البيئة الصحراوية

بييه صحراويه

Desert ecology -

البيئة الصحراوية

محمد العودات

الأقاليم الجافة

أنماط الصحارى

الصحارى الحارة

الصحارى الباردة

تختص البيئة الصحراوية desert ecology بدراسة التآثر بين المكونات الحية وغير الحية في البيئة الصحراوية. وتُعرف المنظومة البيئية الصحراوية desert ecosystem بأنها التآثر بين المجموعات الحيوية والمناخ الذي تعيش فيه وأي تأثيرات أخرى غير حية فيها.

وتُعرف الصحراء بأنها مناطق جغرافية ذات ظروف مناخية جافة تجعل الحياة النباتية والحيوانية فيها صعبة، والجفاف صفة جغرافية لمناطق من العالم تكون فيها موارد الماء من الهطل أقل من كمية الماء التي تُفقد بالتبخر evaporation والنتح transpiration، فإذا قلت مياه الهطل في الشهر أو السنة عن كمية المياه التي يمكن أن تفقد بالتبخر والنتح يكون الشهر أو السنة جافين.

الأقاليم الجافة

تعبِّر النسبة بين الهطل والتبخر والنتح عن معدَّل الجفاف، وقد اعتمد برنامج الأمم المتحدة للبيئة على مقدار هذا المعدل في تصنيف أقاليم العالم، وتبين أنه يسود في المناطق الجافة: الأقاليم بالغة الجفاف extra- arid والجافة arid ونصف الجافة semiarid (الجدول 1).

أنماط الصحارى

يوجد نوعان رئيسان من الصحارى وهما: الصحارى الحارة hot deserts والصحارى الباردة cold deserts.

1- الصحارى الحارة

توجد الصحارى الحارة حول خطي العرض 30° شمال خط الاستواء و30° جنوبه، وهي نطاقات تتسم بهبوط كتل الهواء أي تحركها من الارتفاعات العليا إلى الأسفل، وتؤدي هذه الظاهرة إلى ارتفاع درجة الحرارة وقلة سقوط الأمطار، وتوجد هذه النطاقات في القارات كافة (الجدول2).

أ- مناخ الصحارى الحارة

- الهطل: لعل أهم الخصائص المناخية للصحارى الحارة هي انخفاض كمية الهطل الذي نادراً ما يزيد على 200 مم، وهو عادة أقل من ذلك، ويبلغ نحو 50 مم في المناطق الجنوبية الشرقية من البادية السورية، و30 مم في القاهرة وأقل من ذلك في أسوان، ونادراً ما تتجاوز 100 مم في الرياض، وقد لا تسقط الأمطار إلاّ عرضياً كما في المناطق الشديدة الجفاف في الصحراء الكبرى وبعض مناطق الربع الخالي. وأهم سمات الهطل إضافة إلى انخفاض كميته الآتي:

• تباين كمية الهطل السنوية من عام لآخر؛ إذ يصل معامل الانحراف المطري إلى 100%، وقد يصل إلى 150% وأكثر.
• التباين المكاني إذ تختلف كمية الهطل في الموقع الواحد من عام لآخر، ويبلغ التباين المكاني مداه في زخات المطر التي تسقط على مواقع محددة من الصحارى البالغة الجفاف والتي لا يأتيها المطر إلاّ مرة كل عدة سنوات.
• نوبات الجفاف ذات المطر الأقل من المتوسط، وهي صفة طبيعية من صفات الهطل في الأقاليم الجافة، وتؤدي إلى تدهور المراعي إلى تعرُّض حياة السكان للمكاره الشاقة، وقد تمتد نوبة الجفاف إلى سنوات عدة، كما حصل في جنوبي الصحراء الكبرى في الأعوام 1969-1984، مما أصاب بلاد هذا الإقليم بأضرار اقتصادية واجتماعية بالغة، وما يحدث في عدد من الدول الإفريقية.

  - درجات الحرارة: تتميز معظم الصحارى الحارة بارتفاع درجات الحرارة في معظم شهور السنة، ذلك أنها تتلقى نهاراً كمية من الأشعة الشمسية تفوق ما تتلقاه المناطق المعتدلة الرطبة بنحو مرتين، وتفقد من الحرارة ليلاً مرتين ما تفقده المناطق الرطبة، وذلك بسبب صفاء السماء وانخفاض رطوبة الهواء. وتتميز درجات الحرارة في الصحارى الحارة بالآتي:

• يقع متوسط درجة الحرارة السنوي بين 20 و25°س.
• تصل درجة الحرارة القصوى إلى 49-43.5°س (وقد وصلت في الصحراء الليبية إلى 58°س).
• تنخفض درجة الحرارة الدنيا أحياناً في الأوقات الباردة وفي الليل إلى ما دون الصفر المئوي.
• تفوق درجة حرارة سطح التربة نهاراً درجة حرارة الهواء بنحو 20°س، وقد تصل إلى نحو 80°س، أما في الليل ولاسيما قبل الشروق فهي أقل من درجة حرارة الهواء.

