logo

logo

logo

logo

logo

البيئة الفضائية

بييه فضاييه

Space environments -

البيئة الفضائية

 محمد خالد شاهين

 العوامل البيئية المؤثرة في المركبات الفضائية  آثار الإشعاع على إلكترونيات المركبات الفضائية
 بيئة الإشعاع المحصور  برامج البحث في البيئات الفضائية
بيئة الإشعاع العابر   الآفاق المستقبلية
 

البيئة الفضائية space environment هي الفراغ void الكبير الذي يشغل المناطق الخالية (نسبياً) في الكون universe، والواقعة خارج الغلاف الجوي (أو سطح) لأي كوكب أو جسم سماوي آخر. ويمكن - من منظور كوكب الأرض - عَدّ البيئة الفضائية على أنها المنطقة الواقعة خارج الغلاف الجوي للأرض. وتُعرّف البيئة الفضائية أيضاً بأنها فرع من الملاحة الفضائية astronautics (أو هندسة الفضاء aerospace engineering، أو فيزياء الفضاء)، يُعنى بدراسة الشروط السائدة في الفضاء، والتي قد تؤثر في عمل المركبات الفضائية spacecrafts، وفي صحة روّاد الفضاء (أو أي كائن حي آخر) في أثناء الرحلات الفضائية.

لا يتوفر تعريف رسمي للحد (أو الموضع) الذي يبدأ عنده الفضاء؛ إذ يعرّف القانون الدولي -بموجب الاتفاقيات والمعاهدات والمواثيق الحالية- الحد الأدنى lower boundary للفضاء على أنه الحضيض perigee الأدنى الذي تبلغه مركبة فضائية مدارية، من دون تحديد ارتفاع معيّن. وتنص معايير القانون الدولي على عدّ الطائرات والصواريخ والقذائف التي تطير فوق بلد ما بأنها تقع ضمن مجاله الجوي الوطني بصرف النظر عن ارتفاعه. في حين تُعَدّ المركبات الفضائية موجودة في الفضاء بصرف النظر عن ارتفاعها.

يسود غالباً اعتقاد خاطئ بأن الفضاء فراغ كبير خالٍ يبدأ من الحدود الخارجية للغلاف الجوي الأرضي ويمتد عبر الكون. والواقع أن الفضاء مكان ديناميكي مملوء بالجسيمات النشطة، والإشعاعات، وترليونات من الأجسام الكبيرة والصغيرة. وبالمقارنة بما هو مألوف على الأرض، فالفضاء مكان الحدود القصوى extremes. فالمسافات هائلة، والسرعات تراوح بين الصفر وسرعة الضوء، ودرجات الحرارة على الجانب المشمس من جسم يمكن أن تكون شديدة الارتفاع، في حين تكون شديدة الانخفاض على الجانب الظليل منه، وذلك على مسافة قصيرة منه فقط. وتضرب الجسيمات المشحونة باستمرار السطوح المكشوفة، ويكون لبعضها طاقة كبيرة للغاية إلى درجة اختراق جسم في الفضاء كلياً. ويمكن للحقول المغنطيسية أن تكون شديدة القوة. وتتغير البيئة في الفضاء باستمرار. تؤثر هذه العوامل مجتمعة في تصميم المنظومات الفضائية وتشغيلها.

العوامل البيئية المؤثرة في المركبات الفضائية

البيئة الفضائية هي بنية معقدة وديناميكية؛ تشتمل على أنواع محايدة، وجسيمات مشحونة، وبلازما plasma، وحقول كهربائية ومغنطيسية، وإشعاعات شمسية ومجرّية galactic، ونيازك وحطام فضائي، يمكن لأي منها التسبب بأضرار جسيمة للمركبات الفضائية، ومن ثمَّ تدهور في أدائها ومدة حياتها lifetime. ويمكن أن ينجم عن التفاعل بين منظومة فضائية وبيئتها، تغيرات في البيئة الطبيعية، تولّد بيئات محلية تؤثر بدورها في سلوك المنظومة.

