logo

logo

logo

logo

logo

الأرصاد الجوية الحيوية

ارصاد جويه حيويه

Biometeorology - Biométéorologie



الأرصاد الجوية الحيوية

 

الأرجية (الحساسية)ء التأقلم مع المناخ وتغيراته
الأشعة فوق البنفسجية منظومات إنذار الحرارة/الصحة
الطقس والمناخ في حياة الإنسان منظومات الإنذار المبكر عن الملاريا

 

 

الأرصاد الجوية الحيوية =bio)    biometeorology     حيوي ،  =meteoros  دراسة الظواهر قرب سطح الأرض أو فوقها) علم يبحث العلاقة بين الكائنات الحية والظواهر الجوية  atmospheric، مثل الحرارة والرطوبة والحقول الكهرطيسية  electromagnetic fields  والإشعاعات المختلفة والملوِّثات  pollutants  الفيزيائية والحيوية وغيرها. وتُركِّز بحوثه في الأساس على كيفية تأثر المنظومات الفيزيوكيميائية والإنسانية والحيوانية والنباتية بتغيرات البيئات المناخية وتذبذباتها، ويشتمل على البحوث الأساسية والتطبيقية والأمور العملية مثل الظروف المعيشية والصحية والمرضية.

ظهرت الأرصاد الجوية الحيوية علماً متعدد التخصصات  interdisciplinary عام  1956عندما نظَّم س. ترومب  S.W.Tromp وزملاؤه أول ندوة دولية عنه في مبنى اليونيسكو في باريس، ونجم عنه تكوين جمعية دولية لموضوعاته، ومن ثم بُوشِر بنشر المجلة الدولية للأرصاد الجوية الحيوية  International Journal of Biometeorology عام 1961.

التأقلم مع المناخ وتغيراته

التأقلم أمر بالغ الأهمية وله تأثيرات مهمة على أنشطة الكائنات الحية والمنظومات الفيزيائية الحيوية  biophysical systems.  وهو مصطلح تقني يمتلك تاريخاً طويلاً ومعقداً في مجالي العلوم الطبيعية والاجتماعية. وقد جرى على مدى قرون عديدة اصطفاء الصفات ذات القدرة على البقاء في بيئات غير مناسبة ومتغيرة. وكانت التغيرات التي حدثت في الكائنات «المنتقاة» حيوية (بيولوجية)، واستغرقت أزماناً طويلة جداً. وبدهي أن الاصطفاء الطبيعي  natural selection ينطبق على الإنسان وغيره من الكائنات. ومن المعلوم أن بعض الكائنات تتأقلم بوسائل أخرى مثل الهجرة  migration، فعندما تصير الظروف البيئية، بما فيها المناخية، في منطقة ما غير ملائمة، فإن بعض الحيوانات تُهاجر إلى مناطق أفضل لمعيشتها وبقائها، في حين تهاجر الأنواع الأقدر على الحركة والتنقل، مثل الطيور وبعض الثدييات، على نحو أفضل من الأشجار والنباتات التي تستطيع الهجرة من جيل إلى آخر بالانتشار المحدود لبذورها. أما الإنسان فيمتلك قدرة أكبر على التأقلم في حدود معينة وبوسائل متعددة. وبدهي أن المجتمعات البشرية قادرة على التأقلم الحيوي بفضل ثقافاتها وبنياتها التحتية وتقنياتها المختلفة، كما أنها تتفاعل مع عمليات التأقلم الطبيعي، وتنتقي الحيوانات والنباتات بالاستئناس والتربية الانتقائية  selective breeding.

يحتاج التأقلم الطبيعي إلى أزمان أطول من التأقلم الاجتماعي والثقافي، وتزداد أهمية التغيير وسرعته مع تغير استجابة الأنواع والمنظومات الحيوية والاقتصادية وغيرها للتغيرات البيئية المتسارعة. وقد أدى التآثر بين الإنسان والمكونات الكيميائية في الجو المحيط به إلى تغيرات مهمة وملموسة في المظاهر المناخية وصولاً إلى ذوبان الجليد القطبي وارتفاع مستوى سطح البحر، في حين كان الإنسان في الأزمان التاريخية الطويلة يعيش في توازن مع بيئته ومناخه وطقسه، مما مكَّن الأنواع البشرية من الانتشار في معظم أصقاع الأرض.

