logo

logo

logo

logo

logo

الأعضاء المضيئة

اعضاء مضييه

Luminous organs - Organes lumineux

الأعضاء المضيئة     

جرجس ديب

 

الأعضاء المضيئة luminous organs غدد في معظمها ذات منشأ جلدي، متخصصة باصطناع مركّبات عضوية قادرة على إصدار الضوء الذي يستخدم إشارةَ تعرّف ضمن أفراد الجنس الواحد وأنواع الأجناس الأخرى، وكذلك بهدف استدراج الفرائس وإخافة الحيوانات المفترسة.

تتباين بنية الأعضاء المضيئة لدى مختلف الحيوانات؛ من تجمعات معزولة لخلايا غدية في أشكالها البسيطة، إلى أعضاء معقدة تأخذ أشكالاً كروية أو مكعبة أو على هيئة زوائد كيسية، تختلف من حيث القد؛ من 1 مم إلى عدة سنتيمترات، ومن حيث أماكن التوضع والتوزع في الجسم؛ إلى جانب شدة الإضاءة وطيف الضوء المنبعث وآليات التحكم به، وُتعرف بالحوامل الضوئية photophores.

تُلاحظ النماذج المضيئة فيما يقارب نصف الشعب الحيوانية، بيد أن عدد الأنواع المضيئة قليل جداً مقارنة مع العدد الكلي لأنواع الحيوانات المعروفة في البيئتين المائية والبرية، حيث يُقدر بنحو 700 جنس في مختلف الشعب الحيوانية، ينتمي قرابة 50 جنساً منها إلى الحيوانات الأوالي و200 جنس إلى معائيات الجوف و150 جنساً إلى مفصليات الأرجل و200 جنس إلى الأسماك. وتجدر الإشارة إلى أن غالبية الكائنات المضيئة تعيش في مياه المحيطات، في حين يقتصر وجودها في المياه العذبة على بعض البكتريا وأحد أنواع البطلينوس وهو اللاتِية اللاصقة Latia neritoides.

ينتمي إلى الأنواع الحيوانية المضيئة التي تعيش على اليابسة كل من اليراعات fireflies والديدان النارية والبق  المضيء وبضع رتب أخرى من الحشرات ومئويات الأرجل وألفياتها وديدان الأرض، إضافة إلى أحد الحلازين الأرضية. وباستثناء الأسماك المضيئة والنماذج التي تم الحصول عليها بوساطة تقانات التأشيبrecombinantion  فلا وجود للإضاءة الحيوية لدى الفقاريات والثدييات والنباتات الراقية والڤيروسات.

تتمثل الإضاءة الحيوية bioluminescence في مقدرة الكائنات الحية على إصدار الضوء المرئي بتفاعل كيميائي يتوسطه محفِّز إنزيمي. وتختلف الإضاءة الحيوية عن الإضاءة الكيميائية  chemiluminescence(التوهج الكيميائي) في كونها تحدث في الكائن الحي، كما تختلف أيضاً عن عمليتي الفلورة fluorescence والفسفرة phosphorescence التي يمكن أن تحدث أيضاً في الكائنات الحية؛ في كونها تتطلب إنزيماً محفِّزاً. وعلى الرغم من التنوع الكبير في منظومات الإضاءة الحيوية لدى مختلف الكائنات المضيئة؛ فإن جميعها تتطلب الأكسجين الجزيئي وإنزيماً يعرف باللوسيفيراز  luciferase (إنزيم الضياء) يتواسط التفاعل بين الأكسجين الجزيئي وركيزة عضوية تعرف باللوسيفيرين luciferin بوجود مصدر للطاقة، وتشكُّلِ مركّب متهيج (مُثار) إلكترونياً على شكل بيروكسيد رباعي الحلقات أو هدروبيروكسيد خطي يعرف بالأُكسي لوسيفيرين oxyluciferin، ويؤدي انشطاره إلى انبعاث الضوء بأطوال موجية مختلفة.

تم تعرّف نحو 30 منظومة للإضاءة الحيوية لدى مختلف الكائنات المضيئة، يختلف بعضها عن بعض من حيث  طبيعة المداد الذي اصطلح على تسميته باللوسيفيرين (الشكل 1) وطبيعة الإنزيم المحفز (اللوسيفيراز) وحركيته وشدة موجة الضوء المنبعث وتواترها وطولها وآليات التحكم بها؛ إلى جانب مكان حدوث التفاعل وبنية النماذج المضيئة وتوزعها في الجسم.