يتم التركيز عادة على الآثار الناجمة عن البيئة الفضائية القريبة من الأرض والتي تمتد من المدارات المنخفضة بالنسبة إلى الأرض Low-Earth Orbit (LEO) أي على ارتفاع يقارب 1000 كم؛ إلى المدار الثابت بالنسبة إلى الأرض Geostationary-Earth Orbit (GEO) أي على ارتفاع يقارب 36000 كم.

أُبلِغ -منذ بدايات عصر الفضاء- عن الكثير من ظواهر التشغيل الشاذة anomalies، والأعطال الساتلية، وعُزي جزء مهم منها إلى ظاهرة شحن المركبة الفضائية spacecraft charging، وإلى آثار الإشعاع في المنظومات الإلكترونية. يُعدّ شحن المركبة الفضائية عاملاً مهماً في تصميم المركبة الفضائية نظراً لآثاره الحرجة في تشغيل المركبة الفضائية. وقد بُذلت جهود كبيرة لتحسين المعارف في الآليات الأساسية ذات الصلة، ولتطوير نظريات وتقنيات محاكاة للتنبؤ بآثار الشحن وتفاديها. كما أُجريت دراسات مكثّفة على آثار الإشعاع في الإلكترونيات منذ أولى الملاحظات عن الظواهر الشاذة في الأجهزة الإلكترونية الفضائية.

أ- شحن المركبة الفضائية

يُعرف شحن المركبة الفضائية على أنه تراكم الشحنات على أسطح المركبة الفضائية أو داخلها. يتسبب شحن المركبة الفضائية في تغير الكمون الكهرساكن electrostatic لسطح مركبة فضائية منسوباً إلى بيئة البلازما المحيطة، و/أو تغيرات كمونية فيما بين أجزاء مختلفة من المركبة الفضائية (شحن تفاضلي). ومن أهم البيئات الفضائية الطبيعية التي تسهم في شحن المركبة الفضائية: بيئة البلازما الحرارية، والإلكترونات العالية الطاقة، والإشعاع الشمسي والحقول المغنطيسية. وينجم عن شحن المركبة الفضائية آثار عديدة، لعل أخطرها عمليات التفريغ discharges الكهرساكنة التي يمكن أن تتسبب بنتائج كارثية مثل الأضرار البنيوية وتدهور مكوِّنات المركبات الفضائية، وظواهر شاذة تشغيلية ناجمة عن الأضرار في الإلكترونيات.

1- بيئات شحن المركبة الفضائية

- البلازما:

الغلاف الجوي متجانس حتى ارتفاع يقارب 90 كم. وعند ارتفاعات أعلى من هذا الحد، يتأين جزء مهم من جزيئات الغلاف الجوي نتيجة الإشعاع الشمسي، وينجم عن ذلك إلكترونات حرة وإيونات موجبة الشحنة. ويُطلق على غاز متأين يحتوي على عددٍ متساوٍ من الجسيمات ذات الشحنات الموجبة والسالبة اسم البلازما. وتشكل الغازات المتأينة من الغلاف الجوي بيئة البلازما الفضائية الطبيعية التي تتفاعل مع جميع المركبات الفضائية على المدارات القريبة من الأرض.

تتغير بيئة البلازما مع الارتفاع ومع خط العرض؛ فالمركبات الفضائية ذات الارتفاع المنخفض وزاوية الميل inclination المنخفضة تختبر بيئة بلازما مختلفة عن المركبة الفضائية ذات الارتفاع العالي والمركبة الفضائية المدارية القطبية. يبيّن الشكل (1) كثافة الجسيمات وخواص طاقة البلازما الفضائية الطبيعية في المدارات المنخفضة والثابتة (المستقرة) والقطبية.

 

الشكل (1) كثافة الجسيمات وخواص طاقة البلازما الفضائية الطبيعية.

وكما هو مبيّن في الشكل (1)، فإن النوعين الرئيسيين من البلازما هما البلازما المنخفضة الطاقة والعالية الكثافة، والبلازما العالية الطاقة والمنخفضة الكثافة.

