logo

logo

logo

logo

logo

الإشعاعات النووية

اشعاعات نوويه

Radioactive radiation - Radiations radioactives

الإشعاعات النووية

 مصطفى حموليلا

أبرز خصائص الإشعاعات النووية

مصادر الإشعاعات النووية

فوائد الإشعاعات النووية واستخداماتها

آثار الإشعاعات النووية البيولوجية

 

تعدّ ملاحظة بكريل Becquerel عام 1896- لاسوداد شريحة التصوير الضوئي بتأثير مركبات اليورانيوم - اكتشاف أول كاشفٍ إشعاعي نوعي لأشعة سماها أشعة اليورانيوم. بحث العلماء عن مركبات أخرى قد تولِّد مثل هذا التأثير في الأعوام 1896-1898، وكذلك بحثوا عن طبيعة هذه الأشعة، فشاهد الفيزيائي جيرهارت شميت G. Schmidt عام 1898 اسوداد شرائح التصوير الضوئي لأملاح الثوريوم. ثم دخلت ماري كوري Marie Curie هذا الميدان لبحث مشكلة محيّرة - طرحها اكتشاف بكريل ومن بعده اكتشاف شميت - مفادها أن لدى الأملاح مقدرةً مستمرة على تسويد الشرائح الحساسة للضوء، ولا تتخامد مع الزمن. وكان بيير كوري (الذي تزوجها فيما بعد) قد لاحظ أن أشعة اليورانيوم جعلت الهواء ناقلاً للكهرباء، فاستُعملت هذه الخاصية للقياسات الكميّة، وتقديرِ تأثيرِ هذه الأشعة باستخدام مكشاف الكهربية الذي سبق واستخدمه بيير نفسه في تجاربه الأولى، والذي عُدَّ نموذجاً لحجرة التأين. اختبرت ماري كوري منذ عام 1898 عناصرَ ومركباتٍ قادرة على منح الهواء ناقلية كهربائية، وأعَدَّت بها قائمة كاملة في أطروحتها من دون ذكر اسم بيير كوري، ومن بينها البولونيوم الذي سمي تخليداً لذكرى بلدها بولونيا. وبَيَّن رذرفورد Rutherford أن لأشعة اليورانيوم مكوِّنين سمّاهما ألفا (α) وبيتا(β) في نشرته في الشهر الأول عام 1899، وذلك في أثناء دراسته تأين الغازات بإشعاعات اليورانيوم التي ميّز منها نوعين: هما أشعة ألفا التي تولّد بمفردها الجزء الأكبر من التأينات، وتمتصها ورقة عادية، وأشعة بيتا التي تولّد تأينات أقل كثيراً؛ لكنها قادرة على اختراق بضعة مليمترات من الألمنيوم أو النحاس وغير ذلك من المواد.

وفي عام 1900 اكتشف ڤيلارد Villard أشعة غاما عندما وجد أن الراديوم يصدر نوعاً من الأشعة النفوذة يمكن كشفها حتى وراء 20سم من الحديد، أو عدة سنتيمترات من الرصاص. ثم توالت الأبحاث والنجاحات التي درست الإشعاعات ألفا وبيتا وغاما وأضيف لها البوزيترونات والنترونات والنترينوهات وغيرها من جسيمات أولية وثانوية، وأصبحت تسمى كلها الإشعاعات النووية nuclear radiations.

بعد ذلك حصل فيلهلم رونتغن Wilhelem Röntgen على صورة عظام يده بالأشعة الصادرة عن جهازه التي سماها أشعة X، وفي الوقت الحاضر يمكن الجزم باستيفاء الدراسات وتسمية إشعاعات الجسيمات المشحونة وإشعاعات غاما وإكس بالإشعاعات المؤينة، تمييزاً لها من الجسيمات غير المشحونة ومن الأشعة الكهرطيسية الأخرى غير المؤينة. فعندما يمر جسيم مشحون - مثل جسيم ألفا أو بيتا - بالقرب من ذرةِ مادة ما؛ يجري تآثر بين شحنة هذا الجسيم وإلكترونات ذرات هذه المادة ونواها. وعندما يكون الاقتراب كافياً يمكن أن يكتسب أحد الإلكترونات المدارية طاقة تكفي للهروب أو الإفلات من نواة الذرة ويحدث ما يسمى بالتأين؛ إذ يفقد الجسيم بذلك جزءاً من طاقته بتشكيل زوجين من الإيونات. ويمكن أن يحصل الإلكترون المداري على طاقةٍ غير كافية لاقتلاعه من الذرة، ولكنه يكتسب طاقة أعلى من طاقته العادية داخل الذرة، فتنشأ حالة تسمى الذرة المثارة، وتتخلص الذرة من هذه الطاقة الفائضة بإصدار فوتون أو أكثر يحمل المقدار الذي اكتسبته من الطاقة؛ عائدةً بذلك إلى الحالة الطبيعية المستقرة.

