logo

logo

logo

logo

logo

البادية

باديه

-

 البادية

البادية

 المناخ  استعمالات الأراضي
 الجيولوجيا  الغطاء النباتي
 التضاريس  حيوانات البادية
 الموارد المائية  المجتمعات البدوية
 التربة  مشاكل البادية 
 
 

يختلف الكثيرون في تعريف البادية arid land وأصل الكلمة، إلا أن الجميع يتفق على اختلاف البادية عن الصحراء، كونها تحتوي على مظاهر للحياة النباتية والحيوانية، وتعدُّ مصدراً رعوياً مهماً لمربي الثروة الحيوانية.

تُعرف البادية من الناحية الجغرافية الطبيعية أنها مناطق تتماثل بظروفها البيئية، وهي مجموعة منظومات بيئية تحتوي تقريباً على الأنواع نفسها من الكائنات الحية، أو المواد غير الحية، وتتميز بوجود النباتات العشبية أو الشجيرية، لكن من دون وجود للأشجار، وفي حال وجودها فإنها عادةً ما تكون في بطون الأودية والمنخفضات.

يستخدم أيضاً تعبير البادية للدلالة على أقاليم مناخية جافة نسبياً لا تساعد على نمو تجمعات شجرية، لكنها ليست جافة إلى الحد الذي تصبح معه مشابهة لظروف الصحراء. يقابل كلمة البادية باللغة الإنكليزية steppe، وهي كلمة روسية الأصل تدل على منطقة أو مناطق ذات منظومات بيئية تسودها الأعشاب الحولية وبعض الشجيرات المعمرة، لكنها خالية من الأشجار أو الغابات.

لأنّ البادية السورية من أهم البوادي العربية وأكبرها من جهة، وأن البوادي في المناطق المختلفة لها ظروف متماثلة من جهة ثانية؛ فإنها ستؤخذ مثالاً تفصيلياً (الشكل 1).

الشكل (1) البادية السورية

المناخ

مناخ البادية السورية متوسطي قاري جاف إلى شديد الجفاف، معتدل الحرارة في معظمه، وحار في الأجزاء الجنوبية الشرقية منها. تراوح متوسطات درجات الحرارة السنوية بين 18- و20°س، تنخفض في شهر كانون الثاني/يناير إلى 7°س، وترتفع صيفاً إلى 32°م. وتكون الفروق الحرارية كبيرة نسبياً بين الليل والنهار، وبين فصل وآخر؛ إذ وصلت درجة الحرارة الصغرى في منطقة الرقة إلى 9.8°س عام 1972، ودرجة الحرارة العظمى إلى 42°س في تدمر عام 2000. كما تتميز البادية بانخفاض نسبة الرطوبة الجوية، خاصةً خلال فترات الجفاف من العام. الهطل السنوي شحيح، ولا يزيد عموماً على 200 مم مع تفاوت كبير في معدل الهطل السنوي وتباينه من سنة إلى أخرى؛ فعلى سبيل المثال بلغ الهطل المطري في بادية دير الزور عام 1988 نحو 262 مم، واقتصر في العام التالي على 52.4 مم. يتقارب معدل الأمطار في البادية بين منطقة وأخرى نسبياً، ويبدأ في شهر تشرين أول/ أكتوبر ويستمر حتى أيار/ مايو. ويسقط أحياناً بصورة زخات مطرية غزيرة الشدة؛ إذ سجل سقوط 28.5 مم من الأمطار خلال ساعة واحدة في بادية دير الزور في شهر آذار/ مارس من عام 1972.

تتميز البادية بمعدل تبخر عالٍ، ورطوبة نسبية جوية منخفضة، وقد يصل معدل التبخر السنوي الكامن إلى أكثر من 2200مم، ولا يتجاوز المعدل السنوي للرطوبة النسبية 55 %. تهب على البادية أحياناً الرياح الهوجاء المثيرة للغبار والأتربة والعواصف الرملية؛ فقد سجلت محطة دير الزور سرعة رياح قدرها 7.7 م/سا في شهر حزيران/يونيو عام 1971. يبين الشكل (2) معدلات الأمطار الشهرية لتلك السنة ودرجة الحرارة في البادية السورية (محطة دير الزور).