البلازما الإيونوسفيرية ionospheric محايدة إجمالاً، وتبلغ ذروة كثافتها قرابة عند ارتفاع 300 كم تقريباً، كما هو مبيّن في الشكل (2).

 

الشكل (2) تغيّر كثافة البلازما بدلالة الارتفاع.

 

تؤثر البلازما في المركبة الفضائية بتحريض شحنات على سطح المركبة الفضائية نتيجة تدفق الإلكترونات والإيونات الموجبة. كما يمكن لحركة المركبة الفضائية عبر البلازما إحداث بيئة محلية قد تسهم أيضاً في شحن المركبة الفضائية.

- الإلكترونات العالية الطاقة:

تشتمل بيئات المناطق الشفقية auroral والمدار الثابت بالنسبة إلى الأرض على إلكترونات عالية الطاقة يكون لها عادة توزع ماكسويل Maxwell ودرجة حرارة مميزة . عندما لا تتوفر بيئة بلازما وإلكترونات ضوئية photoelectrons مهمّة ناشئة من الإشعاع الشمسي، يتناسب الكمون الذي ستُشحن إليه مركبة فضائية طرداً مع درجة حرارة الإلكترونات، والذي يتغير بين 1 و 20 كيلو فولط (kV). تسهم الإلكترونات ذات طاقة تراوح بين 1 و 100 كيلو إلكترون فولط (keV) في شحن السطح. في حين تخترق الإلكترونات المحاصرة trapped ذات طاقة تزيد على 100 كيلو إلكترون فولط السطح، لتسهم في آثار الشحن الداخلي.

- الإشعاع الشمسي:

تؤثر الفوتونات photons المنبعثة من الشمس في شحن السطوح؛ إذ ينجم عن صدم الأشعة فوق البنفسجية والأشعة فوق البنفسجية القصوى Extreme-Ultra Violet (EUV) -وهي إشعاعات فوق بنفسجية عالية الطاقة- لسطوح المركبات الفضائية إصدار إلكترونات ضوئية (نتيجة الأثر الكهرضوئي photoelectric). تشكل هذه الإلكترونات الضوئية تياراً خارج سطح المركبة الفضائية، يمكن أن يخفِّف من أثر الشحن السالب للسطح، ومن ثمَّ يمكنه أن يكون مساهماً مهماً في آلية شحن السطح. ويكون أثر الفوتونات الشمسية مهماً خاصة في المدار الثابت (المستقر) بالنسبة إلى الأرض (والمدارات المتزامنة)، إذ تكون كثافة البلازما منخفضة ومساهمة الإلكترونات الضوئية مهملة. يتعلق تيار الإلكترونات الضوئية بالمادة المصنوع منها سطح المركبة الفضائية، وبالنشاط الشمسي، وبزاوية ورود الأشعة الشمسية، وبكمون المركبة الفضائية.

- الحقول المغنطيسية:

الحقل المغنطيسي للأرض هو تقريباً حقل مغنطيسي بقطبين dipole مزاح عن مركز الأرض بحدود
436 كم. ويميل المحور الجيومغنطيسي geomagnetic بمقدار 11.5 درجة عن محور دوران الأرض. وللحقل المغنطيسي الأرضي تأثير كبير في حركات البلازما وفي الجسيمات المشحونة العالية الطاقة المحاصرة، وهذا ما يؤدي إلى شحن المركبة الفضائية وإلى أضرار في العناصر والدارات الإلكترونية على متنها. يحدد الحقل المغنطيسي المناطق من البيئة الفضائية التي يحدث فيها شحن المركبة الفضائية. كما يؤدي دوراً في آلية شحن السطح، نظراً لأن بمقدوره التأثير في هروب escape الإلكترونات (مثل الإلكترونات الضوئية) المنبعثة من سطح المركبة الفضائية.

