logo

logo

logo

logo

logo

التجوية

تجويه

Weathering -

التجوية

عبدالرحمن السفرجلاني

التجوية الفيزيائية

التجوية الكيميائية

العوامل المؤثرة في معدلات سرعة التجوية

 

تُعرّف التجوية weathering على أنَّها كل العمليات الفيزيائية والكيميائية والحيوية أو الحيوية-الكيميائية التي تُؤثر في فلزات الطبقة السطحية "الخارجية" من القشرة الأرضية وصخورها، فتُؤدِّي إلى تغير خصائصها أو صفاتها البنائية أو تراكيبها الفلزية والكيميائية. فأغلب الصخور النارية والمتحولة، والفلزات المكُوّنة لها تشكلت في باطن الأرض تحت تأثير درجات حرارة وضغط مرتفعين، وعند وجود هذه الصخور على السطح الخارجي للأرض تحت تأثير درجات حرارة وضغط منخفضين، أي شروط ترموديناميكية thermodynamic مغايرة للشروط التي تشكلت ضمنها، تُصبح هذه الصخور والفلزات المكونة لها غير ثابتة في هذه الشروط الجديدة. فانخفاض درجة الحرارة يُدخل الفلزات في سلسلة من التفاعلات الكيميائية الناشرة للحرارة مُكوِّنة فلزات جديدة تكون حبيباتها دقيقة الأبعاد، وأكثر اتزاناً وثباتاً مع درجات الحرارة المنخفضة، كذلك تُصبح الفلزات الأولية عند انخفاض الضغط غير متزنة وتمرُّ في سلسلة من التفاعلات الكيميائية ينجم عنها تشكل فلزات جديدة أقل كثافة وذات حجم أكبر وأكثر اتزاناً وثباتاً مع درجات الضغط المتدنية، وتستمر عوامل التجوية في تأثيرها في صخور الطبقة السطحية "الخارجية" من القشرة الأرضية وفلزاتها حتى تصل إلى مرحلة الاتزان والثبات، علماً أنَّ الوصول إلى هذه المرحلة يُعد مسألة نسبية.

تُقسم التجوية تبعاً لطبيعة عواملها إلى تجوية فيزيائية (ميكانيكية) وتجوية كيميائية وتجوية حيوية- كيميائية، مع العلم أنَّه لا يتمُّ تأثير أحد عوامل التجوية بمعزلٍ عن العاملين الآخرين بشكل مطلق، وإنَّما يتباين التأثير النسبي لأحد العوامل تبعاً للشروط المناخية السائدة، ففي المناطق الصحراوية الجافة أو القطبية الباردة أو المناطق الجبلية الشاهقة يقلُّ أو يكاد ينعدم وجود المحاليل المائية، وبالتالي تسيطر التجوية الفيزيائية الميكانيكية، ويكون تأثير العامل الرئيس للتجوية الكيميائية محدوداً جداً، في حين تسيطر في المناطق الاستوائية الحارة الرطبة التجوية الكيميائية والحيوية الكيميائية.

التجوية الفيزيائية

تُسمى أيضاً التجوية الميكانيكية، وتشتمل على مجمل العمليات الطبيعية الناجمة عن تأثير التبدلات والفروقات الحرارية أو الرياح والأمطار والأنهار والجليديات والجاذبية الأرضية، والتي تقود في مُجملها إلى تجزئة صخور القشرة الأرضية وفلزاتها وتحطيمها وتفتيتها وتهشيمها وتحويلها إلى حطام وفتات صخري من دون أيِّ تغيير في تركيبها الكيميائي أو الفلزي، لذلك يكون للحطام الصخري الناتج عن عمليات التجوية الفيزيائية تركيب كيميائي وفلزي مماثل لتركيب الصخر الأصل (الأم). بيد أنَّ عملية تحطيم الصخور الأم وتفتيتها وتحويلها إلى فتات صخري تُؤدِّي إلى ازدياد المساحة الكلية المُتكشفة للصخر "مساحة السطح النوعي" المُلامس للغلاف الجوي أو المائي، مُمهدة بذلك للتجوية الكيميائية في حال توفرت عواملها (الشكل1)، فكلما كانت مساحة السطح النوعي للصخور المفتتة أكبر كان تأثير عوامل التجوية الكيميائية والحيوية الكيميائية فيها أشد، وذلك نتيجة ازدياد مساحة السطح المُعرض لعمليات التجوية الكيميائية المُختلفة.