الشكل (1): البنية الكيميائية لمركب اللوسيفيرين لدى مختلف الكائنات المضيئة

يمكن توصيف هذه المنظومات في ثلاثة أنماط رئيسية للإضاءة الحيوية، هي:

1 - الإضاءة بوساطة البكتريا المضيئة المتعايشة symbiotic luminous bacteria

2 - الإضاءة خارج الخلوية extracellular luminescence

3 - الإضاءة داخل الخلوية intracellular luminescence.

1 - الإضاءة بوساطة البكتريا المضيئة المتعايشة: تُعدّ البكتريا المضيئة من أكثر الكائنات الحية المصدرة للضوء انتشاراً في مياه البحار؛ وعلى نحو أقل في المياه العذبة واليابسة. وفي حين تستطيع معظم أنواع البكتريا المضيئة العيش حياة حرة؛ فإن القسم الأكبر منها يوجد في الطبيعة متعايشاً مع الكائنات الحية، مثل الأسماك والديدان والحبَّار، حيث يُقدِّم لها المضيف المغذيات الضرورية لنموها، وفي الوقت نفسه يستفيد من خلال إضاءتها الحيوية بالتواصل وجذب الفرائس والتمويه والهرب من الحيوانات المفترسة.

تضم البكتريا المضيئة قرابة 20 نوعاً، تُصنف في ثلاث مجموعات كبيرة، تتمثل في البكتريا الضوئية (اللماعة) Photobacterium والضمّية Vibrio والعصية الضوئية Photorhabdus. وفي حين تنتمي البكتريا المضيئة الموجودة في البحار إلى الأنواع اللماعة متعايشة في الأعضاء المضيئة للكائنات البحرية؛ توجد الضمّية على نحو حر، وبعضها يتعايش في الحبار، وتنتمي معظم الأنواع الموجودة على اليابسة إلى

مجموعة الـ   (Xenorhabdus) Photorhabdus . إضافة إلى ذلك غالباً ما تُشاهد البكتريا المضيئة التي تعيش حياة حرة  في مياه البحر ضمن القناة الهضمية وعلى سطح الجلد للعديد من  الحيوانات البحرية.

يتميز كل نوع من أنواع البكتريا المضيئة بعدد من الخصائص التي تشمل - إلى جانب ظروف النمو النوعية (ويقصد بذلك الاحتياجات الغذائية ودرجة الحرارة) - حركية تفاعل الإنزيم المحفز لإنتاج الضوء (اللوسيفيراز). وعلى الرغم من الاختلافات الفيزيولوجية؛ فإن مختلف أنواع البكتريا المضيئة تعتمد في إنتاج الضوء آلياتٍ كيميائيةً حيوية متشابهة إلى حد كبير.  ولا تعتمد آلية إنتاج الضوء المتواصل ضمن البكتريا المضيئة على اللوسيفيراز البكترية فقط، بل يتطلب أيضاً مشاركة مختلف الإنزيمات المسؤولة عن تركيب مداد أو ركيزةsubstrate الإنزيم وتجديده.

ويعرف عن اللوسيفيراز البكترية أنها مكونة من سلسلتين ببتيديتين مختلفتين، الأولى بوزن جزيئي 40 كيلو دالتون  ومُرَمَّزَة من قِبَل المورثة لوكس أ LUX A، وتعرف بالسلسلة ألفا، والثانية بوزن37 كيلو دالتون مُرَمَّزَة من قبل المورثة لوكس ب LUX B، وتعرف بالسلسلة بيتا (تعرف تتابعات الدنا DNA المُرَمِّزَة لبروتينات منظومة الإضاءة  بالمورثات لوكس LUX). وبغياب السلسلة بيتا تنخفض الفعالية الوظيفية للسلسلة ألفا مع عائد ضوئي ضئيل.