الإنسان جزء بالغ الأهمية من البيئة ومن الطبيعة، وإن أي عمل مسيء أو مهمِل يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة على بيئته وصحته ومحيطه. وقد كان للحضارة بمجملها أثران رئيسان؛ أولهما هو تحسين نوعية الحياة، وثانيهما انخفاض بطيء، لكنه مؤكد في تناقص قدرة المنظومات البيئية على التأقلم مع الآثار الضارة لبعض التطورات الحديثة.

الشكل (1): وسائل التبادل الحراري

تتمثل المشكلة المهمة والرئيسة بالنسبة إلى الكائنات الحية في المحافظة على توازن حروري مقبول مع بيئاتها، وتتميز الكائنات ثابتة الحرارة warm-blooded بقدرتها على المحافظة على درجة حرارة الجسد ثابتة نسبياً بتبادلات حرارية ضمن مدى معين من الحرارة المحيطة والإشعاع بوساطة آليات فيزيولوجية واستقلابية (الشكل 1)، ويساعد على ذلك الملابس والمأوى المناسب عند الإنسان، والشعر والصوف والريش عند الحيوانات، كما يُساعد الوِطاء hypothalamus على تنظيم حرارة الجسم بوساطة عدد محدود من الآليات الفيزيولوجية. أما الحيوانات المتغيرة الحرارة  poikilotherms فإنها تمتلك مدى واسعاً في درجة حرارة أجسامها تستطيع تعديله أساساً باستجابات سلوكية. وتتأثر النباتات أيضاً بدرجات الحرارة وغيرها من العوامل البيئية، ولكنها غير قادرة على الحركة فتكون إمكاناتها على التأقلم مع التغيرات البيئية الكبيرة أقل من قدرة الحيوانات. لذلك يجب إجراء عمليات اصطفاء وتربيةٍ   breeding وراثيتين للسلالات النباتية القادرة على تحمل ارتفاع درجات الحرارة وغيرها من العوامل البيئية القاسية. ويُلاحظ أن كثيراً من النباتات يُميِّز بيئته مثل انتشار النخيل في المناطق الحارة والنباتات الشوكية في الصحارى.

كان الناس منذ القدم يربطون بين حالات معينة من الطقس وازدياد بعض الأمراض مثل الصداع النصفي migraine  والربو  asthma والآلام الجسدية أو حتى الشعور بالقلق وعدم الارتياح. ويبدو أثر الطقس واضحاً في حالات معينة، مثل ازياد نسبة الوفيات بتأثير موجة حارة (مثلاً توفي عدة آلاف من الفرنسيين في يوم صيفي واحد عام2003   بسبب الارتفاع الكبير في حرارة الجو). ويجدر بالذكر أن الإنسان يستطيع التأقلم مع مدى حراري ضيق، وتكون وظائف جسمه الاستقلابية مثلى عند درجة حرارة محيطة قدرها 25 م°.

ومن جهة أخرى فإن آثار البرودة أقل من آثار الحرارة الجوية المرتفعة، إلا أن انخفاضها كثيراً يؤدي إلى آثار سيئة وقد تنجم عنها الوفاة، وإذا كانت سرعة الرياح كبيرة (6كم/ساعة) فإن شعور الجسم بالبرودة يكون أشد، ويقاس ذلك بما يُسمى دليل قشعريرة الريح  wind chill index الذي يربط بين درجة الحرارة وسرعة الريح (الشكل2). ويُصاب الأشخاص بانخفاض الحرارة  hypothermia  نتيجة تعرضهم للبرد القارس، والذي يكون غير عكوس عندما تنخفض درجة الحرارة الداخلية للجسم عن 33 ْم.

