logo

logo

logo

logo

logo

الاستتباب

استتباب

Homeostasis - Homéostasie

الاستتباب

محمد علي الخطيب

 

الاستتباب Homeostasis هو محاولة الكائن الحي وسعيه إلى الحفاظ على حالة استقرارٍ نسبية لثوابت الوسط الداخلي (البيئة الداخلية internal environment) للجسم ضمن مجال لا يؤثر في حياة الفرد. ويتم ذلك بتدخل آليات قادرة على تعديل المتغيرات الفيزيائية والكيميائية لهذا الوسط من خلال تدخل أعضاء الجسم وأجهزته المختلفة التي تعمل على إنجاز الفعاليات التي تساعد على الاستتباب، وإذا فقد أيُّ جهازٍ منها قدرتَه على المساهمة بنصيبه من العمل لتأمين حالة الاستتباب فستعاني عندها معظم خلايا الجسم هذا الضرر، مما يؤدي إلى ظهور أعراض مرضية، وربما حدوث الموت.

يُوصف الوسط الداخلي للجسم بأنه سائل هلامي يتكون من ماء ومركبات منحلة قابلة للانتقال عبر الأغشية الخلوية كالمُغَذِّيات والإيونات والجزيئات الكيميائية التي تحتاج إليها الخلايا، إضافة إلى نواتج الاستقلاب التي تطرحها في محيطها. وتُعرف هذه المواد بالمتغيرات الفيزيائية والكيميائية، التي يوجد كل منها عادة بمقدار ضمن مجال محدد. وتستمر الخلايا في حياتها إذا استمر تبادل المواد بينها وبين السائل النسيجي، واستمر تبادل المواد بين السائل النسيجي والبيئة الخارجية بتدخل أجهزة الهضم والدوران والتنفس والإطراح بتنظيم عصبي وهرموني. وهذه الأفعال تسمح للجسم الحي بتجديد مكونات وسطه الداخلي والحفاظ على استقراره على النحو الذي يضمن تأمين الظروف الملائمة للفعاليات الاستقلابية في خلايا الجسم.

يحوي جسم الإنسان وأجسام الحيوانات عدداً من أجهزة التحكم التي تساهم في استقرار متغيرات الوسط الداخلي للجسم، منها الأجهزة التي تتحكم في الحفاظ على التوازن المائي الملحي لسوائل الجسم، والأجهزة التي تساهم في الحفاظ على ثبات درجة حرارة الجسم، وتنظيم درجة حموضته، والأجهزة التي تساهم في تنظيم عمل القلب والضغط الشرياني وتنظيم نسبة السكر. وتعمل معظم هذه الأجهزة على مبدأ التلقيم الراجع السلبي negative feedback، بمعنى أنه إذا ما ابتعد أحد متغيرات الوسط الداخلي عن الحدود الطبيعية - زيادة أو نقصاناً - تتدخل أجهزة التحكم في الجسم بجملة من ردود الفعل تعمل على إعادة هذا المتغير إلى قيمته الطبيعية.

الاستتباب المائي الملحي لسوائل الجسم:

ترافق قيام جسم الإنسان والحيوانات بوظائفه المختلفة خسارةٌ مستمرة من الماء والإيونات المعدنية التي تُطرح بشكل مفرزات بولية وعرقية وبرازية. ويتم تعويض هذه الخسارة عادة بتناول الماء والأملاح لتحقيق حالة الاستتباب المائي الملحي لسوائل الوسط الداخلي للجسم.

تختلف الآلية التي يتم عبرها التحكم بالمحتوى المائي الملحي والتركيز التناضحي (الأُسمولي، الحلولي) osmolarity لسوائل الجسم باختلاف بيئة الكائن الحي. فحيوانات المياه العذبة تتمتع بتركيز أُسمولي داخلي بنحو 300 ميلي أُسمول/لتر، وهو أعلى مما هو عليه في الوسط المحيط (أقل من 25 - 300 ميلي أُسمول/لتر). وبحسب القوانين الفيزيائية سيدخل الماء بالتناضح osmosis إلى أجسامها، وتخرج الأملاح بالانتشار diffusion لتحقيق التوازن مع الوسط المحيط؛ لذا يتوجب عليها أن تملك آليات تساهم في التنظيم التناضحي osmoregularity لأجسامها. وهكذا تمكنت فقاريات المياه العذبة من الحد من دخول الماء إلى أجسامها بتكوين لحافات جلدية كتيمة لا تسمح بنفوذ الماء، كما تمكنت من إيجاد آلية فعّالة لامتصاص الأملاح من الماء والاحتفاظ بها داخل أجسامها؛ وذلك للحفاظ على تركيز أسمولي داخلي أعلى مما هو عليه في الوسط المحيط بالحيوان. وهي تحاول أيضاً عدم شرب الماء، إلا أن كمية الماء الداخلة إلى الجسم عبر الغلاصم تكون كبيرة، يتخلص منها الحيوان عن طريق الكلى التي تتميز بوجود نفرونات (نبيبات بولية) nephrons متطورة تسمح بترشيح سوائل الجسم وتكوين كميات كبيرة من البول الممدد الذي يُطرَح مباشرة خارج الجسم لكونها لا تملك مثانات لتخزين البول (الشكل1).

