logo

logo

logo

logo

logo

إنسان بلتداون

انسان بلتداون

Piltdown man - Homme dePiltdown

إنسان بلتداون

بشير الزالق

 الجدل الواسع

 الزيف الكبير

 

اكتشف تشارلز داوسن Charles Dawson بقايا إنسان في حفرة من الحصى في منطقة بلتداونPiltdown شرقي مقاطعة ساسِكس Sussex في إنكلترا عام 1912م، سماه إنسان بلتداون نسبة إلى المنطقة، حيث تم العثور على أجزاء من هيكل عظمي وعظم لفكه السفلي. وقد قَدَّرَ عمر هذا الإنسان آنذاك بنصف مليون سنة، وأطلِق عليه الاسم اللاتيني Eoanthropus dawsoni، كما أُطلق عليه اسم dawn man (فجر البشرية)؛ لأنه اعتقد آنذاك أنه يمثل أول ظهور للإنسان على وجه البسيطة (الشكل 1). وقد عرض داوسن اكتشافه على الجمعية الجيولوجية في لندن.

 

الشكل (1): المظهر الخارجي لإنسان بلتداون والجمجمة 

كان داوسن يتوقع من عرض هذه البقايا أن يجد المجتمعون فيها الحلقة المفقودة بين الإنسان والقرد، لكن ظهر بين المؤتمرين جدلٌ حول تطور دماغ هذا النوع من البشر. لقد طرح بعضهم سؤالاً هو: هل حدث تطور الجسد قبل الدماغ، أم هل سبق تطورُ الدماغ تطورَ الجسد؟ وخلص المجتمعون إلى أن تطور الدماغ سبق تطور الجسد. وقدَّر بعضهم أن حجم الدماغ هو 1027 سم3. لكن بعد فترة أعاد آرثر كيث Arthur Keith حساب حجم الدماغ، فخلص إلى أن الحد الأدنى من حجم دماغ الإنسان المعاصر هو بين 1400-1500 سم3.

كما أشار بعض المحاضرين في اجتماع الجيولوجيين هذا إلى احتمال أن القطع العظمية الخاصة بهذا الاكتشاف تعود إلى مخلوقات عدة وليس إلى مخلوق كامل واحد، ولكن هذا الاعتراض لم يعره أحد الاهتمام، لأن الجو كان مهيئاً لمصلحة التطوريين الذين كانوا يدعمون هذا الاكتشاف.

الجدل الواسع:

شكل اكتشاف هذه البقايا مجالاً واسعاً لجدل علمي استمر فترة طويلة، امتدت حتى عام 1953م، فقد دارت الشكوك والتساؤلات الكثيرة من قبل علماء التطور والباحثين. فقد وُجِد أن جبهة الجمجمة تشبه جبهة القرد، والفك السفلي المرفق بالجمجمة مشكوك بشكله، فهو ليس فكاً بشرياً وإنما يعود- بحسب رأي المفكرين- إلى القرد أورانغوتان orangutang (من القردة العليا الشبيهة بالبشر، التي تعيش في بورنيو وسومطرة). ويرى آخرون أن الفك يحمل صفاتٍ إنسانية تتمثل بطريقة تثبت الأسنان، كما أن الهيكل يشبه هيكل الإنسان الحديث modern man.

وقد أشار العالم الألماني فرانز ويدنرايخ Franz Weidenreich عام 1948م إلى أنه يتوجب حذف إنسان بلتداون Piltdown man من سجل المستحاثات؛ لأن العظام المُكتَشَفَة ليست سوى تركيب اصطناعي، فيه جمجمة إنسان وفك قرد الأورانغوتان، كما وُضِعَت الأسنان في الفك المرفق بشكل صناعي (الشكل 2).

 

الشكل (2): قطع من جمجمة إنسان بلتداون

ويرى بعض الباحثين وجود صفات إنسانية في الفك المرافق، فقد زعموا أن الأسنان التي يحملها الفك هي أسنان إنسان، خاصة من حيث تثبتها في الفك.

