logo

logo

logo

logo

logo

الإثنولوجية النباتية

اثنولوجيه نباتيه

Ethnobotany - Ethnobotanique



الإثنولوجيا النباتية

  التطور التاريخي للإثنولوجيا النباتية

نشوء الإثنولوجيا علماً

مكانة الإثنولوجيا النباتية

 

 

يتكوّن مصطلح الإثنولوجيا النباتية  Ethnobotany  من كلمتين « ethnos » اليونانية وتعني الأُمة أو الشعب، و «botany»وتعني علم النبات، وهو علم يُعنى بخبرة الشعوب في مجالات استعمال النباتات، ويتضمن ذلك المعارف والتقاليد والمعتقدات المرتبطة بالعالَم النباتي.

في الأزمان الغابرة، استعمل الإنسان النباتات غذاءً ودواء، وانتقلت المعرفة بالإثنولوجيا النباتية شفاهاً من جيل إلى آخر، ويرجع أصل كلمة دستور الأدوية pharmacopeia  إلى الكلمة المصرية القديمة فارماكي؛ ومعناها ما يمنح الشفاء، وقد تطوّر اهتمام العرب والمسلمين بعلم النبات الذي شغل حيّزاً كبيراً في اللغة العربية، وقاد مراكزَ التأليف في مكة والمدينة والكوفة والبصرة والقاهرة وخراسان ودمشق إلى الحضارة الزاهرة في عصر الترجمة العباسي، وكانت المؤلفات ذات طبيعة زراعية أو طبية أو صيدلانية، وتركت تأثيراً كبيراً في حياة الإنسان.

 التطور التاريخي للإثنولوجيا النباتية

تعلّق الإنسان بما حوله حفاظاً على ذاته وارتباطاً مع وعيه الآخذ بالتفتح والتطور عبر الأزمان، وكثيراً ما نجح في استكشاف مواد في الطبيعة حفظت صحته أو جماله، وخفّفت آلامه، كما عرف بعضَ المواد السامة أو الضارة، فتجنبها، أو استعملها في أساليب حياته. وكثيراً ما ربط الإنسان الأول بين نباتات برية ألِفها وأمراض عاناها، ثم اعتنى ببعض الأصناف بوصفها غذاء أو دواء، واستعمل النباتات أو أجزاءً منها. ومع التقدم الحضاري للأمم القديمة زخرت أمم بالمعارف، واغتنت بعلماء بذلوا قصارى جهدهم في الاستكشاف والبحث، فكانت النباتات مادة رائعة للبحث والتطبيق، وبرع في ذلك البابليون والمصريون والصينيون والهنود واليونان والرومان والفرس والعرب وأمم كثيرة حتى الآن.

 1 - الشرق القديم: طوّر البابليون زرع النباتات منذ الألف السادس قبل الميلاد، وألِفوا الحيوانات، وأخذوا يعيشون في قرى، وأنتجوا القمح والتمر والعنب والزيتون والشعير، وفي القرن التاسع عشر قبل الميلاد وُجِدَت قوائم باستعمال النبات والحيوان على ألواح فخارية جنوبي ما بين النهرين، فلقد صنَّف السومريون الحيوانات تصنيفاً نفعياً إلى أسماك ومفصليات وأفاعٍ وطيور، وقسموا النباتات إلى أشجار وبقول وبهارات وعقاقير وحبوب، ووضعوا الأشجار المثمرة كالتين والتفاح والرمان في مجموعة واحدة، وفي القرن السابع عشر قبل الميلاد وُجِد رَقيم (ج رُقُم) في مدينة نيبور Nippur (نُفَّر)، يتكوّن من 108 أسطر تشرح الأعمال الزراعية، واكتُشف نحو 600 رَقيم دُوِّن فيها أكثر من 250 اسماً لنباتات طبية كان يستعملها البابليون والسومريون والآشوريون في مداواة المرضى، فلقد عرف السومريون زيت السمسم، والسمسم

 Sesamum   كلمة بابلية  Sem- sem.