الشكل (2) معدلا الهطل ودرجة الحرارة السنوية في البادية السورية (محطة دير الزور).

الجيولوجيا

تمتد البادية من شمالي المملكة العربية السعودية إلى نهر الفرات شاملة بادية الأردن والعراق وسورية. وتقع في إطار ثلاث وحدات بنائية كبرى: الصفيحة العربية ثم منخفض الفرات، ومقعر الجبال الوسطى والتدمرية. ولكل وحدة مظاهر صخرية وتضاريسية مميزة.

تتكون القاعدة العربية من صخور الغرانيت والغنايس والشيست والكوارتزيت، وصخور اندفاعية. تعلوها صخور رسوبية ثخينة (2000-4000م).

يسود في البادية تكشفات رسوبية تعود إلى عصور جيولوجية مختلفة، وتتوزع هذه التكشفات بين الصخور الكلسية والدولوميت والغضارية، إضافة إلى تكشفات صخرية محدودة الانتشار من الصخور البازلتية. لا تظهر في المنطقة أي تكشفات صخرية تسبق العصر الجوراسي، أما التكشفات اللاحقة للترياسي فتظهر في أماكن متفرقة، تسمى التشكلات قبل الرباعية صخور الأساس، أما التوضعات الرباعية، فتعرف باسم التشكلات المغلفة أو المغطية؛ وبالتالي تكوّن الرسوبيات قبل الرباعية والصخور الاندفاعية والاستحالية صخور أساس من وجهة نظر جيوديناميكية. تغلب في البادية والمناطق الجبلية الصحراوية الصخور الباليوجينية والنيوجينية الثلاثية إضافة إلى التوضعات الرباعية، وتكثر في صخور الحقب الثالث صخور الحجر الكلسي والحجر الرملي والمارن والصخور الدولوميتية والغضار والصلصال والجص والمشبكات الصخرية (الكونغلوميرات) القارية المنشأ. تصادف التوضعات الرباعية في بطون الأودية ونهاياتها وفي المنخفضات، وعند أقدام الجبال، وتتكون من المشبكات والمارن والجص والطين الجيري والصخور الملحية والرملية والحصوية. تكثر الصخور البركانية في كثير من مناطق البادية كما في شمالي شبه الجزيرة العربية وجنوبي سورية وشمالي الأردن على هيئة حرات وصبات وأراض محجرة، وتكثر في وسطها التلال والمخاريط البركانية ويكثر فيها البازلت.

التضاريس

تتسم تضاريس البادية ببساطة التركيب بسبب الجفاف وتراجع دور التجوية الكيميائية وتدني دور الحت المائي وتأثير الصفيحة العربية الصلبة؛ إذ تشتمل على ثلاث وحدات تضاريسية هي: الهضبة البنائية وتضاريس منخفض الفرات وتضاريس المقعر البنائي الجبلي. وتتصف تضاريس الهضبة عامة بالانبساط مع تموجات في السطح تتخللها الأودية والمنخفضات الضحلة، إضافة إلى التضاريس البركانية كالحرات والصبات والمرتفعات. يحتل «الحماد» مساحات واسعة منها ولاسيما في جنوبي سورية وشمال شرقي الأردن. وهو سطح مستوٍ غني بالحجارة الكلسية والصوانية والبازلتية، يراوح ارتفاعه بين 600 و700 م عن سطح البحر، وتكثر فيه التلال البركانية كما في ديرة التلول، والصبات الاندفاعية كصبة الصفا والزلف، والحرات كحرة الراجل وغيرها. تؤلف التلال أعلى الارتفاعات في الحماد، إذ تصل في جبل العاقر إلى 976 م، وفي تل دكوة إلى 945 م. ويمتد منخفض الفرات وهو أراضي ووديان وفيضات إلى الشمال والشمال الشرقي من الحماد، ولا يزيد في ارتفاعاته على 250-300 م، وتتدنى إلى أقل من 200 م قرب وادي الفرات. وترد للمنخفض أودية كثيرة من المرتفعات المجاورة.