أبرز خصائص الإشعاعات النووية:

1 - أشعة غاما: هي إشعاعات كهرطيسية، قصيرة أطوال الموجة مقارنة بأطوال الموجات الضوئية المرئية، تَصدرُ عن النوكليدات المشعة على هيئة فوتوناتٍ محددةِ الطاقة (كمات) تميز هذه النوكليدات (النويدات) nuclides، وكلها ذات مقدرة عالية على اختراق النسج الحية ومختلف المواد، ويقل احتمال خسارة شيء من طاقتها مع ازدياد هذه الطاقة؛ محافظةً بذلك على قدرتها على اختراقِ مسافاتٍ أكبرَ. وهي تتفاعل مع المادة بإحدى الطرائق الثلاث التالية:

أ- الأثر (المفعول) الكهرضوئي:

يحدث عندما تكون طاقة فوتون غاما منخفضة نسبياً، فيصدم الفوتون إلكتروناً مدارياً مرتبطاً بذرةٍ عالية العدد الذري، فتنتقل طاقة الفوتون بأكملها إلى هذا الإلكترون، وينطلق مغادراً الذرة من أي من المستويات. وتتوزع طاقة الفوتون الصادم الوصف: الوصف: الوصف: 8153.jpgالأعلى قليلاً من طاقة ارتباط هذا الإلكترون B بذرته بين الطاقة اللازمة لإخراجه من الذرة وطاقةٍ حركية يحملها الإلكترون الصادر الوصف: الوصف: الوصف: 8143.jpg

الوصف: الوصف: الوصف: 8133.jpg

ب- أثر كومبتون

يحدث عند طاقات الفوتونات المتوسطة حيث يصدمُ الفوتون إلكتروناً حراً أو مدارياً خارجياً (ضعيف الارتباط) ويُخرجه من مداره في الذرات المنخفضة العدد الذري. ينتقل جزءٌ من طاقة هذا الفوتون إلى الإلكترون المنطلق، ويخرج باقي الطاقة على هيئة فوتونٍ آخر الوصف: الوصف: الوصف: 8125.jpgأقل طاقة باتجاهٍ يغاير اتجاه ورود الفوتون الأصل الوصف: الوصف: الوصف: 8116.jpg.

ج- إنتاج الأزواج:

يحدث عندما تكون طاقة أشعة غاما أعلى من مليون إلكترون - ڤولط (1.002MeV)، ويمر الفوتون بجوار نواةِ الذرة منتجاً زوجاً من الجسيمات المشحونة يتألف من إلكترونٍ وبوزيترون، ويتفاعل هذان مع إلكتروناتِ المادة ما دامت طاقتهما عاليةً وينتجان تأينات فيها، وعندما يصطدم البوزيترون - الذي انخفضت طاقته إلى درجة كبيرة - بإلكترونٍ ما يتفانى الاثنان annihilation مطلقين شعاعين (فوتونين) طاقة كل منهما تساوي 511keV (نصف مليون إلكترون ڤولط تقريباً) في اتجاهين متعاكسين.

2 - أشعة ( أو جسيمات) ألفا: اعتُقِد في البدء أن الهيليوم الذي وجد في (فوق) خامات اليورانيوم والثوريوم متولد من النشاط الإشعاعي، لكن رذرفود خمّن أن جسيم ألفا ليس إلا ذرة الهيليوم، وذلك عندما حصر جسيمات ألفا المارة عبر أنبوب رقيق الجدران في وعاء مفرغ من الهواء، فوجد أن الغاز المتجمع بالتحليل الطيفي هو غاز الهيليوم، واستنتَج عام 1906 أن لهذه الجسيمات شحنة قدرها +2، وأنها هي الإيونات He2+ ؛ أي نواة ذرة الهيليوم الوصف: الوصف: الوصف: 8107.jpgالتي تحوي بروتونين ونترونين. وهي تصدر عن النوكليدات الثقيلة مثل الرادون واليورانيوم والراديوم… ونتيجة هذا الإصدار (التفكك) ينقص العدد الذري للنكليد بمقدار 2، وينقص العدد الكتلي بمقدار4، وغالباً ما يصاحب هذا الإصدار إطلاق أشعة γ المميزة للنكليد. ويوضح الشكل (1) الانزياحات الناتجة من التفكك الإشعاعي إلى جانب خريطة النوكليدات العامة في الشكل (2).