اهتمّ الآشوريون (1300 - 612 ق.م) بزراعة القمح والشعير والقطن الذي أحضروه من الهند، وعرفت شعوب ما بين النهرين العديد من النباتات الطبية، ففي مدينة نينوى عثر على 33 وصفة من التراث الطبي البابلي والآشوري، وأقاموا حدائق بابل المعلقة، واخترع الفينيقيون الأبجدية في أوغاريت منذ القرن الثالث عشر ق.م، واهتمّ الكنعانيون (2500- 1000 ق.م) بالزراعة والتجارة التي انتشرت في حوض البحر المتوسط، وعرف الكلدانيون (626 - 539 ق.م) الأعشاب الطبية، وأوّل رسالة في الزراعة دوَّنها في تاريخ مجهول ماغون Magon  القرطاجي، وترجمها إلى اللاتينية الروماني ڤارون(116-27) M. Varron ق.م الذي عدّ ماغون القرطاجي أبا الزراعة.

برع الصينيون (1766 - 221 ق.م) في استعمال النباتات، وظهر أول دستور للأدوية پن - تساو  Pen-tsao أي مجموعة الأعشاب ربما قبل نحو ألفي سنة، ويُعتقد أن شين نونغ  Nung  جمع 365 عقاراً من العقاقير النباتية، مثل: القرفة  Cinnamon وجوزة الطيب والقنّب  Cannabis sativa والراوند والأفيون Opium. وفي كتاب “الأعشاب” 1893 وصفة طبية، أما المواد الدوائية الأخرى فهي خليط من الأنواع النباتية أو مواد معدنية أو من الحيوانات، واستعملوا الجنسنغ Panax ginseng الذي يستخرج منه اليوم العديد من الأدوية المنشِّطة للجملة العصبية وللدورة الدموية.

وضع الهنود قبل الميلاد أقدم الكتب الطبية الهندية «الڤيداس Vedas»، وفيه مجموعة من الوصفات للشفاء من الأمراض ووصف طرائق العلاج بالعقاقير، و700 عقار من النباتات، كثير منها ما يزال يستعمل حتى اليوم، وذكر تشاراك في القرن الأول الميلادي أكثر من 500 نوع نباتي في علاج العديد من الأمراض، واستعمل الهنود جذور الراولفيا Rauwolfia منذ أكثر من ألفي عام، وقد أثبت الطب الحديث فعاليته في علاج ضغط الدم.

وكانت غالبية الأدوية لدى المصريين القدماء (3200 - 332 ق.م) من الأعشاب الطبية وبعض الأملاح والمعادن الطبيعية، واستعملوا العقاقير الطبية والمراهم والملينات والمقيئات، وبلغوا درجة عالية من المهارة حتى ظهر التخصص في ميدان الطب، وما يزال كثير من الأعشاب التي استعملوها أو أجزاء منها تستعمل في الطب الحديث، كالخشخاش  Papaver والحنظل  Citrullus colocynthis والداتورا  Datura stramonium   والحلبة  Trigonella   والبردي والبنج والزعتر والخردل والشعير والتمر والرمان والخروع والخيار والتين والعنب والصنوبر والحندقوق والخلة والعُصْفر واليَانسون والكزبرة والبطيخ وغيرها، ووضعوا 60 عقاراً لعلاج أمراض الشرج داخلياً وخارجياً، واستعملوا شراباً نباتياً من التين واللبن وثمار الجميز في حالات التهاب الزائدة الدودية وحصيات المرارة، وأوجدوا وصفات نباتية لعلاج الزحار المتحولي والعصوي وغيرها، وعالجوا التهاب الكبد وأمراضها بملين كالسنامكي ووصفات نباتية، ولديهم  12 وصفة لعلاج الإمساك وأمراض القولون. واستعملوا مسحوق الكرفس وبذر الكتان في تحضير غسول للعين، وعالجوا حصى الكلى والحالب بنبات الخلة منذ نحو 1907 ق.م، وأوجدوا وصفات لعلاج الأزمات التنفسية والتهاب اللوزتين والأذن والصداع المزمن والأوعية الدموية، ولإنعاش القلب، واستعملوا جَبِيرة من الخُضَر والبقدونس والكزبرة لعلاج كسور العظام، وعالجوها بالمراهم، وتضمَّنت بردية إيبرس Ebers في عام 1550 ق.م 860 وصفة طبية، مثل: استعمال زيت الحلبة لإزالة تجاعيد الوجه وزيت الخروع والسنامكي لعلاج الإمساك، ونبات الحنة للتجميل وتخضيب الأيادي والأرجل وللعناية بالشعر.

