logo

logo

logo

logo

logo

الأرض

ارض

The Earth - La Terre



الأرض

 

نشأة الأرض ونموها

البنية الداخلية للأرض وتركيبها

الغلاف الجوي الأرضي

الحقل المغنطيسي الأرضي

حركة الأرض

 

 

 

الأرض  Earth ثالث الكواكب بُعداً عن الشمس، والأكبر حجماً بين الكواكب الأرضية terrestrial الأربعة (عطارد والزهرة والأرض والمريخ)، التي تشكلت في الجزء الداخلي من المجموعة الشمسية من كواكب دقيقة planetesimals، وهي أجسام صغيرة كثيرة العدد، دارت حول الشمس خلال تشكل الكواكب، مكوَّنة بصورة رئيسية من مركَّبات حراريّة refractory (ذات درجات انصهار عالية جداً) من الأكسجين والسيليسيوم والألمنيوم والحديد والكلسيوم والمغنزيوم والصوديوم والبوتاسيوم والتيتانيوم. وتضمنت هذه الكواكب الدقيقة كميات قليلة جداً من الجليد المكوَّن من مركَّبات طيّارة  volatile، مثل الماء وثنائي أكسيد الكربون والميثان والأمونيا، نظراً لأن جسيمات particles  الجليد في الجزء الداخلي من القرص الكوكبي الأولي  protoplanetary disk -  وهو قرص دوار من الغبار والغاز يحيط بنجم حديث التشكل - تبخرت عندما تسببت الحرارة الصادرة عن الشمس الأولية protosun بارت فاع درجات الحرارة في جوارها. وعلى الرغم من فَقْد هذه المركَّبات الطيّارة من الجزء الداخلي من المجموعة الشمسية، تملك الأرض كميات كبيرة من الماء على سطحها.

الشكل (1): كوكب الأرض

الأرض شبه كرة مفلطحة، كما هو مبين بالشكل (1)، نصف قطرها الاستوائي المتوسط 6378.179 كم، ونصف قطرها القطبي 6356.779 كم. وتبلغ كتلة الأرض 5.976 ×1027g، وكثافتها الوسطية 5.518 g/cm3. وللأرض ساتل طبيعي وحيد هو القمر.

ومن الخصائص المهمة الأخرى التي تميز الأرض، توفر غلافٍ جوي يحتوي أكسجيناً جزيئياً molecular، ووجود حقلٍ مغنطيسي، ومجال ضيق لدرجات الحرارة السطحية يسمح للماء بالوجود على شكل سائل. إضافة إلى كون بعض سمات السطح ما تزال تتحكم فيها عمليات ديناميكية تنشطها الحرارة المتولدة في داخل الأرض بفضل النشاط الإشعاعي لذرات اليورانيوم والثوريوم والبوتاسيوم.

نشأة الأرض ونموها

اشتملت جسيمات الغبار الصلب في الجزء الداخلي من القرص الكوكبي الأولي (أي على مسافة أقل من 5 وحدات فلكية عن الشمس، والوحدة الفلكية هي وحدة طول تساوي تقريباً المسافة الوسطى بين الأرض والشمس) بصورة رئيسية على مركَّبات طيّارة نظراً لتسبب الحرارة العالية في هذه المنطقة في تسامي sublimate (التحول من الحالة الصلبة إلى الحالة الغازية) جسيمات الجليد. ويُعزى تشكل الكواكب الأرضية في المجموعة الشمسية إلى جسيمات الغبار الحراريّة.

يُعتقد أن عدداً كبيراً من الأجسام الصغيرة قد تشكل واستمر بالنمو بفعل جذبه لجسيمات غبار من القرص. وارتبط معدل النمو في هذه المرحلة بكتل الأجسام النامية، إذ إن الأجسام الأكبر كتلة نمت على نحو أسرع من الأجسام الأقل كتلة. ويُرجح أن التفاعلات التجاذبية الناتجة أدت في نهاية المطاف إلى صدم الأجسام الأصغر للأجسام الأكبر، مسرّعة بذلك نمو الأجسام الكبيرة ورافعة الحرارة الداخلية لهذه الأجسام، والتي كان من المفترض أن تصبح كواكب شبيهة بالأرض في المجموعة الشمسية.