الشكل (1) آلية ازدياد مساحة السطح النوعي نتيجة تفتت الصخور الأولية وتحطمها.

عوامل التجوية الفيزيائية (الميكانيكية): تشمل اختلافات درجة الحرارة والصقيع وإزالة الثقل (الحمل) والماء الشعري وقوى التبلور والتشبَّع بالماء والجفاف والرياح والتيارات المائية والتأثير الميكانيكي للكائنات الحية:

1- اختلافات درجة الحرارة: تؤدي اختلافات درجة الحرارة بين فصول السنة أو بين الليل والنهار، إلى تكرار عمليتي تقلص الصخور وتمددها، مما يُؤدِّي في نهاية المطاف إلى تفتتها وتكسرها وتهشمها، فالصخور من الأجسام ذات التوصيل الحراري الرديء، وعندما ترتفع درجة الحرارة في النهار تسخن الطبقات السطحية الخارجية للصخور أكثر من الطبقات الداخلية أو العميقة مما يسبب تبايناً في تمدد أجزاء الصخر كله، وتؤدِّي الفروق الحرارية بين الطبقات السطحية الخارجية للصخور وأجزائها الداخلية إلى تفتت الأجزاء السطحية منها بسرعة وبصورة موازية لطبقة السطح الخارجي، وهذا ما يطلق عليه أحياناً بالتقشر البصلي. أمَّا عندما تنخفض درجات الحرارة ليلاً فتبرد السطوح الخارجية للصخور المُعرضة للجو بسرعة أكبر من تبرد الأجزاء الداخلية والعميقة منها، مما يؤدِّي إلى تقلص الطبقات السطحية الخارجية للصخور أكثر من أجزائها الداخلية، ويتسبب في تصدع الصخر وتحوله لاحقاً إلى فُتات صخري.

تتألف الصخور ولاسيما المتبلورة منها من مجموعة من الفلزات تتباين بتراكيبها الكيميائية والفلزية، ولكل فلز من هذه الفلزات معامل تمدد ومعامل توصيل حراري مُميز له، فعلى سبيل المثال يبلغ معامل التمدد الحجمي لفلز الكوارتز Quartz 0.00031، ولفلز الصفاح البوتاسي (الأورثوكلاز) Orthoclase 0.00017، لذلك تكون زيادة حجم فلز الكوارتز عند رفع درجة حرارته نحو ضعف حجم فلز الأورثوكلاز. ولدى تعرض الصخر لحرارة النهار تتولد ضغوطٌ وإجهاداتٌ مُتباينة لها اتجاهاتٌ مختلفة، تؤدِّي مع مرور الزمن إلى تشقق الصخر تشققات غير منتظمة الاتجاهات، وتساهم لاحقاً في تفتيت الصخر وتكسره وتهشمه كلياً. كذلك تؤدِّي اختلافات درجة الحرارة إلى تفتت الصخور أحادية الفلز، فعلى سبيل المثال يتفتت صخر الرخام (المرمر) نتيجة اختلاف مُعامِلات تمدد فلز الكالسيت من محور إلى آخر وفق سطوح الانفصام. تحدث التغيرات الناجمة عن اختلاف درجة الحرارة في الطبقات الصخرية القريبة من السطح بتأثير مباشر من الظروف المناخية، تمتد إلى الطبقات الصخرية التي تقع تحتها تدريجياً، علماً بأنَّ عمق اختلاف درجة الحرارة اليومية يصل إلى عدة سنتيمترات، ويراوح عمق اختلافات درجة الحرارة الفصلية بين 10-20°س تحت سطح الأرض. ويُشاهد تأثير اختلاف درجة الحرارة بوضوح في المناطق الصحراوية ذات المناخ القاري الجاف (الشكل2)، حيث تحدث تغيرات كبيرة في درجات الحرارة اليومية والفصلية، ويكون التباين في درجات الحرارة بين الليل والنهار كبيراً، ويراوح بين 40 و50°س.

الشكل (2) تفتت الطبقات الصخرية السطحية وتهشمها نتيجة تفاوت درجات الحرارة.