الشكل (1): الانزياحات الناتجة من التفككات الإشعاعية في خريطة النوكليدات العامة.
الشكل (2): خريطة النوكليدات العامة التي تبين العلاقة بين استقرار النواة ونسبة النترونات إلى البروتونات. وتظهر فيها النوى المستقرة بتظليل غامق، والنوى المشعة بتظليل فاتح، كما تظهر أنماط تفكك النوى المشعة.

تتفاعل جسيمات ألفا- ذات الكتلة الكبيرة نسبياً- باحتمال كبير مع الإلكترونات المدارية لذرات الوسط الذي تمر فيه فتعطيه جزءاً من طاقتها كافياً لإحداث التأينات؛ أو لإحداث الإثارات، وبذلك يفقد جسيم ألفا معظم طاقته في عدة سنتمترات من الهواء، أو في شريحةٍ من ورق الكتابة العادي، أو خلال طبقة رقيقة من الجسم الحي. وعلى العموم تفقد جسيمات ألفا نحو 2 MeV في كل سنتمتر من مسارها في الهواء الذي يراوح طوله بين 2 و 10سم بحسب طاقاتها؛ ضمن مجال الطاقات التي تصدر بها من العناصر المشعة الشائعة الاستعمال وقدره (5-10MeV)، تتوقف بعدها متحولةً إلى غاز الهيليوم العادي. يكون التأين بإشعاعات ألفا أشد في نهايات مساراتها بفضل بطء سرعتها. ويعبر عن اختلاف تآثر المواد مع جسيمات ألفا بما يسمى قدرة الإيقاف أو مدى الجسيمات المشحونة. وهذه التأينات تسبب جرعة موضعية عالية. وتُظهر حجرة ويلسون Wilson Chamber - أو حجرة الضباب - أن مسارات جسيمات ألفا مستقيمة وقصيرة، ولا تنحرف إلا عند مرورها قرب النواة، أو عند خضوعها لحقل كهربائي أو مغنطيسي يقوس مسارها.

3 - أشعة بيتا:

تبيّن أن جسيمات بيتا هي إلكترونات تَنتجُ من تفككات نووية ومن تفكك نترون في داخل نواة الذرة المصدرة إلى بروتونٍ يبقى داخل النواة، وإلكترونٍ ينطلق منها على هيئة إشعاع بيتا. وقد وجد أن أشعة بيتا تماثل الأشعة المهبطية السلبية الشحنة.

ونتيجةً لهذا الإصدار لأشعة بيتا يزداد العدد الذري للنوكليدات المصدرة بمقدار 1، وينقص عدد النترونات فيها بمقدار 1، ويبقى العدد الكتلي على حاله تقريباً. ويذكر أن كتلة جسيم بيتا أقل بنحو 8000 مرة من كتلة جسيم ألفا، وقد يصدرُ عن النواة بسرعة تناهز سرعة الضوء، وينحرف عن مساره بفعل الحقل الكهربائي أو المغنطيسي أو بفضل الجسيمات المشحونة، مثل نوى الذرات والإلكترونات المدارية فيها. ويتفاعل مع الذرات بطريقة تشبه تماماً تفاعلات جسيمات ألفا، محدثًا التأين أو الإثارة. ونفاذيته في الماء والنسج الحية أكبر من نفاذيةِ جسيمات ألفا (الشكل 3)، وهذا يؤدي إلى تخريب مكونات الخلايا حتى عمقٍ يتجاوز عدة مليمترات، ولذلك يمكن أن تستخدم جسيمات بيتا في المعالجة الإشعاعية لسرطان الجلد مثلاً؛ إذ يُـنتِجُ جسيم ألفا ذو الطاقة 3MeV في السنتمتر الواحد من مساره في الهواء نحو 35000 زوجاً من الإيونات، في حين يُنتج إلكترون له الطاقة نفسها نحو 25 زوجاً فقط في السنتمتر من مساره الذي يبلغ نحو عشرة أمتار في الهواء (الجدول 1).

الشكل (3): مقدرة أنماط الإشعاع الثلاثة على اختراق نسيج حي

الجدول (1) مدى (*) الأنماط الثلاثة من الإشعاعات المؤينة، في الهواء وفي الخلايا الحية

نوع الإشعاع

المدى في الهواء الجوي

المدى في الأنسجة الحية

جسيمات ألفا

3سم

0.04 ملم

جسيمات بيتا

حتى 10م

0.5 ملم

إشعاع غاما

حتى 100م

كامل الجسم

(*) يعرف المدى بأنه المسافة التي يقطعها الجسيم المشع في وسط ما إلى أن يتوقف ويخسر كامل طاقته.

4 - النترينو:

افْترَض باولي Pauli عام 1930وجود جسيمٍ ينشأ في أثناء تفكيك بيتا، غير مشحونٍ كهربياً، وله كتلة قريبة من الصفر(سماه النترينو)، وذلك للتغلب على صعوبة حساب تحقيق انحفاظ السبين (الاندفاع الزاوي الذاتي)، فأمكنه تفسير طيف بيتا المستمر، وإيضاح أن هذا الافتراض هو نتيجة لتوزع الطاقة بين جسيم بيتا والنترينو المفترض.