وأوجدوا مشروبات للشتاء والصيف مثل عصير التوت والتمر الهندي والجوافة والحلبة والخرنوب والخوخ والرمان والزنجبيل والسحلب والعرقسوس والقرفة والكراويا والكركديه والليمون والمشمش والنعناع واليانسون. وتميز نظامهم الغذائي بصفات قلَّلت من انتشار الضعف الجنسي بين الرجال والنساء، كاستعمال الأعشاب كتوابل، والإكثار من تناول الأسماك والأغذية النباتية من الحبوب والبقوليات، واستعمال الثوم والملفوف وفول الصويا والزنجبيل والجزر والكرفس والخس والباذنجان والقرنبيط والكزبرة والجرجير ذات التأثير المقوي للجسم.

كان محترفون من عامة الناس يمارسون الطب في العصور القديمة بمصر، فوُضعت النظم والقوانين، وأصبحت مهنة الطب في أيدي الكهنة ورجال الدين، ومن أشهر المعابد والمدارس معبد (أون) وسايس وومفيس وطيبة أون ومعبد عين شمس الذي اشتهر في العالم، وتعلّم فيه أفلاطون وأرخميدس وغيرهما، ولم يكن في العالم مدنية وعلم إلا في بابل، ولكن البابليين كانوا في مرتبة بدائية مقارنة بالمصريين؛ لأنهم اكتسبوا الطب في بابل من المصريين من دون تسريب للجوانب العلمية. واستعمل المصريون القدماء بعض النباتات أول مرّة في العالم، كالحنظل وقشر الرمان والخروع والخشخاش والنعنع وغيرها.

 2 - اليونان والرومان: ازدهرت حضارة اليونان في القرن الخامس قبل الميلاد، وبرعوا في الطب والتداوي بالأعشاب، وكان الجزء الأكبر من طب أبقراط وجالينوس وديوسقوريدس مأخوذاً عن الطب المصري القديم، ألّف علماء اليونان كتباً أشادوا فيها بعلم المصريين القدماء، وذكروا النباتات التي استعملوها، والمركّبات الطبية التي أُخذت عنهم . ومع أطوار الانحلال وانحطاط العصر المصري القديم انتقل الطب إلى بلاد الإغريق (اليونان)، وبرز منهم أسكيولابيوس Aesculapius، وسَمَّوه إلهَ الطب، ونشأ مصطلح علم الصحة   hygiene الذي يعني الصحة الكاملة، وأهم علمائهم:

أبقراط Hippocrates  ء (450 ق.م - ....): أبو الطب التجريبي، وأهم كتبه “المجموعة الأبقراطية” ذكر فيها  236   عقاراً من الأعشاب، وأنشأ دور الشفاء من عيادةٍ للكشف عن المرض وملحق فيه معمل لتحضير الدواء. هو أول من وضع أسس تنظيم مهنة الطب والصيدلة وقوانينهما، وهو صاحب القَسَمِ الذي يردده الأطباء في أنحاء كثيرة من العالم قبل ممارسة مهنة الطب.

-  ثيوفراستس Theophrastus ء(370 -287 ق.م): مؤسس علم النبات، وصَف في كتبه جميع الأزهار والأشجار والشجيرات والأعشاب والحشائش، وشرح خواصها وفوائدها العلاجية، ومن بينها العقاقير المهدئة والمخدرة التي تيسر الولادة، وتخفف آلام الوضع.

- جالينوس   Galenus ء(201 -131 ق . م):  ألف عدداً كبيراً من المؤلفات في الطب والصيدلة ظلت تدرس في جامعات أوربا حتى القرن الثامن عشر، ووضع طرائق خاصة لتحضير العقاقير ما زالت تستعمل حتى اليوم، وكانت له صيدلية وعيادة في روما.