2- الصقيع: تأثير الصقيع في تجوية الصخور مهم وفعال في المناطق الجبلية الماطرة ذات المناخ البارد، ففي تلك المناطق يتغلغل ماء المطر خلال الفواصل والشقوق الصخرية ويتوضع في فراغاتها، وعند انخفاض درجات الحرارة إلى الصفر أو دونه يتجمد الماء مكوناً الجليد. ويزداد تمدده إلى نحو عُشر حجمه الأصلي (الشكل3)، فتنشأ ضغوط داخلية كبيرة على السطوح الخارجية للصخور تصل إلى نحو 2 طن/سم2، تساهم في تفلق هذه الصخور وتكسرها. وعند ارتفاع درجات الحرارة يتحول الجليد تدريجياً إلى ماء وتزول الضغوط المؤثرة في الصخور مما يؤدِّي إلى تقلصها وتكسرها إلى فتات وحُطام صخري، مع الإشارة إلى أن هذه الصخور تبقى محافظة على تراكيبها الفلزية وخصائصها الكيميائية.

الشكل (3) تجمد الماء في فراغات الصخر وتشققاته ومن ثم تفلقه وتكسره.

3- إزالة الثقل (الحمل): تعمل الضغوط المتزايدة على جسم ما إلى تقليل حجمه، وقد تُؤدِّي أيضاً إلى تغيّر شكله وتشوهه، فإذا لم تتجاوز الضغوط حدَّ مرونة ذلك الجسم، وعند زوالها يعود الجسم إلى شكله وحجمه الأصليين، لأنَّ التشوه الذي أصابه ليس تشوهاً دائماً، بل تشوه مؤقت مرن. يُفسَّر ذلك بأنَّ الجسم الذي وقع تحت الضغط تولَّدت داخله قوى معاكسة مساوية للقوى الخارجية الواقع تحت تأثيرها، وعند زوال الضغوط الخارجية تنعدم حالة التوازن التي كانت سائدة بين القوى الخارجية والداخلية، فتُعيد القوى الداخلية الجسم إلى شكله وحجمه الأصليين. ينطبق ذلك على التوضعات الرسوبية ضمن أحواض الترسيب الطبيعية، والواقعة تحت تأثير قوى ضغط الرسوبيات التي تعلوها وتتوضع فوقها والتي تتزايد مع مرور الزمن. تكون هذه القوى مساوية لوزن عمود من التوضعات الرسوبية فوقها وتكون متساوية في جميع الاتجاهات، وهذا ما يُطلق عليه اسم الضغط الحابس، يؤدِّي هذا الضغط عادة إلى رفع حد مرونة الصخر الواقع عليه، أي إنه لا يقود إلى تشوهات دائمة أو تحطم التوضعات الصخرية الواقعة تحت تأثيره وتفتتها. وقد تقود عوامل التعرية أو الحركات البنائية التكتونية tectonic الإقليمية إلى تكشف هذه التوضعات الرسوبية المتوضعة ضمن أحواض الترسيب العميقة إلى القرب من السطح الخارجي للأرض أو زوالها، فينخفض الضغط الحابس وتزول القوى والضغوط الخارجية الكبيرة، وتعمل القوى الداخلية على إعادة الصخور إلى شكلها وحجمها الأصليين مع تشكُّل سطوح تشقق (تصفح) متعاقبة تحصر بينها صفائح، تكون متوازية تقريباً مع السطح الخارجي للأرض. تكون هذه الصفائح متقاربة الأبعاد بالقرب من السطح الخارجي للأرض، وتراوح سماكاتها بين عدة سنتيمترات بالقرب من السطح وعدة أمتار في الأعماق الكبيرة. تساعد عمليات التصفح الصخرية هذه والناجمة عن إزالة الثقل على تحطيم الطبقات الصخرية وتكسيرها وتهشيمها إلى جلاميد صخرية ضخمة وقطع صخرية كبيرة معرّضة لنشاط عمليات التجوية الأخرى (الشكل 4).

الشكل (4) تقشر الصخور السطحية وتصفحها نتيجة إزالة الثقل.