تمتد الكتل الجبلية قرابة 360 كم على محور غربي/شمالي شرقي، وتتكون من الجبال الوسطى والتدمرية، وتقع الجبال الوسطى بين سهول حمص وحماة غرباً ووادي الفرات شرقاً. وهي جبال التوائية قليلة الارتفاع غنية بالمنخفضات. ومن أشهرها جبل الشومرية (1072م) والبلعاس (1105م) والشفا (904م) وجبل الشاعر (1262م) وأبو رجمين (1387م) لتنتهي شرقاً إلى جبل البشري (865 م). وتتخلل الجبال بعض الممرات مثل الكوم والطيبة والقدير. أما السلاسل التدمرية فهي التوائية ضيقة تمتد قرابة 240 كم وترتفع 1406 م في جبل غنطوس. تصل أجزاؤها العالية إلى ارتفاع 1200-1300م؛ في حين تنخفض في الأحواض إلى 600-700 م. ومن أبرزها حوض الدو الواقع شمالها بينها وبين الجبال الوسطى، وهو غني بالرسوبيات السيلية والبحيرية.

عُرِفت البادية السورية في القديم ببادية السماوه، وذكرها ياقوت الحموي بقوله «سميت السماوه لأن أرضها مستوية لا حجر فيها، وهي التي بين الكوفة والشام».

يمكن تقسيم البادية تضاريسياً إلى منطقتين رئيستين؛ السهول والهضاب.

1. السهول: تحتل السهول القسم الأكبر من البادية السورية، وهي خفيفة التخدد وضعيفة التحدر وقليلة التموج، وتكوّن السهول الفيضية جزءاً لا بأس به منها، ومن أهم السهول، سهل بادية الشام وهو سهل متموج محجر، تخترقه الأودية وأهمها وادي صواب الذي يبلغ طوله نحو 65كم وعرضه 0.5كم ويتجه من حوض الحماد في الجنوب إلى نهر الفرات في الشمال الشرقي. هناك أيضاً بعض السهول النجدية، من أهمها بادية الرصافة؛ وهو سهل نجدي متموج، مع بعض الاختلافات البسيطة في الارتفاع، وينخفض سهل الرصافة باتجاه الشمال الغربي ليكوّن سبخة الجبول الغربية من حلب. يضاف إلى ذلك بعض الهضاب المتموجة لطيفة الانحدار، كالهضاب المنتشرة بين جبل البويضة وجبل البشري مع فروق ارتفاع تراوح بين 1015م.

تضم البادية حوض تدمر وهو منخفض واسع يقع عند سفح الجبال التدمرية ونهايتها الشمالية الشرقية والتحامها بالجبال الوسطى. وهو حوض عديم التصريف، يرتفع عن سطح البحر نحو 400 م، وتشغل أخفض أجزائه سبخة الموح الواقعة على ارتفاع 375م.

2. منطقة الهضاب: يمكن تمييز بُنْيات مختلفة منها ذات طابع إلتوائي، وتمثلها السلاسل التدمرية الجنوبية ذات السفوح غير المتناظرة وشديدة الميل، وهي متوسطة الارتفاع، والبنيات الجبلية الناشئة على طيات سنامية مقببة وقصيرة وخفيفة الميل، وتمثلها السلاسل التدمرية الشمالية وجبل البشري، وينتمي جبل البلعاس أيضاً إلى هذه المجموعة البنائية. تأخذ الأودية في هذه الجبال شكل حرف (V)، وتصل فروق الارتفاع بين خطوط تقسيم المياه وقيعان الأودية إلى 350م.