تتمثل ركيزة اللوسيفيراز - إلى جانب الفلافين أحادي النوكليوتيد المُرجَع FMNH2 - بالأكسجين الجزيئي وسلسلة طويلة لألدهيد شحمي. ويترافق تفاعل أكسدة كل من الفلافين المرجع والألدهيد بإرجاع الأكسجين الجزيئي وانبعاث ضوء يحدد لونه بمستوى طاقة الفوتون المنبعث عندما يعود الإلكترون في الفلافين إلى مستواه الطبيعي، وهو عادة ضوء أزرق مخضر، بطول موجة 490 نانومتر (الشكل2 ). وتجدر الإشارة إلى أن فعالية اللوسيفيراز تتعلق بطول السلسلة الكربونية للألدهيد؛ حيث تكون فعاليته في أفضل حالاتها عندما تكون هذه السلسلة مكونة من 8 ذرات كربونية أو أكثر.

الشكل(2): مخطط تفاعل الإضاءة الحيوية لدى البكتريا المضيئة

يخضع إصدار الضوء لدى البكتريا إلى إشارات دقيقة. فالبكتريا الضمّية التي تعيش حياة حرة في مياه البحر لا تُصدر الضوء. وتبدأ هذه البكتريا المتعايشة ضمن العضو المضيء للحبَّار (مثل حبَّار هاواي قصير الذيل، والذي يقدم لها المغذِّيات الضرورية لرفع تعدادها بشكل كبير) بإنتاج بروتينات تعرف بالمحفِّزات الذاتية autoinducers، التي تدخل البكتريا عندما يصل تركيزها إلى مستوى معيّن، وتنشط بروتيناً يسمى لوكس ر (LUX R)، يحفز بدوره مورثات البكتريا لإنتاج البروتينات المصدرة للضوء؛ بما في ذلك اللوسيفيرن واللوسيفيراز. وتقوم الجينات المنشطة - بدورها- أيضاً بإنتاج المحفِّزات الذاتية التي تنشط من جديد البروتين LUX R. وتعمل دارة التلقيم الراجع الإيجابي هذه على تسريع إنتاج الضوء المحفَّز بالبروتينات (الشكل 3).

الشكل (3): تمثيل لآلية التحكم بانبعاث الضوء لدى البكتريا بوساطة المحفزات الذاتية

تُعرف الأعضاء المضيئة التي تؤوي عموماً بكتريا متعايشة بالحوامل الضوئية الخارجية. وهي تتصف بإصدارها إضاءة مستمرة، وقد تتزود بعاكس وعدسة وبِساطٍ صباغي لتوفير التحكُّم في إصدار الضوء، كما هو الحال في أسماك فصيلة الشاذّات Anomalopidae.

وتتم السيطرة على انبعاث الضوء من العضو المضيء  بوساطة عدد من آليات التحكم الميكانيكي والفيزيولوجي (الشكل 4). فالتحكم الميكانيكي بأعضاء الإضاءة الخارجية (التعايشية) لدى الأسماك العظمية - مثلاً- يتمثل بتحريك مصراع أسود يستر العضو المضيء بشكل يماثل عمل الجفن، مثل السمك  Photoblepharon palbravus (4-أ) أو بتحريك طيات  على حواف العضو المضيء تعمل على تغليفه ضمن جوف مظلم، مثل السمك Anomalops katoptorn (4 -ب) . وتستخدم بعض الأسماك - مثل liongnathid- حاملات الصبغة melanophores المنتشرة على الوجه البطني من جسمها لحجب انبعاث الضوء من العضو المضيء المفتوح جانبياً على المريء إلى الخارج عبر عضلات شفافة (4-ج).

ويمكن أن يكون التحكم فيزيولوجياً، كما في الـ Osca حيث يتم التحكم بتفاعل الإضاءة من خلال  تعديل التروية الدموية  للعضو المضيء؛ وبالتالي كمية الأكسجين المتاحة للتفاعل (4-د).

الشكل (4): تمثيل لآليات التحكم بانبعاث الضوء من الحوامل الضوئية الخارجية لدى عدد من الأسماك العظمية.