ديسقوريدس  Dioscorides (القرن الأول للميلاد): جمع عقاقير كثيرة، وشرحها شرحاً دقيقاً سهّل دراستها وتعريفها، وذكر في كتابه عن الأعشاب 958 عقاراً مع شرح فوائدها في خمس مقالات: في الأولى أنواع من الأدوية عطرية الرائحة والتوابل والصموغ والأدهان، وفي الثانية عقاقير حيوانية المنشأ، إلى جانب الحبوب والبقول المأكولة والأعشاب الحريفة، وفي الثالثة النباتات التي تستعمل جذورها أو بذورها، وفي الرابعة أعشاب باردة، وأخرى حارة أو مسهلة أو مقيئة، أو مضادة لتأثير السموم، وفي الخامسة الكرمة، وأنواع الأشربة والأدوية المعدنية، ثم أُلحق بمقالتين أخريين.

ولما اكتسح الرومان بلاد اليونان نشروا بينهم العلوم الطبية العريقة، وفتحوا أمامهم ميادينها الفسيحة، ومن أشهر علمائهم:

-  كايوس بلينيوس الأكبر Gaius Pliniu ( ء 23 - 79 ق.م )الذي وضع موسوعة تقع في 37 مجلداً بعنوان: “التاريخ الطبيعي Natural History، وتشمل موضوعاتها المفردات والمركّبات والطب والفلك والتقاليد والأعشاب والأشجار والسموم والحيوانات.

-   وأَّلف هرمس Hermes كتابَ «مثلث الحكمة» وصف فيه 36 نباتاً شجرياً تمثل العلاقة بين السماء والأرض، وهما اللتان توجهان الوظائف الحيوية الإنسانية.

 3 - العرب والمسلمون: كانت حياة العرب شديدة الارتباط بالنباتات، وانتقلت الإثنولوجيا النباتية بينهم ومع تنقلاتهم من جيل لآخر، وفي القرن التاسع الميلادي بدأ بعض علماء العربية يهتمون بتسجيل أسماء الأحياء وضبط صفاتها، ومع ازدهارهم الحضاري وانتشار اللغة العربية لغةً علميةً تُرجمت كتب اليونان والهند والفرس إلى اللغة العربية، وافتتح العرب المستشفيات والصيدليات، وأرسلوا الأطباء إلى الهند والصين لتَعَرُّف النباتات الطبية، وفي عهد هارون الرشيد أمكن تأسيس بيت الحكمة كمدرسة لتعليم الطب والصيدلة والنبات والكيمياء والرياضيات وغيرها، ولم يكتفِ الأطباء والصيادلة العرب بدراسة كتب النباتات والعقاقير، بل أضافوا إضافات جديرة بالاهتمام والتنويه، وقاموا بالرحلات إلى مختلف البلدان لجمع الحشائش والأعشاب، وأجروا عليها تجاربهم، ودرسوا مئات العقاقير الطبية، فسبق العرب والمسلمون الآخرين إلى المنهج التجريبي، وبحثوا عن طرائق جديدة للتحضير والتنقية، فاخترعوا الأنبيق، وفرّقوا بين الحموض والقلويات، وأدخل العرب جملة من المواد الطبية في العقاقير والمفردات الطبية، ونبغ عدد كبير من النباتيين الذين اكتسبوا التقدير، ومن أشهرهم:

جابر بن حيان (737 -  813م): اشتغل بصناعة العقاقير الطبية، ومن مؤلفاته كتاب «السموم ودفع مضارها»، ذكر فيه السموم النباتية كالبنج والأفيون والحنظل وغيرها.

الأصمعي الباهلي (741 - 827م): له مصنّفات كثيرة، مثل: كتاب «النخلة»، وكتاب «النبات والشجر».