  - الرياح: تُعد الرياح من العوامل البيئية المهمة في المناطق الجافة؛ وذلك بسبب تأثيرها في النباتات إذ تُزيد شدة النتح من النباتات والتبخر من التربة، وتؤدي إلى حمل جزيئات التربة والرمال وإلى انجراف التربة الريحي wind erosion، وإثارة العواصف الغبارية (الشكل1)، ويُقدر أن العواصف الغبارية في الكويت تحدث في نحو ربع عدد أيام السنة، كما تقدر مساحة الأراضي الجافة في العالم المتأثرة بالانجراف الريحي بنحو 432 مليون هكتار.

  الشكل (1) العواصف الغبارية في البادية السورية.

  تؤدي الرياح - خاصة إذا ترافقت مع النشاطات البشرية السلبية كالرعي الجائر والاحتطاب والفلاحة - إلى تدهور المنظومات البيئة، وإلى زحف الرمال وتشكل الكثبان الرملية (الشكل 2)؛ مما يحيل المناطق المتأثرة بحركة الرمال إلى حالة من التصحر الشديد، ففي جنوبي تونس مثلاً أُتلفت واحات كاملة وغابت بنخلها وبيوتها تحت آكام الرمال. وتهدد حركة الرمال الطرق والتجمعات السكنية، إضافة إلى ما يترتب على الرياح المحملة بالرمال من تأثيرات ضارة بالنباتات وبصحة الإنسان والحيوان.

  الشكل (2) الكثبان الرملية في واحة تدمر.

  - الملوحة: تنتشر الترب الملحية كالسبخات sabkha بصورة واسعة في المناطق الجافة وشبه الجافة، وتشير التقديرات إلى أن مساحتها بلغت نحو 1030 مليون هكتار. والسبخات مناطق منبسطة ذات ترب ملحية تنمو فيها النباتات الملحة halophytes؛ وتُميز ضمن النباتات الملحة أنماط عدة تبعاً لمورفولوجيا النباتات وتكيفها لتحمل الملوحة، وأهم هذه الأنماط هي:

• النباتات الملحة العصارية succulent halophytes التي تختزن الماء في أنسجتها مثل القلي Salicornia europaea ، والعنظوان Seidlitzia rosmarinus (الشكل 3) وغيرها.

الشكل (3) نبات العنظوان العصاري.

• النباتات الملحة التي تمتلك غدداً مفرزة للملح salt bladder، تمكنها من التخلص من الأملاح الزائدة مثل بعض أنواع الرغل Atriplex sp.
• النباتات الملحة التي تتخلص من الملوحة الزائدة مع مياه النتح، وتترسب الأملاح بعد تبخر الماء على سطحها مثل نبات الملوح Reaumuria alternifolia (الشكل 4)، وتلاحظ هذه الظاهرة بدرجة محدودة في أوراق محصول الحمُّص.

الشكل (4) البلّورات الملحية على سطوح أوراق نبات الملوح.

• ب - تكيف النباتات في الصحارى الحارة

  يعد الوقوف على الآلية التي تمكن النباتات والحيوانات من العيش في ظروف الصحارى الحارة من أهم مواضيع بيئة الصحارى؛ فالنباتات الصحراوية تمتلك خصائص عديدة -شكلية ووظيفية- تمكنها من تحمل الجفاف أو تحاشيه، وأهم أنماط التكيف هي:

  - الهروب من الجفاف:

  تؤلف النباتات الهاربة من الجفاف نسبة عالية من نباتات الصحارى تفوق 50%، وهي نباتات عشبية حولية قصيرة الحياة ephemeral annuals أو معَّمرة شبه قصيرة الحياة ephemerids، تنبت بادراتها seedlings في أعقاب المطر، وتُكمل دورة حياتها وتعطي ثماراً وبذوراً في مدى شهور أو أسابيع قليلة، وتقضي موسم الجفاف بصورة بذور كامنة. ومثل هذه النباتات مع استيطانها الصحراء تعد بحق هاربة من الجفاف؛ لأنها تنمو وتكمل دورة حياتها في ظروف تتوفر فيها الموارد المائية وظروف تبخر جوية معتدلة.