2 - الإضاءة خارج الخلايا: يتصف هذا النمط من الإضاءة بأن تفاعل انبعاث الضوء يتم خارج منظومة الخلايا التي تتم فيها عملية تركيب المواد المشاركة في إصدار الضوء وإفرازها. وبخلاف الإضاءة البكترية تكون الإضاءة خارج الخلايا متقطعة، وتخضع  عادة لإشراف عصبي. يكثر هذا النمط من الإضاءة لدى اللافقاريات البحرية كحاملات المشط Ctenophora مثل Bathocyroe foster، وقناديل البحر مثل Aequorea victoria، وأقلام البحر Pennatula، ورياش البحر مثل زهرة الثالوث Renilla من معائيات الجوف (الشكل 5)، ويندر وجوده في لافقاريات اليابسة وفي الأسماك؛ فيما عدا الجنس Searsia. وتظهر المُفرَزات في هذا الطراز إما بشكل مخاط مضيء ينتشر على سطح الجسم كما في الميدوزة Pelagia من معائيات الجوف (الشكل 6)؛ وإما بشكل مفرزات مضيئة تأخذ شكل البقع تُطرَح من كامل قطع الجسم كما في إناث الدودة النارية السنِّية Odontosyllis (الشكل 7)، أو تُقذَف بشكل سحابة ساطعة كما في جمبري القاع Acanthephyra purpurea والحبار المضيء Heteroteuthis (الشكل 8).  

الشكل(5): نماذج الإضاءة الحيوية (أ) و(ب) لدى قنديل البحر Aequorea victoria

(جـ) المشطي Bathocyroe foster (د) زهرة الثالوث Renilla من رياش البحر

الشكل (6) :الميدوزة pelagia من معائيات الجوف

الشكل (8) : الحبار المضيء Heteroteuthis

الشكل (7) :إناث الدودة النارية السنِّية Odontosyllis

تعد السبرينيدية - من القشريات محاريات الدرقة - مثالاً نموذجياً على نمط الإضاءة خارج الخلوية، فهي مزودة بغدة تقع بالقرب من الفم،  تتضمن نوعين من الخلايا يُسْهِمان في إصدار الضوء: أحدهما يفرز اللوسيفيرين، والآخر يفرز إنزيم  اللوسيفيراز. وتنبعث الإضاءة نتيجة لامتزاج الركيزة بالإنزيم في الماء بوجود الأكسجين.

ويعرف لوسيفيرين معائيات الجوف والقشريات وحاملات الأمشاط بالسيلينتازين coelentazine، وهو من مشتقات الأميدازول بيرازين الذي يُصدِر لدى أكسدته ضوءاً أزرق بطول موجة 460 - 480  نانومتراً.

3 - الإضاءة داخل الخلايا: يتصف هذا  النمط من الإضاءة الحيوية في كون تفاعل انبعاث الضوء يتم داخل خلايا متخصصة تعرف بالخلايا الضوئية photocytes . وللبنى المُصدِرَة للضوء أشكال مختلفة، يوجد أبسطها لدى وحيدات الخلية مثل Tuscaridium cygneum من الشعاعيات Radiolaria (الشكل 9). ففي الليلية الدخنية يصدر الضوء من حبيبات خاصة مرتبة حول خيوط  السيتوبلازم التي تنبثق من مساحة مركزية قريبة من الميزابة الفموية، وترتبط بحواف الخلية. وتحتوي هذه الحبيبات على مادة اللوسيفيرين  المتمثلة بمركّب عضوي يشبه الكلوروفيل؛ يعرف بالتيترابيرول الذي تؤدي أكسدته إلى انبعاث ضوء أزرق مخضر بطول موجة 470 نانومتراً.

الشكل (9) : الشعاعي Tuscaridium cygneum

تأخذ الإضاءة داخل الخلوية أعقد أشكالها فيما يسمى حاملات الضوء photophores، حيث يتم إنتاج الضوء داخل الخلايا، ثم يتركز عبر جهاز من المرايا والعدسات، فتبدو البِنْيَةُ بمجموعها كالجوهرة المتلألئة في الظلام. وقد تكون هذه البنى - التي تعرف بالأعضاء المضيئة الداخلية - مفردة كما في اليراعة الشائعة، أو متناثرة  في مناطق متعددة من سطح الجسم كما في معظم القشريات والحلقيات ورأسيات الأرجل والأسماك.

