logo

logo

logo

logo

logo

الانقسام الخلوي وحفظ الجينوم

انقسام خلوي وحفظ جينوم

Cell division and maintenance of the genome - Division cellulaire et maintenance du génome

الانقسام الخلوي وحفظ الجينوم

هيفاء قاسم

 

لكل خلية تاريخ حياة مميز، يبدأ من اللحظة التي تتكون فيها من انقسام خلية حية، وينتهي بموتها أو انقسامها معطية الحياة لخليتين ابنتين، ولكي تكون الخلية قادرة على الانقسام، فإن على نواتها أن تمر بانقسام معقد تتوزع فيه مجموعة كاملة من الصبغيات إلى نواة كل خلية ابنة.

عندما تنقسم خلية جسمية عادية 2n فإن كامل الذخيرة الوراثية فيها يجب أن يعبر إلى كل من الخليتين الجديدتين، هذا النوع من الانقسام يدعى الانقسام الخيطي mitosis الذي يؤمن التوزيع المتساوي للمادة الوراثية إلى الخليتين البنتين الناتجتين من الانقسام، بحيث تحوي كل خلية بنت العدد الصبغي نفسه الموجود في الخلية الأم. وهذا تؤمنه عملية تضاعف الدنا DNA في الطور S من دورة الخلية cell cycle، التي تتألف من أربع مراحل يمثل الانقسام الخيطي المرحلة الأولى فيها، في حين تمثل المراحل الثلاث الباقية ما يعرف بالطور البيني interphase الذي يقسم بدوره إلى ثلاث مراحل تعرف المرحلة الزمنية الأولى (قبل تركيب الدنا) (presynthesis period (G1 التي تتميز ببناء الرنا RNA والبروتين وتجميعهما في السيتوبلاسما (الهيولى)، كما يرافق هذه المرحلة نمو للخلية لا يستهان به، تليها مرحلة تركيب الدنا
(synthesis period (S التي يتم فيها تضاعف الدنا، كما يستمر تركيب البروتين وخاصة الهستونات لترتبط ارتباطاً وثيقاً بالدنا حديث التركيب، وبانتهاء مرحلة التركيب تحتوي نواة الخلية على مجموعتين كاملتين من المادة الوراثية تدخلان المرحلة الزمنية الثانية بعد التركيب (period (G2 postsynthesis حيث تستأنف السيتوبلاسما نموها، كما تتهيأ الخلية للبدء في انقسام نواتها. تأخذ عملية تركيب الدنا أهمية كبيرة لأن التتابع في أحد شريطي الدنا يُنقل ويُنسخ كاملاً في الشريط الآخر.

تحدث عملية تضاعف الدنا بأربع خطوات هي:

- ينفك اللولب بتأثير إنزيمات توبوايزوميراز topoisomerases
مثل إنزيمات جيراز الدنا DNA gyrase المفككة للدنا، ويبدو أن بروتين الدنا DNA protein هو الأكثر فاعلية في التضاعف، كما يشارك N protein أيضاً في فك اللولب, وتحافظ الأشرطة المفردة على التفكيك بوساطة بروتينات روابط دنا Single Strand (Bindings (SSBs.

- ثم يتم كسر الروابط الهدروجينية بوساطة إنزيم helicases، وبذلك ينفصل الشريطان اللذان يبدأان في تكوين شريطين جديدين عن طريق إضافة نوكليوتيدات جديدة إلى الشريط الجديد؛ في البدء تُركِّب إنزيمات بوليميراز رنا نوعية تدعى بريماز primases بادئاً للرنا RNA primer قصيراً بطول نحو 10 نوكليوتيدات عادة، مكملاً للدنا، وهذا ضروري جداً لأن إنزيمات دنا بوليميراز لا يمكنها أن تركب الدنا من دون بادئ، وهنا يبدو أن إنزيمات البريماز تتطلب مساعدة عدد آخر من البروتينات، ويدعى معقد البريماز مع البروتينات الملحقة بريموزومprimosome .