  -النباتات العصارية المعمَّرة Perennial succulents:

  تخزن النباتات العصارية المعمرة الماء في الأوراق أو السوق أو الجذور في الفصل الماطر، وتستعمله في فصل الجفاف، وتتميز النباتات العصارية بمجموع جذري سطحي يمكّنها من امتصاص مياه الأمطار التي تبلل الطبقة السطحية، وبقدرة فائقة على الاحتفاظ بالماء، وذلك بتقليل معدل النتح، فعدد المسام فيها قليل وأدمتها سميكة جداً وتغطيها طبقات شمعية تحول دون التبخر.

  - النباتات الجفافية القاسية Sclerophytes:

  تضم هذه المجموعة معظم النباتات الصحراوية المعمَّرة، وتمتلك تكيفات عدة تمكنها من مقاومة الجفاف أهمها:

• تمتلك مجموعاً جذرياً غزير النمو والتفرع ينتشر شاقولياً في التربة إلى أعماق كبيرة، وتفوق كتلته كتلة الجزء الخضري بـ 5 - 10 مرات، وتتكون الأوبار على جذور بعض النباتات في الفترة الرطبة لامتصاص أكبر كمية ممكنة من الماء، وتجف هذه الأوبار في الفترة الجافة، ولكنها تتكون مرة ثانية في الفترة الرطبة من السنوات التالية. وتمتلك بعض النباتات المتعمقة الجذور phreatophytes مجموعاً جذرياً يتوغل في التربة حتى يصل إلى مستوى الماء الجوفي أو قريباً منه مثل أنواع الطرفة Tamarix والخرينيبة Prosopis.
• تنتهج النباتات الجفافية القاسية مناهج شتى لتقليل شدة النتح؛ وذلك باختزال سطح المجموع الخضري عن طريق سقوط الأوراق في الفترة الجافة بمعدل يراوح بين 40% في الشيح Artemisia و100% في الصر Noea، وانغلاق المسام ولاسيما في الساعات الحارة من النهار، والتفاف الأوراق لتقليل المساحة المكشوفة، إلى جانب كثافة الأوبار التي تغطي سطح الأوراق.

  ج - الحيوانات

  تمتلك الحيوانات الصحراوية مجموعة من الخصائص المورفولوجية والفيزيولوجية والسلوكية تمكنها من التكيف مع الحياة القاسية في الصحراء. وتختلف هذه التكيفات من مجموعة حيوانية إلى أخرى:

• فالزواحف مثلاً ذات جلد متقرِّن يحميها من الجفاف عن طريق التبخر، وليس لها غدد عرقية، وتنشط في ساعات الصباح والمساء الرطبة والمعتدلة الحرارة نسبياً، كما تمتلك أطرافاً طويلة ترفع بوساطتها جسمها عن سطح التربة المرتفعة الحرارة.
• تشترك أغلب الحيوانات الصحراوية في تكيفها للاستفادة من القليل من الماء، فبعضها تكيف للاستغناء عن شرب الماء، وتحصل معظم الحيوانات الصحراوية العاشبة herbivorous واللاحمة carnivorous على الماء من النباتات والطرائد التي تتغذى بها، كما أن بعضها تتكيف للاستفادة من ماء الاستقلاب metabolic water الناتج من الفعاليات الحيوية للجسم، إضافة إلى تكيف جهازها البولي لاستخلاص أكبر كمية من الماء الموجود مع المواد البولية قبل طرحها. وليس لمعظم القوارض الصغيرة غدد عرقية، وبذلك لا تستعمل الماء في تنظيم درجة حرارة جسمها.
• تعد التكيفات السلوكية من التكيفات المهمة التي تمكّن حيوانات الصحراء من تحمل ظروف الجفاف الصعبة، إذ يقتصر نشاطها على الأوقات التي تكون فيها درجات الحرارة منخفضة نسبياً كالصباح الباكر والمساء أو الليل، مما يُجنبها درجات الحرارة المرتفعة في النهار.
• تكيف كثير من الزواحف والثدييات للمعيشة داخل جحور تحت سطح الأرض بعيدة عن أشعة الشمس الحارقة، ذلك أن الجحور تكون باردة ورطبة؛ وبهذا يتمكن كثير من الحيوانات من تجنب حرارة الشمس.
• تتميز الحيوانات العاشبة كالغزال والوعل والمها والضأن البري ببطء الحركة أو تستظل في الأماكن الظليلة في أثناء النهار، وإن عدم الحركة أو بطئها عند الحيوانات الثديية هي إحدى التكيفات التي تمكنها من البقاء في الصحراء.