الشكل (2) جدول دليل قشعريرة الريح

(مثال: إذا كانت درجة الحرارة - 5 س° وسرعة الريح 30كم/ساعة فإن الفرد يشعر أن درجة الحرارة = - 13 س°)

يزداد تأثير الحرارة المرتفعة في الجسم بازدياد الرطوبة المحيطة به، وعلى العكس من ذلك، يكون شعور الجسم بالحرارة مريحاً إذا كانت الرطوبة منخفضة، لكن الجسم سيحتاج آنذاك إلى كميات أكبر من ماء الشرب.

 آثار الرطوبة الجوية مهمة أيضاً، وقد تُسبب زيادتها الكبيرة الموت بسبب انخفاض قدرة الجسم على تبريد ذاته بالتبخر. وقد أُجريت دراسات طبية كثيرة حول العلاقة بين الأمراض المختلفة وتغيرات الأرصاد الجوية مثل الحرارة والضغط والرطوبة وغيرها، وتبين منها تأثر كثير من المظاهر المرضية بالعوامل المناخية، ومن ذلك بعض أورام الدماغ والزرق glaucoma وأمراض الروماتيزم والأمراض العصبية والقلبية - الوعائية والنفسية وغيرها.

منظومات إنذار الحرارة/الصحة

حدثت في العقود القليلة المنصرمة موجات حر بالغة الشدة (مثلا في عامي 1980 و1995 في أمريكا الشمالية، وعامي 1976 و 2003 في أوربا، وعام 2004 في آسيا) وسببت خسائر كبيرة في الأرواح وضرراً بالغاً في مختلف أنواع الإنتاج. واستجابة لهذه الآثار الضارة وفي مقدمتها الخسائر في الأرواح، ازدادالاهتمام والحذر من كون الحرارة «قاتل رئيس» في كثير من المدن الكبيرة وضواحيها، كما تزايد اهتمام السلطات المختصة بكيفية التعامل مع موجات الحرارة الفائقة في مناطقهم. ومن ثم تزايد انتشار منظومات معقدة للمراقبة والإنذار للحرارة / الصحة  heat/health watch warning systems (HHWWS)، وأصبحت هذه المنظومات آليات مهمة لإنقاذ حياة كثير من البشر عن طريق رصد الموجات الحارة، وإنذار السكان بقدومها بوسائل مختلفة كالتلفاز والمذياع وغيرهما، والاستعداد المسبق للحد من آثارها الضارة .

إن من أهم المعطيات في تصميم هذه المنظومات اختلاف الاستجابة للحرارة عبر الزمان والمكان. ومن ثم فإن الأجهزة الأكثر دقة وتعقيداً تهتم بعوامل عديدة مثل مدى شدة الحرارة وطول فترتها واختلافات فصول الصيف واختلافات المدن وكثافة السكان فيها وتفاعلهم مع أجهزة الإنذار، وأمور مهمة أخرى.

منظومات الإنذار المبكر عن الملاريا

الملاريا من أهم الأمراض المنقولة بالحشرات (البعوض) ويمكن في الوقت ذاته الوقاية منها، وهي تعدّ عبئاً صحياً واجتماعياً في مناطق انتشارها، وخاصة في إفريقيا حيث يحدث نحو 80 % من الإصابات. وفي مناطق ماوراء الصحراء الإفريقية تكون الملاريا أكثر الأمراض الطفيلية شيوعا،ً وهي السبب الرئيس للاعتلال والموت عند الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات، وكذلك عند النساء الحوامل. ويقدر أن نحو ثلاثة ملايين شخص يموتون سنوياً في إفريقيا بسبب الملاريا؛ أكثر من 75 % منهم أطفال. ويمكن أن تتضاعف هذه التقديرات إذا أُخذت الآثار غير المباشرة لهذا المرض بالحسبان مثل الأنيميا ونقص سكر الدم والشدة التنفسية ووزن الميلاد المنخفض. ونظراً لأهمية هذا المرض فقد وُضع ضمن أهداف التنمية الألفية   Millennium Development Goals. وعلى الرغم من جميع الجهود التي بُذلت لمكافحتها، فإن الملاريا عادت إلى الانتشار في بعض مناطق العالم في العقدين المنصرمين. ومن أهم أسباب ذلك إخفاق بعض برامج إدارة هذا المرض، وإعادة انتشار البشر وتكاثرهم، وتغير استعمالات الأراضي، وازدياد انتشار المقاومة للعقاقير العلاجية والوقائية وللمبيدات الحشرية، إلى جانب التغيرات الواسعة في أحوال الطقس.