الوصف: الوصف: 10-1.psd
الشكل (1) الآليات التي تعمل على استتباب المحتوى المائي الملحي لسوائل الجسم عند أسماك المياه العذبة

 

وفيما يتعلق بالتنظيم المائي والتناضحي في الحيوانات البحرية فإن معظم اللافقاريات البحرية الموجودة في أعالي البحار من الرخويات وبعض أنواع الديدان والقشريات تعيش في حالة توافق تناضحي osmoconformity مع مياه البحر؛ لأنها تمتلك في تركيب أجسامها بُنى أو سطوحاً نفوذة للماء والأملاح تسمح بارتفاع تركيز سوائل جسمها أو انخفاضها بما يتوافق مع تركيز ماء البحر.

يختلف الحال عند الحيوانات التي تعيش على طول الشاطئ وفي مصبات الأنهار حيث تكون الظروف البيئية غير مستقرة بالمقارنة مع مثيلاتها في أعالي البحار، ولابد للحيوانات التي تعيش في مثل هذه الظروف من إيجاد وسيلة قادرة على مجابهة التغيرات الكبيرة في ملوحة الوسط الخارجي، وذلك باستخدام آليات لتنظيم التركيز الأُسمولي لسوائل أجسامها؛ فسرطان الشاطئ يتكيف مع تغيرات الملوحة بأن يلجأ إلى آلية تنظيمٍ تناضحي جزئية عندما تصبح المياه قليلة الملوحة، وذلك بإخراج الماء المُكتسَب من الوسط المحيط عن طريق غدة خاصة موجودة في قاعدة قرن الاستشعار تدعى بالغدة الخضراء، كما يتمكن السرطان من انتزاع الأملاح من مياه البحر وإدخالها إلى الجسم بطريقة فعّالة تشارك فيها خلايا خاصة لنقل الأملاح توجد في الغلاصم. وعند ارتفاع ملوحة الماء يصبح الحيوان في حالة توافق تناضحي.

تمتلك سوائل الوسط الداخلي للجسم في فقاريات المياه المالحة تركيزاً ملحياً أقل من تركيزه في ماء البحر؛ لذا فإنها تميل لأن تخسر الماء بالتناضح وتمتص الملح عبر الغلاصم. فالأسماك العظمية تعالج هذه المشكلة بإنتاج كميات قليلة من البول عالي التركيز، وتأخذ الماء والأملاح عن طريق تناول الغذاء والماء، لذا تتميز أمعاؤها بقدرتها على امتصاص كميات كبيرة من الماء والإيونات أحادية التكافؤ (Na+ و K+)، ولا تمتص الإيونات ثنائية التكافؤ (Ca++،Mg++) إلا بكميات محدودة (الشكل 2). وإن ما يُمتَص من الإيونات أحادية التكافؤ يُطرَح بشكلٍ فعّال عن طريق الغلاصم بتدخل خلايا خاصة موجودة في الغلاصم تدعى بالخلايا الكلورية (الشكل 2).

الوصف: الوصف: 10-2.psd
الشكل (2) الآليات التي تعمل على استتباب المحتوى المائي الملحي لسوائل الجسم عند الأسماك العظمية ودور الخلايا الكلورية للغلاصم في طرح الإيونات أحادية التكافؤ

 