الموارد المائية: أمطار البادية ضعيفة، ولا يعتمد عليها في توفير المياه؛ إلا في بعض الحالات التي يتم فيها حصادها ونشرها في السهول أو تجميعها في أحواض بسيطة، قد تدوم لمدة شهر أو أكثر بقليل، ويمكن أن يستفيد منها مربو الماشية في سقي قطعانهم. وتكاد تكون مياه الجريان السطحية معدومة؛ إلا من السيول المؤقتة التي تجري في الأودية الجافة إثر هطل الأمطار. لذلك اعتمد الإنسان في توفير المياه من مصادر جوفية، وهي قليلة تُستخرج عن طريق حفر الآبار العميقة نسبياً وتسمى (الخراريج) وهي غزيرة المياه في الغالب، أو الحسيان القليلة العمق والمحدودة الغزارة، ومياهها أما تكون (تراح) أو (ملاّح) أو (مجّة)، أي عذبة أو مالحة أو مرة المذاق. تحتوي البادية عموماً على أحواض مائية تعود إلى عصور جيولوجية مختلفة، منها حوض الصخور الكلسية الذي يعود إلى الجوراسي، ويبلغ عمقه نحو 400م في منطقة التنف. كما يمكن حفر أبار منتجة عمقها 100- 200م في مناطق الناصرية والصوانة في السلسلة التدمرية، وبتصريف 22 - 2.34 م3/ سا. وهناك أحواض أخرى تعود إلى الأيوسين الأدنى؛ وهي واسعة الانتشار نسبياً، لكن تصريفها ضعيف نحو 0.150.3 م3/ سا؛ كما يوجد أحواض مائية في سهل الدو، وهي عذبة في الجزء الشمالي ومالحة في جزئه الجنوبي.

يمكن تقسيم المياه الجوفية من حيث نوعيتها إلى:

- مياه عذبة: ذات طبيعة كربوناتية، تركيز الأملاح فيها نحو 400 جزء بالمليون، وتقع ضمن السلسلة التدمرية.

- مياه أقل عذوبة: تركيز أملاحها نحو 3000 جزء بالمليون، في المناطق الأكثر جفافاً من السابقة.

- مياه جوفية: مالحة في الأحواض المائية الجبسية تصل ملوحتها إلى أكثر من 100,000 جزء بالمليون في مياه السبخات.

التربة: نظراً للظروف المناخية السائدة في البادية، من قلة الأمطار وارتفاع في درجة الحرارة وانخفاض في نسبة الرطوبة، فإن العمليات المنشئة للتربة في حدها الأدنى، أو حتى معدومة نسبياً، وتقتصر على بعض عمليات الإذابة والترسيب لبعض الأملاح الموجودة، وتكون الترب التي يمكن أن تسود في البادية والمناطق المماثلة ضعيفة التطور، ويتأثر تكوينها بالظروف المناخية، وبعض الحالات الخاصة في المنطقة، وبشكل خاص المادة الأم.

تقع ترب البادية السورية في معظمها في رتبة الترب الجافة aridisols وقليلاً منها في الرتبة عديمة التطور وذلك بحسب نظام التصنيف الأمريكي United States

Department of Agriculture soil taxonomy (USDA)،

وفيما يلي وصف موجز لأهم أنواع الترب في البادية السورية:

1. الترب الكلسية: تمتاز هذه الترب بوجود أفق كلسي ضمن المتر الأعلى من مقطع التربة، وتغطي نحو 50 % من مساحة البادية، وتنتشر على نحو رئيسي في المنطقة الجنوبية الشرقية من سورية، بما فيها هضبة الحماد والجزء الأعظم من البادية السورية، وفي جبل البشري، وبادية الرصافة، وفي معظم الفيضات مثل فيضة حرة جبل البلعاس، وفي بادية الحسكة على جانبي نهر الخابور، وفي الجزء الممتد من البادية باتجاه الغرب (بادية السويداء ودرعا). تحتوي الترب الكلسية على كميات متفاوتة من كربونات الكلسيوم تصل حتى 60%. ويأتي هذا النوع من التربة في الدرجة الأولى من حيث الانتشار في البادية السورية.