إذن فالنترينوهات: هي جسيمات افتُرِض وجودها حسابياً في البدء، ثم جرى اكتشافها بصعوبة لأنها عديمة الشحنة وعديمة الوزن تقريباً، حتى إنها يمكن أن تخترق الكرة الأرضية من دون أي تفاعل أو أثر.

5 - البوزيترونات:

لاحظ أندرسون Anderson عام 1932 وجود إلكترون موجب (بوزيترون، وهو الجسم المضاد للإلكترون) عند دراسة آثار الأشعة الكونية في حجرة ويلسون، وتطبيق حقل مغنطيسي عليها، وملاحظة اختلاف اتجاه مساره عن مسار الإلكترون. وتبين أن البوزيترون +e يصدر بالدرجة الأولى من النوكليدات غير المستقرة (المشعة) التي تحوي فائضاً من البروتونات، وغالباً ما يكون مترافقاً مع أسر الإلكترون. يتمتع البوزيترون بمواصفات الإلكترون -e ذاتها (أشعة β السالبة) تقريباً، ولكنه يحمل شحنة موجبة. ويتفاعل مع المادة على مرحلتين: ففي المرحلة الأولى يتجاذب البوزيترون ذو الطاقة العالية مع إلكتروناتِ ذراتِ الوسط الذي دخله ويثيرها، وقد يحرر بعض إلكترونات الذرات مسبباً التأينات، إلى أن يقترب من مرحلة الوقوف ويدخل في عملية الفناء annihilation التي تحدث عندما يندمج البوزيترون شبه الساكن مع أحد إلكترونات المادة، وهذه عكس عملية إنتاج الزوجين.

6 - النترونات:

بعد أن اكتشف رذرفورد عام 1911 نواة الذرة وحدّد وجودها في حجمٍ صغير جداً تتوضع فيه كتلة الذرة، وذلك بدراسة تبعثر (تصادم) جسيمات -∝ على ذرات رقاقةٍ من معدن الذهب، وبعد أن تابع كل من رذرفود وشادويك Chadwick وغيرهما دراسة تصادمات النوى؛ واضعين علاقة أينشتاين النسبية التي تربط الطاقة والكتلة E=mc2 على محك التجربة، توجَّه الباحثون إلى تحري وجود النترون حتى اكتُشِف على يد شادويك عام 1932، ومن ثم اكتشف انشطار اليورانيوم في عام 1938 الذي عُدَّ «أوج عهد الفيزياء التقليدية» للفيزياء النووية. وتبين أن النترون يتفكك إلى بروتون وجسيم بيتا - β ونترينو مضاد بدورٍ قدره 12 دقيقة. ويدخل النترون مثله مثل البروتون في تركيب نوى الذرات، لكنه لا يحمل شحنة كهربائية. والمصدر الأكبر للنترونات هو المفاعل النووي، وفيه تنطلق النترونات من انشطارات النوى الثقيلة كاليورانيوم والبلوتونيوم أومن المصادر المغلقة للنترونات التي تُصنَّعُ بوضعِ مزيجٍ من أحد مصدرات ألفا كالأمريشيوم 241 مع مسحوق البيريليوم، فتنتجُ النترونات عن قذف نوى البيريليوم بجسيمات ألفا العالية الطاقة المنطلقة من الأمريشيوم أو غيره بالتفاعل (n، ∝).

تصنف النترونات بحسب طاقاتها في:

أ- نترونات حرارية (بطيئة) تراوح طاقتها بين الصفر ومئة إلكترون ڤولط، وهي تؤسر من قبل كثير من النوى فتثيرها، أو تحولها، أو قد تشطرها.

ب- نترونات متوسطة الطاقة (بينية) تتراوح طاقاتها بين 0.1 و 20 كيلو إلكترون ڤولط، وغالباً ما تقوم بالتفاعلات غير المرنة وتعطي جزءاً من طاقتها للنوى المصدومة شيئاً فشيئاً إلى أن تهدأ، خصوصاً في الأوساط الخفيفةِ المكونات (الماء)، إلى جانب تفاعلاتها المرنة التي تحافظ فيها على طاقتها.

ج- نترونات سريعة تصل طاقتها إلى 10 ميغا إلكترون ڤولط ذات قدرة عالية على الاختراق.