أما الأسماك الغضروفية فتتميز بأن التركيز الأُسمولي لسوائل أجسامها يتوافق مع التركيز الأُسمولي لماء البحر، وهذا التوافق لا يعود إلى احتفاظها بالأملاح، وإنما يعود إلى احتفاظها بتركيز عالٍ من البولة؛ فهي تأخذ الماء والأملاح عن طريق الغذاء. وقد صُمِّمَت الكلى لديها بحيث تطرح كميات قليلة من البول الغني بالأملاح. إلا أن نفروناتها (نبيباتها البولية) قادرة على إعادة امتصاص البولة من الرشاحة البولية وإعادته إلى الدم، الأمر الذي يرفع التركيز الأُسمولي لسوائل جسمها إلى مستوى التركيز الأُسمولي لمياه البحر المقدر بنحو 1000 ميلي أُسمول/لتر (الشكل3). ويتم التحكم بطرح إيونات الصوديوم والكلور بشكلٍ فعّال عن طريق الغدة المقذرية cloacal gland بفعل الخلايا الكلورية، إضافة إلى إمكانية طرحها بشكل فعّال عبر الغلاصم.

الوصف: الوصف: 10-3.psd
الشكل (3) الآليات التي تعمل على استتباب المحتوى المائي الملحي لسوائل الجسم عند الأسماك الغضروفية

 

تحتفظ الأسماك الغضروفية بتركيز عالٍ من البولة في أجسامها على الرغم من سُميتها الشديدة بفضل وجود أحد منتجات هدم البروتينات في أجسامها وهو أكسيد ثلاثي ميتيل أمينtrimethylamine oxide الذي يتمكن من الارتباط بالبولة ويمنع تأثيرها السُمي.

أما الزواحف والطيور والثدييات البحرية فتتميز سوائل وسطها الداخلي بتركيز أُسمولي منخفض مقارنة مع تركيزه في ماء البحر. وهي تفقد كميات كبيرة من الماء عن طريق الكليتين والرئتين، وتعوض خسارتها له بتناول الغذاء وشرب ماء البحر. لكن يرافق ذلك تناول كميات كبيرة من الأملاح الأمر الذي يخلق للحيوان مشكلة جديدة وهي ضرورة طرح الزائد منها، لأن الكلى عندها غير قادرة على إنتاج بولٍ عالي التركيز بالنسبة للدم. ويمتلك كلٌ من الزواحف والطيور البحرية حلاً للتخلص من الأملاح عبر الغدد الملحية، إذ يوجد فوق كل عين غدة ملحية قادرة على طرح محلول من كلور الصوديوم يصل تركيزه إلى ضعف تركيزه في ماء البحر (الشكل4). أما الثدييات البحرية فلا تملك غدداً ملحية، ولا يمكنها التخلص من الأملاح الزائدة إلا عن طريق الكلى، حيث يمكنها تكوين بول عالي التركيز بالنسبة إلى الدم مثلما تفعل الكلية في باقي الثدييات.

الوصف: الوصف: 10-4.psd

الشكل (4): (أ) الغدد الملحية لدى الطيور البحرية

(ب - ج) وآلية طرحها للأملاح.

 

أما فيما يتعلق بحيوانات اليابسة فإنها تفقد الماء والأملاح باستمرار. وهي تسعى إلى الحد من خسارتها من هذه المواد من أجل الحفاظ على التوازن المائي الملحي لسوائل أجسامها بما يضمن بقاءها على قيد الحياة بطرائق سلوكية، كالبحث عن الأماكن المناسبة للحد من خسارة الماء، وأخرى فيزيولوجية تعمل على تنظيم محتوى الجسم من الماء والأملاح.

تفقد الحيوانات الأرضية الماء بالبخر من السطوح التنفسية ومن سطح الجسم، وبالإطراح مع البول والبراز، ومن الغدد خارجية الإفراز كالغدد العرقية والغدد الثديية. وتعوِّض هذه الحيوانات الكميات المفقودة من الماء بشربه وتناول الطعام، إضافة إلى ماء الاستقلاب الذي ينتج من أكسدة المواد العضوية في خلايا الجسم. وتسعى هذه الحيوانات إلى تأمين الاستتباب المائي الملحي للوسط الداخلي لأجسامها من خلال تحقيق التوازن بين المُدخَلات والمُخرَجات. ففي الوقت الذي يجب أن يتخلص الحيوان من نواتج الاستقلاب الآزوتية السامة، يتوجب عليه أيضاً أن يحد من خسارة الماء المرافقة لإطراحها. وتتمكن الحيوانات من التغلب على هذه المشكلة عبر اختلاف الناتج النهائي لتقويض بعض المركبات العضوية. فالناتج النهائي لتقويض البروتينات عند أسماك المياه العذبة وعند اللافقاريات البحرية هي الأمونيا NH3 أو الأمونيوم NH4+، تستطيع التخلص منهما بسهولة عن طريق الكلى والغلاصم بسبب توافر الماء.

