logo

logo

logo

logo

logo

الأمن الغذائي

امن غذايي

Food security - Sécurité alimentaire

الأمن الغذائي

محمود ياسين

مفهوم الأمن الغذائي

انعدام الأمن الغذائي

نظم أسواق الغذاء

أنماط استهلاك الغذاء

الأمن الغذائي العربي

 

شغلت مسألة الأمن الغذائي food security الإنسان منذ القديم، ومرت البشرية بتجارب كثيرة، حيث كان الغذاء جاهزاً وميسراً للجميع على شكل نباتات وثمار في المجتمعات الإنسانية القديمة. ومع استقرار الإنسان في الأرض عرف الصيد وأقيمت الزراعات حول التجمعات السكانية، ودُجِّنت الحيوانات، وتعددت أنواع الأغذية، وابتكرت طرائق جديدة لإنتاج المواد الغذائية. ثم بدأت الحياة تتركز في نظام اقتصادي اجتماعي يعتمد على الزراعة متطلباً تآزر أبناء العشيرة والقبيلة الواحدة وتكاتفهم، فشارك الجميع في تحمل أعبائه، وكان الغذاء والكساء والسكن متوافراً للجميع على الرغم من بساطة الاحتياجات الفردية وتشابهها. ونظراً لنمو السكان بمتوالية هندسية وتزايد الغذاء بمتوالية عددية حدث خلل بين كمية الغذاء وأعداد السكان. وأظهرت الثورة الصناعية مفاهيم جديدة للنظم الاقتصادية والاجتماعية واستهلاك الغذاء، وتحول النظام الاقتصادي إلى نظام أساسه السوق العالمية، وبدأت التكوينات العائلية بالتصدع والانهيار في مرتكزاتها الأساسية مع ظهور ميل شديد نحو البناء الأسري المستقل. وحل مفهوم العمل المأجور، وبدأ عدد السكان بالتنامي السريع، وفي العقود القليلة المنصرمة أخذت المناطق الريفية تشهد حركة نزوح غير طبيعية أفرغت الريف من قسم من سكانه لمصلحة نمو المدينة، وأجهضت فيه الزراعة بعد أن كانت تمثل البنيان الأساسي في الاقتصاد القومي.

تغير مفهوم الأمن الغذائي منذ خمسينيات القرن الماضي ليأخذ أبعاداً اقتصادية واجتماعية وسياسية ولاسيما عندما يتعلق الأمر بتأمين الغذاء للفئات الأكثر حاجة إلى الغذاء النوعي مثل الأطفال والمرضى من السكان، كما تغيَّر مفهوم الغذاء ليصبح جزءاً من مفهوم الأمن القومي لدول العالم. وفي مطلع القرن الحادي والعشرين ظهرت سياسات اقتصادية جديدة تعتمد على تنفيذ العديد من الإصلاحات الاقتصادية والتشريعية وإعادة هيكلة الاقتصادات العالمية في إطار تعزيز التكامل العالمي في ظل العولمة، وتسهيل تنفيذ الاتفاقات التجارية في ظل منظمة التجارة العالمية.

مفهوم الأمن الغذائي:

يُعرف الأمن الغذائي بأنه حصول المواطنين في بلد ما في جميع الأوقات على ما يكفيهم من غذاء ملائم كماً وجودةً وتنوعاً، لممارسة حياة ملؤها النشاط والصحة. ويجب تهيئة الظروف التي يمكن في ظلها لجميع المواطنين في بلد ما ضمان ما يحتاجون إليه من غذاء والتمتع بالتغذية الجيدة بطريقة كريمة ومستمرة. ولكي يتحقق الأمن الغذائي لا بد من توافر الأغذية للمواطنين، ما يعني ضرورة إنتاج كميات كافية منها أو استيرادها من الخارج، وتوافر فرص الحصول على الغذاء، ما يعني بالضرورة توزع الأغذية لتكون بمتناول الجميع، وضرورة استخدامها بأفضل طريقة ممكنة لكي يتمتع كل إنسان في المجتمع بالصحة والتغذية الجيدة، كما لابد من توافر بعض الخدمات الأساسية، مثل مرافق التعليم والصحة والسكن الآمن والمياه النظيفة. ويُعد الفقر والظلم الاجتماعي ونقص التعليم من الأسباب الرئيسية لسوء التغذية والجوع.