4- الماء الشعري: يسبب الماء الشعري عند وجوده ضمن فراغات وشقوق- أبعاد أقطارها قرابة واحد مكرون- ضغوطاً تُقدّر بنحو 1.5كغ/سم2، يزداد هذا الضغط إلى 1500كغ/سم 2 عند تناقص قطر الفراغ إلى واحد ميلي مكرون.

5- قوى التبلور: تشابه القوى الناجمة عن تبلور الأملاح من محاليلها كثيراً القوى الناجمة عن فعل التجمد من حيث تأثيرها الميكانيكي في الصخور، فبعد هطل الأمطار يتغلغل الماء المطري عبر الفواصل والشقوق الصخرية متوضعاً ضمن مسامها وفراغاتها، وفي فترات الجفاف يبدأ جزء من هذا الماء بالصعود نحو الأعلى بالخاصة الشعرية، ويتبخر عند السطح الخارجي أو بالقرب منه مرسباً أملاحه الذائبة على هيئة بلورات ملحية نامية، تسبب ضغوطاً داخلية كبيرة كافية لتفتت الصخر وتهشمه. يكون تأثير عامل قوى تبلور الأملاح من محاليلها شديد الوضوح، وذا تأثير مهم وفعال في المناطق الحارة الجافة الصحراوية التي تتناوب فيها فترات هطل الأمطار مع فترات الجفاف، كما ينتشر أيضاً في الأماكن التي توجد فيها المياه الجوفية قريبة من السطح الخارجي للأرض، حيث تعمل الخاصة الشعرية على رفع كميات ضخمة من المياه الجوفية نحو السطح، لتترسب أملاحها الذائبة في الفراغات البينية للصخر، أو بين المكونات الجيبية للصخر مكونة ضغوطاً جانبية تعمل على تفتيتها وتحطيمها.

6- التشبع بالماء والجفاف: تتفكك الطبقات الصخرية السطحية نتيجة تعاقب تشبُّعها بمياه الهطولات المطرية ثمَّ جفافها تحت تأثير أشعة الشمس عدة مرات وفترات زمنية طويلة، مما يُؤدِّي إلى تحولها إلى هشيم وحطام صخري. يكون تأثير عامل تعاقب التشبُّع بالماء والجفاف فعالاً ومؤثراً بصورة خاصة في الصخور الرسوبية الغضارية التي تتميز بقدرتها العالية على امتصاص كمياتٍ هائلةٍ من الماء (الشكل5).

الشكل (5) تشقق الصخور الغضارية نتيجة تشبُّعها بالماء ومن ثمَّ جفافها.

7- الرياح: تنشط الرياح في المناطق ذات المناخ الجاف أو شبه الجاف الصحراوي، وتساهم كبقية عوامل التجوية الفيزيائية بتهشيم الصخور وتفتيتها، ويزداد فعل الرياح كلما كانت محملة بالرمال وحبات السلت، حيث تعمل هذه المواد المحمولة مع الرياح على حت السطوح الصخرية التي تصطدم بها وبريها (الشكل 6).

الشكل (6) مساهمة الرياح في تأكل الصخور وتهشمها وتحطمها.

8- التيارات المائية: تُؤدي حركة الأمواج البحرية والتيارات المائية المتمثلة بعمليات المد والجزر إلى تأكل الصخور المنتشرة على طول المناطق الشاطئية وتفتيتها وتحطيمها (الشكل 7).

الشكل (7) مساهمة التيارات المائية في حت الصخور الممتدة على طول الشواطئ وتفتيتها.

9- التأثير الميكانيكي للكائنات الحية: تؤدِّي الكائنات الحية النباتية والحيوانية دوراً مهماً في تفتيت الصخور وتهشيمها تهشيماً مباشراً أو غير مباشر، فجذور النباتات تنمو بين الشقوق والفجوات الصخرية، وعند تطور نموها يزداد قطرها عرضاً، مُولّدة قوى كبيرة تكون كافية في الكثير من الأحيان لتهشيم تلك الصخور وتكسيرها (الشكل 8)، ويساهم الانتشار الواسع لهذا التأثير في تفتيت الصخور إلى حطام وهشيم وفتات صخري على مساحات واسعة.

الشكل (8) مساهمة جذور الأشجار في تحطيم الصخور نتيجة نموها.