أما الناتج النهائي لتقويض البروتينات عند الزواحف والطيور فهو حمض البول، وتتمكن هذه الحيوانات من التخلص منه على هيئة بول شبه صلب يرافقه فقدان كمية قليلة من الماء. والناتج النهائي لتقويض البروتينات عند الثدييات هو البولة، ويتطلب التخلص منها فقدان كميات كبيرة من الماء؛ لذلك طورت هذه الحيوانات وسيلة أخرى للحد من خسارة الماء بتطور عروة هانله Henle’s loop في نفرونات (النبيبات البولية) الكلية، التي تتحكم عادة بإعادة امتصاص الجزء الأكبر من الماء المرتشح مع البول، حيث يلاحظ وجود علاقة بين طول عرى هانله في النفرونات وبين كمية البول المنتَجة وتركيزها. ويرتبط هذا الأمر بالوسط الذي تعيش فيه الحيوانات، فالقندس الذي يعيش بالقرب من الماء تمتلك كليته نبيبات بولية تكون فيها عرى هانله قصيرة، وإعادة امتصاص الماء فيها تكون ضعيفة، مما يسمح لها بتكوين كميات كبيرة من البول منخفض التركيز (الشكل5).

الوصف: الوصف: 10-5.psd
الشكل (5) تخطيط يبين التفاوت في طول النبيبات البولية لدى كلى بعض الثدييات

 

تحاول القوارض الصحراوية - مثل فأر الكنغر الذي يعيش في بيئة يندر وجود الماء فيها- الحد من خسارة الماء لأقصى درجة ممكنة بزيادة طول عُرى هانله تسمح بإيجاد تدرج تناضحي كبير بين منطقة القشرة في الكلية ومنطقة اللب فيها، الأمر الذي يساعد على امتصاص أكبر قدر ممكن من الماء الموجود في البول المتشكل وإعادته إلى الدم، وبالتالي إنتاج بول عالي التركيز. في حين أن في كلية الأرنب نفرونات (نبيبات بولية) بعرى هانله متوسطة الطول بالمقارنة مع الأنابيب البولية لفأر الكنغر والقندس، حيث البول المتشكل فيها متوسط التركيز.

استتباب درجة حموضة سوائل الجسم:

يرافق قيام الكائن الحي بوظائفه الاستقلابية تكوين بعض المركبات كحمض اللبن وحمض الكربون وحمض الفسفور وحمض كلور الماء. وهذه المواد وأمثالها يمكنها أن تتأين وتساهم في تغيير درجة حموضة (pH) سوائل الجسم، مما يسبب تغيراً في معدلات التفاعلات الاستقلابية للخلايا، لذلك تعمل جمل التنظيم في الجسم على مقاومة تبدلات درجة الحموضة بتدخل دارئات buffer الحموضة للحفاظ على استتباب الأوساط السائلة لجسم الإنسان بحدود(7,45  -7,35) اعتماداً على مبدأ التلقيم الراجع السلبي. وإذا خرجت هذه القيمة عن هذا المعدل بقيمة لا تزيد على ±0.5  تتخرب الإنزيمات المشرفة على الفعاليات الاستقلابية للخلايا، مما يؤدي إلى موت الخلايا.

يعتمد مبدأ عمل هذه الدارئات على الاتحاد مع إيونات الهدروجين إذا كان الوسط حامضياً، ومنحها المحلول إيونات الهدروجين إذا كان قلوياً لتمنع التبدلات الشديدة في تركيز إيونات الهدروجين. وتدعى مثل هذه الدارئات بالجمل الدارئة الكيميائية (كدارئة البيكربونات ودارئة الفسفات ودارئة البروتين وخضاب الدم)، والجمل الدارئة الجهازية (كدارئة جهاز التنفس ودارئة جهاز الإطراح البولي).