2. الترب الجبسية: تتصف الترب الجبسية باحتوائها على أفق جبسي ضمن المتر الأول من سطح التربة، وتؤلف نحو 20 % من مساحة سورية، ونحو 40% تقريباً من مساحة البادية السورية، وتغطي معظم منطقة الجزيرة بما في ذلك مصاطب الأنهار (الفرات، الخابور، البليخ)، والجزء الشمالي من بادية الشام، ومعظم بادية الرصافة، إضافة إلى الجزء الأكبر من جبل البشري، وبعض المواقع في الجبال التدمرية الشمالية. وتحتوي على نسب مختلفة من الجبس تراوح بين 5- 90 % وذلك بحسب المناطق. تحتل الترب الجبسية أهمية خاصة في البادية السورية، لأنها جزء لا بأس به ينتشر في أماكن ذات أهمية زراعية كبيرة، والسبب يعود إلى قربها من مصادر المياه السطحية خاصةً نهر الفرات.

3. الترب المالحة: تحتوي على أفق ملحي لا تقل نسبة الأملاح فيه عن 2 % عموماً، وانتشارها محدود جداً، و تنحصر فقط في المناطق القريبة من السبخات الملحية، كسبخة الموح وسبخة الجبول، وضفتي نهر الفرات.

استعمالات الأراضي

تعدّ البادية السورية وغيرها من بوادي المنطقة مصدراً أساسياً لتغذية المواشي، إذ كانت تتمتع بغطاء نباتي جيد مع تنوع وراثي كبير، وكانت البادية تلبس حلةً خضراء في فصل الربيع من أعشاب حولية أو معمرة إضافة إلى الشجيرات الرعوية (الشكل 3).

الشكل (3) الحلة الخضراء تمثل مراعي طبيعية خلال الربيع في البادية السورية.

تقتصر استعمالات الأراضي فيها على الرعي وتربية المجترات الصغيرة، أما حالياً فقد اختلف نمط الحياة فيها؛ إذ ظهرت التجمعات السكانية، وبدأ بعض السكان بممارسة النشاط الزراعي في مناطق المنخفضات حيث تتوافر كمية أكبر من الرطوبة؛ لكن هذه العملية أتت بأضرار كبيرة على بيئة البادية وخاصة الغطاء النباتي والتربة.

الغطاء النباتي

تنتمي نباتات البادية السورية إلى مجموعة نباتات الإقليم الإيراني - الطوراني ومجموعة نباتات إقليم البحر المتوسط في مناطق الجبال. ويختلف انتشار نباتات البادية وكثافتها من مكان إلى آخر، وهي متدنية عموماً، وتختلف اختلافاً كبيراً من سنة إلى أخرى تبعاً لكميات الهطل، وتغلب عليها الأعشاب الحولية والمعمرة والأنجم. ترتبط كثافة النباتات وتوزعها بالتضاريس والانحدار ونوعية التربة ولاسيما أفقها الأعلى، إضافة إلى الهطل. تخلو المنحدرات الشديدة من النباتات كما في السلاسل التدمرية، وتزداد كثافتها كلما قل الانحدار كما في الأجزاء الدنيا من سفوح هذه السلاسل. وتزداد كثافةً وتنوعاً عند أقدام (سفوح) الجبال لثخانة التربة ووفرة الرطوبة، ولقلة الانحدار مقارنة بالأماكن الأكثر علواً وانحداراً. تنتشر الأعشاب في الأماكن الواقعة بين الأودية والمنخفضات؛ لأن الجزء الأكبر من رطوبة الشتاء والربيع يتركز في القسم الأعلى من التربة الغنية بالجزيئات الغضارية الخازنة للماء، ولكن قلة ثخانة هذه الطبقة تؤدي إلى نمو الأنجم ذات الجذور الأعمق فقط. في حين تكثر الأنجم والأعشاب في بطون الأودية الواسعة وفي المنخفضات؛ لأن ثخانة التربة أكبر والرطوبة أكثر. ويبرز أثر القاعدة الصخرية والتربة في الخَبْرات الصلبة جداً والغنية بجزيئات الغضار، إذ تختفي الأعشاب والأنجم في أواسطها، وتزداد ازدياداً ملحوظاً عند هوامشها بسبب تناقص صلابة التربة هنا تناقصاً شديداً. وتشاهد لوحة مشابهة في المنخفضات الملحية، إذ تكاد تختفي النباتات في مراكزها، وتزداد كثافة في الأطراف لانخفاض مستوى الماء الباطني المالح، والنبات هنا ملحي وعصاري غالباً.