كما تُحدث بعض الحيوانات الحفّارة - كالنمل والسناجب والثعالب والقوارض والثعابين ومفصليات الأرجل وبعض الرخويات وديدان التربة- ثقوباً وشقوقاً وأنفاقاً وقنوات تساهم جميعها في تفتيت الصخور (الشكل 9).

الشكل (9) مساهمة بعض الحيوانات في التجوية الميكانيكية.

إضافة إلى ما سبق ذكره هناك العديد من العوامل التي قد تساهم أيضاً في تفتيت الصخور وتكسيرها وتهشيمها، منها على سبيل المثال: الهزات الأرضية والزلازل، والتأكل الناجم عن احتكاك الكتل الصخرية نتيجة انزلاقها بعضها على بعض، وكذلك مُجمل الأعمال الهندسية الإنشائية والنشاطات العمرانية التي ينفذها الإنسان على السطح الخارجي للقشرة الأرضية.

التجوية الكيميائية

تُعرَّف التجوية الكيميائية على أنها مجمل التفاعلات الكيميائية التي تتم بين الصخور والغلاف المائي والهوائي على السطح الخارجي للقشرة الأرضية. فالكثير من الفلزات السليكاتية silicate والكبريتية وغيرها من الفلزات التي كانت مستقرة ضمن أوساط نشأتها وتشكلها في باطن الأرض تصبح غير مستقرة لدى انتقالها إلى السطح الخارجي للأرض. يعود سبب ذلك إلى اختلاف الشروط الكيميائية والفيزيائية السائدة على السطح الخارجي للأرض عن تلك الشروط التي تكونت ضمنها تلك الفلزات. إن نشأة أي فلز في أي وسط من الأوساط يعني تمتع مكوناته بحالة من الاستقرار والثبات والاتزان بينه وبين جميع الشروط الفيزيائية والكيميائية السائدة ضمن ذلك الوسط، وعند انتقال الفلز إلى وسط آخر تسود فيه ظروف وشروط فيزيائية وكيميائية مختلفة أو مغايرة تصبح مكونات هذا الفلز غير متوازنة أو مستقرة، وتبدأ سلسلة من التفاعلات الكيميائية ضمن الوسط الجديد تصل في نهايتها إلى حالة توازن واستقرار جديدة. فمكونات الفلزات الأولية التي ارتبطت بروابط كيميائية محددة ضمن شروط بيئات تكونها الأولية تصبح غير ملائمة، فتتحرر هذه المكونات من تلك الروابط الكيميائية.

عوامل التجوية الكيميائية: وتضم مجموعة من العمليات أهمها: الكربنة، الإذابة (الانحلال)، الأكسدة، الاختزال، التحلل المائي (الحلمهة)، الإماهة.

1- الكربنة: يحتوي الغلاف الجوي على نحو من غاز ثنائي أكسيد الكربون الذي يمكن أن يذوب وينحلَّ بماء المطر مكوناً حمض الكربون الخفيف "الأمطار الحامضية"، وفق التفاعل (1):

يتفاعل حمض الكربون الخفيف مع الصخور الكربوناتية عند تغلغله وجريانه ضمنها محولاً إياها إلى بيكربونات الكلسيوم سهلة الذوبان والانحلال وفق التفاعل (2):

يُعدُّ التفاعل الكيميائي السابق تفاعلاً عكوساً، إذ إنه عند انخفاض تركيز غاز ثنائي أكسيد الكربون يتجه التفاعل نحو اليسار مكوناً كربونات الكلسيوم، وبتلك الآلية تتشكل الصواعد والنوازل ضمن المغارات والكهوف (الشكل 10).

الشكل (10) تأثير مياه الأمطار الحامضية في الصخور الكلسية.

2- الإذابة (الانحلال): تتفاوت الصخور والفلزات بدرجة ومقدار ذوبانها وانحلالها بالماء، وتُعدُّ بشكل عام مجموعة الفلزات النتراتية أكثرها انحلالاً، تليها مجموعة الفلزات الهاليدية فالسلفاتية فالكربوناتية (الشكل11)، وأخيراً مجموعة الفلزات السليكاتية والألوموسليكاتية التي تُعدُّ أقلها قابلية للذوبان. تتغير درجة إذابة الصخور والفلزات عادةً مع تغير درجة حموضة الوسط (الباهاء pH) ووجود بعض الأملاح أو الغازات بالماء.