يتكون العضو المضيء لدى اليراعة (الشكل 10) من طبقة داخلية ظهرية، وأخرى خارجية بطنية. تتضمن الطبقة الخارجية خلايا ضوئية، مولدة للضوء، تغذيها شبكة كثيفة من القصبات التنفسية التي تتفرع بين الخلايا الضوئية إلى قصيبات في عدة مستويات ظهرية وبطنية، توفر بذلك مَدَداً غزيراً من الأكسجين للخلايا الضوئية. وتترتب الخلايا الضوئية شعاعياً حول القصيبات على شكل الوريدة، وتحاط كل قصيبة بخلايا قصيبية وخلايا قصبية انتهائية tracheolar end cells. وإلى الخلف من الخلايا الضوئية (الطبقة الظهرية) توجد طبقة عاكسة مكونة من خلايا مشبعة ببلورات حمض البول ومواد أخرى مثل الكزانتين xanthene تقوم بدور مرآة عاكسة للضوء.

يتلقى العضو المضيء أليافاً عصبية أوكتوبامينية (تحرر الوسيط العصبي الأوكتوبامين octopamine)، تنشأ من العقدة  الخلفية للحبل العصبي. ولا تشكل هذه الألياف اتصالاً مباشراً مع الخلايا الضوئية لدى الأفراد البالغة، بل تنتهي بمشابك مع الخلايا القصيبية الانتهائية التي يتم من خلالها التحكم العصبي غير المباشر بإضاءة الخلايا الضوئية.

الشكل (10) : الأعضاء المضيئة لدى اليراعة.

 وتتضمن هيولى الخلايا الضوئية - إلى جانب المتقدرات mitochondria  ذات التوضع المحيطي - أعداداً كبيرة من الجسيمات المؤكسدة (بيروكسيزومات)    peroxisomes التي تشغل الناحية الداخلية. وتحوي هذه الجسيمات المؤكسدة كلاً من اللوسيفيرين وإنزيم اللوسيفيراز الذي يتوسط التفاعل المولد للضوء بمجرد وصول الأكسجين إلى هذه الجسيمات.

وُضِعت فرضيات عدة لمقاربة آليات التحكم العصبي بالإضاءة الحيوية لدى اليراعات، يأتي على رأسها ما يعرف بفرضية أكسيد الآزوت (NO). ووفقاً لهذه الفرضية تستخدم المتقدرات الأكسجين الذي يصل إلى الخلايا الضوئية - في حالة الراحة - لإنتاج الأدينوزين ثلاثي الفسفات ATP وفق مجريات عملية الفسفرة التأكسدية، الذي يستخدم بدوره في اصطناع  أدينيلات اللوسيفيريل بتواسط إنزيم اللوسيفيراز (الشكل 11). وفي حالة الإضاءة يؤدي التنبيه العصبي إلى تحرر الوسيط العصبي الأوكتوبامين، الذي يحفز بدوره تحرر أكسيد الآزوت وانتشاره إلى الخلايا الضوئية، حيث يشكل معقداً داخل المتقدرات يعوق استخدامها للأكسجين؛ الأمر الذي يسمح له بالوصول إلى الجسيمات المؤكسِدة وإطلاق التفاعل الضوئي. يثبط الضوء المنبعث بدوره أكسيد الآزوت، ويتم إنهاء التفاعل بانتظار دفعة عصبية جديدة.

الشكل (11): تمثيل لفرضية تحكم أكسيد الآزوت في الإضاءة الحيوية لليراعة.

وبالعودة إلى الحالة المستقرة يفقد جزيء الأُكسي لوسيفيرين الطاقة على شكل ضوء يراوح بين الأخضر والبرتقالي (490-590 نانومتراً). ويرتبط التباين في طيف الإضاءة الحيوية بالحالة الإيونية لمركّب الأُكسي لوسيفيرين (كيتوني أو إينولي) والتي تتأثر - إلى جانب قطبية الوسط المذيب ودرجة الحموضة pH - بالبنية الكيميائية لإنزيم اللوسيفيراز التي يجري في مركزها الفعال التحفيز الإلكتروني لمركب الأُكسي لوسيفيرين.

وبخلاف اليراعات، حيث ينفذ الضوء عبر قشيرة شفافة تغطي الأعضاء المضيئة التي  تُزَوَّد لدى العديد من الحيوانات - إلى جانب العاكسات - بعدسة حقيقية تعمل على كسر الضوء الذي يصدر من الخلايا الضوئية ومباءرته، مثل بعض القشريات الأخرى مثل Meganyctiphanes norvegica حيث يُزَوَّد عضو الإضاءة كذلك بطبقة شفافة تشبه القرنية (الشكل 12).