د- وأخيراً نترونات ذات طاقات عالية تتجاوز 10 ميغا إلكترون ڤولط، تتعرض لتفاعلات مرنة بالدرجة الأولى، وهي غالباً ما تكون من مصدرٍ كوني. يستعمل لإيضاح هذه التفاعلات والتحولات جدول النوكليدات العام (الشكل 2) المحتوي على النوكليدات المشعة وغير المشعة. وترمّز النوكليدات التي تستخدم في التفاعلات النووية لإظهار الأعداد المختلفة التي تصف النواة أو الذرة، وفق ما هو مبين في الشكل (4) لمثال الكربون.

الشكل (4): اصطلاح ترميز النوكليد 

تسمى النوكليدات - المستقرة منها أو المشعة - التي تضم عدداً محدداً من البروتونات هو العدد الذري Z - بالنظائر، وكلها تنتمي إلى عنصرٍ كيميائي واحد؛ وإن كانت مختلفةً في أعداد نتروناتها N وفي صفاتها الفيزيائية.

مصادر الإشعاعات النووية

تُطلَق الإشعاعات أولاً من مصادر أرضية طبيعية نشأت مع الوجود الأولي للأرض، وتركزت مع وليدات نوى ذراتها في القشرة الأرضية، وثانياً من منابع طبيعية مستمرة تأتي من الغلاف الجوي للأرض بفعل الأشعة الكونية، وثالثاً من أنشطةٍ يمارسها الإنسان في صناعة المفاعلات وفي الصناعات غير النووية التي تركز المواد المشعة الطبيعية.

1 - تبلغ أعمار المصادر الأرضية بلايين السنين، ويتعرض لها الإنسان وسائر الكائنات الحيوانية والنباتية منذ عصور سحيقة، ويتصدرها البوتاسيوم -40 الذي يتعرض الإنسان لإشعاعاته بعد مروره في طعامه وشرابه ليستقر في عضلاته وعظامه قبل تفككه إلى كلسيوم -40 وبعده، بإصدار أشعة β بعمرِ نصفٍ قدره 1.3 ألف مليون سنة. وتقدر كمية البوتاسيوم الطبيعي في جسم الإنسان المتوسط الذي يزن 70 كغ ما يقارب 140غ؛ أي ما يعادل 370 بكرل من البوتاسيوم -40. فهو أكثر العناصر الطبيعية إسهاماً في الجرعة الداخلية للإنسان، ويليه اليورانيوم -238 الذي ينتشر مع وليداته الثلاثة عشر (المتوازنة فيما بينها، فتطلق إشعاعات ألفا وبيتا وغاما، وتتوزع في القشرة الأرضية بنسب متفاوتة). وأبرز الوليدات غاز الرادون 222 الذي تنتج منه سبعة نظائر مختلفة الإشعاعات والأعمار. ومن ثم الثوريوم 232 ووليداته العشرة المتوازنة فيما بينها، والتي أبرزها غاز الرادون 220 (الثورون)، ولها أعمار نصفٍ متفاوتة، وتطلق إشعاعات ألفا وبيتا وغاما أيضاً (الجدول 2).

الجدول (2): أسماء عدد من النوكليدات الأرضية الطبيعية المشعة ورموزها وبعض المعلومات المفيدة عنها

النكليد

الرمز

عمر النصف

النشاط الإشعاعي الطبيعي

اليورانيوم 235

الوصف: الوصف: الوصف: 8332.jpg

7.04x108 y

يؤلف ما نسبته 0.72 % من مجموع نظائر اليورانيوم الطبيعي

اليورانيوم 238

الوصف: الوصف: الوصف: 8321.jpg

4.47x109 y

يؤلف ما نسبته 99.2745 % من اليورانيوم الطبيعي، و0.5 إلى 4.7 جزء بالمليون من فلزاته الصخرية (ppm)

الثوريوم 232

الوصف: الوصف: الوصف: 8312.jpg

1.41x1010 y

يؤلف من 1.6 إلى 20 جزءاً بالمليون من الصخور (ppm)

الراديوم 226

الوصف: الوصف: الوصف: 8304.jpg

1.60x103 y

يراوح نشاطه الإشعاعي بين 0.42pCi/g (16Bq/kg)

وpCi/g (48 Bq/kg) 1.3 في الصخور الشائعة

الرادون 222

الوصف: الوصف: الوصف: 8296.jpg

3.82 d

غاز خامل يراوح تركيزه المتوسط في الهواء في أمريكا (مثلا) بين 0.016pCi/l (0.6Bq/m3) و 0.75pCi/l 28Bq/m3))

البوتاسيوم 40

الوصف: الوصف: الوصف: 8288.jpg

1.28x109 y

يراوح تركيزه في التربة بين 1pCi/g (37Bq/kg)

و30 pCi/g (1100Bq/kg)

2 - تتضمن مصادر الأشعة الكونية التي تصل الغلاف الجوي باستمرار، أشعةً كونية أولية وأخرى ثانوية. تتفاعل هذه الأشعة مع الغلاف الجوي، وتشكل جسيماتٍ أقل طاقة أبرزها غاز التريتيوم T وعمر نصفه سنة y 12.33، والكربون -14 (سنة5730 y ).