  2- الصحارى الباردة

  يتصف المناخ في الصحارى الباردة، التي يوجد معظمها في المناطق الجبلية المرتفعة (الجدول3)، بانخفاض الهطل الذي يراوح فيها بين 150 و260مم، معظمه على شكل ثلوج أو نتيجة لتكثف الضباب. تتغير درجة الحرارة القصوى نهاراً في الصيف بين 21 و27°س، ولكن درجة حرارة الليل تكون منخفضة ونادراً ما تزيد على 10°س، لذلك يحدث تكثف لبخار الماء، وقد تساوي كمية مياه التكثف كمية الهطل أو حتى أكثر. لا يزيد معدل التبخرـ النتح في هذه الصحارى على كمية الهطل ويعود ذلك إلى البرد الشديد فيها، لكن النباتات لا تتمكن من الاستفادة من المياه بسبب صعوبة امتصاص المياه المتجمدة.

  الجدول (3) أهم الصحارى الباردة في العالم.

  اسم الصحراء المساحة (مليون كم2) الصحراء المساحة (مليون كم2) صحراء غوبي Gobi (شمالي الصين وجنوب منغوليا) 1.2 صحراء تاكلا ماكان Takla Makan (غربي الصين) 1.6 الصحارى الإيرانية (إيران وأفغانستان وباكستان) 0.39 صحراء تركستان Turkestan (جنوب روسيا) 0.56

• يتميز الغطاء النباتي في الصحارى الباردة بأنه قليل الكثافة ولا تزيد تغطيته على 10%، ويراوح ارتفاع النباتات بين 15 و120سم، ومعظم الأنواع النباتية شوكية ومتساقطة الأوراق، وتتميز أيضاً بأنها فضية اللون أو لامعة مما يمكنها من عكس كمية كبيرة من الأشعة الشمسية.
• يعيش كثير من الحيوانات في الجحور تحت الأرض underground burrows.

  مراجع للاستزادة: - محمد العودات؛ عبد السلام محمود عبد الله، عبد الله الشيخ، الجغرافيا النباتية. جامعة الملك سعود، الرياض، 1997. - M. Al-Oudat, Q. Manzoor, The Hallophytic Flora of Syria, ICARDA, Aleppo, Syria, 2011. - S.S. Negi, Cold Deserts of India. Indus publishing, New Delhi, 2002. - J. Sowell, Desert ecology, University of Utah Press, Salt Lake City, 2001. - W. G. Whitford, B.D.Duval, Ecology of Desert Systems, Academic Press 2019.

التصنيف : علوم البيئة والتنوع الحيوي

النوع : علوم البيئة والتنوع الحيوي

المجلد: المجلد السادس

رقم الصفحة ضمن المجلد : 0

آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

اصدارات الموسوعة العربية

أسماء الباحثين

هل تعلم ؟؟

• - هل تعلم أن الأبلق نوع من الفنون الهندسية التي ارتبطت بالعمارة الإسلامية في بلاد الشام ومصر خاصة، حيث يحرص المعمار على بناء مداميكه وخاصة في الواجهات

• - هل تعلم أن الإبل تستطيع البقاء على قيد الحياة حتى لو فقدت 40% من ماء جسمها ويعود ذلك لقدرتها على تغيير درجة حرارة جسمها تبعاً لتغير درجة حرارة الجو،

• - هل تعلم أن أبقراط كتب في الطب أربعة مؤلفات هي: الحكم، الأدلة، تنظيم التغذية، ورسالته في جروح الرأس. ويعود له الفضل بأنه حرر الطب من الدين والفلسفة.

• - هل تعلم أن المرجان إفراز حيواني يتكون في البحر ويتركب من مادة كربونات الكلسيوم، وهو أحمر أو شديد الحمرة وهو أجود أنواعه، ويمتاز بكبر الحجم ويسمى الش

• هل تعلم أن الأبسيد كلمة فرنسية اللفظ تم اعتمادها مصطلحاً أثرياً يستخدم في العمارة عموماً وفي العمارة الدينية الخاصة بالكنائس خصوصاً، وفي الإنكليزية أب

• - هل تعلم أن أبجر Abgar اسم معروف جيداً يعود إلى عدد من الملوك الذين حكموا مدينة إديسا (الرها) من أبجر الأول وحتى التاسع، وهم ينتسبون إلى أسرة أوسروين

• - هل تعلم أن الأبجدية الكنعانية تتألف من /22/ علامة كتابية sign تكتب منفصلة غير متصلة، وتعتمد المبدأ الأكوروفوني، حيث تقتصر القيمة الصوتية للعلامة الك

شراء النسخة الورقية