يتطلب تحقيق الأمن الغذائي أن يكون البلد قادراً على إنتاج الأغذية التي يحتاج إليها أو استيرادها، وعلى تخزينها وتوزيعها، وأن يمتلك الوسائل والأمن والأمان لإنتاج الأغذية التي يحتاج إليها أو شرائها، وأن يكون لديه الوقت والدخل لضمان تلبية الاحتياجات الغذائية لجميع الأفراد والأسر على مدار العام بغض النظر عن الحالات الحرجة الناجمة عن نقص مفاجئ في الإنتاج لسبب غير متوقع مثل الجفاف والفيضانات، أو وجود معوقات استيراد لسبب سياسي أو اقتصادي، أو بسبب الحروب، أو تدهور القيمة الشرائية للعملة المحلية بسبب نقص الدخل أو ارتفاع أسعار السلع الغذائية ارتفاعاً مفاجئاً وحاداً.

قد يختلط مفهوم الأمن الغذائي بمفهوم الاكتفاء الذاتي؛ فيدفع ذلك إلى تبني سياسات اقتصادية تضر بالأمن الغذائي بدلاً من أن تدعمه. فالاكتفاء الذاتي في معناه العام أن تنتج الدولة جميع احتياجاتها من الغذاء من دون اللجوء إلى طلب المعونة أو الاستيراد من الخارج. إن تحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية قد يُحسِّن من الوضع الغذائي شريطة أن يُبنى على أسس اقتصادية مرنة تضمن للبلد فائدة الميزة النسبية أو التنافسية مع الخارج.

ينطوي مفهوم الأمن الغذائي الحديث على حالة نسبية من مقدرة الحكومات على تأمين الغذاء للمواطنين بمواصفات تحدد الكم والنوع والتوزيع لجميع الفئات العمرية والجنسية والحالات الاقتصادية والاجتماعية، ولا يعني هذا المفهوم قدرة الحكومات على تأمين كل ما يحتاج إليه السكان من غذاء من موارد ذاتية، ويتحقق الأمن الغذائي إذا تم استيفاء ما يلي:

1. إنتاج أكبر قدر ممكن من المواد الغذائية الأساسية التي يحتاج إليها السكان كماً ونوعاً من موارده الذاتية أو من موارد بلد آخر متحالف أو متكامل معه وفقاً لأسس الميزة النسبية والجدوى الاقتصادية التي تلبي الطلب على المواد الغذائية داخل البلد وخارجه، ما يؤكد أن الأمن الغذائي يمكن أن يتم تحقيقه من خلال التعاون بين عدد من الدول الإقليمية أو الدولية بما يضمن تأمين الغذاء وتبادله بشروط عادلة ومناسبة.

2.إمكان توفير الغذاء المطلوب عن طريق الاستيراد من الخارج في حالة عجز الموارد المحلية في تلبية احتياجات المواطنين من الغذاء.

3. توفير مخزون احتياطي من المواد الغذائية الأساسية والاستراتيجية يكفي احتياجات السكان من الغذاء لأطول فترة ممكنة قد تصل إلى ستة أشهر.

دخل مفهوم الأمن الغذائي ضمن مصطلحات حقوق الإنسان فيما يُعرف بالعدالة الغذائية التي تعني الطريقة الجماعية للحصول على الغذاء. ويؤكد هذا المفهوم أن إنتاج الغذاء في العالم يكفي لإطعام سكانه، وأن الأمن الغذائي حق أساسي للإنسان، وأن نقص الغذاء ليس في كمية الغذاء المنتج وإنما عدم وجود إدارة سياسية أو اقتصادية لتوزيع الغذاء توزيعاً عادلاً بغض النظر عن مقدرة المواطنين على دفع قيمته.

انعدام الأمن الغذائي:

مصطلح اقتصادي يعني وجود مناطق أو بلدان تعاني المجاعات التي يتأثر بها سكان منطقة أو بلد، ومن أمثلتها القرن الإفريقي الذي يضم مجموعة من البلدان تعاني المجاعات والتصحر والجفاف الذي يضرب تلك المنطقة؛ إذ تعرضت تلك المنطقة خلال الفترات الماضية لمجاعات عامة شملت معظم دولها، وهي عرضة في أي فترة قادمة لمجاعات أخرى نتيجة ضعف اقتصادها، ونتيجة للظروف الطبيعية الرديئة مثل الجفاف والتصحر اللذين تتعرض لهما، إضافة إلى الاضطرابات السياسية في كثير منها، مما يتطلب ضرورة دراسة ظاهرة انعدام الأمن الغذائي في دول تلك المنطقة. كما تظهر بوادر انعدام الأمن الغذائي عندما يكون السكان والأفراد دون مستويات التغذية، أو لا يستطيعون تناول كميات من الغذاء تتضمن الحد الأدنى من الطاقة (الحريرات)، أو العناصر الغذائية بسبب عدم تناول وجبات كافية أو متوازنة، أو أن تكون أبدانهم غير قادرة على الاستفادة من الغذاء على نحو فعال من جراء الإصابة بالأمراض. وتُعد ظاهرة انعدام الأمن الغذائي من الظواهر المعقدة خاصة عندما تحدث من جراء تداخل العديد من العوامل التي تختلف فيما بينها من حيث الأهمية اعتماداً على المناطق والبلدان والمجموعات الاجتماعية، وتتأثر هذه الظاهرة بالعوامل التالية:

- الأداء المتعلق باقتصاديات الغذاء والرعاية الصحية الخاطئة. ولأجل تحقيق المستوى المطلوب يجب أن تستهدف استراتيجيات الدول القضاء على انعدام الأمن الغذائي عن طريق توحيد جهود العاملين في قطاعات الزراعة والصحة والتعليم وما يرتبط بها.

- نقص التغذية نتيجة للظروف التي تنشأ عندما تكون كميات الغذاء غير كافية لتلبية الاحتياجات اليومية من الطاقة.

- الفقر، وهو عدم القدرة على بلوغ الحد الأدنى من الشروط الاقتصادية والاجتماعية التي تمكن الفرد من أن يعيش حياة كريمة. وقد عَرَّفت معظم المنظمات الدولية الفقراء بالأشخاص الذين يعملون أكثر من 8 ساعات يومياً مقابل الحصول على دخل يومي يساوي دولاراً أمريكياً واحداً ولا يزيد على دولارين ويصرفون أكثر من 80% من دخولهم للحصول على الغذاء اللازم لحياتهم. وتشير معظم الوثائق الصادرة عن المنظمات الدولية إلى خطورة انعدام الأمن الغذائي وعدم اتخاذ خطوات فعالة بهدف التغلب على انعدام الأمن الغذائي. وقد قامت العديد من المنظمات الدولية بإجراء دراسات تهدف إلى تطوير الوضع الغذائي في جميع البلدان التي ينعدم فيها الأمن الغذائي معتمدة معياراً واحداً هو متوسط نصيب الفرد من المنتجات الغذائية الضرورية لحياته اليومية.

هناك ثلاثة اتجاهات أساسية يجب توفرها للوصول إلى الغذاء الجيد والمتوازن والآمن، وهي:

- توفر كميات كافية من الغذاء للاستهلاك وعرضها سواء عن طريق الإنتاج المحلي أم عن طريق الاستيراد بما في ذلك المعونات الغذائية.

- مقدرة حصول السكان على المخصصات الغذائية لكامل الوجبات الغذائية في الحالات الاعتيادية، وفي حالات الطوارئ والكوارث الاقتصادية والمناخية والدورية (فقدان الأمن الغذائي الموسمي).

- توفر مياه الشرب النظيفة والرعاية الصحية والصرف الصحي.

نظم أسواق الغذاء:

يرى علماء الاقتصاد الزراعي أن تسويق الغذاء يشمل كل ما يتصل بإضافة المنافع التمليكية والزمانية والشكلية والمكانية، على حين يُركزُ بعضهم على وظيفتي البيع والشراء والوظائف المساعدة مثل المعلومات التسويقية والإعلان والتمويل وتحمل المخاطرة. وتعد وجهة نظر الاقتصاديين الزراعيين مناسبة أكثر للإنتاج الغذائي على اعتبار أن المزرعة هي الوحدة الإنتاجية الأولية التي تستخدم الموارد الاقتصادية الزراعية وتنتج المواد الأولية. وفي الوقت نفسه تتطلب الوحدات الاستهلاكية تلك المنتجات على مدار الأوقات بعيداً عن مكان الإنتاج؛ لذلك فإن نظام أسواق الغذاء يتضمن كل الأنشطة التي تجري على المنتجات الغذائية بدءاً من إنتاجها في المزرعة حتى وصولها إلى المستهلك النهائي.