3 - تَنتُج المصادر الصنعية من المفاعلات والمسرعات بأنواعها، وأيضاً من النفايات والتلوثات الناتجة منها. يُضاف إليها مختلف النظائر التي تُنتج على نطاقٍ واسعٍ لمختلفِ الاستعمالات في المجالات الطبية والصناعية والزراعية (الجدول 3).

الجدول (3): أسماء عدد من النوكليدات المشعة الصنعية الشائعة المنتجة بوساطة الإنسان وبعض المعلومات المفيدة عنها.

المادة المشعة

الرمز

عمر النصف

المصدر

اليود 131 الوصف: الوصف: الوصف: 8453.jpg

الوصف: الوصف: الوصف: 8445.jpg

8.04 d

أحد نواتج الانشطار في التفجيرات والمفاعلات النووية، ويستخدم في المعالجة الطبية للغدة الدرقية

اليود 129 الوصف: الوصف: الوصف: 8438.jpg

الوصف: الوصف: الوصف: 8430.jpg

1.57x107 y

أحد نواتج الانشطار في التفجيرات والمفاعلات النووية

السيزيوم 137 الوصف: الوصف: الوصف: 8424.jpg

الوصف: الوصف: الوصف: 8416.jpg

30.17 y

أحد نواتج الانشطار في التفجيرات والمفاعلات النووية

السترونشيوم 90

الوصف: الوصف: الوصف: 8407.jpg

الوصف: الوصف: الوصف: 8395.jpg

28.78 y

أحد نواتج الانشطار في التفجيرات والمفاعلات النووية

التكنيسيوم 99

IT(α , e)-

الوصف: الوصف: الوصف: 8383.jpg

6,00 h

ينتج من تفكك النظير 99Mo ويستخدم في التشخيص الطبي

البلوتونيوم 239 α

الوصف: الوصف: الوصف: 8373.jpg

2.41x104 y

ينتج من قصف اليورانيوم 238 بالنوترونات بحسب التفاعل

الوصف: الوصف: الوصف: 8364.jpg

وفي المجال الصناعي يُلحظ في:

أ- الصناعة الفسفاتية: تتألف الإطلاقات من العوالق الهوائية الحاملة للنكليدات المشعة، ومن غاز الرادون، إضافةً إلى الفسفوجيبسوم المُتخلِّف الحاوي النظائر المشكلة لسلسلتي اليورانيوم -238 والثوريوم -232.

ب - توليد الكهرباء من حرق الفحم الذي مازال يستخدم في العديد من دول العالم؛ إذ يحوي الفحم الثوريوم واليورانيوم ووليداتهما إلى جانب البوتاسيوم -40 والكربون -14، ويعدّ إحراقه مصدراً لهذه النوكليدات المشعة، سواء أكان ذلك في عمليات استخراج الفحم، أم بحرقه، أم باستخدام الرماد الناتج في مواد البناء.

ج - صناعة النفط والغاز التي تعرف نواتجها الإشعاعية باسم النورم .naturally occurring radioactive materials (NORM).

ظهرت تقارير عن وجودها بعد سنوات قليلة من اكتشاف ظاهرة النشاط الإشعاعي (هنري بكرل 1896)، ولكن كامبل Campbell كان أول من أشار بوضوح عام 1951 إلى وجود ما يسمى بالرواسب الحرشفية التي هي رواسب من مواد مشعة طبيعية متوضعة داخل أنابيب استخراج النفط وخارجها؛ وكذلك في قمصانها. لكن الموضوع بقي محجوباً عن الإعلان من قبل شركات النفط إلى أن صدر الإعلان الأول عن وجود الرواسب الحرشفية المحتوية على الراديوم -226 في منشآت النفط في بحر الشمال في عام 1981، وتلاه الإعلان عن وجود هذه الرواسب المشعة في منشآت إنتاج النفط الأمريكية في عام 1986، وبدأت عمليات القياس والدراسات وإجراءات وقاية العاملين في حقول النفط؛ مع تركيز الاهتمام على المواد المشعة الطبيعية المحتوية على الراديوم -226 والراديوم -228 لسهولة كشفها وقياسها، ومن ثم بدأت دراسة وجود الرصاص 210 والبولونيوم 210. يبيّن الجدول (4) إسهامات الإشعاعات النووية المختلفة من المصادر المختلفة معبراً عنه بمكافئ الجرعة.