يوجد في بعض جبال السلاسل الوسطى كالبلعاس بقايا أشجار وأحراج من نباتات البحر المتوسط مثل البطم Pistasia atlantica وأنواع السوّيد Rhamnus spp. والخوخ البري Prunus tortuosa واللوز الشرقي Amygdalus orientalis وأنواع الزعرور .Crataegus spp.وتختفي هذه الشجيرات في السفوح المنخفضة، وتبرز الأنجم كالشيح Artemisia herba-alba. والحرمل Peganum harmala وغيرهما (الشكل 4)، وتكثر الأعشاب بأنواعها. أما في المنخفضات ذات المياه المالحة؛ فتنمو النباتات الملحية .halophytes وتصادف في الواحات مثل واحة تدمر أشجار النخيل والأشجار المثمرة والخضر إضافة إلى نباتات المياه العذبة كالقصب Phragmites communis والطرفاء الورقية Tamarix pentandra وغيرها (الشكل 5).

الشكل (4) بعض نباتات جبال البلعاس وسفوحه المنخفضة

 


الشكل (5) الطرفاء الورقية

أدت النشاطات البشرية غير المنظمة؛ كفلاحة البادية وغياب برامج إدارة المراعي والحركات العشوائية للآليات، وعدم انتظام توزع نقاط إرواء الماشية، والابتعاد عن المعارف التقليدية في الرعي كنظام الحمى، إلى تغيرات كبيرة كمّاً ونوعاً في تركيب الغطاء النباتي؛ إذ بدأت بعض النباتات المتأقلمة وذات القيمة الاقتصادية الجيدة بالانحسار التدريجي، لتحل مكانها نباتات شوكية (غازية) مثل الصر والقثاء الشوكي والحاذ ذات قيمة اقتصادية وبيئية منخفضة، وبالتالي أخذت المراعي تتحول تدريجياً إلى مراع موسمية من القبا والحميض، وانخفاض في كثافة الغطاء النباتي إلى ما دون 3-5 % بعد أن كانت أكثر من ذلك بكثير في الأزمان الغابرة (10- 40%). أصبح الغطاء النباتي يتكون أساساً من شجيرات جفافية أو أليفة البيئات الرملية (الشكل 6)، ومنها: الصر Noeae micronata ، الحاذ Cornulaca setifera، السلماس Artemisia scoparia، الرمث Haloxylon salicornicum، العاذر Artemisia monosperma، القبا Poa sinaica، النصي plumosa Aristida، النميص Carex stenophylla. ومن أهم المجتمعات النباتية الموجودة في البادية السورية:

1 - أشجار أو شجيرات شبه سهبية في المناخ شبه الجاف والجاف، ومنها البطم الأطلسي والسماق Rhamnus palestina.

2 - شجيرات أو تحت شجيرات شبه سهبية في المناخ الجاف: الروثا Salsola vermiculata ، العذم .Stipa sp، والقبا .Poa sp.

3 - مجتمعات شبه سهبية أو صحراوية في المناخ الجاف والجاف جداً: الشيح والرمث والشنان.

