنقبون وعلماء الجيولوجيا حرصهم على وضع الأمور في نصابها الصحيح منذ البداية، وتقليل التأثير الضار في البيئة من خلال معرفة أفضل وسائل المراقبة وتحديد التأثير الكُلِّي -قبل التعدين وفي أثنائه وبعده- ومعرفة مدى قدرة النظام البيئي على اسّتعادة حالته الطبيعية بعد نهاية عمليات التعدين في القاع. كما يبدي بعض خبراء علوم الأحياء إعجابهم بالتدابير التي يتخذها المنقبون لحماية المنظومات البيئية المائية في مكان العمليات التعدينية؛ لكنهم لا يخفون مخاوفهم بشأن المستقبل في حال اتسعت رقعة هذه الصناعة.

واقع التعدين البحري الحالي

يجري حالياً إعداد دراسات للاكتشافات في حوض مانوس الشرقي حول بابوا في غينيا الجديدة والفوهة المخروطية في الجبال البحرية إلى الشرق منها، وهي توضعات واعدة من الذهب، يتوقع أنها تحوي 26 طناً في كل مليون طن من الرواسب التي تقع على عمق 1050م من المياه الضحلة نسبياً، إلى جانب قربها من مصنع لتجهيز الذهب في تلك المنطقة؛ ممّا يجعل الموقع مؤهلاً تعدينياً. وسوف يجري التنقيب أيضاً عن المعادن في قيعان البحار قبالة كلِّ من تونغا وفيجي وفانواتو ونيوزيلندا. كذلك يجري التنقيب في الحيد الهندي الجنوبي الغربي والحيد الأطلسي الأوسط على التوالي؛ وهما حقلان جاذبان لاستخراج المعادن لأنهما يحتويان على خامات معدنية عالية الجودة، ويتوقع أن تحتوي الترسبات فيهما على النحاس بنسبة 6,8 % من وزنها مقارنة بـ 0,06% فقط في المناجم على اليابسة. كما أن أعمال التنقيب الحالية في البحر الأحمر تبين إمكان استخراج معادن النحاس والفضة والزنك من القاع، وتهدف إلى قياس إمكان استخراج المعادن من الأحواض المائية الحرارية التي تقع على عمق ألفي متر في قاع البحر الأحمر، حيث يقدر أن تصل القيمة الإجمالية للمعادن إلى 8,21 مليار دولار.

الآفاق المستقبلية للتعدين البحري

يؤكد العلماء أن البيئة البحرية والحياة في المحيطات التي جرت دراستها ومعرفتها تعادل 5 %، وإن النسبة العظمى ما زالت مجهولة، وما جرت دراسته على عمق يقع ضمن أول 330 متراً التي يمكن أن يخترقها ضوء الشمس، وهذه المنطقة هي التي تنتشر فيها معظم الكائنات البحرية والشعاب المرجانية.

ويتطلع العلماء اليوم إلى دراسة مساحات أخرى، تمتد حتى عمق 12 كيلومتراً في البحار والمحيطات؛ لكن هذه المناطق تتسم بالعتمة الشديدة والبرودة والضغط المرتفع؛ لذلك جرى تصميم غواصات قادرة على تحمل تلك الشروط، وهي تمهد لاكتشافات جديدة في المستقبل القريب (الشكل 11).

الشكل (11) غواصة مستعملة في أعمال التنقيب في القاع.

كذلك يتوقع في المستقبل أن يصبح استخراج المعادن من الرواسب والصخور البحرية مشكلةً أساسية في التعدين البحري؛ نظراً لتناقص الخامات الغنية بالمعادن مع استمرار عمليات التنقيب، وتزايد حجم الخامات ذات المحتوى المعدني الأقل lower-quality ores؛ ممّا يتطلب تقنية معالجة عالية المقدرة لاستخلاص محتواها من المعادن.

ثمة مشكلة بيئية قائمة لأن الطريقة التقليدية لمعالجة الخامات تعدُّ مصدراً كبيراً لتلوث الهواء ، وأصبحت محلَّ هجوم من كثير من منظمات حماية البيئة.

وقد اكتشف حديثاً وجود كائنات دقيقة يتوقع أن تقدم مخرجاً من هاتين المشكلتين، الاستخلاص وحماية البيئة؛ فعلى سبيل المثال اكتشفت بكتريا ذاتية التغذية Thiobacillus thiooxidans عند تربيتها في وجود خامات معدنية مثل الحديد والنحاس والزنك، تنجم عنها حموض تسبب أكسدة الخامات، وترسيب المعادن بصورة أملاح لهذه الحموض. يطلق على هذه العملية «الغسيل» leaching، وهي تساعد على الحصول على المعدن من الخامات والرواسب ولا تسبب تلوثاً للبيئة. كذلك اكتشفت بكتريا جديدة مؤكسدة للحديد Thiobacillus ferrooxidans لها القدرة على تراكم الذهب الموجود في بعض الصخور وتركيزه، مما يساعد كثيراً على البحث عن الذهب واستخراجه. وتتركز جهود العلماء حديثاً على دراسة هذه الكائنات الدقيقة بغرض استغلال منتجاتها الطبيعية في تجميع الخامات المعدنية من داخل الصخور؛ ممّا يفيد كثيراً في مجالي التعدين والاستكشاف. وهذا العلم الحديث الذي يعرف بالتعدين البيولوجي Biomining، سيعدّ مصدراً جديداً للكيمياء الخضراء ويساعد على حماية كوكب الأرض من التلوث.

مراجع للاستزادة:

- M.C.Marco Colazingari, Marine Natural Resources and Technological Development-Routledge, 2013.

- H. Peplinski, Ship and Mobile Offshore Unit Automation: A Practical Guide, Gulf Professional Publishing, 2019.

- R.C.Roy Chester& T.D.J. Tim D. Jickells, Bibliographic information, John Wiley & Sons, 2012.

- R.Sharma, Environmental Issues of Deep-Sea Mining: Impacts, Consequences and Policy Perspectives, Springer, 2019.


التصنيف : التقانات الصناعية
النوع : التقانات الصناعية
المجلد: المجلد التاسع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1006
الكل : 58712453
اليوم : 144153

أثر باشن ـ باخ

تقع المدرسة الأحمدية في حي الجلوم الكبرى في زقاق بني الجلبي، "جادة عبد الله سلام" حالياً أمام باب جامع البهرمية الشرقي في حلب، منطقة عقارية (7) محضر (3064). أنشأها أحمد أفندي بن طه زادة الشهير بالجلبي سنة 1165هـ/1751م وفقاً للكتابات الموجودة فوق بابيها (الخارجي والداخلي) وفوق باب القبلية.

المزيد »