الشكل (12): بنية العضو المضيء لدى القشري Meganyctiphanes norvegica

بعض الرخويات المضيئة - نحو 75 % من حبارات المحيط مثل histioteuthis و lycoteuthis و enoplotuthis - يتميز بإضاءةٍ ذاتيةٍ مرتبطة بحوامل ضوئية داخلية تعدّ الأكثر تعقيداً بين أقرانها. وغالباً ما تتوضع هذه الأعضاء على الأجفان أو داخل العين نفسها، وفي حالات أخرى تتوزع على مختلف مناطق سطح الجسم كما في الحبار المضيء Watasenia scintillans الذي يمتلك ما بين 850 - 1100 عضو تأخذ أشكالاً وأحجاماً مختلفة موزعة في مختلف أقسام الجسم البطنية والظهرية وكذلك في نهاية الأذرع (الشكل 13).

الشكل (13): الأعضاء المضيئة لدى الحبار المضيء Watasenia scintillans

ويتم التحكم بإضاءة الخلايا الضوئية من خلال ضبط الجريان الدموي ومعدل تزود الخلايا الضوئية بالأكسجين؛ إلى جانب التحكم السريع بحركة الطبقة الصباغية بإشارات عصبية. وتجدر الإشارة إلى أن الأعضاء المضيئة لدى بعض الحبارات مثل E. scolopes تمتلك - إلى جانب مقدرتها على إصدار الضوء - بنى نسيجية خاصة تتحسس الضوء بأطوال موجية مختلفة، تشكل جزءاً لا يتجزأ من بنية العضو المولد للضوء.

تتشابه البنية التشريحية لأعضاء الإضاءة الداخلية لدى معظم أسماك أعماق البحار المضيئة العظمية - مثل أسماك أبو شص angler fish وأسماك الفأس hatchet fish وأسماك الثعبان viper fish، والأسماك الغضروفية، مثل القرش المضيء Etmopterus spinax- مع مثيلاتها لدى الحبار (الشكل 14). تأخذ هذه الأعضاء أشكالاً وهيئاتٍ عديدة يختلف توزعها وتوضعها على الجسم لدى مختلف الأسماك، وبشكل يتيح تعرّف الأنواع من خلال  نمط التوضع.

الشكل (14): تمثيل للحامل الضوئي لدى سمكة الفأس

Argyropelecus hemigymnus

 ويتم التحكم بإصدار الضوء من الحوامل الضوئية الداخلية  لدى الأسماك العظمية  بوساطة  آليات عصبية (في معظمها آليات عصبية أدرينالينية)، أما التحكم لدى القرش المضيء من الأسماك الغضروفية؛ فإنه يخضع لسيطرة هرمونية، تتمثل في تحكم  كل من البرولاكتين والميلاتونين في الخصائص الحركية للضوء المنبعث (شدته وزمنه). 

أهمية الإضاءة الحيوية

تمتلك الإضاءة الحيوية أهمية كبيرة  لدى مختلف الكائنات المضيئة لما يناط بها من وظائف تعدّ ضرورية لبقاء بعض الأنواع واستمرارها؛ فقد تهدف إلى إغراء الفريسة للنَّيل منها، كما هو الحال لدى العديد من أسماك أعماق البحار. فالسمكة الصيادة (أبو صنارة) مزودة بحوامل ضوئية متدلية من الرأس تجتذب الكائنات البحرية الصغيرة، ومن ثم الانقضاض عليها والتهامها. وتتزود كذلك سمكة الثعبان بحوامل ضوئية على زعنفتها الظهرية تُنْتِج ضوءاً باهراً يعمل على جذب الأسماك الأخرى، ثم تقوم بالهجوم عليها والتهامها. أما السمكة المصباح فتصدر ضوءاً أزرقَ مخضراً من الحوامل الضوئية الموجودة أسفل الرأس وعلى سطحها البطني، تستخدمه لجذب الفرائس من الأسماك الأخرى. وللغرض نفسه تولد سمكة التنين الضوء الأزرق المخضر من الحوامل الضوئية  المتوضعة بجانب الأعين.