الشكل (6) بعض نباتات البادية

حيوانات البادية

تدعم بيئة البادية طيفاً من الحياة البرية يناهز 306 من أنواع الفقاريات، و31 صنفاً من اللافقاريات، وعدد من أنواع الزواحف، وما يفوق 260 نوعاً من الطيور 25 % منها مقيم. وتشتهر البادية بالصقور، ونشأت حرفة الصقَّارين التي اعتمدت على ما يسمى بالطير الحر منذ القدم في قلب البادية السورية. يعيش في البادية 23 نوعاً من الثدييات منها الجربوع الفراتي Allactaga euphratica وقط الرمال Felis margarita والقط البري Felis silvestris lybica والأرنب السوري Lepus capensis syriacus والثعلب Vulpes rueppellii، إضافة إلى عدد من الثدييات كبيرة الحجم ومنها الضبع Hyaena hyaena syriaca، الذئب Canis lupus، وغزال الرمال Gazella subgutturosa marica. وقد تعرض كثير من الأنواع للتهديد بالانقراض ومنها ما بات منقرضاً في البرية كالبقر الوحشي Oryx leucoryx الذي تم إدخاله إلى محميات في البادية السورية مع بعض من أنواع الغزلان (الشكل 7).

الشكل (7) بعض الأنواع الحيوانية في البادية السورية ا

المجتمعات البدوية

يطلق على سكان البادية تعبير البدو وهم يسكنون الخيام ويعيشون تاريخياً على الرعي والتنقل من مكان إلى آخر طلباً للماء والكلأ، ويربّون الجمال والأغنام والخيول العربية الأصيلة. وقد سادت لفترات طويلة تمتد من مرحلة ما قبل الإسلام إلى فترة قريبة ممارسات أثبتت فعاليتها في استمرار حياة البدو ونظام معيشتهم المرتبط بالمحافظة على الموارد الطبيعية. ويذكر في هذا الصدد نظام الرعي المسمى بالحمى، وجمعه أحمية؛ والذي أثبتت الدراسات مدى فعاليته وملاءمته للغطاء النباتي الهش في البيئات الجافة وشبه الجافة. وعُرِف منه نظام الحمى القبلي tribal، وحمى القرية village، وحمى الهجر Al-hojr، ويقوم هذا النظام على تخصيص مناطق محجوزة لا يجوز الرعي أو الاحتطاب فيها إلا في أوقات الجدب الشديد.

كما عُرِفت في البادية رحلات موسمية اشتهرت بالتشريق والتغريب؛ وفيها يرتحل المجتمع البدوي بكامل مكوناته شرقاً من المقيظ مع بداية فصل الخريف من كل عام إلى أماكن مشتاه ومرابعه في السهول الواسعة والأودية ومناطق الغدران بحثاً عن الماء والكلأ. وما إن ينتهي فصل الربيع حتى تبدأ رحلة التغريب؛ وهي رحلة يشوبها التعب والجفاف فينتقل المجتمع عند جفاف النبت وقلته وشح المياه غرباً إلى المناطق المتاخمة للبادية حيث بقايا المحاصيل الزراعية.

جرت محاولات عديدة لتوطين البدو منذ منتصف القرن العشرين، وبدأ البدو يستقرون في كثير من حواضر المدن مع احتفاظهم بمقومات الحياة البدوية. ومع عمليات التوطين ودخول المكننة الزراعية إلى البادية التي ترافقت مع إعلان سياسة شيوع المراعي عام 1958 أخذت الممارسات الخاطئة للإنسان تظهر نتائجها السلبية على التوازن البيئي المحلي للبادية؛ فتدهور معظم غطائها النباتي، واحتطب الكثير من أشجارها وشجيراتها وأنجمها، وظهرت الكثبان الرملية في مواقع عديدة منها، وصارت الزوابع الغبارية والعواصف الرملية (العجاج) سمة من سمات البادية السورية.