كان معدل تنامي accretion الكواكب الأرضية بطيئاً بادئ الأمر، لكنه ما لبث أن تسارع وصار عنيفاً في النهاية عندما قُصفت أجسام الكواكب الأولية بأجسام صلبة لم تنمُ بالسرعة التي نمت بها الكواكب الأولية. وارتفعت حرارة الكواكب الأولية عند هذه المرحلة نتيجة الصدم، والاضمحلال decay المستمر للذرات المشعة، وانضغاط الكمية المتزايدة من المواد المكوِّنة لهذه الكواكب الأولية.

اتبع تنامي جسيمات الغبار في المنطقة الخارجية من القرص الكوكبي الأولي عملية مماثلة، باستثناء وجود الجسيمات المقاومة للحرارة والجليد معاً. وغدت أكبر الأجسام المتشكلة النوى الصخرية للكواكب العملاقة: المشتري وزحل وأورانوس ونبتون. وجذبت قوى الجاذبية الكبيرة التي مارستها النوى الصخرية لهذه الكواكب الهدروجين والهليوم ومركَّبات طيارة أخرى من القرص الكوكبي الأولي، لتشكِّل الأغلفة الجوية التي تميّز هذه الكواكب الغازية العملاقة. ويتجاوز مدى «المنطقة الخارجية» من المجموعة الشمسية بكثير مدى «المنطقة الداخلية» من حيث حجم الفضاء والكتلة التي يحتويها. أما الأجسام التي هي أصغر حجماً والتي تشكلت في هذه المنطقة الواسعة من الفضاء فقد صدمت الكواكب الأولية التي كانت تتشكل، أو التُقطت من قبلها لتدور في فلكها، أو حُرفت إلى المنطقة الداخلية من المجموعة الشمسية، أو قُذفت خارج مدى القرص الكوكبي الأولي.

كانت جميع هذه الأجسام بادئ الأمر مكوَّنة من جسيمات حراريّة وجليد يشتمل على مركَّبات طيَّارة (كالماء وأكسيدات الكربون والميثان والأمونيا). وولّدت كبرى هذه الأجسام حرارة داخلية كافية لتتمايز على شكل نواة صخرية محاطة بدِثار (الوشاح أو البطانة) mantle وقشرة crust من الجليد. ونشأت الحرارة اللازمة لهذا التمايُز differentiation من اضمحلال الذرات المشعة، وانضغاط المواد المكونة للأجسام، وتفاعل المد والجزر tidal مع الكواكب الكبيرة في هذه المنطقة وفيما بينها.

واصطدمت الأجسام الحاملة للجليد التي حُرفت إلى المنطقة الداخلية من المجموعة الشمسية في نهاية المطاف بالكواكب الأولية الأرضية محرِّرة الماء والمركَّبات الطيّارة الأخرى التي تتضمنها. ونتيجة لذلك طوّرت جميع الكواكب الأرضية في بداياتها غلافاً جوياً مكوناً من المركَّبات الطيّارة التي أوصلتها الصادمات الحاملة للجليد من المنطقة الخارجية من المجموعة الشمسية. واستمر القرص الكوكبي الأولي وجميع الأجسام من حجوم وتراكيب مختلفة في الدوران حول الشمس.

حدث انقباض السديم nebula الشمسي إلى داخل الشمس والقرص الكوكبي الأولي والتطور اللاحق لذلك القرص إلى الكواكب وسواتلها في أقل من 100 مليون سنة، والذي يُعد سريعاً بالنسبة لمقياس زمن الكون (13.6 × 109 سنة أي قرابة 13.6 مليار سنة). واستغرق نمو الأرض 10 ملايين سنة فقط أو أقل، والذي يُعدّ سريعاً أيضاً مقارنة بعمرها (4.56 × 109 سنة أي 4.56 مليار سنة).

البنية الداخلية للأرض وتركيبها

الشكل (2): سلسلة تفاعل باون

الشكل(3): البنية الداخلية للأرض

حرَّر صدم الكواكب الدقيقة للأرض كميات كبيرة من الطاقة الحرارية بصورة رئيسية.  وجاء الصدم بمعدل سريع، وهذا جعل الحرارة المولَّدة كافية لصهر الأرض. ومن ثَمّ تكونت الأرض بداية من خليط من مصهور السيليكات والكبريتيد  sulfide والحديد. وهكذا امتلكت الأرض محيطاً من الصُّهارة magma، وهو مصطلح جيولوجي يطلق على جسم من السيليكات المصهورة الذي يمكن أن يتشكل في القشرة والدِّثار العُلوي من الأرض. واندمجت كريات الحديد المصهور في كتل أكبر وغرقت في محيط الصُّهارة نحو مركز الأرض حيث جُمّعت لتشكل نواتها الحديدية. وغرقت كذلك كريات الكبريتيد المصهور في محيط الصُّهارة، لكنها تحركت بسرعة أبطأ من الحديد المصهور نظراً لأن كبريتيد الحديد أقل كثافة من الحديد.