تحتل الأنظمة التسويقية الغذائية مكانة محورية في البنيان الاقتصادي؛ فهي نتاج الفكر الاقتصادي حول الإنتاج والاستهلاك والتبادل والتوزيع، وتنطوي على زيادة المنافع الاقتصادية للمنتجات الغذائية المسوَّقة. ويضم سوق أي منتج مجموعة من المؤسسات التسويقية يكوّن فيها هذا السوق نظاماً فرعياً مستقلاً عن الأنظمة الفرعية الأخرى المكونة لنظام أسواق الغذاء. وفي الواقع هناك علاقة تشابكية بين المنتجات الغذائية كافة؛ ما يصعب تقسيم نظم المنتجات التي يشكلها البنيان الاقتصادي إلى أنظمة منفصلة تماماً، ويكون وضع حدود لكل نظام تسويقي أمراً تقديرياً، ومن الملاحظ تعدد النظم الفرعية المكونة لنظم أسواق الغذاء وفقاً لطبيعة الإنتاج والاستهلاك والتوزيع ووفقاً للسلع الغذائية المختلفة. هذا ويمكن ملاحظة وجود العديد من النظم الفرعية لأسواق الغذاء مثل أسواق الحبوب وأسواق الخضار والفواكه وأسواق اللحوم وأسواق الألبان ومشتقاتها. ويعمل المستهلكون على إشباع رغباتهم واحتياجاتهم عبر الأنظمة التسويقية المختلفة من حيث الكميات المطلوبة من السلع والنوعيات المرغوبة منها وأوقات الشراء وأماكنه وأنماط استهلاكهم ومستويات دخولهم، ومن ثم قدرتهم الشرائية بما يؤثر في طلباتهم الفعالة في تحقيق الأنظمة التسويقية الغذائية. وعلى نحو عام تختلف أسواق المنتجات الغذائية في سماتها وأهميتها وفي أنواع الهيئات التسويقية التي تمارس فيها أنشطتها، وتختلف أيضاً في طبيعة المنشآت والتجهيزات المتوافرة فيها، إضافة إلى نوع الخدمات التسويقية التي تقدمها وطبيعتها والبيئة التي توجد فيها، والعملاء الذين يتعاملون في تلك الأسواق. إن السلع والمنتجات الغذائية تسلك طريقاً من منتجيها الأولين إلى المستهلكين النهائيين، سواء كان التسويق في الداخل أم في الخارج مارة بعدد من الأسواق، تكون فيها تجارة الجملة والتجزئة المراحل النهائية من المسالك التسويقية.

إن المراقب للواقع العملي في بعض الدول- وخاصة في المجتمعات الغنية التي يتمتع فيها المستهلك بمتوسط دخل مرتفع- يلاحظ التغيرات الجذرية التي تحدث في أسواق بيع المنتجات الغذائية؛ فقد انتشرت الأسواق المركزية (السوبر ماركت) التي تبيع أنواعاً عدة وكثيرة من السلع الغذائية وغير الغذائية بطريقة الخدمة الذاتية، ومحاولتها الدائمة في جذب المستهلكين وترغيبهم في التسوق وفق سياسات سعرية تأخذ في الحسبان تعدد السلع والمنتجات وتوفيرها للمستهلك. وقد أخذت هذه الأسواق تحقق الكثير من المزايا والوفورات الاقتصادية لكبر حجم التعامل ولمحاولتها الدائمة والمستمرة الربط بين أكثر من وظيفة أو مرحلة تسويقية من خلال التعاقد على شراء منتجات خام وإجراء بعض الخدمات التجهيزية اللازمة عليها لتقديمها للمستهلك في شكلها النهائي.

أنماط استهلاك الغذاء:

يُحدَّدُ النمط الاستهلاكي لمجتمع من المجتمعات ضمن منطقة جغرافية معينة بدخل الأسرة المكونة للشريحة الاجتماعية، ويكمن تصنيف النمط الاستهلاكي وفقاً لذلك في ثلاث شرائح.

1) الشريحة الفقيرة: تعتمد في استهلاكها للمواد الغذائية إلى حد كبير على المواد والسلع النشوية والسكريات والبروتينات النباتية، ويقل عندها استهلاك البروتينات الحيوانية نظراً لارتفاع أسعارها، وتلاحظ علامات سوء التغذية على العديد من أفرادها خاصة الأطفال والنساء الحوامل.

2) الشريحة متوسطة الدخل: تركز على استهلاك البروتينات والنشويات والدهون ذات المصدر النباتي كالمعجنات والبقوليات والرز والحلويات، وتستهلك كميات من الدهون والبروتينات الحيوانية دون المعدلات العالمية.