-  أبو حنيفة الدِّينَوري (… - 894 م): أسس علم النبات على التجربة والاستنتاج، وله كتاب «النبات» الذي لم يصنّف مثله في اللغة العربية في موضوعه، فهو موسوعة مفصلة من 12 باباً، جمع فيها أسماء كثير من الأعشاب والجنبات والأشجار مع لمحة تاريخية لكل نبات، وذكر 1120 اسماً لنباتات مختلفة، وعدّه علماء الغرب دائرة معارف نباتية عربية على درجة كبيرة من الكفاية والوضوح، ويمكن عدّه أول من وضع أساس علم الإثنولوجيا النباتية في البلاد العربية.

أبو بكر الرازي (854 - 932 م): أول من حصل على الكحول بتقطير المواد النشوية والسكرية بعد تخمرها، وأدخل استعماله في الصيدليات للعلاج، وأول من أدخل الملينات والمركّبات الكيميائية على الطب، واهتم بعلم الصيدلة كثيراً لعلمه الغزير في الكيمياء والطب، ورأى أن علم الصيدلة سيصبح علماً مستقلاً عن الطب، وفعلاً فَصَلَه، فكان مؤسس علم الصيدلة، من أشهر كتبه: كتاب «المنصوري في الطب» من عشرين مجلداً، وأقسامه: التشريح، الأمزجة، الأغذية، الأدوية، الصحة، دواء البشر، نظام السفر، الجراحة، السموم، والأمراض عامة. وكتاب «منافع الأغذية ودفع مضارها»، وكتاب «سر الأسرار»، وفيه معرفة العقاقير، ومعرفة الآلات ومعرفة التدابير. وكتاب «الحاوي في علم التداوي» في ثلاثين مجلداً، وأقسامه: علاج المرضى، الأمراض، حفظ الصحة، الرقبة والجبر، الجراحات، الأدوية، الأغذية، الأدوية المركّبة، صناعة الطب، الصيدلة، الأبدان، التشريح ومقاطع الأعضاء، وقد تُرجم، واعتمدت عليه الجامعات الأوربية، وبقي مرجعها الأول في الطب حتى منتصف القرن السابع عشر. وللرازي رسالتان في النباتات العطرية والفاكهة

ابن جلجل (976 - 1009 م): اهتم بدراسة الأدوية المركّبة ومصادرها واعتماد الطب عليها والعقاقير وتاريخها، وكتابه “طبقات الأطباء والحكماء” تراجم لكبار العلماء في الطب والصيدلة.

أبو علي الحسين ابن سينا (980 - 107 م): قارن بين جذور النباتات وأوراقها وأزهارها وثمارها ونظائرها وعلاقتها معاً، ودرس النباتات الشجرية والعشبية والزهرية والفطرية والطحلبية، وعلّق عليها من حيث ألوان الأزهار والثمار، جافها وطريها، والأوراق العريضة والضيقة، وكتب عن الأجناس المختلفة والأنواع المختلفة من الجنس الواحد، وذكر موطن النبات والتربة التي ينمو عليها، وعدّ علم النبات العمود الفقري لعلم الطب، اعتمد على الملاحظة والاستنتاج، ودرس العطاريات والعقاقير الطبية والأقراباذين دراسة وافية من النواحي العلاجية، واستخلص الأدوية الكيميائية من مصادرها الطبيعية، وكانت أعماله في العقاقير الطبية أساساً متيناً في وضع علم العقاقير والصيدلة، ومن أشهر كتبه «القانون في الطب» وهو موسوعة من عشرين مجلداً، بقي مرجعاً للطب والصيدلة في كثير من بلدان العالم حتى القرن السابع عشر، وفيه كثير من النباتات الطبية التي استعملها الشرق القديم، وفيه وصفات للتجميل، وهنالك باب لوصف النباتات الطبية وطريقة استخلاص العقاقير منها، فابن سينا ظاهرة فكرية عظيمة، ليس له مثيل في التاريخ كما قال جورج سارتون في كتابه “المدخل إلى تاريخ العلم.

أبو الريحان البيروني (973 - 1048م): له كتاب «الصيدلة في الطب» ذكر فيه تراكيب الأدوية وأسماءها واختلاف آراء المتقدمين فيها، وما تحدث كل طبيب عنها، وأكثر من ثلاثة آلاف نبات طبي، مع وصف واضح لها والأمراض الموافقة، وخصائص كل منها، والمكان الذي تنبت فيه.