تتدخل دارئة جهاز التنفس – مثلاً- بسرعة لتعديل درجة الـpH لسوائل الجسم من خلال التحكم بعدد الحركات التنفسية وعمقها للتخلص من CO2. فعند ازدياد كمية CO2 المُنتَجَة في خلايا الجسم نتيجة ارتفاع معدل الاستقلاب الخلوي (كما يحدث في أثناء قيام الشخص بأعمال مجهدة) يزداد إنتاج CO2 الذي يتفاعل مع الماء ليشكل حمض الكربون الذي يتأين إلى بيكربونات وإيونات الهدروجين كما في المعادلة (1):

الوصف: الوصف: 10157.jpg

يؤدي ارتفاع إيونات الهدروجين H+ في بلازما الدم إلى تنبيه الأجسام الأبهرية والسباتية الموجودة في الجيوب الأبهرية والسباتية، وكذلك تنبيه المستقبِلات الكيميائية لمركز التنفس وتدفعه إلى إرسال معلومات إلى العضلات التنفسية لتزيد من معدل الحركات التنفسية وعمقها للتخلص من ثنائي أكسيد الكربونCO2 الزائد، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض تركيزه في الدم والسائل الخلالي؛ مما يعيد تركيز إيونات الهدروجين في سوائل الجسم إلى حالتها الطبيعية، وبالتالي تعديل درجة الحموضة.

وبالعكس إذا انخفض تركيز إيونات الهدروجين في سوائل الجسم يتثبط مركز التنفس، وينخفض معه معدل التهوية الرئوية؛ مما يرفع تركيز CO2وتركيز إيونات الهدروجين إلى قيمته الطبيعية.

أما عن دور الكلى في تنظيم درجة حموضة سوائل الوسط الداخلي للجسم والحفاظ على استتبابها ضمن الحدود الطبيعية فيتم عبر قدرة نفرونات الكلية على التحكم بإفراز إيونات الهدروجين والبيكربونات في البول المتشكل ليكون البول المفرغ حامضياً أو قلوياً.

تعود الآلية التي تتحكم بها الكليتان في تكوين بول حامضي أو قلوي إلى كمية البيكربونات المنقولة مع الرشاحة الكبية وكمية إيونات الهدروجين التي تفرزها الخلايا الظهارية المبطنة للنفرونات. فإذا كان عدد إيونات الهدروجين المفرَزَة أكثر من عدد البيكربونات الراشحة سيكون البول المُفرَغ حامضياً، وهذا ما يحصل عندما تعمل الكليتان على تخليص سوائل الجسم من الزائد من إيونات الهدروجين (الشكل6).

الوصف: الوصف: 10-6.psd
الشكل (6) آلية تنظيم درجة حموضة سوائل الجسم وتكوين بول حامضي عند ارتفاع نسبة H+

 

وقد يكون البول المتشكل قلوياً عندما تكون كمية البيكربونات الراشحة أكبر من كمية الهدروجين المفرَزَة (الشكل 7).

الوصف: الوصف: 10-7.psd
الشكل (7) آلية تنظيم درجة حموضة سوائل الجسم وتكوين بول قلوي عند انخفاض نسبة H+

 

استتباب درجة حرارة الجسم:

يتم معظم التفاعلات الاستقلابية التي تنجزها خلايا الجسم في الحيوانات الحية في مجال محدد من درجة الحرارة تراوح بين -2 و + o40 س وتتضاعف سرعة هذه التفاعلات مرتين إلى ثلاث مرات مع كل ارتفاع في درجة الحرارة مقدارها 10 درجات مئوية، بدلالة زيادة استهلاك الأكسجين من قبل الحيوان مع ارتفاع درجة الحرارة.

وإذا زادت درجة الحرارة الداخلية للجسم على o40س فإن ذلك يؤدي إلى خلل في التفاعلات نتيجة تعطل عمل الإنزيمات المشرفة على هذه التفاعلات، علماً أن الإنزيمات تتخرب كلياً إذا تجاوزت درجة حرارة الجسم 45o س. وبعكس ذلك ينخفض معدل الاستقلاب مع انخفاض درجة حرارة الجسم، وتقل معها كمية الطاقة التي يستطيع الجسم أن يحشدها لأوجه نشاطه الحيوي؛ لذلك تسعى الحيوانات جاهدة إلى إيجاد البيئة المناسبة التي لا يُتَطَلَّب من الكائنات بذل جهد كبير للحفاظ على نشاطها الحيوي لمواجهة تبدلاتِ درجة حرارة الوسط المحيط باستجاباتٍ سلوكيةٍ وأخرى فيزيولوجيةٍ تعتمد فيها على جملة تنظيم تتحكم بدرجة حرارة الجسم. ووفقاً لذلك تقسم الحيوانات إلى مجموعتين أساسيتين، متبدلة الحرارة poikilotherms، ومتجانسة الحرارة homeotherms:

1ـ الحيوانات متبدلة الحرارة، وتعرف أيضاً بذوات الدم البارد، وهي تضم جميع اللافقاريات والأسماك والبرمائيات والزواحف من الفقاريات، وتتميز بأن درجة حرارة أجسامها الداخلية تتغير بتغير درجة حرارة الوسط المحيط، وبأنها لا تصرف الكثير من الطاقة الحيوية لمقاومة تبدلات درجة حرارة البيئة التي يعيش فيها الحيوان.