كما يحرّض مرور المركبة الفضائية ضمن الحقل المغنطيسي الأرضي أيضاً كمونات عبر المركبة الفضائية، نظراً لأن الحركة ضمن حقل مغنطيسي تتسبب بظهور حقل كهربائي. ويكون اتجاه الكمون المُحرض عمودياً على كل من اتجاه الحقل المغنطيسي وشعاع سرعة المركبة الفضائية. ويُعطى مطال الكمون المُحرَّض V بالعلاقة (1).

وفيها تمثل سرعة المركبة الفضائية، و الحقل المغنطيسي، و بعد المركبة الفضائية. وتبلغ القيمة النموذجية للمقدار V/L تقريباً 0.3 فولط/م في حالة مركبة فضائية على المدار المنخفض بالنسبة إلى الأرض. أما على ارتفاعات مقاربة للمدار الثابت بالنسبة إلى الأرض، فيكون الكمون المُحرَّض الناجم عن حركة المركبة الفضائية معدوماً.

2- شحن السطوح

- آلية شحن السطوح:

ينجم شحن السطوح عن تفاعل سطوح المركبة الفضائية مع بيئة البلازما، والإشعاع الشمسي، والإلكترونات العالية الطاقة، والحقول المغنطيسية. تصل منظومة فضائية -تتحرك عبر بيئة البلازما الفضائية- إلى توازن كهربائي مع البلازما عندما تحصل على شحنات سطحية بحيث يصبح التيار الإجمالي للمنظومة الكلية وللسطوح العازلة الإفرادية معدوماً. ويحدّد شرط التوازن هذا كمون سطح المركبة الفضائية منسوباً إلى البلازما المحيطة. يمكن لسطح مركبة فضائية أن يتكوّن من مواد ناقلة و/أو مواد عازلة. يجري تحقيق التوازن إجمالاً بالنسبة إلى السطوح الناقلة، في حين يحدث التوازن على أساس نقطة لنقطة بالنسبة إلى السطوح العازلة. يتوجب لتحقيق التوازن أخذ جميع المعاملات البيئية الطبيعية بالحسبان، إضافةً إلى الكمونات المُحَرّضة بفعل الحركة، والجهود الأخرى التي تولّدها المركبة الفضائية نفسها.

عند التوازن تتوقف إجرائية الشحن، وتصل المركبة الفضائية إلى مستوى الشحن التوازني equilibrium، والذي يسمى أيضاً "الكمون العائم" floating potential. وهذا التوازن ديناميكي بمعنى أنه يتغير بحسب كثافة التيار.

إن درجات حرارة الإلكترونات والإيونات الموجبة وكثافاتها متساوية تقريباً في بيئة البلازما الفضائية. إلا أن للإيونات كتلة أكبر من كتلة الإلكترونات، وينجم عن ذلك أن الإلكترونات أكثر حركية mobility من الإيونات، ومن ثمَّ يهيمن تدفق الإلكترونات، ويكون التيار السالب أكبر من التيار الموجب. لذا يُشحن السطح سلباً إلى كمون من رتبة درجة حرارة الإلكترون.

- أنواع الشحن:

شحن السطح المطلق هو شحن كامل سطح المركبة الفضائية إلى كمون صافٍ منسوباً إلى البلازما المحيطة. فإذا كان السطح مكوَّناً من مواد ناقلة فقط، تُشحن المركبة الفضائية إلى ذات الكمون في أي مكان، حيث إن الشحنة تتوزع بانتظام على السطح الناقل.