الشكل (11) تأثير عملية الإذابة (الانحلال) في الصخور الكلسية.

3- الأكسدة: تُعدُّ عملية الأكسدة من أهم عمليات التجوية الكيميائية للصخور الرسوبية، ويُعدُّ عامل أكسدة الفلزات أكثر عوامل التجوية الكيميائية التي تتمُّ في الأوساط جيدة التهوية، ولا سيما عند انخفاض مُتطلبات الكائنات الحية للأكسجين، عندئذ يكون كل الأكسجين المتوفر موظفاً لأكسدة الفلزات. ويرتبط عنصر الأكسجين عادة بالفلزات ويعمل على أكسدتها مكوناً الأكاسيد، وتزداد عملية الأكسدة مع ارتفاع معدل الرطوبة في الهواء وزيادة درجة حرارة الجو. وتُعدُّ الصخور والفلزات الحاوية في تراكيبها الكيميائية أكاسيد عنصر الحديد أو المنغنيز أو الكبريت أكثرها قابلية للأكسدة (الشكل 12).

الشكل (12) تأكسد عنصر الحديد وتحوله إلى فلز الهيماتيت، يظهر الشريط الرمادي والأحمر ارتشاح وأكسدة معادن الحديد في أثناء التجوية ويكتسب الصخر اللون الصدئي.

هذا ويعد تحول فلز السِدِريت sederite إلى فلز الهيماتيت hematite مثالاً واضحاً لعملية الأكسدة التي تتم وفق التفاعل (3):

          هيماتيت سِدِريت    

ومثال عنصر المنغنيز عندما يتأكسد فلز الرودوكروزيت rhodochrosite ليتكون فلز البيرولوزيت pyrolusite وفق التفاعل (4):

                    بيرولوزيت رودوكروزيت  

4- الاختزال: تنشط عملية الاختزال في الأوساط رديئة التهوية عند نقص الإمداد بالأكسجين وارتفاع مُتطلبات الكائنات الحية له، خاصة تحت ظروف الأراضي الغدقة أو نتيجة ارتفاع مستوى الماء الأرضي. يكون لهذه العملية دور مهم في تجوية الصخور والفلزات ولاسيما تلك الغنية بالعناصر الكيميائية متعددة الشحنات الكهربائية، مثل: الحديد والمنغنيز والكوبالت والنيكل والكبريت. فمثلاً يتمُّ اختزال الحديد ثلاثي الشحنة في مثل هذه الأوساط المُرجعة الرطبة إلى الحديد ثنائي الشحنة الذي يتميز بحركية ونشاط جيوكيميائي عالٍ وفق التفاعل (5):

5- التحلل المائي (الحلمهة): تتمُّ عملية الحلمهة نتيجة إحلال إيونات الهدروجين مكان بعض إيونات العناصر الكيميائية الأخرى موجبة الشحنة كإيونات الصوديوم والبوتاسيوم والمغنيزيوم والكلسيوم والباريوم وغيرها، والموزعة في الشبكة البلورية البنائية للفلزات، مسببة تفكك البناء البلوري ومن ثمَّ تفتت الفلزات وبالتالي تفتت الصخور وتهشمها. وتُعدُّ عملية التحلل المائي (الحلمهة) من أهم عمليات التجوية الكيميائية تأثيراً في الصخور والفلزات وأكثرها تعقيداً، فهي تتم في كل الظروف المناخية وتنشط بالمناطق الاستوائية الحارة الرطبة. يتم غسل الإيونات الناجمة عن عملية إحلال إيونات الهدروجين وتخرج من منظومة التفاعل أو تُشكلُ عناصر مغذية للنباتات، أو يتمُّ تثبيتها على السطوح الخارجية لفلزات الغضار. وتُعدُّ عملية غزو إيونات الهدروجين لفلز الصفاح البوتاسي (الأورثوكلاز) من أهمِّ أمثلة التحلل المائي التي تكون شائعة في الطبيعة والتي ينجم عنها تشكُّلُ كلٍّ من فلز الكاولينيت kaolinite أو فلز الإيليت Elite وفق التفاعلين (6 و7):

 

6- الإماهة: تحدث الإماهة عندما ترتبط جزيئات الماء بفلزات الصخر المُختلفة أو الفلزات التي توجد في التربة، يرافق حادثة الإماهة ازدياد الحجم الأصلي للفلزات نتيجة إماهتها، فمثلاً: يزداد حجم فلز الأنهيدريت anhydrite نتيجة إماهته وتحوله إلى فلز الجص بنسبة 33% من حجمه الأصلي، ويُسبب ذلك ضغوطاً على الصخور المُرافقة (التفاعل 8).