ومع نهاية مدة التنامي بدأت الأرض تبرد فأخذت المعادن السيليكاتية silicate minerals تتبلور من الصُّهارة السيليكاتية. وتتعلق سلسلة المعادن التي تتبلور من الصُّهارة عند درجات حرارة متناقصة بعوامل بيئية (كالحرارة والضغط) وأيضاً بالتركيب الكيميائي للصهارة. وبصورة عامة يمكن للمعادن التبلور من صهر من التركيب المناسب إذا ما انخفضت درجة حرارة الصهر إلى حرارة صهر المعادن المدروسة. ويجب تعديل هذه القاعدة البسيطة في حال احتواء الصُّهارة على الماء ومكونات أخرى يمكن لها خفض درجات حرارة صهر المعادن. وفي أبسط الحالات تتبلور المعادن بحسب ترتيب حرارة صهرها المتناقصة، كما يعبَّر عنه بسلسلة التفاعل لباون Bowen. واستناداً إلى هذا المخطط - المبين في الشكل (2) - يتبلور كلا الأُليفين (الزبرجد الزيتوني) olivine  والأنورتيت  anorthite (البلاجيوكلاز الغني بالكلسيوم (Calcium-rich plagioclase  في درجات حرارة تقع بين 1880 و1535 درجة مئوية. وربما تفاعلت بلورات  الأُليفين، التي تشكلت في وقت مبكر، مع الصُّهارة المتبقية لتشكل البيروكسينات pyroxenes، وهي سيليكات المغنيزيوم والحديد والكلسيوم مع كميات مختلفة من الألمنيوم. وتتمثل النقطة المهمة هنا في أن للأُليفين والبروكسين كثافات عالية تقارب 3.4 g/cm3، وتتجاوز كثافة الصُّهارة البازلتية. ونتيجة لذلك، غرقت بلورات الأُلفين والبيروكسين المبكرة التشكل في محيط صهارة الأرض الباكرة، وترسبت حول النواة الحديدية مشكلة بذلك الصخور البريدوتيتية  peridotite  لدثار الأرض.

أما الأنورتيت - الذي تبلور من الصُّهارة في درجات حرارة عالية تقارب تلك للأُليفين والبيروكسين - فله كثافة منخفضة لاتتعدى 2.76 g/cm3، ومن ثَمّ طفا باتجاه قمة محيط الصُّهارة ليتراكم كقشرة صلبة مكونة من الأنورثوسيت الصخري.  واستمرت هذه القشرة بالانكسار نتيجة انفجارات عنيفة ناجمة عن صدم كواكب دقيقية للأرض طوال 600 إلى 800 مليون سنة بعد تشكلها. إضافة إلى ذلك، تمزق سطح الأرض بسبب النشاط البركاني الذي حصل بتواتر أكبر، وكان أكثر عنفاً مما يحدث حالياً؛ لأن الأرض كانت تحتوي على طاقة حرارية أعلى، ولأن القشرة كانت أرق مما هي عليه اليوم، ولأن صدم الكواكب الدقيقة كان يتسبب بصهر واسع النطاق في الدثار. فقد كانت الظروف على سطح الأرض وأسطح الكواكب الأرضية الأخرى في تلك الحقبة مختلفة تماماً عن الهدوء الذي يسود المجموعة الشمسية حالياً، لذا يطلق الجيولوجيون على المدة الزمنية بين 4,6 و 3,8 مليار سنة خلت، الحقبة الهاديانية Hadean Eon المشتقة من كلمة تعني «الجحيم».

يمكن عزو السمات الواسعة النطاق للبنية الداخلية للأرض إلى الفصل بين سوائل الحديد والكبريتيد العديمة الامتزاج، وإلى تبلور السائل السيليكاتي. وتتكون النواة الحديدية في مركز الأرض من نواة (لُب) صلبة داخلية (نصف قطرها 1329 كم) ونواة (لُبّ) سائلة خارجية تعطي للنواة الموحدة  combined نصف قطر يبلغ 3471 كم، كما هو مبين بالشكل (3). ويحيط الدثار بالنواة، وهو مكون من البريوديت والمكافئ العالي الضغط له، المسمى بيروليت pyrolite بثخانة موحدة تبلغ 2883 كم.