أبو عبد الله الشريف الإدريسي (1099 - 1165م): درس تطورات الأعشاب الطبية، وقارن بين النبات في بلاد الأندلس والمغرب ومصر والشام وبلاد الروم (تركيا اليوم)، واهتم بخواص الأدوية من حيث منافعها وسلبياتها، وصنف كثيراً من النباتات من حيث خواصها الطبية والغذائية، وفي كتابه «الجامع لصفات أشتات النبات» ذكر أنواع الأشجار والثمار والحشائش والأزهار والحيوانات والمعادن.

موفق الدين عبد اللطيف البغدادي (1161-1231م): له دور في علمي النبات والصيدلة، ألّف كتاب «الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر»

أبو العباس النباتي الإشبيلي، ابن الرومية (1165- 1240م): أتقن علم النبات، واهتم بالأدوية، وله كتاب «الرحلة النباتية إلى شمالي إفريقية وأطراف البحر الأحمر  »

.   رشيد الدين الصوري (1177-1241م): عالم في النبات والطب، كان يطوف في مواطن النبات مستصحباً رساماً لها، ويصف النبتة في بيئتها بألوانها الطبيعية في أيام نضارتها وإزهارها وإثمارها وجفافها، وله كتاب «الأدوية المفردة»، وكتاب «النبات» مصور بالألوان، وهو مؤسس علم النبات الحديث.

 ضياء الدين بن البيطار (1197 - 1249م): جمع الكثير من النباتات والحشائش، ودرسها في رحلاته إلى اليونان ومصر والمغرب والشام، وكتابه «الجامع في الأدوية المفردة» من أكبر المؤلفات الطبية؛ ففيه نحو 1400 صنف منها، وفي كتابه «الجامع لمفردات الأدوية والأغذية» كامل الخبرات الإغريقية والعربية، أعظم عالم نباتي وصيدلاني في العصور الوسطى، وربما في جميع العصور

4 - النباتيون الحديثون: بعد أفول الحضارة العربية انتقلت العلوم الطبية والكيميائية والنباتية إلى أوربا عن طريق إسبانيا وصقلية، وظهر في بداية القرن الثالث عشر العديد من العلماء الذين جاؤوا إلى الشرق ليدرسوا علوم العرب وبحوثهم، وحملوا معهم الكتب العربية القديمة، وترجموها إلى لغاتهم. ومع تقدم العلوم انفصلت مهنة الطب عن الصيدلة، وأخذت الحوانيت الصيدلانية تبيع الأعشاب الطبية والبرية، أو يستوردها التجار من بلدان أخرى، ويبيعونها للصيدلي أو العطار الذي يعدّها بدوره للمستهلك. ثم اتجه العطار إلى طريقة أسهل لتداول النباتات، فطحنها، وجهّزها في هيئة مسحوق  powder. وفي القرن الثامن عشر ظهرت النباتات الطبية مستحضرات صيدلانية في هيئة خلاصات extracts وصبغات tinctures وغيرها، فكانت أكثر تركيزاً وفاعلية وأسهل في التحضير والتداول.

ومع تقدم العلوم الكيميائية وطرائق التحليل الحديثة وصلت المواد الفعالة النباتية في هيئة نقية ومتبلورة بعد استخلاصها من النباتات وصناعتها في شركات الأدوية في هيئة أقراص وحقن ومراهم وغيرها؛ وفقاً لراحة المريض، وأُنشئت مراكز البحوث المتخصصة، وزاد اهتمام الكليات والشركات والمراكز العلمية بالنباتات الطبية وما تحتويه من مواد فعالة، وازداد البحث عن مزيد من النباتات التي ربما يكون فيها التأثير الشافي لبعض الأمراض المستعصية.