- بعد ذلك يحدث تركيب كلا الشريطين على شكل إضافة قطع أو أجزاء من النوكليوتيدات تعادل نحو 100 نوكليوتيد تدعى قِطع (كِسرات) fragments أوكازاكي Okazaki إلى كل من الشريطين.

- ثم تتم عملية ربط هذه الأجزاء بتدخل إنزيمة دنا ليغاز DNA ligase حيث تشكل رابطة فسفورية ثنائية الاستر بين هدروكسيل في الشريط النامي و فسفات في أحد أجزاء أوكازاكي.

وفي أثناء هذه العملية قد يحدث خطأ في النوكليوتيدات المضافة بتغيير شفع منها أو تبديل موضعها على الشريط أو حذف أحدها، وهذا ما يُسمى الطفرات النقطية point mutation. ويؤدي استمرار هذه الأخطاء إلى تغير في الجينوم. يحدث عادة عدم الثبات في الذخيرة الوراثية للفرد نتيجة الميل المتزايد للتغيير في الجينوم خلال دورة حياة الخلايا، وإن تراكم هذه التغيرات قد يسبب سوء تنظيم أو عدم ضبط لانقسام الخلية وبالتالي عدم توازن بين نمو الخلية وموتها، كما يعدّ دافعاً أساسياً لحدوث السرطانات.

يترافق عدم الاستقرار الجيني خلال الانقسام الخلوي مع فشل الخلايا الأبوية للتضاعف الدقيق المضبوط للجينوم، وعدم التوزيع المتساوي للمادة الوراثية بين الخلايا البنات. يمكن أن تحوّل التغيرات أو التعديلات الحرجة للجينات الخلية السلفية الطبيعية إلى طليعة خلية سرطانية، وعلى ذلك فإن تراكم التغيرات الجينية لا يكون فقط علامة وإنما قوة دافعة للسرطانات.

تعدّ الإشعاعات ذات الطاقة العالية بما فيها فوق البنفسجية والإشعاعات المؤينة مثل الإشعاعات السينية X-rays والإشعاعات المنبعثة من المواد المشعة من أكثر العوامل المسببة للتغيرات الجينية وبالتالي حدوث الطفرات، فالإشعاعات المؤينة تُحدث الطفرات من خلال إحلال نوكليوتيد محل نوكليوتيد آخر، كما لها القدرة أيضاً على إزالة أجزاء كبيرة من المادة الوراثية نتيجة اصطدام جسيماتها ذات الطاقة العالية بجزيئات الدنا. ويُحدث الضوء فوق البنفسجي الطفرات بحفز الارتباط غير العادي لقواعد التيمين المتجاورة وتكوين روابط بينها، فتكوين ثنائي التيمين يؤدي إلى تثبيط الدنا بحيث يفقد بعدها القدرة على التضاعف وعلى تكوين الرنا المرسال (الشكل 1).

الشكل (1) تأثير الإشعاعات المختلفة على الجينات وعلى إحداث الطفرات والزيوغ الصبغية

تُظهر بعض المواد الكيميائية التي تسبب حدوث الطفرات تأثيرها بتحويل قاعدة آزوتية إلى قاعدة أخرى، فحمض الآزوت (3) HNO2 يعمل على إزالة مجموعة الأمين من السيتوزين ليحوله إلى اليوراسيل؛ مما يؤدي إلى تغيير حمض أميني بآخر في أثناء تركيب البروتين، ومن ثم تغيير في خصائص البروتين الذي تم بناؤه، وقد يكون لهذا التغيير أهمية كبيرة أحياناً، فمثلاً تُنتج العديد من جزيئات الهيموغلوبين البشرية الشاذة نتيجة تغيير حمض أميني واحد في تركيب البروتين فيها.

تلجأ الخلايا الطبيعية إلى أربع آليات رئيسة لخفض عدم ثبات الجينوم، ومن ثم الحفاظ على الاستقرار الجينومي genome stability في أثناء انقسام الخلية وهي:

1 - الدقة العالية لتضاعف الدنا في أثناء الطور S ولمرة واحدة لكل دورة خلوية.