يتضح من الجدول (4) والشكل(5) أن نحو 28% من الجرعة السنوية الفعالة ينتج من الإشعاع الطبيعي، وأن معظم هذه الجرعة ناشئ من الرادون، وأن السبب الرئيسي لباقي الجرعة البالغ 81% يعود إلى الأشعة المستخدمة في التشخيص والمعالجة الطبية، وأن الجزء الناتج من الهطولات النووية ومن محطات القدرة النووية أقل من 1%.

الشكل (5): متوسط الجرعات السنوية من مصادر الإشعاع الطبيعية في عدد من دول العالم ، وتلاحظ فيه ضخامة دور الرادون.

الجدول (4): متوسط إسهامات أنواع الإشعاع في متوسط مكافئ الجرعة الكلية السنوية في البيئة الأمريكية

المصدر

متوسط مكافئ الجرعة السنوية الفعالة (مكروسيفرت (µSv

متوسط مكافئ الجرعة السنوية الفعالة

(بيلي ريم) mrem

الرادون المستنشق ونواتج تفككه.

2000

200

المواد المشعة الأخرى المترسبة داخل الجسم، وأولها البوتاسيوم -40.

390

39

الأشعة المنبعثة من الأرض terrestrial.

280

28

الأشعة الكونية cosmic radiation.

270

27

الهطولات النووية ومحطات القدرة النووية.

10

1

الجرعة الكلية من المصادر الإشعاعية الطبيعية.

2950

295

الجرعة من المصادر الإشعاعية المولدة صناعياً.

600

60

الجرعة الإجمالية من مختلف المصادر.

3550

355

يمكن بصورة عامة تمثيل المصادر بغض النظر عن أماكن توضعها ونسب التوضع اعتماداً على ما يعرف بخريطة النوكليدات، الشكل (2).

ولعل العامل الأهم في تحديد استقرار نواة نكليد ما هو نسبةُ عدد النترونات فيها إلى عدد البروتونات، تكون النسبة المساوية للواحد مميزة للنوى الأكثر استقراراً، وتتزايد هذه النسبة بالتدريج مع ازدياد العدد الذري للعناصر لتصل إلى 1.6 في مجال النوى الكبيرة. وعندما تكون النسبة المذكورة أكبر أو أصغر قليلاً من النسبة التي تميز الاستقرار في مجال العناصر المنظورة (المعنية) في الشكل (2)؛ فذلك يعني أنها غير مستقرة أو مشعة، وتكون أبعد عن الاستقرار أو غير موجودة في الطبيعة عندما تبتعد النسبة كثيراً عن نسبة الاستقرار (المميزة للنكليدات المستقرة). وتكون النقاط على الخط الأفقي الموازي لمحور النترونات ممثلةً لنظائر العنصر المنظور، ولأنماط تفككاتها الإشعاعية المختلفة على جانبي النوى المستقرة المبينة في الشكلين (1)و (2).

وتوصف اتجاهات التحولات النووية التي تصدر الإشعاعات بأشكالها الجسيمية أو الكهرطيسية بسعيها لخفض طاقتها الكلية عبر هذه التفككات والتفاعلات.

فوائد الإشعاعات النووية واستخداماتها:

أدى الارتقاء بفهمنا التفاعلات النووية وخواص الإشعاعات النووية إلى استعمالها في العديد من المجالات الحياتية شملت تطبيقات جوهرية في الطب والصناعة والزراعة، وفي مختلف مجالات العلوم البيولوجية والتقنية والعلمية فضلاً عن الجوانب العسكرية المدمِّرة.

1 - ففي مجال الطب: تستخدم النوكليدات المشعة المُنْتَجة بمختلف الطرق على نطاق واسع في مجال التشخيص. وتستعمل النظائر في مجال الطب النووي على هيئة مصادر مفتوحة لتشخيص حالات مرضية متعددة ومعالجتها باستخدام المركبات الصيدلانية المشعة radiopharmaceuticals؛ التي هي مركبات موسومة بنظائر مشعة يجري تحضيرها وتركيبها بأشكال تتناسب مع أغراض التشخيص والمعالجة.

2 - وفي الصناعة: تُستعمل أيضاً على هيئة مصادر مفتوحة أو مصادر مغلقة، أبرزها إجراء التصوير الإشعاعي الصناعي في مجال الاختبارات اللاإتلافية لكشف التسربات، وضمان جودة المنتجات وسلامة مختلف المشاريع الهندسية بما فيها الأنابيب والتجهيزات في صناعة النفط، وفي مجال المقاييس الثابتة. كما تستخدم في المقاييس المحمولة لقياس الكثافة والرطوبة، وفي القياسات البئرية well logging في مجال استكشاف النفط والغاز. وتستخدم تقانة المتقفيات لدراسة العديد من العمليات الكيميائية أو لتتبع حركية السوائل في مختلف المجالات.