يؤدي المناخ و الطقس دوراً مهماً في تحديد حدوث الملاريا وانتشارها الجغرافي، إضافة إلى التغيرات في السلوك الإنساني وآثاره على الطفيلي المُمرِض (البلازموديوم  Plasmodium) وعلى الحشرة الناقلة (البعوض Anopheles)، وإن عوامل الطقس من بين المحددات الرئيسة لمدى ملاءمة بعوضة الملارياوانتشارها في أماكن معينة. وقد تمكنت مختبرات ودراسات حقلية عديدة من التأكد من أن تغيراً في درجة الحرارة قد يُطيل أو يُقصر الموسم الذي يُمكن للبعوض أو الطفيليات العيش في  أثنائه، ورُبط ذلك مع معدلات الرطوبة الجوية. ففي مواسم الحرارة المرتفعة، يزداد إقبال إناث البعوض على الغذاء وتهضم الدم الذي تمتصه من الإنسان بسرعة، كما أن طفيلي البلازموديوم ينضج ضمن إناث البعوض بسرعة أكبر، وترتبط الحرارة مع طول المرحلة المائية، ومن ثم فإن أي تغيرات - مهما كانت ضئيلة - في درجات الحرارة أو الهطل يمكن أن تسبب حدوث المرض في منظومات بيئية خالية منه.

ساعد تفهم العلاقات بين العوامل البيئية والملاريا على زيادة الاهتمام بتطوير منظومات إنذار مبكر تُنبِّه موظفي الصحة العامة والأشخاص المهتمين بمكافحة البعوض الناقل للمرض لتطور الأحداث المرتبطة بالعدوى والمرض والاستعداد للإصابة به، وكذلك تحديد الوسائل الفعالة لمكافحته في الوقت المناسب. ففي إثيوبيا مثلاً يَمنع الإنذار المبكر إذا وُضع في العمل قبل أسبوع من بدء موسم العدوى نحو 28 % من حالات الإصابة بالملاريا. ويهتم الباحثون بأن تحتوي منظومة الإنذار على وسائل حديثة وبيانات دقيقة حول التنبؤ المناخي بالعلاقات بين متغيرات المناخ والطقس وهجمات الملاريا لتكون القاعدة الأساسية في تنفيذ منظومة الإنذار المبكر.

الأرجية (الحساسية)

أمراض الأرجية  allergy هي أمراض واسعة الانتشار تصيب نحو 500 مليون شخص في جميع أنحاء العالم وخاصة في الأقطار النامية، وهي في تزايد مستمر، ولها تأثير سيء في  صحة الأفراد المصابين بها إضافة إلى تعطيلهم عن العمل والتسبب في خسائر اقتصادية قد تكون كبيرة في حالة ازدياد المصابين ومدد نوبات الإصابة وتكرارها.

الطقس عامل مهم في حدوث هجمات تفاعل أرجي واسع الانتشار هو الربو. ويمكن أن تُحدثه في أحيان قليلة تغيرات فجائية في درجات الحرارة تقع بعد مرور جبهة باردة. إلا أن تأثير الطقس هو غير مباشر عادة، إذ تحدث هجمات الربو بفعل مُسبِّبات الأرجية المنقولة بالهواءairborne allergens .  كما يلاحظ حدوث هجمات ربو شديدة في الخريف، ويبدو أنها قد ترجع غالباً إلى هبوب هواء بارد مبكِّر يؤدي إلى استعمال التدفئة، فتنتشر عوامل مؤرِّجة مثل الغبار أو طفيليات دقيقة جداً في الأماكن المُدَفَّأة، فتنشِّط التفاعلات الإرجية لدى الأشخاص الذين لديهم استعداد لحدوثها.