وضع جون راي  John Ray كتاباً عام 1650 قسم فيه النباتات إلى نباتات زهرية ونباتات لازهرية، وقسم الزهرية إلى ذات فلقتين وذات فلقة واحدة. وأحصى جـورج رُمْف  G. Rumph الأنواع النباتية في جزر أمبوانة بإندونيسيا، ووضعها في كتابه  « معشبة أمبوانة» Herbarium Amboinense  الذي طبع في هولندا بين 1741 - 1756، استعمل التسمية النباتية الثنائية؛ موضحاً كيف يصنِّف سكان الجزيرة النباتات ودورها في حياة المجتمع. ثم وضع أوغست ريفيرس  A. Rivirus المعروف باسم باخمان  Bachman  كتابه « المدخل الشامل للمعشبة»  Introduction Universalis Herbarium الذي طبع في ليبزغ عام (1690)، ودعا فيه إلى ضرورة فصل دراسة النبات النفعي الصيدلي - أي العقار - عن دراسة النبات البحت. وجمع كارل لينيوس Carl Linnaeus ( ء 1707- 1778م ) س   نباتات العالم، وأخذ يسميها تسمية لاتينية ثنائية، ويرتبها ضمن نظام طبيعي؛ مبتعداً عن استعمال الفوائد النباتية وما يرتبط بها من أمور تطبيقية. ثم ظهر النَّبيت  Flora  في كثير من البلدان الغربية والشرقية، «كالنبيت المصري العربي» لبطرس فورسكال  lP. Forska الذي ظهر بعد وفاته عام 1775، و« نبيت سورية ولبنان» لجورج بوست (1837 - 1909م). وأخذ النبيت يدوّن باللغات المحلية في مطلع القرن التاسع عشر، مع ذكر الاسم العلمي الثنائي باللاتينية الحديثة، فلم يعد في الإمكان الاعتماد على المعارف التطبيقية الشعبية للنبات، وكانت ولادة الإثنولوجيا النباتية الحديثة. ووضع دارون  Darwin عام 1859م نظرية النشوء والارتقاء أثبت فيها التطور والتفرع والنمو في الأحياء، وعلى أساسها قسمت المملكة النباتية إلى فصائل وسلالات ومجموعات متقاربة، وهو التقسيم العلمي الحديث.

- نشوء الإثنولوجيا علماً: كان هرشبرغر Hershberger الأمريكي أول من وضع مصطلح الإثنولوجيا النباتية في عام 1895م، عندما أخذ يدرس بقايا نباتية جُمعتْ من حفريات أثرية عُثر عليها في مسكن هندي أمريكي قديم، واضطر إلى وضع نظام جديد لدراسة النبات، وتمكّن من رسم الطرائق القديمة المعتمدة في تبادل المنتَجات النباتية، وإلى تحديد طريقة لكشف عدد من المواد القابلة للاستعمال الصناعي أو التجاري الآن اعتماداً على الإثنولوجيا النباتية.

وعرّف جُونز Volney Jones ء  (1941) الإثنولوجيا النباتية بأنها علم يدرس العلاقة بين الإنسان البدائي والنبات، ووسّع مفهومها شولتس  R. Schultes ، فذكر أنها علم يدرس مجموع العلاقات بين الإنسان والنبات، ورأى هيدين  Hedin  الفرنسي (ء 1946م )أنها دراسة العلاقات بين المعتقدات والتقنيات الإنسانية والغطاء النباتي، وأضاف مواطنه بورتيير  R. Portières  أنها دراسة العلاقات المتبادلة بين الجماعات البشرية والنبات بغية فهم الحضارات وشرح نشوئها وتقدمها. وعدّ الأمريكي مُردوك Murdock (1950) 0الإثنولوجيا النباتية من العلوم الجماهيرية، وعرَّفها فولكس Faulks  ء((1958) بأنها العلاقة بين ال إن سان والغطاء النباتي. ويمكن أن تكون العلاقات الطبيعية للمملكة النباتية مع الإنسان علاقات نافعة للطرفين أو مفيدة للإنسان ومؤذية للنباتات، أو مفيدة للنباتات وضارة بالإنسان، أو ضارة بكلا الطرفين.