2ـ الحيوانات متجانسة الحرارة، أو ذوات الدم الحار، وتضم الطيور والثدييات، وتتميز بثبات درجة حرارة أجسامها ضمن حدود ضيقة لا تتغير مهما تغيرت درجة حرارة الوسط، وهي تراوح بين 36 و 38°س في معظم الثدييات، وبين 40 و42°س عند الطيور. وهي تُسَخِّرُ جزءاً من طاقتها الحيوية لاستتباب درجة حرارة أجسامها. وتضبط هذه الحيوانات حرارة جسمها المركزية من خلال تحقيق التوازن بين إنتاج الجسم للحرارة وفقده للحرارة، بفضل عمل جهاز تنظيم حراري يشترك به عددٌ من الأجهزة والأعضاء قد تطال معظم خلايا الجسم.

تستطيع الحيوانات متجانسة الحرارة أن تنظم درجة حرارة أجسامها على مستوى الجزء من الدرجة المئوية بفضل التدفق المستمر للمعلومات القادمة من المستقبِلات الحرارية لمختلف مناطق الجسم إلى مركز التنظيم الحراري الموجود في الوطاء hypothalamus، علماً أن هناك مستقبِلات سخونة ومستقبِلات برودة تحقق تَلَقّي تغيرات الحرارة والبرودة في الخارج.

يقوم المركز العصبي المنظِّم لحرارة الجسم بتحليل المعلومات الحسِّية القادمة من المستقبلات الحرارية، ويقَدِّر الموقف الحراري للجسم. وبناءً على ذلك يرسل إيعازات إلى الفاعلات ليدفعها إلى إنتاج الحرارة أو طرحها اعتماداً على مبدأ التلقيم الراجع السلبي لضبط درجة حرارة اللب، وهي لدى الإنسان بنحو 73oس. هذا وإن أي انحرافٍ في درجة حرارة اللب عن قيمة نقطة البدء زيادةً أو نقصاناً يؤدي إلى انطلاق إشارة خطأ error signal تعمل على ضبط الأمور وذلك بتسيير آلياتِ إنتاجٍ للحرارة أو طرحها.

فعند ارتفاع درجة حرارة الجسم من جراء التعرض للظروف الحارة، أو لدى قيام الفرد بأعمال مجهِدة، أو عند إصابته بالحمى، تتفوق عندئذٍ المعلومات الحرارية القادمة من مستقبِلات السخونة على المعلومات الحرارية القادمة من مستقبلات البرودة، ويؤدي ذلك إلى تفوق إشارة الخطأ الناجمة عن السخونة، ويتنبه على أثرها مركز التنظيم الحراري وتدفعه إلى تسيير آليات متعددة تعمل على خفض درجة حرارة الجسم وإعادتها إلى مستوى نقطة البدء، يُذكر منها توسع الأوعية الدموية السطحية نتيجة تأثير مركز التنظيم الحراري في المراكز العصبية الودية وتثبيطها، الأمر الذي يؤدي إلى تناقص تأثير الجملة الودية في فعاليات تقلص العضلات الملس الخاصة بالأوعية الدموية؛ مما يؤدي إلى توسع قطرها وزيادة تدفق الدم إلى الجلد، يزداد معه معدل نقل الحرارة من المركز إلى المحيط لتطرح خارجاً بالإشعاع radiation والتَماس أو التوصيل conduction والحملconvection والبخر evaporation.