الأشعة فوق البنفسجية

الشكل (3) تناقص طاقة الإشعاع بالبعد عن مصدره

 

يشعر المرء القريب من مصدر حراري بالدفء، ويقلُّ هذا الشعور بالابتعاد عنه. ولايعني ذلك أن الموجات الحرارية أقل طاقة أوتصير أضعف، بل إن شدة / كثافة  intensity الإشعاع تقلُّ بالابتعاد عن مصدر الحرارة لأن طاقة الإشعاعات تنتشر في مساحة أوسع (الشكل 3)، فتنقص الطاقة التي تتلقاها منطقة معينة في زمن معين. وفي الحقيقة إن الإشعاعات تنتشر بمعدل أربعة أضعاف مساحة المنطقة إذا ابتعد الجسم فيها بمعدل ضعف المسافة عن المصدر الحراري.

ثمة أمر مهم آخر يتمثل بامتلاك الأشعة ذات الأمواج القصيرة طاقة أكبر من تلك الطويلة الأمواج. ومن ثم فإن فوتوناً photon واحداً من الأشعة فوق البنفسجية يمتلك طاقة تزيد عما يمتلكه فوتون من الضوء المرئي. ولهذا فإن الأشعة فوق البنفسجية في حدود 0.20 إلى 0.29 mµ (الإشعاع  UV-C) ضارة بالإنسان نظراً لإحداثها طفرات صبغية وإضرارها بقرنية العين وقتلها الكائنات وحيدة الخلية وغير ذلك من أضرار. ولحسن الحظ فإن جميع الإشعاعات فوق البنفسجية تُمتص عملياً في طبقة الأوزون الجوية.

تستطيع كميات قليلة من الأمواج فوق البنفسجية في المدى 0.29 إلى 0.32 mµ (الإشعاع UV-B) الوصول إلى الأرض، وتملك فوتوناتها طاقة كافية لإحداث الحروق الشمسية sunburns واختراق أنسجة الجلد، مسببة السرطان في بعض الأحيان. ويُقدَّر أن نحو 90 % من سرطانات الجلد مرتبطة بالتعرض لأشعة الشمس الشديدة والإشعاع UV-B. ومن الغريب أن أطوال الأمواج ذاتها هذه تسبب تنشيط طليعة الفيتامين D في الجلد لتحويله إلى فيتامين D المهم للحياة.

أما الأمواج الأطول (0.32 إلى 0.40 mµ) من هذه الأشعة (الإشعاع UV-A)  فتمتلك طاقة أقل، ولكنها قادرة على التسبب باحمرار الجلد. وهي قادرة أيضاً على التداخل بالجهاز المناعي للجلد فتسبب أضراراً به يمكن أن تظهر بعد عدة سنوات على هيئة شيخوخته المبكرة وتجعيدات فيه. وقد أظهرت دراسات حديثة أن التعرض الطويل لهذه الأمواج لإحداث الاسمرار tanning ينطوي على خطورة إحداث السرطان ذاتها التي تمتلكها جرعة الإشعاع UV-B اللازمة لإحداث الاسمرار.

تُمتَص الأشعاعات فوق البنفسجية إلى تحت الطبقة الخارجية من الجلد، وتتدخل آليات الجسم الدفاعية لوقاية الجلد من آثارها الضارة فتعمل خلايا معينة على إنتاج صبغة الميلانين melanin القاتمة التي تمتص بعضاً من الإشعاعات فوق البنفسجية (وإن إنتاج الميلانين هو المسبب لاسمرار الجلد)، ومن ثم فإن الجسم الشاحب اللون  pale والذي ينتج كميات قليلة من هذه الصبغة يمتلك قدرة وقائية ضعيفة من الإشعاع UV-B.