مكانة الإثنولوجيا النباتية

تتضمّن الإثنولوجيا النباتية الدراسة المتنوعة المتعلقة بالألياف الطبيعية والصبغات والمواد الملونة، ومنتجات النباتات المستعملة في الملابس، ويمكن تقسيمها إلى عدد من الفروع: إثنولوجيا مكروبية  ethnomicrobiology   وإثنولوجيا فطرية  ethnomycology وإثنولوجيا بريوية  ethnobryology وإثنولوجيا تريدية  ethnopterilogy وغيرها. فهي تعني ما تعنيه النباتات للإنسان.

ومن المتوقع أن تنشأ فروع كثيرة، وأن تستقبل سلسلة العلوم الحيوية الأخرى السابقة «إثنو»، فتجيب عن أسئلة كثيرة ترتبط بالخبرات المحلية والمعتقدات والعلوم المختلفة عن النبات والحيوان والظواهر الطبيعية؛ وبموارد الثروات الطبيعية وخصائصها وقيمها الاقتصادية وطرائق استعمالها والتقنيات اللازمة لذلك، وبكل ما يؤدي إلى إدراك أعمق لما حول الإنسان وتوسيع خبراته، ما دورها في الثقافة والإنجازات الفكرية، والسلوك الاجتماعي، والعلاقات الاجتماعية؟ كيف تستعمل النباتات في الغذاء والحماية والعلاج وصناعة الثياب والصيد وفي الشعائر الدينية؟ وما دورها بوصفها مصادر للطاقة؟ وما أهميتها في تحسين تقنياته للتحكم في ثرواته الطبيعية، وربط الإنتاجية بمصير النظم البيئية الطبيعية؟

- الإثنولوجيا النباتية القديمة archaeoethnobotany أو المستحاثية paleoethnobotany التي تدرس علم الآثار ونباتات الحضارات القديمة اعتماداً على البقايا أو

 نقوش الأحجار وغيرها

- الإثنولوجيا النباتية الاقتصادية economical ethnobotany التي تدرس النبات الاقتصادي، وتحدّد المواد النباتية الأولية ومشتقاتها الاقتصادية وإمكانات البحث عن مصادرها.

- الإثنولوجيا الحيوانية ethnozoology التي تدرس خبرة الشعوب في مجالات علم الحيوان.

- الإثنولوجيا الحيوية ethnobiology التي تعنى بالتآثرات بين أنماط المجتمعات البشرية والعالم الحيوي الذي تتعامل معه، وتدرس الوعي الثقافي للموارد الحيوية.

- الإثنولوجيا البيئية ethnoecology التي تدرس علاقة الإنسان بالنظم البيئية وإنتاجيتها.

- الإثنولوجيا الزراعية ethnoagriculture التي تتضمن الطرائق التقليدية للزراعة والنشاطات المرتبطة بالنبات

- الإثنولوجيا الغذائية ethnogastrology التي تدرس النباتات بوصفها أغذية - فتبحث عن أيها كان يؤكل، وكيفية الحصول عليها، وهل كانت تزرع في

حقول زراعية؟- كالحبوب والخُضَر والثمار

- الإثنولوجيا الطبية ethnomedicine التي تدرس النباتات ومنتجاتها المستعملة في علاج الأمراض التي لها القيمة ذاتها حتى اليوم.

- الإثنولوجيا الصيدلانية ethnopharmacology التي تعنى باستعمال النبات في العلاج وطرائق تحضيره وكيفية تناوله.

 

عدنان علي أحمد نظام

 

 

مراجع للاستزادة:

- علي عبدالله الدفاع،  إسهام علماء العرب والمسلمين في علم النبات، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، بيروت، لبنان 1985.

- عادل عبد العال،  الطب القديم؛ خلاصة أسرار الأطباء القدامى من الطبيعة ، الطبعة الثالثة، دار أجيال للنشر والتوزيع. مكرم عبيد، مدينة نصر، مصر، القاهرة.

- Connie Veilleux And Steven R. King, An Introduction To Ethnobotany, Ph.d. Linda Morganstein, Editor, Shaman Pharmaceuticals, Inc. Work Interdisciplinary To Discover New Drugs, 1996.

 


التصنيف : الفيزيولوجيا
النوع : الفيزيولوجيا
المجلد: المجلد الأول
رقم الصفحة ضمن المجلد : 259
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 543
الكل : 29620850
اليوم : 860