إن عملية إماهة فلزات أكاسيد الحديد في الطبيعة شائعة، حيث يتميه فلز الهيماتيت إلى الليمونيت limonite وفق التفاعل (9):

كما يتميه فلز الهيماتيت إلى فلز الغوتيت goethite وفق التفاعل (10):

ويتميه فلز الكوروندم corundum  عند ارتباطه بالماء مكوناً فلز البويهميت boehmite وفق التفاعل (11):

وقد يتميه أيضاً عند ارتباطه بكميات أكبر من الماء مكوناً فلز الجبسيت gibbsite وفق التفاعل (12):

لا يقتصر تأثير فعل الإماهة على الفلزات بسيطة التركيب الكيميائي، إنَّما يمتدُّ ليطال الفلزات الألوموسليكاتية المُعقدة، فمثلاً: يمتز فلز البيوتيت biotite الماء بين طبقاته منتبجاً، ويصبح الفلز أكثر مسامية وتضعف القوى الرابطة بين طبقاته مما يُسهل تجويته، كما يدمص فلز المونتموريلونيت montmorillonite الماء بين طبقاته وينتفخ "ينتبج" من °A14 إلى °A40 مؤدياً إلى تولد ضغوط كبيرة تؤدِّي في الكثير من الأحيان إلى انهيار المباني والجسور.

مما سبق يُلاحظ أن فعل الإماهة يؤدِّي إلى زيادة نسبة الماء في الفلزات نسباً قد تصل إلى نحو عشرة أضعاف، مما يسبب في زيادة حجم الفلزات المتميهة بنسب تراوح بين 50و150% من حجمها الأولي. أيضاً يمكن أن تتضافر أكثر من عملية من عمليات التجوية في آن واحد، فمثلاً: تُؤثر عمليتا الأكسدة والكربنة في تجوية فلز الأورثوكلاز فيتشكل فلز الكاولينيت إضافة إلى كربونات البوتاسيوم وفلز الكوارتز وفق التفاعل (13):

كما يتشكل فلز السربنتين serpentine نتيجة تميه فلز الأوليفين olivine تحت تأثير المحاليل الهدروترمالية  hydrothermal منخفضة درجة الحرارة 200-400°س، وفق التفاعل (14):

7- التأثير الكيميائي للكائنات الحية

تؤدي الكائنات الحية دوراً فيما يسمى التجوية البيولوجية biological wethering إذ تطلق النباتات مركبات مخلبية chelating (أحماضاً عضوية وغيرها)، وجزيئات حمضية (أي البروتونات protons، وأحماض عضوية أخرى) لتحطيم المركبات المحتوية على الحديد والألمنيوم في التربة تحتها. وقد تتسبب بقايا النباتات الميتة في التربة في تكوين الأحماض العضوية التي تتسبب في التجوية الكيميائية عند إذابتها في الماء. كما يمكن أن يؤثر الإطلاق المفرط لمركبات مخلبية بسهولة في الصخور والتربة المحيطة ، وقد يؤدي إلى بودلة التربة podsolisation.

وقد تتسبب بعض أنواع البكتريا والأشنيات التي تستعمر أسطح الصخور الحاوية على الفلزات المعدنية في التجوية الكيميائية من خلال إطلاقها جزيئات مخلبية وأحماض عضوية وبروتونات (الشكل 13).

الشكل (13) التجوية البيولوجية للبازلت من الحزاز.