يُقسم دثار الأرض إلى الغلاف المائع (نطاق الانسياب) asthenosphere والغلاف الصخري (القشرة الأرضية) lithosphere. ويختلف القسمان فيما بينهما بصورة رئيسية من حيث الخصائص الميكانيكية التي تتعلق إلى درجة كبيرة بالحرارة؛ إذ يمكن لصخور الغلاف المائع أن تتشوه بصورة لدنة عندما تخضع للإجهاد، لأن المعادن قريبة من درجات حرارة انصهارها بحيث يمكن أن توجد كمية من الصُّهارة. أما الغلاف الصخري فصلب ويشكل قشرة قاسية بثخانة 120 كم تقريباً حول الغلاف المائع السفلي. وللأرض، إضافة إلى ذلك، قارات تبلغ ثخانتها قرابة 40 كم، وتتألف بصورة رئيسة من معادن سيليكاتية ذات كثافات منخفضة، مثل الأُرتوكلاز orthoclase، والميكا mica؛ والبيوتيت (الميكا السوداء) biotite والمسكوفيت (الميكا البيضاء) muscovite، والكوارتز. وتبلغ الكثافة الوسطى لصخور القشرة القارية قرابة 2.7 g/cm3، وهذا يعني أن القارات تعوم فعلياً في دثار الغلاف الصخري السفلي الذي تبلغ كثافته 3.2 g/cm3 بما ينسجم ومبدأ أرخميدس.

تسبَّب تمايز الأرض - نتيجة فصل السوائل العديمة الامتزاج - في فصل العناصر الكيميائية إلى ثلاث فئات: العناصر التي لها ميل إلى التفاعل الكيميائي مع الحديد المعدني (أليف الحديد)، و العناصر التي تقترن مع الكبريت (أليف الكبريت)، والعناصر التي تدخل في الصُّهارة السيليكاتية (أليف الصخر). ويشكل الاقتران التفضيلي للعناصر الكيميائية مع السوائل العديمة الامتزاج الثلاثة أساس التصنيف الجيوكيميائي للعناصر الذي وضعه غولدشميت  Goldshmidt.

الغلاف الجوي الأرضي

يتضمن التصنيف الجيوكيميائي لغولدشميدت أيضاً العناصر التي لها ألفة للوجود في الحالة الغازية  atmophile، مثل الهدروجين والآزوت والهليوم والنيون والأرغون والكريبتون والزِّنون والرادون. وقد كانت هذه العناصر، إضافة إلى بعض المركبات الطيَّارة (كالماء وأكسيد الكربون والميثان والأمونيا وكبريتيد الهدروجين) موجودة في الكواكب الدقيقة التي شكلت الأرض. فعندما انفجرت الكواكب الدقيقة عند صدمها للأرض، أو سقطت في محيط الصُّهارة، تحررت الغازات مشكلة غلافاً جوياً أحاط بالأرض، وتسرب بعيداً؛ أي هدروجين وهليوم متبقٍ نظراً لكون قوة جاذبية الأرض غير قوية بما فيه الكفاية للاحتفاظ بتلك العناصر في الغلاف الجوي. وقد تسببت الانفجارات العنيفة الناجمة عن صدم الكواكب الدقيقة الكبيرة بتصدع الغلاف الجوي الأولي، لكن الفقد الناجم وازنه صدم الكواكب الدقيقة الجليدية المتأخرة الوصول للأرض، والتي قدمت من الحافات الخارجية للمجموعة الشمسية، والتي حررت الماء والمركبات الطيارة الأخرى داخل الغلاف الجوي الأولي للأرض. كذلك سمح النشاط البركاني القوي - الذي حدث إبان مدة القصف الكثيف - للغازات بالهروب من داخل الأرض.

ومع انتهاء المرحلة الرئيسية من مدة تنامي الأرض احتوى الغلاف الجوي معظم الماء والمركبات الطيارة الأخرى المذكورة آنفاً، إضافة إلى جزيئات الآزوت ثنائية الذرة  (N2) والغازات النبيلة؛ لأن الأرض كانت ما تزال ساخنة كثيراً بحيث لم تكن قادرة على احتوائها. إلا أن الأكسجين الجزيئي  (O2) كان موجوداً فقط بكميات ضئيلة، نظراً لكون معظم الأكسجين في الكواكب الدقيقة مترابطاً مع العناصر الكيميائية. وقد حررت كميات قليلة من الأكسجين والهدروجين بفعل تحلل جزئيات الماء نتيجة الضوء فوق البنفسجي الصادر عن الشمس. وتسربت جزيئات الهدروجين إلى فضاء الكواكب البيني  interplanetary space، في حين تفاعل الأكسجين مع الميثان  (CH4) ليعطي ثنائي أكسيد الكربون .(CO2)