تُعدّ يرقات الديدان المتوهجة glowworms (سراج الليل) من الأمثلة التي تلفت النظر لاستخدام الإضاءة الحيوية في جذب الفرائس والتغذي بها، حيث تفرز هذه اليرقات مادة مخاطية على شكل خيوط متوهجة تتدلى من سقف الكهوف، تستخدمها مصيدة للحشرات الأخرى التي تتغذى بها (الشكل 15).  ومن الأمثلة التي تلفت النظر أيضاً قيام بعض إناث الخنافس بإرسال إشارة ضوئية مضللة وكاذبة لِذَكَرٍ يتبع نوعاً آخر، وعندما تقترب منه للتزاوج تقوم بالتهامه.

الشكل (15): يرقات الديدان المتوهجة glowworms (سراج الليل).

وقد تُستخدم الإضاءة الحيوية للدفاع عن الحيوان بتخويفه أعداءه،  كما هو الحال لدى يرقات اليراعة والسمكة الفأس إذ يُعد الضوء الشديد الذي تصدره وسيلتها الدفاعية الوحيدة، أو لتغطية هربه تحت ستار من سحابة الضوء، كما في بعض القشريات مثل Systtellaspis والحبار Heteroteuthis .

أما استخدام الإضاءة الحيوية  في الاتصال كإشارات تَعَرُّفٍ بين الأنواع  فيُعَد إحدى أهم  الاستراتيجيات التي تلجأ إليها بعض الأنواع المضيئة بهدف الجمع بين الذكور والإناث بغية الاقتران والتكاثر. مثلاً تبدي الخنافس المضيئة تنوعاً كبيراً في الإشارات الطقوسية التي تصدرها بهدف إيجاد الشريك واختياره. ففي بعض الأنواع - مثل Hotaria parvula- تصدر الذكور ومضات ضوئية نوعية من حيث التردد وطول الومضات والفترة الفاصلة بينها. وفي حال الرغبة في التزاوج تستجيب الإناث المتقبلة بإشارات مماثلة، فينجذب الذكر إليها. وفي حالات أخرى مثل Mierophtus تصدر الإناث الضوء بدلاً من الذكور التي تنجذب  بدورها إلى الإناث، وتتحلق حولها على أمل الحصول على فرصة للتزاوج. وفي بعض الأنواع الأخرى مثل Pleotomus pallens تُحرر الإناث الفرمونات التي تكتشفها الذكور من مسافات بعيدة، وعندما تنجذب الذكور تُصدر الإناث إشارات ضوئية بحيث تتمكن الذكور من ملاحظتها وتمييزها ضمن المجموعة. وتجدر الإشارة إلى أن إناث اليراعات تستطيع اختيار الذكر المناسب من خلال ما توفره إشاراته الضوئية من معلومات تخص - إلى جانب النوع - مكان وجوده وهويته وجودة محافظه المنوية.

إضافة إلى ذلك تستخدم بعض الحيوانات الإضاءة الحيوية لاستكشاف البيئة في ظلام أعماق البحار عن طريق الإبصار وكإشارات تَعَرُّفٍ بين بعضها، كما هو الحال لدى أسماك التنين dragon fish التي تمتلك حوامل ضوئية أسفل الرأس تصدر ضوءاً غيرَ مرئي بطول موجة 700 نانومتر

مراجع  للاستزادة:

- B. L. Bassler, Small talk. Cell-to-cell communication in bacteria, Proc. Natl. Acad. Sci. USA, 2002.

- V. B. Meyer-Rochow,  Glowworms: a review of Arachnocampa spp. and kin. Luminescence, 2007.

- V. R. Viviani, J. W. Hastings, T.Wilson, Two bioluminescent diptera: the North American Orfelia fultoni and the Australian Arachnocampa flava. Similar niche, different bio­lu­mi­nes­cence systems. Photochemistry & Pho­to­bi­ology, 2002.

- E. A. Widder, Bioluminescence in the Ocean: Origins of Biological, Chemical, and Ecological Diversity, Science, Vol 328, 2010.

- T. Wilson  and J. W. Hastings, Bioluminescence. Annu. Rev. Cell. Dev. Biol,1998.


التصنيف : الفيزيولوجيا
النوع : الفيزيولوجيا
المجلد: المجلد الثاني
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 564
الكل : 31713619
اليوم : 68201