2 - التوزيع المتساوي والدقيق للصبغيات بين الخلايا البنات في أثناء الانقسام الخيطي بما يضمن حصول كل من الخلايا الناتجة على مادة وراثية مشابهة للأصلية إلى حد كبير.

3 - تصحيح أضرار الأخطاء الناجمة عن تقطعات الدنا خلال دورة الخلية.

4 - مراقبة تعاقب دورة الخلية والسيطرة الكاملة عليها.

تحتوي الخلية على بعض الجينات التي تعمل على مراقبة عملية انقسام الخلية والدورة الخلوية بكاملها، فمثلاً يوصف الجين P53 بأنه حارس الجينوم guardian of the genome، فهو ينظم تكاثر الخلايا وموتها، كما أنه يراقب العمليات التي تحدث في أثناء انقسام الخلية، ويحمي الدنا من كثير من الأضرار. فإذا حصل تلف أو خلل في الدنا في أثناء الانقسام فإن هذا الجين يأمر الكثير من الجينات المشاركة في الانقسام بإيقاف دورة الخلية عند G1/S في مرحلة G1 أو G2 أو G2/M حتى يتم إصلاح الخطأ، ثم يأمرها بالاستمرار بعد زوال الأذى. ولكن في بعض الحالات يكون التلف كبيراً وغير قابل للإصلاح، عندها يقوم الجين P53 بتنشيط جينات أخرى لتدمير الخلية, ويُدمَّر هو أيضاً؛ ولذا يسمى بالجين الانتحاري Suicidal gene. كما تبين وجود عوامل محددة في الجسم تنظم عملية الانقسام، التي تتمثل في تنظيم الوقت الذي يبدأ فيه الانقسام الخيطي أو تنظيم سرعة تركيب الدنا أو وقت تركيبه في دورة الخلية، ومن هذه العوامل «الكالونات» chalones، وهي مواد تتألف في غالبها من الببتيدات والبروتينات السكرية تفرزها الخلايا السليمة إلى السائل الخلوي الخارجي فتثبط الانقسام الخيطي في الخلايا التي أنتجها، في حين يتوقف بناء «الكالونات» في الخلايا المجروحة فينقص مستواها في السائل الخلوي الخارجي؛ مما يقلل من عملية التثبيط ويسمح لخلايا النسيج المجروح بالانقسام حتى يلتئم الجرح. ولا يُعرف حتى الآن كيفية تثبيط «الكالونات» لعملية الانقسام الخيطي، إلا أنه من المعروف أنها لا تثبط تركيب الدنا الذي يحافظ على مستواه بوجود «الكالونات». ويتوفر الآن دليل على احتواء النسج الطبيعية مواد تحفز الانقسام الخيطي، ويعمل تفاعل «الكالونات» والمواد المحفِّزة للانقسام على تنظيم هذه العملية في الخلية. كما تبين أن هناك علاقة دقيقة بين تركيز كل من الأدينوزين أحادي الفسفات الحلقي cyclic AMP وإيونات الكلسيوم من جهة والانقسام الخلوي من جهة أخرى، إذ تحتوي الخلايا غير المنقسمة على المزيد من هاتين المادتين بخلاف الخلايا سريعة الانقسام. وتمنع بعض المضادات الحيوية مثل الستربتومايسين انقسام الخلية على نحو غير مباشر، وذلك بإيقاف تركيب البروتين مما يطيل المرحلة الزمنية الأولى (G1) من دورة الخلية.

هيفاء قاسم

مراجع للاستزادة:

- عدنان بدران، إلياس بيضون، علم الخلية، كلية التربية، سلطنة عمان، 1998/1990.

-B. C. Dash, W.S. EL-Deiry, Cell Cycle Checkpoint Control Mechanisms That Can Be Disrupted in Cancer, 2004.

-Cell Cycle and Genome Stability. Department of Biology. University of Copenhagen, 2010.

-P. Zegerman, J. F. Diffley. DNA Replication as a Target of The DNA Damage Checkpoint, 2009.

 


التصنيف : الوراثة
النوع : الوراثة
المجلد: المجلد الرابع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1136
الكل : 45609376
اليوم : 10059