ويُطلق على ثنائي أكسيد الكربون، وبخار الماء، والميثان اسم غازات الدفيئة greenhouse لأنها تمتص الإشعاعات تحت الحمراء وتسبب بذلك ارتفاع درجة حرارة الأرض. ومن ثَمّ قد يعود الفضل في منع انتقال الأرض إلى تجمد عميق، إلى وجود هذه الغازات في الغلاف الجوي، في الوقت الذي لم يتجاوز فيه ضياء luminosity الشمس 70 % فقط من قيمته الحالية. ولكن بعد أن عزلت القشرة الأنورثيتية الغلاف الجوي عن الباطن الحار للأرض تناقصت حرارة الغلاف الجوي، وهذا ما جعل بخار الماء يتكثف وبدأت الأمطار بالتساقط على كامل الأرض. ومع استمرار الغلاف الجوي بالبرودة انتقل معظم الماء الذي يحتويه إلى سطح الأرض على شكل أمطار وغدا محيطاً شاملاً. وحلّت قطرات المطر التي تشكلت في الغلاف الجوي ثنائي أكسيد الكربون والمركبات الطيّارة الأخرى، ومن ثَمّ أزاحت غازات الدفيئة من الغلاف الجوي، وأسهم ذلك في تلطيف المناخ الشامل للأرض وفي منع الماء في المحيط الشامل من الغليان، كما حدث على الأرجح في كوكب الزهرة.

وعلى الرغم من عدم التيقن حتى الآن من تفاصيل تطور الغلاف الجوي، تثبت البراهين الجيولوجية أن الماء السائل وُجد على سطح الأرض منذ ما يزيد على 3.8 مليار سنة خلت، وقد يعود وجودها إلى وقت أبكر بكثير من ذلك. وعلى أي حال فقد بدأت العمليات الجيولوجية في تشكيل سطح الأرض بمجرد تمكن الماء السائل من الوجود على سطحها.

واشتمل النشاط الجيولوجي خلال الحقبة الهاديانية على ثورانات بركانية وتشَكل جزر بركانية في المحيط الشامل. وتكون الفيض اللابي lava flows، الذي كان يُقذف آنذاك، من البيروكسين والأُلفين والبلاجيوكلاز الغني بالكلسيوم والمغنيتيت  (Fe3O4). وقد حل الماء في المحيط - والذي لم يكن مالحاً بعد في ذلك الوقت - هذه المعادن في عملية تُعرف باسم التجوية الكيميائية chemical weathering. وتفاعلت إيونات المغنيزيوم والحديد والكلسيوم التي دخلت المحيط مع ثنائي أكسيد الكربون المنحل لتشكل رسابة صلبة من معادن كربوناتية رسوبية.

أزاح توضع المعادن الكربوناتية ثنائي أكسيد الكربون المنحل في الماء ونقله إلى الخزان الصخري rock reservoir، ولم يكن بمقدوره الهروب منه إلا عند تعرض الصخور لاحقاً لتجوية كيميائية عند سطح الأرض. وكانت تلك بداية النشاط الجيولوجي وبدء التغير المستمر في المناخ الشامل، بتخزين ثنائي أكسيد الكربون ضمن الخزانات الصخرية التي لا تشتمل على صخور كربوناتية فحسب، بل أيضاً على وقود أحفوري (الفحم والنفط والغاز الطبيعي)، وجسيمات كربونية لابلورية، وجزيئات هدروكربونية صلبة (كيروجين) في الطين الصفحي shale.

يدل التركيب الكيميائي للغلاف الجوي الحالي على أن الهواء الجاف يتكون، بصورة رئيسة من الآزوت الجزيئي الثنائي الذرة بنسبة 78.084 %، والأكسجين بنسبة 20.946 %، والأرغون بنسبة 0.934 %، وثنائي أكسيد الكربون بنسبة لا تتعدى 0.033 %، إضافة إلى النيون والهليوم والكريبتون والزنون والهدروجين والميثان وأكسيد الآزوت بنسب ضئيلة جداً.