3 - وفي الزراعة: تُستخدم في دراسات دورة الآزوت، وحركية المياه والأملاح، وقياسات رطوبة التربة، وتحديد احتياجات المياه، وإحداث الطفرات في النباتات. كما تستخدم في مجال تعقيم الأغذية ومنع الإنبات غير المرغوب فيه، وفي تعقب آثار المبيدات الحشرية، وفي تحسين الإنتاج الحيواني، وفي تعقب معالجة النفايات السائلة والصلبة (الحمأة)، ودراسات مردود محطات معالجة مياه الصرف الصحي، إضافة إلى التأريخ بالكربون الطبيعي المشع في مجال التربة واستصلاح الأراضي.

4 - وفي العديد من مكونات المواد الاستهلاكية: مثل الدهانات ذات التألق الإشعاعي، والمواد الملونة المستخدمة في صناعة الزجاج والسيراميك، وكذلك في أجهزة كشف الدخان، وفي تشغيل بعض الأجهزة الدقيقة لأغراض التجسس وفي سفن الفضاء.

آثار الإشعاعات النووية البيولوجية:

كان الإنسان متعايشًا مع حدود الخلفية الطبيعية للإشعاع، وبعد أن أضافت الحضارة مصادر صنعية مختلفة أصبح عرضة لجرعات شتى يمكن وصفها في ظروف الوقاية المتبعة بأنها جرعات منخفضة بالنسبة إلى عموم الناس، ويتحكم فيها بالنسبة إلى العاملين المهنيين في مجال الإشعاع. فمن المعروف أن التعرض للإشعاعات له آثار ضارة بالخلايا والأنسجة وأعضاء الجسم المختلفة، وهذه الأضرار تتعلق بالعديد من العوامل الفيزيائية والبيولوجية يهتم بتفاصيلها علم الوقاية من الإشعاع.

مبادئ الحماية منها: أولها الابتعاد ما أمكن عن مواقع وجودها (عامل المسافة والاستفادة من التناسب العكسي مع مربع البعد)، وثانيها التقليل من مدة الوجود الضروري بقربها إلى الحد الأدنى (للاستفادة من خفض زمن التعرض (عامل الزمن)، وثالثها: الاحتماء منها خلف الدروع المناسبة، وخاصة من أشعة غاما ذات القدرة العالية للاختراق (مبدأ التدريع المناسب).

أما الوقاية من التعرضات الداخلية فتقتضي تجنب استنشاق أي من مصدرات ألفا وبيتا وأي مصدرات أخرى قد تدخل الجسم وتستقر فيه أو ابتلاعها، وذلك بالحد من التلوثات السطحية، والحيلولة دون انتشارها على مساحات أكبر، وتجنب وصولها إلى الرئة أو إلى الفم بغسل اليدين والوجه تماماً، وتجنب الأكل والشرب والتدخين في الأماكن الملوثة أو المحظورة، واتباع التعليمات الخاصة بالوقاية في مثل هذه الحالات.

أنظمة مراقبة الإشعاع وأجهزة الإنذار المبكر:

اهتم كثيرٌ من دول العالم بعد الحوادث النووية المؤسفة بتعقب المستويات الإشعاعية التي تأتيها من الجو أو من الدول المجاورة. فقد طورت هيئة الطاقة الذرية السورية مثلاً نظاماً يشمل مقاييس محمولة (محطة) لقياس العوامل المناخية مع نظام لمراقبة الإشعاع النووي، وإرسال إشارات الإنذار المبكر إلى مركز الهيئة، باستخدام المعالج التحكمي المكروي 8052 Bosic وتوزيع نسخ منه على الجهات الرئيسية لحدود القطر، إضافة إلى نشر أجهزة المراقبة الإشعاعية لتفحص مختلف المستوردات على المنافذ الحدودية الجوية والبحرية والبرية لتأكيد سلامتها وخلوها من المستويات الإشعاعية الضارة؛ قبل السماح بدخولها أو ردها إلى مصدرها في حال وجود تلوث إشعاعي يتجاوز الحدود المسموح بها.

مراجع للاستزادة:

- إبراهيم عثمان ومحمد سعيد المصري، النشاط الإشعاعي البيئي، هيئة الطاقة الذرية السورية، 2011.

- مجلات عالم الذرّة، الأعداد 79، 63، 52، 47، منشورات هيئة الطاقة الذرية.

- محمد فاروق أحمد، أسس الفيزياء الإشعاعية، منشورات جامعة الرياض، 2000.

-IAEA, Facts about Low-level Radiation, Vienna, 1988.

 


التصنيف : الفيزياء النووية
النوع : الفيزياء النووية
المجلد: المجلد الثاني
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1073
الكل : 45602956
اليوم : 3639