أما النوع الثاني من شحن السطح فهو الشحن التفاضلي، الذي يحدث عندما يدخل في تركيب سطح المركبة الفضائية مواد عازلة (مثل الكابتون Kapton أو التفلون Teflon). تُشحن في هذه الحالة أجزاء مختلفة من سطح المركبة الفضائية إلى كمونات عائمة مختلفة. إن أثر الإشعاع الشمسي هائل في المدار الثابت بالنسبة إلى الأرض حيث تكون كثافة البلازما منخفضة. لذا تصدر الإلكترونات الضوئية من السطوح المعرضة لأشعة الشمس وتسعى إلى إلغاء أثر تيار الإلكترونات، وهذا ما يجعل السطوح المعرضة للشمس ذات كمون صفري. في حين تغيب الإلكترونات الضوئية في الأجزاء الواقعة في الظل من السطح، وتُشحن السطوح سلباً. وبازدياد الشحنة السالبة على السطوح الواقعة في الظل، فإنها تمنع إصدار الإلكترونات الضوئية من السطوح المعرضة للشمس، وتبدأ المركبة الفضائية بكاملها بالشحن سلباً. وينشأ من ذلك كمونات تفاضلية من رتبة الكيلوفولط عبر أجزاء مختلفة من سطح المركبة الفضائية.

يُعدّ الشحن التفاضلي أخطر من الشحن المطلق؛ لأنه قد يقود إلى حدوث قوس كهربائية أو عمليات تفريغ كهرساكنة عبر السطوح ذات الكمونات المختلفة، والتي بدورها تتسبب بأعطال تشغيلية متنوعة.

3- الشحن الداخلي

الشحن الداخلي internal charging، أو شحن العازل العميق deep dielectric charging، هو تراكم الشحنة الكهربائية داخل المركبة الفضائية نتيجة اختراق الإلكترونات ذات الطاقة الأعلى من 10 كيلو إلكترون فولط لها. يمكن للشحنة التكدس على سطوح المواد العازلة الداخلية أو داخلها، أو على سطوح النواقل المعزولة داخل المركبة الفضائية. يتعلق الشحن الداخلي بالبيئة المدارية، وسماكة تحجيب shielding المركبة الفضائية، وهندسة المادة المشحونة، وخواص المواد وخاصة ناقليتها.

4- آثار شحن المركبة الفضائية:

من أهم آثار شحن المركبة الفضائية التفريغ الكهرساكن Electrostatic Discharge (ESD) الناتج. ويمكن أن يكون التفريغ الكهرساكن على شكل تفريغ سطحي أو حجمي bulk. يحدث التفريغ السطحي عندما يتجاوز جهد السطح جهد انهيار المادة المصنوع منها السطح، وينتج من ذلك توليد تيارات قد تصل إلى عدة مئات من الأمبير. أما تفريغ العوازل فيُقدح عند تعرضها للإشعاع الفضائي. تكون الشحنة المرتبطة بالتفريغ الحجمي صغيرة مقارنة بتفريغ السطح، إلا أنها تمثل خطراً مباشراً على الإلكترونيات.

ينجم التفريغ القوسي أساساً عن الشحن التفاضلي وعن الشحن الداخلي للمركبة الفضائية. وقد تقود عمليات التفريغ إلى شذوذات وتغيرات في الأجهزة المصنوعة من مواد نصف ناقلة semiconductor، أو أخطاء في الأوامر أو أعطال في المكوِّنات. كما يُعدّ تدهور المحسّات وألواح الخلايا الشمسية أمراً محتملاً، وقد يتسبب بخفض الاستطاعة الكهربائية المُوَلَّدة.

قد تتسبب عمليات التفريغ أيضاً بأضرار فيزيائية بالغة للسطوح. وينجم عن التفريغ القوسي أيضاً تسخين موضعي وفقد بالمواد، وهذا ما قد يقود إلى أضرار بنيوية بالمركبة الفضائية.

ب- الإشعاع الفضائي:

يمكن أن يكون للإشعاع الفضائي آثار هدامة على إلكترونيات المركبة الفضائية قد تقود في نهاية المطاف إلى إخفاق المهمة. لذا يُعدّ فهم بيئة الإشعاع الفضائي ضرورياً لتصميم منظومات قادرة على مقاومة الإشعاع.