وتبرهن هذه المعطيات على أن العمليات الجيولوجية والبيولوجية قد غيرت جذرياً التركيب الكيميائي للغلاف الجوي الأصلي، وذلك بإزاحة ثنائي أكسيد الكربون وتحرير الأكسجين. وقد زاد التركيب الضوئي للنباتات الخضراء - والذي وحّد ثنائي أكسيد الكربون وجزيئات الماء لتشكيل الغلوكوز والأكسجين الجزيئي- من إزاحة ثنائي أكسيد الكربون بفعل التجوية الكيميائية للمعادن السيليكاتية المتبوعة بترسب الكربونات الصلبة في المحيطات. ومن ثَمّ فقد جرى تحويل بعض ثنائي أكسيد الكربون من الغلاف الجوي الأصلي لاحقاً إلى أكسجين جزيئي بعد تطور أشكال حياتية تقوم بالتركيب الضوئي في المحيط قبل 3.5 مليار سنة تقريباً.

الحقل المغنطيسي الأرضي

الشكل (4): تمثيل للحقل المغنطيسي الأرضي

تؤدي الأرض - كما الشمس - دور قضيب مغنطيسي، كما هو مبين بالشكل (4)، وتنشر حقلاً مغنطيسياً في الفضاء من حولها. لكن الأرض لا يمكنها أن تكون قضيباً مغنطيسياً دائماً لأن جميع المواد تفقد خصائصها المغنطيسية عند درجات حرارة أعلى من 500 درجة مئوية تقريباً، والتي تُعرف باسم درجة حرارة كوري Curie.

وقد اكتُشف وجود الحقل المغنطيسي الأرضي إبان القرن الثاني عشر، وقاد ذلك إلى صنع البوصلة المغنطيسية التي أدت دوراً مساعداً مهماً في الملاحة منذ ذلك الوقت. وتشير البوصلة المغنطيسية إلى اتجاه القطب المغنطيسي الذي يقع بالقرب من القطب الشمالي الجغرافي. وتهيم الأقطاب المغنطيسية للأرض بصورة عشوائية في المنطقة القطبية، ولا تتطابق مع القطبين الشمالي والجنوبي الجغرافيين. وإضافة إلى ذلك، تغيّر الحقل المغنطيسي الأرضي من حيث الشدة، كما غيّر في الواقع قطبيته على مدى ملايين السنين. وقد سُجلت قطبية الحقل المغنطيسي الأرضي خلال تاريخها - ويستمر هذا الأمر - بفضل الصخور البركانية خلال تبلورها بفعل تبريد دفق الحمم.

ويُعزى سبب وجود الحقل المغنطيسي الأرضي للتحريض الذي تتسبب به التيارات الكهربائية التي تنساب في الجزء السائل من النواة الحديدية. إلا أن تفاصيل العملية التي ولّدت الحقل المغنطيسي الأرضي والتي تحافظ عليه ليست كاملة الوضوح. ولعل التفسير الأبسط هو أن الحقل المعنطيسي الأرضي تولده التيارات الكهربائية التي تنساب حول محيط دائرة النواة،وهذا يسمح بِعدّ الأرض مغنطيساً كهربائياً electromagnet. لكن هذه الفرضية تعجز عن تفسير منشأ التيار الكهربائي المفترض.

أما الفرضية الأخرى فتقوم على مقارنة الأرض بمولد كهربائي  dynamo، وهو جهاز لتوليد التيار الكهربائي يعتمد على دوران المغانط داخل وشائع من أسلاك النحاس المعزولة. وتتمثل المشكلة في هذه الفرضية بأن المولدات الكهربائية مصممة لتوليد تيار كهربائي وليس المغنطيسية. ومن ثَمّ لا يمكن للأرض أن تكون مولداً كهربائياً تقليدياً.

وقد اقترح إلساسر Elsasser وبالارد Ballard أن الحقل المغنطيسي الأرضي يولده مولد كهربائي ذاتي التحريض يعمل في الجزء السائل من النواة الحديدية. وتنص فرضية إلساسر وبالارد على أن تحريض الحديد السائل - وهو ناقل جيد للكهرباء - ينتج من الحمل الحراري أو من دوران الأرض أو من كليهما. ونتيجة لذلك تتحرض التيارات الكهربائية في دفق الحديد السائل نظراً لوجود حقل مغنطيسي شارد. وتحرض التيارات الكهربائية في الجزء السائل من النواة الحديدية بدورها الحقل المغنطيسي للأرض. ويستمر جزء صغير من الحقل المغنطيسي الأرضي بتحريض التيارات الكهربائية في دفق الحديد السائل، فينشئ مولداً كهربائياً ذاتي التحريض داخل نواة الأرض.