ويشار هنا إلى أن النقل بالتماس يكون فعالاً عندما تكون درجة حرارة الجسم أعلى من درجة حرارة الوسط المحيط لأنها توفر نقل الحرارة من الجسم الأكثر سخونة إلى المحيط الأقل درجة حرارة. ويزداد طرح الحرارة بهذه الطريقة مع توافر آليات الحمل بفضل مرورِ تياراتِ هواءٍ أو ماءٍ فوق سطح الجسم، تمتص جزءً من الحرارة القريبة من السطح الساخن وتنقلها بعيداً عنه ليحل محلها تيارات جديدة تحمل كمية أخرى من الحرارة، وهكذا يستمر حمل المزيد من الحرارة ونقلها بعيداً عن الجسم. أما إذا كانت درجة حرارة الجسم أقل من درجة حرارة الوسط المحيط فعندئذ يعد تبخر الماء - الناجم عن التعرق أو اللهاث أو ترطيب الفراء بلعقه باللعاب - الطريق الوحيد للتخلص من الحرارة الزائدة. فالتعرق هو عملية إفراز تتم بزيادة فعالية الغدد العرقية وحضها على إفراز العرق للتخلص من الحرارة الزائدة. وفي هذه الحالة يكون معدل فقد الجسم للحرارة أكبر من إنتاجها، وتصبح الفروق الحرارية بين المركز والأطراف قليلة نتيجة استمرار تدفق الدم المحمل بالحرارة من المركز باتجاه المحيط (الشكل 8).

أما لدى انخفاض درجة حرارة الجسم – من جراء التعرض للأوساط الباردة - فيتنبه مركز التنظيم الحراري الذي يغير إشارة الخطأ في الاتجاه المعاكس للحالة السابقة. ويعمل عندئذٍ جهازُ ضبطِ الحرارة على رفع درجة حرارة لب الجسم بتدخل عدة آليات، منها:

1ـ تنشيط آليات إنتاج الحرارة بالقشعريرة shivering، وهي رجفة عضلية لا إرادية، عبر زيادة التقلص العضلي وزيادة نشاط الجهاز العصبي الودي الذي يحرِّض خلايا غدة الكظر على إفراز الأدرينالين في الدم لينشط عمليات تقوض الشحوم وزيادة معدل استقلابها لزيادة إنتاج الحرارة، وكذلك زيادة إنتاج التيروكسين في الغدة الدرقية وإفرازه في الدم لرفع مستوى الاستقلاب الأساسي في الخلايا.

2ـ تثبيط آليات طرح الحرارة عبر الجلد وذلك بتنشيط عمل الجملة الودية التي تسبب تضيق الأوعية الدموية وبالتالي الحد من تدفق الدم إلى الجلد. وفي هذه الحالة يكون معدل إنتاج الجسم للحرارة أكبر من فقدها، وينكمش معها المركز الحراري ليقتصر على الرأس والجذع. وتصبح الفروق الحرارية بين المركز والأطراف كبيرة نتيجة فقد الحرارة عبر الجلد نتيجة قلة تدفق الدم باتجاه المحيط (الشكل 8).

الوصف: الوصف: 10-8.psd
الشكل (8) تخطيط يوضح العلاقة بين درجة حرارة الجسم ودرجة حرارة الوسط المحيط، وأثر ذلك في اختلاف درجة حرارة اللب والجلد والأطراف

 

 يضاف إلى ذلك أن الثدييات والطيور التي تعيش في البيئة الباردة تستخدم وسيلتين رئيستين للحفاظ على ثبات درجة حرارة أجسامها المركزية، هما:

أ ـ تقليل فقدان الحرارة بزيادة تأثير العزل: وذلك بوجود طبقة من الشحم السميك تحت الجلد وزيادة سمك الفراء والشعر الغزير أو الريش، باستثناء بعض أجزاء الجسم كالأرجل والأنف، بحيث يُسمَح لها بأن تبرد لدرجة حرارة منخفضة تقترب من نقطة التجمد. ويعود الفضل في ذلك إلى وجود تبادل حراري يعتمد على مبدأ التيار المضادcountercurrent exchange ، حيث تمر الشرايين التي تحمل الدم الحار إلى الأطراف موازية وملاصقة للأوردة التي تحمل الدم البارد من الأطراف باتجاه القلب، وفي هذه الحالة فإن معظم الحرارة الموجودة في الدم الشرياني تستعمل لتسخين الدم الوريدي بالتماس، وبهذه الحالة تتناقص حرارة الدم الشرياني كلما اقترب من السطح (الشكل 9)، ولا يصل إلى الأطراف إلا القليل منها، وبالتالي لا يضيع منها عبر سطح الجسم إلا القليل.

الوصف: الوصف: 10-9.psd

الشكل (9) تخطيط يوضّح آليات التبادل الحراري بين الدم الشرياني والدم الوريدي اعتماداً على مبدأ التيار المضاد عند الثدييات والطيور التي تعيش في البيئات الباردة.