تُصنَّف بيئة الإشعاع الفضائي في نوعين: بيئة إشعاع محصور trapped، وبيئة إشعاع غير محصور أو عابر transiting. وتضم بيئة الإشعاع المحصور حزاما فان آلن الإشعاعيان Van Allen radiation belts، وتتكوّن من إلكترونات وبرتونات وبعض الإيونات الثقيلة، وتتأثر بشدة بالتفاعلات الشمسية الأرضية والشذوذ الأطلسي الجنوبي South Atlantic Anomaly (SAA). أما بيئة الإشعاع العابرة، فتتكوّن أساساً من أشعة كونية شمسية ومجرية، وجسيمات مضيئة شمسية، تشتمل كل منها على بروتونات عالية الطاقة وإيونات ثقيلة.

أولاً- بيئة الإشعاع المحصور

- حزاما فان آلن الإشعاعيان

يتكون حزاما فان آلن الإشعاعيان أساساً من إلكترونات وبروتونات، نشأت من انحلال النترونات neutrons الناتج من التفاعل بين الأشعة الكونية وجسيمات الغلاف الجوي الأدنى. إذ تتحلل النترونات إلى بروتونات وإلكترونات ونترينوات neutrinos. أما النترينوات فهي عديمة الكتلة تقريباً فتهرب سريعاً إلى الكون؛ في حين تبقى الإلكترونات والبروتونات، بسبب الحقل المغنطيسي الأرضي محصورة مغنطيسياً في مناطق تسمى أحزمة فان آلن. كما قد ينتج الإشعاع المحصور لحزامي فان آلن أيضاً عن تسارع الجسيمات نتيجة النشاطات العاصفية المغنطيسية أو الانفجارات الشمسية. يبيّن الشكل (3) حركة الجسيمات المشحونة المحصورة.

 

الشكل (3) حركة الجسيمات المشحونة المحصورة.

- الشذوذ الأطلسي الجنوبي

يتسبب ميل المحور الجيومغنطيسي بانحناء شاذ للحقل المغنطيسي الأرضي نحو البرازيل. يُطلق على هذه الظاهرة اسم الشذوذ الأطلسي الجنوبي (SAA) (الشكل 4).

 

الشكل (4) الشذوذ الأطلسي الجنوبي.

يبيّن الشكل (5) خطوط تساوي الحقل المغنطيسي الأرضي عند مستوى البحر. حيث إن الشذوذ الأطلسي الجنوبي هو منطقة ذات حقل مغنطيسي منخفض، يصل حزاما فان آلن إلى ارتفاعات منخفضة جداً فوق هذه المنطقة. ومن ثمَّ فهذه المنطقة ذات جسيمات محصورة عالية الكثافة، وهذا ما يجعلها تمثل خطراً مهماً على الإلكترونيات في المركبات الفضائية على المدارات المنخفضة الارتفاع والمنخفضة الميل.

 

الشكل (5) خطوط تساوي الحقل المغنطيسي الأرضي عند مستوى سطح البحر.

 

في المدار المنخفض، يكون الإشعاع الأشد ناجماً عن البروتونات النشطة في منطقة الشذوذ الأطلسي الجنوبي. من ناحية أخرى، على الطرف المقابل من الأرض لهذه المنطقة، ثمة زيادة في الحقل المغنطيسي، ويُطلق على هذه المنطقة اسم الشذوذ الآسيوي الجنوبي الشرقي.

ثانياً- بيئة الإشعاع العابر

- الأشعة الكونية الشمسية:

تشتمل الأشعة الكونية الشمسية solar cosmic rays على جسيمات نشطة شمسية Solar Energetic Particles (SEP)، تتكون أساساً من بروتونات مضيئة شمسية. كما تنبعث أيضاً أقلية من جسيمات ألفا alpha particles وإيونات ثقيلة وإلكترونات. عادة ما يكون تدفق الإيونات الثقيلة بطيئاً، إلا أنه في أثناء الأحداث الشمسية المتصاعدة يزداد تدفق الإيونات، ومن ثمَّ قد يتسبب بأضرار جسيمة للإلكترونيات الفضائية.