الطقس والمناخ في حياة الإنسان

 

الشكل (4) من أضرار العواصف الثلجية

يؤدي الطقس والمناخ دوراً مهماً في حياة الإنسان وغيره من الكائنات الحية، فالمناخ - على سبيل المثال - يحدد نوعية المحاصيل التي يزرعها الإنسان ومواعيد زراعتها، وأنواع وعروق الحيوانات والدواجن التي يربيها. وللطقس آثار مختلفة فيما يتعلق بنمو المحاصيل ونضجها وكميات المنتجات النباتية والحيوانية وأصنافها وغيرها. ولعل راحة الإنسان هي من أهم الآثار المباشرة  للمناخ والطقس. فمثلاً يبني الإنسان بيوتاً مناسبة تقيه برد الشتاء وحرّ الصيف، ويُجهِّزها بوسائل التكييف المناسبة لذلك.ومن جهة أخرى قد يجد المرء نفسه معرَّضاً خارج مأواه أو مكان عمله لآثار شديدة من بعض عوامل الطقس، كالحرارة والرطوبة والرياح والإشعاع وغيرها، وهي قادرة على تغيير إحساسه بكل منها وإدراكه لها فمثلاً، في يوم بارد تهب فيه الرياح يشعر الإنسان بالبرودة أشدّ مما يشعر بها لو كانت الرياح ساكنة، وينعكس ذلك في قراءة دليل قشعريرة الريح، وما لم يكن محتاطاً لذلك فإن الإنسان سيصاب بالتثليج (قضمات الصقيع)  frostbites  أو حتى الانخفاض الشديد في درجة حرارة جسمه  hypothermia والمتمثل بانهيار عقلي وجسماني سريعين يصاحبان انخفاض درجة حرارة الجسم انخفاضاً كبيراً. وبالمقابل يشعر المرء بعدم ارتياح في الأيام الحارة الرطبة فترتفع حرارة جسمه ويصاب بالإرهاق أو قد يصل الأمر به إلى سكتة دماغية stroke تُصيبه، وأكثر من يتعرض لذلك هم الأشخاص المسنُّون الذين يعانون مشاكل قلبية وعائية، وكذلك الأطفال الرُضَّع الذين لم تتكون لديهم القدرات التنظيمية لحرارة أجسامهم، في حين تكون تلك الآثار أقل في الأيام الحارة الجافة.

للطقس آثار أخرى فمثلاً تزداد فرص حدوث الآلام الروماتزمية مع ارتفاع نسبة الرطوبة الجوية واقترانها بانخفاض في الضغط الجوي. وتشير دراسات كثيرة في بعض البلدان إلى ازدياد معنوي في حدوث النوبات القلبية بعد مرور جبهات حارة مقترنة بأمطار ورياح، وكذلك بعد انقضاء جبهات باردة مقترنة بالأمطار وعواصف الرياح الباردة. وفي مناطق من الولايات المتحدة الأمريكية تهب رياح حارة جافة تدعى رياح شينوك Chinook wind تؤثّر في سلوكية بعض البشر فيصير في الغالب سريع التهيج والاكتئاب، ومايزال سبب ذلك غير مفهوم.

هنالك آثار أخرى للبرد القارس المرافق لهطلٍ ثلجيّ شديدٍ وصقيع يستمر فترات طويلة، فهذه الأحوال الجوية تعوق أعمال الإنسان أو تُوقفها أحياناً، وقد تشل حركة السير وتُسبب الحوادث المميتة فيها، أو تكسر الأشجار وتقطع أسلاك الكهرباء والهاتف عن مناطق واسعة (الشكل 4)، وصولاً إلى عرقلة شديدة لرحلات الطيران أو تَوقُّفها كلياً لفترات تطول أو تقصر وفقاً لعوامل متعددة. ناهيك عن الفيضانات المدمرة التي تحدثها أمطار غزيرة كالتي تُشاهد في بعض مناطق جنوبي آسيا وأوربا وشرقيهما وغيرها، والإعصارات المدمرة التي تقتلع المساكن وتقتل البشر، ومايرافقها من فيضانات بالغة الشدة كإعصار «كاترينا» الذي أصاب مدينة نيو أورليانز New Orleans في ولاية لويزيانا الأمريكية في شهر إيلول/سبتمبر 2005 (الشكلان 5 و 6)،  فأحدث فيها وفي كثير من مناطق تلك الولاية وفي ولاية جورجيا المجاورة خراباً كبيراً وخسائر ضخمة، وقد تداعت دفاعات تلك المدينة ضد مياه خليج المكسيك فارتفعت المياه فيها إلى أكثر من ستة أمتار، وغطَّت نحو 80 % منها. ووصلت سرعة الرياح في أثناءالإعصار المذكور إلى 280 كم/ساعة فوق خليج المكسيك، وانخفضت إلى 200 كم/ساعة عندما وصلت إلى المدينة وماجاورها مخلِّفة بذلك دماراً واسعاً، وقد قُتل أكثر من 1200 إنسان فيها، علماً أن الغالبية العظمى من سكانها أُنذروا مسبقاً فهجروها قبل وصول الإعصار، وظلوا بعيدين عنها شهوراً عديدة، يُضاف إلى ذلك أعداد من كوارث الإعصار القمعي (الترناد، التورنادو)   tornado (الشكلان7 و8) والإعصارات والفيضانات التي تصيب عدداً من الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك وغيرهما مرات متعددة كل عام، إلى جانب موجات التسونامي  Tsunami (الشكلان 9 و 10) التي يبدو أن تواترها في ازدياد في شرقي وجنوب شرقي آسيا، وتلوث الجو بغاز ثنائي أكسيد الكربون وغازات أخرى تطلقها عشرات المعامل العملاقة في أوربا وأمريكا فتحدث خراباً هائلاً في البيئة وفي صحة الكائنات الحية وفقداً في الأرواح.