 

ب ـ زيادة إنتاج الحرارة: تستطيع الثدييات والطيور أن تنتج حرارة أكثر من المعتاد في حالات البرد القارص، وذلك بزيادة النشاط العضلي بالارتعاش shivering، وتقلص عضلات جذور الشعر لدى الثدييات مما يؤدي إلى انتصاب الشعر، الأمر الذي يعمل على احتجاز طبقات هوائية كافية لتزيد من الطبقات العازلة قرب الجلد.

كما تتجنب الطيور وبعض الثدييات الدرجات المنخفضة من الحرارة بالقيام بهجرات طويلة المدى، أو بالدخول في حالة سبات يومي torpor أو سبات شتوي hibernation. فالخفافيش والطيور الطنانة تتحول إلى حيوانات متبدلة الحرارة في أثناء النوم والسكون، وتبقى متجانسة في الحرارة أثناء نشاطها.

وبالمقابل تتمكن بعض الثدييات من العيش في الصحراء رغم قساوة الظروف البيئية (حرارة شديدة في أثناء النهار، وبرد في أثناء الليل، وندرة الماء والخضرة). فارتفاع درجة حرارة الوسط تدفع الحيوان لأن يخسر كمية كبيرة من الماء بالتعرق أو اللهاث أو بترطيب الجلد باللعاب، مما يؤدي إلى زيادة لزوجة الدم وارتفاع حرارة الجسم. وقد وَجَدَت هذه الحيوانات وسائلَ عدة لمواجهة الحرارة والجفاف. فالثدييات الصغيرة تهيئ لنفسها مخابئ تساعدها على التقليل من فقدان الماء بالبخر، وعند الضرورة تُعيد امتصاص الماء الذي تحتاج إليه من غذائها الجاف، وبذلك فإنها لا تشرب الماء مطلقاً، وتطرح بولاً عالي التركيز وبرازاً جافاً.

أما الثدييات الكبيرة كالجمال والظباء الصحراوية فلا يمكنها الاختباء والهروب من الحرارة، وهي تسعى دائماً إلى الربط ما بين منع ارتفاع درجة حرارة الجسم والتحكم في خسارة الماء. فاللون الشاحب واللامع للفرو لدى الظبي – مثلاً- يعكس ضوء الشمس المباشر، كما أن الفرو نفسه يشكل عازلاً جيداً يعمل على تجنب الحرارة. أما طرح الحرارة فيتم بالناقلية بالتماس من السطح السفلي للحيوان، حيث يكون الجلد رقيقاً. ويتجنب الظبي فقدان الماء بالبخر وذلك بالسماح لدرجة حرارة جسمه بالنقصان في أثناء الليل البارد إلى 33 °س، إلا أنها ترتفع تدريجياً، حتى إذا ما وصلت إلى حدها الطبيعي يكون النهار قد انتصف، وبذلك تكون هذه الحيوانات قد أمضت النصف الأول من النهار من دون أن تخسر الماء. وعندما تصبح أشعة الشمس عمودية يلجأ الحيوان إلى تخزين الحرارة ضمن جسمه دافعاً هذه الحرارة إلى الارتفاع إلى 41 °س، ويكون بذلك قد رفعها إلى ما فوق درجة حرارة الوسط المحيط، كل ذلك من أجل طرح الحرارة بالإشعاع والتلامس والحمل مع خسارة قليلة للماء عن طريق اللهاث، مانعاً بذلك ارتفاع درجة حرارة الجسم إلى مستوى أعلى. وإذا ما حلَّ الليل يصبح الفارق الحراري بين جسم الحيوان والوسط المحيط كبيراً، عندها يطرح الحيوان الحرارة من دون أي خسارة مائية.

مراجع للاستزادة:

- محمد الخطيب، أساسيات الفيزيولوجيا الحيوانية (وظائف التنظيم)، جامعة حلب،2010 .

- محمد الخطيب، فيزيولوجيا التغذية في عالم الحيوان، جامعة حلب،2011 .

- R. J. Brooker et al., Biology, McGraw-Hill, Higher Education, 2008.

-Y. Houdas & J. D. Guieu, La fonction thermique. SIMEP-Eéditions, 1977.

-J. F. Lamb et al., Essentials of Physiology, Blackwel Scientific Publications: Oxford, 1992.

- S. Mader, Biology, McGraw-Hill Higher Education, 2004.

- N. L. Mathew et al., Principles of Physiology, Elsevier Mosby, 2006.

- M. B. Robert et al., Physiology, Elsevier Mosby, 2004 .

 

 


التصنيف : الفيزيولوجيا
النوع : الفيزيولوجيا
المجلد: المجلد الثاني
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 537
الكل : 31681371
اليوم : 35953