-الأشعة الكونية المجرّية

تنشاً الأشعة الكونية المجرّية Galactic Cosmic Rays (GCR) في أقصى أطراف المجرة. تتكون هذه الأشعة من بروتونات بنسبة 85% وجسيمات ألفا بنسبة 14% ونوى ثقيلة heauy nuclei بنسبة 1%. الأشعة الكونية المجرية نشطة، ويمكن أن تمتلك طاقات من رتبة غيغا إلكترون فولط للنكلون الواحد GeV/nucleon، ومن ثمَّ فهي قادرة على اختراق الأجهزة المصنوعة من أنصاف النواقل.

- أثر الحقل المغنطيسي الأرضي

يمنع الحقل المغنطيسي الأرضي الأشعة الكونية الشمسية والمجرّية من التأثير في المركبات الفضائية التي تدور على مدار منخفض الارتفاع بالنسبة إلى الأرض. ويعمل هذا التحجيب بفاعلية من أجل زوايا ميل لا تتجاوز 45 درجة.

في حين أن هذا التحجيب لا يكون فعّالاً للمركبات الفضائية على المدار الثابت بالنسبة إلى الأرض، أي إن الأشعة الكونية النشطة تكون قادرة على اختراق سطح المركبة الفضائية الواقعة على هذا المدار.

ثالثاً- آثار الإشعاع على إلكترونيات المركبات الفضائية

تنطوي مصادر الإشعاع المبيّنة أعلاه على مخاطر على الإلكترونيات في الفضاء، نظراً لأن بمقدور الجسيمات النشطة إيداع طاقة داخل الدارات الإلكترونية الصُغرية، والإخلال بعملها الذاتي. يُقاس إيداع الطاقة في الإلكترونيات بواحدة راد (إم) rads (M) حيث تمثل "إم" M المادة المحددة قيد الدراسة، و"الراد" يساوي مائة إرغه في الغرام الواحد (1 rad = 100 ergs/g). يمكن أن يكون إيداع الطاقة على صورة تأين أو إزاحات ذرية، يمكنها إحداث أضرار دائمة بالإلكترونيات، أو على صورة أحداث مُفردة، يمكنها إحداث أضرار عابرة أو دائمة بحسب شدة الحدث.

برامج البحث في البيئات الفضائية

أحدثت مخابر البحث الفضائي والفلكي العالمية، ومراكز البحث في كبرى وكالات الفضاء، وأقطاب الصناعة الفضائية، برامج عديدة خاصة بدراسة البيئة الفضائية، بهدف تطوير تقنيات وتقانات خاصة بتصميم المركبات الفضائية وتصنيعها وتشغيلها على نحو موثوق وبتكلفة ملائمة، بما يكفل للمركبات الفضائية التكيّف مع آثار البيئة الفضائية أو تخفيفها. وتهدف أيضاً إلى دراسة آثار البيئة الفضائية على الأرض. من أهم هذه البرامج والهيئات العاملة:

- برنامج البيئات الفضائية وآثارها: يتبع هذا البرنامج لإدارة الطيران والفضاء الوطنية (ناسا) National Aeronautics and Space Administration (NASA)، وقد بُدئ العمل فيه في العام 1995. وضع هذا البرنامج أدوات لتنفيذ شروط التصميم وإجرائيات التشغيل لمواجهة آثار البيئة الفضائية، وتشتمل على تعاريف للبيئة الهندسية، والخطوط الرئيسية التصميمية، ونماذج التقييم وقواعد معطيات.

كما توفر ناسا للباحثين والعاملين في مجال الفضاء نفاذاً إلى الموارد المتاحة الخاصة بالبيئات الفضائية وآثارها والمواد ذات الصلة التي يقدّمها مرفق التعرض الطويل الأمد Long Duration Exposure Facility (LDEF) الموجود في مركز أبحاث لانغلي Langley في ولاية فيرجينيا.