3) الشريحة ذات الدخل الجيد: يتاح لها ما ترغبه من الاستهلاك المفرط من النشويات والسكريات، وتعاني نسبة عالية من أفرادها السمنة وداء السكري والأمراض الأخرى الناجمة عن الإفراط في استهلاك الدهون والمنتجات الحيوانية.

استناداً إلى ما سبق يُلاحظ أن الأنماط الاستهلاكية للمواد الغذائية في البلدان النامية تتنوع تنوعاً كبيراً جداً من منطقة إلى أخرى ومن شريحة إلى ثانية. ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى وجود بعض الفوارق وفقاً للأنماط الاستهلاكية وتبعاً للمناطق الجغرافية، إذ يُلاحظ في المدن والضواحي تفضيل استهلاك الخضار والفواكه والزيوت النباتية وارتفاع نصيب الفرد من استهلاك البطاطا والبندورة والخيار وما إليها، بسبب توافر هذه المنتجات في مواسمها الطبيعية وأسعارها المتدنية، وفي الشتاء يميل القاطنون في هذه المناطق إلى استهلاك اللحوم والرز والنشويات والبقول الحبية. أما في الأرياف فإن النمط الغذائي يعتمد على ما يتوافر محلياً في القرية وجوارها من مواد غذائية حيث يتم تناول الخضار والفواكه والزيوت النباتية، ويتحول بعضهم إلى استهلاك اللحوم بأنواعها في الشتاء وبعض المواسم.

الأمن الغذائي العربي:

ترتبط أزمة الغذاء في الوطن العربي ارتباطاً مباشراً بمعدلات نمو الإنتاج والطلب الاستهلاكي على المنتجات الغذائية، وبناء على ذلك فإن إنتاج الغذاء في البلاد العربية ارتبط في أحيان كثيرة بالمصادر الخارجية. كما أن ضعف أداء القطاع الزراعي أدى إلى زيادة الواردات من السلع والمواد الغذائية لتلبية احتياجات المواطنين من الأغذية الضرورية. وتعود الحالة الراهنة للأمن الغذائي إلى كون الإمكانات والموارد المتاحة غير مستغلة على نحو أمثل، حيث يزخر الوطن العربي بالموارد الأرضية الزراعية والموارد البشرية، لكن المحدودية النسبية للمياه تقف حائلاً دون التوسع في الإنتاج الزراعي.

بدأت مشكلة الغذاء في الوطن العربي في النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي، واستمرت حتى نهاية العقد الماضي حيث أصبحت واحدة من أهم المعضلات التي تواجه الدول العربية وأخطرها، بعد أن وصلت إلى مستويات بلغ فيها حجم الفجوة الغذائية نحو 14 مليار دولار. وتتصف الفجوة الغذائية هذه بالتذبذب من سنة لأخرى بسبب التغير في الإنتاج الزراعي النباتي والحيواني وتغير حجم الاستهلاك وتقلبات الأسعار العالمية. وقد أصبح تمويل استيراد الغذاء عبئاً على كثير من اقتصاديات الدول العربية، ويستحوذ على جزء لا يستهان به من الدخل القومي الذي يتجه نحو الأسواق العالمية لسد الاحتياجات المتزايدة من الغذاء. وتُعد الحبوب ولاسيما القمح من أهم المحاصيل المستورَدَة، إذ تمثل نسبة وارداتها أكثر من 50 % من الواردات الغذائية. كما يستورد الوطن العربي نحو ثلثي احتياجاته من السكر، وأكثر من نصف احتياجاته من الزيوت، ونحو ثلث متطلباته من البقوليات والألبان، إلا أن نسبة الاكتفاء الذاتي من الفواكه والخضار تكاد تصل إلى 100 %، وترتفع هذه النسبة في الأسماك لتصل إلى تحقيق فائض تصديري في بعض الدول العربية.

يعدّ تدني معدلات الاكتفاء الذاتي في الوطن العربي خطراً على الأمن الغذائي العربي الذي يمثل أحد المكونات الصحية والاقتصادية والاجتماعية الأساسية للأمن القومي العربي. وهنا ينبغي الإشارة إلى ما يأتي:

- إن التركيب السلبي للواردات الغذائية العربية يظهر أهمية السلع الضرورية التي يصعب الاستغناء عنها أو تقليل حجمها الاستهلاكي، مثل القمح الذي يعد سلعة أساسية وضرورية في نظام الاستهلاك العربي.