والعملية المقترحة غير مستقرة البتة، وهذا ما يفسر سبب تغير شدة الحقل المغنطيسي وقطبيته بصورة عفوية. أي إن الحقل المغنطيسي الأرضي تولده عملية فوضوية لا يرتبط فيها السبب بالأثر ارتباطاً وثيقاً. وعلى الرغم من ذلك، تفسر تلك العملية سبب توضع الأقطاب المغنطيسية بجوار الأقطاب الجغرافية للأرض.

حركة الأرض

للأرض حركتان: حركة حول نفسها (محورها)، وأخرى حول الشمس. وتثبت تجربة نواس فوكو Foucault  التقليدية دوران الأرض حول محورها. أما دوران الأرض على مدارها حول الشمس فتثبته الإزاحة المكافئية المقطع parabolic  السنوية للنجوم القريبة مقارنة بالخلفية التي تشكلها النجوم الأبعد، وكذلك زيغ  aberration الضوء الذي يتسبب بإزاحة سنوية ظاهرية لجميع النجوم على الكرة السماوية. ولكن نظراً لأن الأرض ليست جسماً متناظراً جاسئاً  rigid  تماماً، ولكون الأرض عرضة للتجاذب مع عناصر المجموعة الشمسية الأخرى، فإن هذه الحركات تتغير مع الزمن.

أ- حركة الأرض حول نفسها:

تدور الأرض حول محورها مرة في اليوم. ويصنع محور الدوران زاوية قائمة مع خط الاستواء، والذي يصنع بدوره زاوية تقارب 23.5 درجة مع مستوي دوران الأرض حول الشمس.

كانت حركة الأرض حول محورها rotation حتى وقت قريب أساساً لضبط الوقت، إذ استُعمل اليوم، وهو دور حركة الأرض حول محورها، لتعريف الثانية، مع افتراض أن سرعة دوران الأرض حول نفسها ثابتة وتكرارية. إلا أن الرصد الفلكي أثبت أن السرعة التي تدور بها الأرض حول محورها ليست ثابتة مع الزمن. فعُرّفت الثانية على أنها جزء من 86400 من يوم شمسي متوسط محسوباً على سنة كاملة. ثم استعيض عن ذلك بالتوقيت الذري.

وتكون سرعة دوران الأرض حول نفسها عظمى في أواخر شهر تموز/يوليو وأوائل شهر آب/أغسطس، ودنيا في نيسان/أبريل. ويصل الفرق في طول اليوم إلى قرابة 0.0012 ثانية.

يمكن تصنيف التغيرات في سرعة دوران الأرض حول محورها في فئات ثلاث: قرنية وغير منتظمة ودورية. ويُقصد بالتغيرات القرنيةsecular  لسرعة الدوران الزيادة الخطية الظاهرية في طول اليوم نتيجة الاحتكاك المدِّي tidal friction. ويتسبب هذا الأثر بإبطاء سرعة دوران الأرض حول محورها وإطالة اليوم من 0.0005 إلى 0.0035 ثانية كل قرن.

أما التغيرات غير المنتظمة في السرعة، فتسببت في تغير طول اليوم بنحو 0.01 ثانية على مدى مئتي سنة المنصرمة. وتتألف التغيرات غير المنتظمة من تقلبات عَقدية decade، وهي ذات أدوار مميزة تراوح من 5 إلى 10 سنوات، إضافة إلى تغيرات تحدث على مقاييس زمنية أقصر. وترتبط التقلبات العقدية ظاهرياً بالعمليات التي تحدث على الأرض. وغدا معلوماً الآن الارتباط الوثيق بين التغيرات العالية التردد والتبدلات في العزم الحركي الزاوي الكلي للغلاف الجوي.

وتُربط التغيرات الدورية بالإجرائيات الفيزيائية التي تؤثر في الأرض والتي تتكرر بصورة دورية. وينجم عن المد الذي يحدث على الأرض الصلبة بفعل القمر والشمس تغيرات دورية في طول اليوم من رتبة 0.0005 ثانية بأدوار سنة، ونصف سنة، و27.55 يوماً، و13.66 يوماً. وكذلك تتسبب التغيرات الفصلية في أنماط الطقس الشاملة التي تحدث بأدوار سنوية ونصف سنوية تقريباً بتغيرات في طول اليوم من تلك المرتبة.