- قسم البيئة الفضائية وآثارها: يتبع هذا القسم لوكالة الفضاء الأوربية (إيزا) European Space Agency (ESA)، ويُعنى بتحصيل معلومات عن البيئات الفضائية وتطوير برامج للتخفيف من آثارها. وقد قامت الوكالة بتشغيل مراقب بيئة إشعاع Radiation Environment Monitor (REM) في الفضاء من العام 1994 إلى العام 1998، ثم قامت بتطوير برنامج لكشف الجسيمات من أجل التطبيقات الفضائية باسم مراقب بيئة إشعاعية معياري Standard Radiation Environment Monitor (SREM)، واشتمل على إطلاق عدة سواتل لهذه الغاية منها: بروبا 1 Proba-1 (2001)، وروزيتا Rosetta (2004)، وهيرشل Herschel (2009)، وبلانك Planck (2009).

كما طورت الوكالة برنامج نمذجة بيئة الجسيمات النشطة الشمسية Solar Energetic Particle Environment Modelling (SEPEM) وتتيح النفاذ إليه واستخدامه عبر الإنترنت. وتتوفر لديها أيضاً برامج وأدوات عديدة أخرى لدراسة البلازما والجسيمات والتحجيب للتطبيقات الفضائية.

- المركز الوطني للدراسات الفضائية Office National d&http://arab-ency.com.sy/tech/details/609/6#39;Etudes et Recherches Aérospatiales (ONERA) الفرنسي، والذي يُعنى بالبحوث في مجال الفضاء وخاصة المواد والبنى الفضائية وفيزياء الفضاء.

- برامج البحث لوكالة استكشاف الفضاء اليابانية (جاكسا) Japan Aerospace Exploration Agency (JAXA) في البيئة الفضائية والجاذبية الصغرية والإشعاع الكوني، اشتمل على إرسال عدة صواريخ، وكذلك إجراء تجارب وقياسات على متن مكوك الفضاء الأمريكي والمحطة الفضائية الدولية. كما حققت اكتشافات متقدمة بوساطة وحدة التجارب اليابانية (كيبو) Japanese Experiment Module (Kibo).

- برامج وكالة الفضاء الفدرالية الروسية (روسكوزموس) Russian Federal Space Agency (Roscosmos)، والتي تُعنى بدراسة البيئة الإشعاعية على متن محطة الفضاء الدولية، وتدفق الجسيمات الثقيلة، وغيرها بوساطة وحدات اختبار وقياس على متن المحطة.

- مخبر أبحاث البيئة الفضائية والتوقع Laboratory for Space Environment Research and Forecast (LSERF) التابع للأكاديمية الصينية للعلوم Chinese Academy of Sciences (CAS)، والذي يُعنى بالبحوث في مجال البيئة الفضائية وآثارها، وطور لهذه الغاية مركزاً للتنبؤ بالبيئة الفضائية لخدمة المهمات الفضائية.

الآفاق المستقبلية

تقوم وكالات الفضاء الدولية كالناسا وجاكسا وإيزا وغيرها بتصميم وحدات علمية متطوِّرة، كما تخطط لإطلاق برامج بحثية جديدة لدراسة البيئة الفضائية ومراقبة تغيراتها الزمنية، بهدف تحديد حالة البيئة الفضائية وتقديم إنذارات مبكرة لمشغِّلي السواتل، ومديري برامج المهمات الفضائية عندما تصبح هذه البيئات خطرة. كما تهدف لتطوير نماذج لمنظومات حماية إلكترونية لإدراجها في تصميم السواتل والمركبات الفضائية، وكذلك لتوفير سلامة رواد الفضاء داخل المحطة الفضائية وفي المهمات الفضائية الأخرى.

مراجع للاستزادة:

- J. Kleiman, et al., Protection of Materials and Structures from Space Environment, Springer Science & Business Media, 2012.

- D. Knipp, Understanding Space Weather and the Physics Behind It, McGraw-Hill, 2011.

- C.Nicollier, R.M.Bounet. Our Spsce Environmcut, Opportunities,Stakes and Dangers,CRC Press,2016.

- J. R. Wertz et al., Space Mission Engineering The New SMAD, Space Technology Library, 2011.


التصنيف : تقانات الفضاء والفلك
النوع : تقانات الفضاء والفلك
المجلد: المجلد السادس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 550
الكل : 31509892
اليوم : 26297