يلبس البدوي الثوب (الجلابية) مع الشماخ الأحمر أو (الغترة) البيضاء مع العقال؛ في حين تلبس النسوة أزياء تختلف مع المناطق التي يسكنونها (الشكل 8)، ويتحدث البدو بلهجات قريبة كلها فيما بينها. وعلى الرغم ممّا تعرضت له البادية من تدهور إلا أن البدو ما زالوا يجوبونها، ولاتزال قطعانهم القاعدة الرئيسة لهم. ويعتقد الكثير أنه لن تنقرض البداوة مادام هناك بوادٍ.

لشكل (8) مظاهر من الحياة البدوية

مشاكل البادية

تعرضت موارد البادية للتدهور خلال السنوات الأخيرة على نحو كبير وسريع حتى بدت بعض المواقع فيها جرداء وخالية من أي نبات؛ خاصة من الشجيرات الرعوية المعمرة. ومن العوامل التي أدت إلى تدهور المراعي: الرعي المبكر والجائر، احتطاب الشجيرات الرعوية، كسر الأراضي بالفلاحة، وانتشار حفر الآبار العشوائية. وتعاني البادية مظاهر التصحر المتمثلة بالانجراف الريحي الذي يعد العامل الرئيس المؤثِّر في تدهور الأراضي. وتسهم الأنشطة الزراعية المختلفة في تصحر البادية، وتكوّن المساحة المتأثرة بالفعل البشري (98 %) تتوزع بنسب (49 %) للحراثة و (41 %) للرعي، و(8 %) للاستعمال العام.

قامت الجهات الرسمية مؤخراً بأعمال تأهيل للغطاء النباتي في كثير من مواقع البادية السورية وذلك باستزراع الشتول الرعوية باتباع تقنيات حصاد المياه كإنشاء السدود السطحية والحفائر والزراعة بتجميع المياه ونشرها، وإنشاء المسيجات والمحميات الرعوية. ولعل أشهر هذه المحميات محمية التليلة التي تمتد على مساحة 30000 هكتار في البادية التدمرية بهدف إعادة الحياة البرية المنقرضة والمهددة كالغزلان والمها العربي، واستعادة الغطاء النباتي، وحماية التنوع الحيوي، وتشجيع البحث العلمي والإسهام الفعال في التوعية البيئية. كما أنشئ في جزئها الغربي محطة بحوث وادي العزيب بهدف تحسين إنتاجية المراعي الطبيعية وتنميتها وتحسين أغنام العواس – بالتعاون مع مركز البحوث العلمية الزراعية بالسلمية - و إجراء دراسات عن السلوك الرعوي للأغنام والإبل والماعز، والتقييم الغذائي الرعوي لنباتات القطف Atriplex وأثره في الأداء الإنتاجي للأغنام.

حسن حبيب

مراجع للاستزادة:

- عادل عبد السلام، الأقاليم الجغرافية السورية، دمشق 1990.

- عادل عبد السلام، البيئة الجغرافية الطبيعية للبادية التدمرية وطريق الحرير، الحوليات الأثرية العربية السورية، م42، 1996.

- عمـر عبـد المجيـد دراز و عبد الله توفيق مصري، المراعي في الوطن العربي، الهيئة العامة السورية للكتاب وزارة الثقافة، دمشق 2011.

- محمد عليوي، خريطة الترب السورية وتصنيف الأراضي، أسبوع العلم 24، دمشق 1984.

- عسكر محمود، دراسة تأثير العواصف الترابية وعوامل ظهورها في البادية السورية، مجلة جامعة دمشق للعلوم الزراعية، م15، 157-165، 1999.

- المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة، حصر الموارد الطبيعية في البادية السورية، مشروع التنمية المتكاملة للبادية- وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، دمشق 2005.

 


التصنيف : علوم البيئة والتنوع الحيوي
النوع : علوم البيئة والتنوع الحيوي
المجلد: المجلد الرابع
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 502
الكل : 31270286
اليوم : 18474