العوامل المؤثرة في معدلات سرعة التجوية

يتباين تأثير عمليات التجوية في الصخور والفلزات، فمنها الذي يتأثر بشدة، ومنها الذي يتأثر ببطء شديد أو محدود التأثر، ويُعزى هذا الاختلاف في معدلات سرعة التجوية إلى مجموعة من العوامل أهمها:

- طبيعة الصخور الأم والفلزات المكونة لها:

تتناقص سرعة تجوية الفلزات قاتمة اللون لدى الانتقال من الأوليفين فالبيروكسين pyroxene فالهورنبلند hornblende  فالبيوتيت وأخيراً المسكوفيت muscovite، كما تتناقص سرعة تجوية الفلزات فاتحة اللون من البلاجيوكلاز plagioclase الكلسي فالبلاجيوكلاز الصودي وأخيراً الصفاح البوتاسي، ويُعدُّ فلز الكوارتز أكثر الفلزات مقاومة لعمليات التجوية.

مما سبق ذكره يُلاحظ أنَّ سرعة تجوية الفلزات تمثل الترتيب العكسي تماماً لسلاسل تشكل الفلزات التفاعلية؛ لذا يمكن القول إن درجة مقاومة الفلزات لعمليات التجوية تتزايد كلما تناقص الفرق بين الشروط الترموديناميكية التي كانت سائدةً فترة تَشكُّلِ الصخر، وتلك التي تسود حالياً على السطح الخارجي للأرض.

- المناخ (درجات الحرارة ومعدل الهطل المائي): يُعدُّ المناخ العامل الأكثر أهمية في تحديد نوع التجوية السائدة، فدرجات الحرارة ومعدل الهطل المائي السنوي لهما دور مهم في تحديد طبيعة التجوية الكيميائية والحيوية وشدتهما، فلقد لوحظ تضاعف معدل التفاعل الكيميائي والكيميائي الحيوي عند ارتفاع درجات الحرارة مقدار 10°س، أيضاً تتطلب عمليات الإذابة والإماهة والتحلل المائي كميات وافرة من المياه لتتمَّ.

- النشاط الحيوي وكثافة الغطاء النباتي: تُساهم الكائنات الحية في تجوية الصخور وتكوين التربة، فالنباتات النامية توفر حماية طبيعية لقطاع التربة وآفاقه السطحية من الانجراف، كما تؤدِّي إلى زيادة رشح المياه في قطاع التربة، أيضاً تساعد جذور النباتات على تكوين التربة إذ تساهم بتوفير بعض الحموض الدبالية التي تساهم مساهمة مباشرة في تجوية الفلزات. أما الكائنات الحية الصغيرة كالديدان والعناكب والنمل فتساهم بتفتيت جزء كبير من المادة الفلزية والعضوية وتحطيمها، وبعد موتها تتحلل وتصبح جزءاً من المكون العضوي للتربة، أيضاً تساهم بعض الكائنات الحية المجهرية بتثبيت بعض العناصر الكيميائية أو نقلها كلآزوت (النتروجين) والكبريت والحديد والمنغنيز، وتبدل من نسبها ومعدلاتها، وبالتالي يكون لها تأثير مباشر في نمو النباتات.

- طبوغرافية السطح الخارجي للأرض: تؤثر التضاريس في عمليات التجوية من خلال تأثيرها في عامل المناخ، فمثلاً في المناطق الجبلية ذات الانحدارات الكبيرة تتحرك غالبية مياه الهطل المائي على شكل جريان سطحي، وبالتالي يكون الماء المتغلغل ضمن الطبقات الصخرية محدوداً جداً، كما تكون درجات الحرارة منخفضة وتسود عمليات التجوية الفيزيائية، ويتكون حطام صخري خشن المقاييس. أما في المناطق المسطحة أو المنخفضة التي تكون عملية صرف مياه الهطل المطري فيها رديئة فتكون بيئات مُرجعة يتجمع ضمنها حطام صخري ناعم المقاييس.

مراجع للاستزادة:

- فلاح أبو نقطة، أساسيات في علم التربة، جامعة دمشق، 2004.

- عبدالرحمن السفرجلاني، علم التربة، جامعة دمشق، 2014.

-H. Bahlburg, C. Breitkreuz, Grundlagen der Geologie, Stuttgart; Heidelberg; Germany, Spektrum Akademischer Verlag, 2012.


التصنيف : علوم البيئة والتنوع الحيوي
النوع : علوم البيئة والتنوع الحيوي
المجلد: المجلد السادس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 571
الكل : 29664595
اليوم : 44605