الشكل (5) الإعصار كاترينا فوق خليج المكسيك في طريقه إلى الأراضي الأمريكية في 28 آب/أغسطس 2005

 

الشكل (6) منطقة غارقة في مياه إعصار كاترينا في مدينة نيو أورليانز

 

الشكل (7) إعصار قِمعي ضخم مدمر

 

الشكل (8) مدينة اجتاحها إعصار قِمعي

   
 

الشكل (11) الجفاف والفقر في الصومال

الشكل (9) موجات التسونامي تضرب الساحل الياباني

من جهة أخرى تؤدي سنوات الجفاف - الذي يزداد عاماً بعد آخر في مناطق كثيرة في العالم والمقترن بارتفاع الحرارة - إلى جفاف التربة (الشكل11) وتدهور خواصها وموت الحاصلات وشُح الماء والغذاء وحدوث الحرائق، وصولاً إلى انتشار مجاعات كبيرة ومدمِّرة في كثير من دول إفريقيا كالصومال وإثيوبيا وغيرهما. ولايقتصر تأثير ذلك في الإنسان بل يتعداه إلى الحيوان فتنفق أعداد كبيرة منها مسببة خسائر اقتصادية كبيرة، وتقضي البراكين الناشطة والانزلاقات الجبلية على مساحات غير قليلة من الأراضي الزراعية والقرى، وأحياناً على بعض الناس.

وتجدر الإشارة إلى ماأحدثه الإنسان ذاته من أضرار جسيمة بالبيئة التي يعيش فيها، مثل التلوث pollution  بأنواعه الكثيرة  والتي أدت إلى اتساع ثقب طبقة الأوزون وما نجم عنه من أخطار على الأرض وبيئاتها، وفي مقدمتها انتشار الاحترار العالمي   global warming، وبدء ذوبان الجليد القطبي واحتمالات ارتفاع سطح مياه المحيطات لتغمر مدناً ومساحات شاسعة كبيرة.

 وإن معظم هذه الأضرار، وغيرها كثير، ينتظر عودة الإنسان إلى رشده، وخاصة في الدول الغنية التي تُعد أكبر وأهم مُلوِّثٍ للبيئة، لحفظ الأرض وبيئتها للأجيال القادمة.

 

أسامة عارف العوا

 

 

مراجع للاستزادة:    

-W. P. Lowry and P. P. Lowry, Fundamentals of Biometeorology: Interactions of Organisms and the Atmosphere, Peavine Publications, 2001.

-G. McGregor, Human Biometeorology, Progress in Physical Geography, 2011.

- S. W. Tromp, Tromp Biometeorology, Wiley-Blackwell,1980.

 


التصنيف : التقانات الحيوية
النوع : التقانات الحيوية
المجلد: المجلد الأول
رقم الصفحة ضمن المجلد : 542
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1285
الكل : 31565532
اليوم : 387