- طبيعة الأسواق الغذائية العالمية التي يحتكرها عدد قليل من الدول والشركات، وما تمتلكه هذه القوى من تأثير في الأسواق والتحكم في الأسعار.

- ضعف القوى التفاوضية للدول العربية المستوردة للغذاء بسبب تعاملها منفردة في السوق الغذائية الدولية، ويظهر ضعف هامش المساومة نتيجة لحساسية الغذاء ودوره في الاستقرار الاقتصادي والسياسي.

- يتطلب تفاقم أزمة الغذاء التعاون العربي لتطوير الموارد الزراعية والبشرية وتحسين أساليب الري وترشيد استخدام المياه في أغراض الزراعة والصناعة والاستعمالات المنزلية. وإن التنسيق بين البلدان العربية في هذا المجال يمكن أن يؤدي إلى رفع الكفاءة الاقتصادية للانتفاع من الموارد الطبيعية المختلفة عن طريق الاستفادة من المزايا النسبية المتاحة للتخصص في الزراعات وتبادلها مع الدول العربية الأخرى.

لقد تطورت التجارة العربية البينية في مجال الغذاء منذ إنشاء جامعة الدول العربية حيث كان هذا الموضوع من ضمن الأهداف الرئيسة للتعاون العربي المشترك؛ لهذا عقدت الاتفاقيات لتسهيل التبادل التجاري وتنظيم تجارة الترانزيت بين الدول العربية منذ عام 1953 حتى عام 1980م. وخلال عقد الثمانينيات من القرن الماضي ظهرت بعض التكتلات العربية مثل مجلس التعاون الخليجي والاتحاد المغاربي؛ وعلى الرغم من ذلك فإن جميع هذه الاتفاقيات المشتركة لم تحسِّن كثيراً من الوضع الغذائي للدول العربية وبقيت التجارة البينية ضئيلة لم تتجاوز 10% من حجم التجارة الكلية. وفي عام 1998م بدأت مرحلة جديدة في التكامل العربي عندما بُدئ بتنفيذ اتفاقية منظمة التجارة الحرة العربية الكبرى التي أقرها مؤتمر القمة في القاهرة عام 1996م. وقد خَفَّضت هذه الاتفاقية التعرفة الجمركية بنسبة 10% سنوياً، وانتهت كلياً في مطلع عام 2005م بدخول هذه الاتفاقية حيِّز التنفيذ؛ مما أدى إلى تزايد حجم التجارة البينية العربية.

إن استراتيجية الأمن الغذائي العربي يمكن تحقيقها من خلال تعزيز الجهود العربية في مجال تحديث الزراعة وتنمية قدراتها الإنتاجية والتنافسية، وتنمية الموارد الطبيعية وصيانتها والمحافظة على البيئة بما يكفل تطلعات الأجيال القادمة في إطار متكامل يحقق مصالح جميع البلدان العربية، وهذا يتطلب ما يلي:

- زيادة حجم الإنتاج الزراعي حتى يستطيع تلبية الاحتياجات الغذائية.

- زيادة الاستثمار في الريف وتشجيعه لأجل زيادة دخول الأسر الريفية عن طريق إدخال التقنيات الزراعية وتعزيز القدرة التنافسية وتمكين الإنتاج الوطني من الإحلال محل الواردات الزراعية التي تعد عبئاً كبيراً على الميزان في مختلف البلدان العربية.

- تنمية التجارة البينية العربية، وزيادة القدرات التسويقية في مجال المواد الغذائية توجهاً نحو إقامة سوق عربية مشتركة عن طريق تطوير منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى.

- تطوير العلاقات التجارية العربية مع التكتلات الاقتصادية العالمية بما يتماشى مع المصالح المستقبلية للتنمية الزراعية في الوطن العربي.

مراجع للاستزادة:

- أحمد أمين بيضون، الأمن الغذائي في العالم العربي، موجز الكتاب الإلكتروني، لبنان 2006.

- منذر خدام، الأمن الغذائي العربي، جامعة تشرين، 2011.

- إسماعيل صبحي محمد، عثمان بن سعد النشوان، نظم أسواق الغذاء، جامعة الملك سعود، الرياض 2001.

- بشير الصادق عوض، تحديات الأمن الغذائي العربي، مركز الجزيرة للدراسات، 2011.

- محمود ياسين، علي عبد العزيز، أسس التسويق الزراعي والغذائي، 2003.


التصنيف : الإنتاج النباتي
النوع : الإنتاج النباتي
المجلد: المجلد الثالث
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 468
الكل : 31648438
اليوم : 3020