ب- حركة الأرض حول الشمس:

تدور الأرض حول الشمس دورة كاملة في السنة. وتبدو حركتها حول الشمس وكأنها حركة سنوية ظاهرية للشمس على طول مسار الشمس الظاهري بين البروج (فلك البروج) ecliptic.وقد أجريت عمليات رصد فلكي جمة لمواقع الشمس وأجسام المجموعة الشمسية الأخرى، وما تزال هذه العمليات جارية بصورة مستمرة، بهدف تحديد طبيعة حركة الأرض حول الشمس. وتُحلل نتائج الرصد هذه باستعمال الطرائق الرياضية للميكانيك السماوي  celestial لتقديم تقديرات محسنة لحركة أجسام المجموعة الشمسية في المستقبل، ولوصف حركاتها السابقة.

ويُحدد الدور الحقيقي لدوران الأرض حول الشمس بالمدة الزمنية بين عودتين متعاقبتين للشمس إلى اتجاه النجم ذاته. ويُطلق على هذه المدة الزمنية اسم السنة النجمية (الفلكية)، وتبلغ 365 يوماً و 6 ساعات و 9 دقائق و 9.51 ثانية، أو 365.25636 يوماً شمسياً متوسطاً. أما المدة الزمنية بين عودتين متعاقبتين إلى الاعتدال الربيعي vernal equinox المتحرك - الذي يُطلق عليه اسم السنة المدارية  tropical - فتبلغ 365 يوماً و 5 ساعات و 48 دقيقة و 45.2 ثانية، أو 365.24219 يوماً. وتعتمد التقويمات عادة على السنة المدارية في تحديد طول السنة. أما المدة الزمنية بين مرورين متعاقبين بالحضيض الشمسي  perihelion  - وهي النقطة من المدار التي تكون فيها الأرض أقرب ما يمكن إلى الشمس - فتدعى السنة اللاقياسية  anomalistic  وتبلغ 365 يوماً و 6 ساعات و 13 دقيقة و 53.26 ثانية أو 365.25964 يوماً. وهذه المدد الزمنية المعطاة هي لعام 2000، إذ تتغير هذه القيم بدرجة بطيئة نتيجة للاضطرابات الطويلة الأمد لمدار الأرض بفعل الكواكب الأخرى.

ومع حركة الأرض على مدارها يشير القطب الشمالي الجغرافي إلى اتجاه نجم القطب  Polaris، وهذا ما يجعله نجم الشمال. وينجم عن ميل خط الاستواء بالنسبة للمستوي المداري استقبال أجزاء مختلفة من الأرض كميات مختلفة من ضوء الشمس على مدار السنة، وهو السبب الرئيسي لتعاقب الفصول.

ج- الحركات الأخرى:

 إضافة إلى دوران الأرض حول محورها، ودوران الأرض على مدارها حول الشمس، تشهد الأرض حركات صغيرة متنوعة حول مركز كتلتها، مثل الحركة البدارية precession التي تتمثل في رسم شكل مخروطي حول المحور العمودي، والترنُّح nutation وهو تمايل محور الأرض حول وضعه المتوسط، وتتسبب بهما قوى جاذبية الشمس والقمر على الأرض غير الكروية.

وحيث أن محور تناظر الأرض لا يحاذي محور دورانها، تقوم الأرض بحركة حول مركز كتلتها تسمى بالحركة القطبية polar. ولا يمكن التنبؤ بدقة بهذه الحركة الناجمة عن الآثار الجيوفيزيائية والأحوال الجوية  فوق الأرض وداخلها؛ لذا يجب مراقبتها باستمرار لتقديم معلومات دقيقة عن دوران الأرض، إذ إن هذه المعلومات أساسية لتمثيل تحويل الإحداثيات بين المنظومتين السماوية والأرضية، والذي يحتاج إليه كثير من التطبيقات في علم الفلك والجيوديزيا (مسح الأراضي)  geodesy.

 

 

محمد خالد شاهين

 

 

مراجع للاستزادة

- G. Faure, T. M. Mensing, Introduction to Planetary Science: The Geological Perspective, Springer, 2007.

 L.R. Kump, J.F. Kasting, and R.G. Crane, The Earth System, Pearson, 2009.

- V. P. Zverev, Water in the Earth: Introduction to the Theory of Groundwater, Mir, 2009.

- N. Capitaine, Models and Nomenclature in Earth Rotation, Proceedings IAU Symposium, No. 261, 2009.

 


التصنيف : المنظومة الشمسية والشمس والكواكب
النوع : المنظومة الشمسية والشمس والكواكب
المجلد: المجلد الأول
رقم الصفحة ضمن المجلد : 567
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 515
الكل : 31251039
اليوم : 76196