لقد نشطت الدراسات العلمية حول هذا الاكتشاف، وبلغ عدد المقالات العلمية التي واكبت هذا الحدث نصف مليون مقالة، إضافة إلى ما نشرته الصحف والمجلات العلمية التي كانت تشيد بأهمية الجمجمة المكتشفة ودلالاتها التطورية حتى عام 1949م حينما قام كينيث أوكلي K. Oakley- الباحث في قسم السلالات البشرية في المتحف البريطاني- بدراسة الجمجمة باستخدام الفلورة لمعرفة عمرها، فكانت النتيجة أنها ليست قديمة بالدرجة التي صورها بعضهم سابقاً. ومن ثمّ قام ولفريد إدوارد لوكروس كلارك Wilfrid Edward Le Gros Clark ودينيس Dennis عام 1953م بإجراء تجارب أكثر دقة باستخدام أشعة-X والآزوت السائل، فكانت نتائج الفلورة أكثر دقة، تبين نتيجة ذلك أن العظام التي وجدت لهذا الإنسان تعود في الواقع إلى إنسان من العصر الحالي. فعندما وضعت العظام في الحمض اختفت البقع الموجودة عليها، لذا اعتُقِدَ أن العظام قد لُطِّخَت بثنائي كرومات البوتاسيوم لإكسابها مظهراً عتيقاً، وأن هذه البقع لم تكن نتيجة لبقاء العظام فترة زمنية طويلة في التراب، أي إن العظام مزيفة وليست قديمة. وعندما تم فحص الأسنان تحت عدسة المجهر الضوئي تبين أنها أسنان إنسانية غُرِسَت صناعياً على فك القرد وتم بَرْدُها (الشكل 3).

 

الشكل( 3): إلى اليمين فك قرد يحمل أسناناً بُردت بحيث تُظهِر السطوح آثار البرد الاصطناعي.

الزيف الكبير:

وهكذا خلص العلماء بعد سنين طويلة من الجدل والمناقشات واستخدام الاختبارات الكيميائية الحديثة والمتطورة إلى أن بقايا هذا الإنسان تشير إلى تزييف واضح، حتى أطلق عليه بعض الباحثين اسم إنسان بلتداون المزيف Piltdown man hoax، فاقتنعوا أن الفك يعود إلى قرد معاصر هو الأورانغوتان. ويقول بعض المؤلفين إنه فك الغوريلا، وإن عمر الجمجمة (البشرية) أحدث من عمر الحصى التي دفنت فيها. ومن خلال اختبار الكربون المشع 14C أُرجِع تاريخ عمر الجمجمة إلى 1230 سنة. ومن الواضح أن شخصاً مازحاً ساخراً قد دفن فكاً مع جمجمةٍ أُخرِجَت من إحدى مقابر العصور الوسطى، وقام بتلطيخ الفك ببعض المواد الكيميائية ليبدو قديماً، وقام ببرد الأسنان لتبدو بهيئة الأسنان البشرية. كما لاحظ العلماء خدوشاً متقاطعة تشير إلى استعمال مادة كاشطة.

ويرى لو جروس كلارك أن الخدوش شديدة الوضوح لدرجة يتساءل فيها عن كيفية الإخفاق في التعرف إليها منذ البداية! ويشير هذا الباحث إلى وجود تزوير وتجاعيد متعمدة على سطح الأسنان، كما أن الضرس الأول والثاني كانا متأكلين بالدرجة نفسها، والتأكل بالاتجاه الخاطئ (الشكل 4).

 

الشكل (4): سطح الضرس الثاني من إنسان بلتداون

وهكذا امتدت هذه الخدعة ما بين عامي 1856م و1953م، حينما وضع الباحثان فاينر و لو جروس كلارك النقاط على الحروف بأن إنسان بلتداون ما هو إلا تركيبة مزيفة خدعت العديد من العلماء والباحثين.

مراجع للاستزادة :

-John E. WALSH, Unraveling Piltdown Man: The Science Fraud of Century and Its Solution. Random House, 1996.

-Kenneth FEDER. Frauds, Myths and Mysteries: Science and Pseudoscience in Archaeology. McGraw Hill; 73-101, 2008.

-Miles RUSSELL, Piltdown Man: The Secret Life of Charles Dawson and the World’s Greatest Archaeological Hoax, Stroud, Gloucestershire: Tempus Publ., 2003.


التصنيف : التطور
النوع : التطور
المجلد: المجلد الثالث
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 541
الكل : 31613569
اليوم : 48424