logo

logo

logo

logo

logo

الإبل

ابل

Camels - Chameaux

الإبل

سليمان عبد الرحمن سلهب

 الموطن الأصلي والانتشار

 أسماء الإبل عند العرب

العروق

بيولوجيا الإبل العربية

أهمية الإبل العربية

 

 الإبل Camels أنعام قوية الأبدان طويلة الأعناق، من أكثر الحيوانات صبراً على الجوع والعطش، وأقدرها على تحمل الحر والبرد وعناء السفر، فإن حملت أثقلت، وإن سارت أبعدت، وإن حُلبت أَروت، وإن نُحرت أشبعت. تنتمي إلى الفصيلة الجملية (الإبليات) Camelidae    التي تتضمن تحت فصيلتي الجمال Camelinae، واللاما Laminae، وقسِمت حديثاً لتتضمن ثلاثة أجناس: جنس الجمال Camelus، وجنس اللاما Lama وجنس الفيكونا Vicuna. ويضم جنس الجمال نوعي الإبل وحيدة السنام (الإبل العربية) Camelus dromedarius (الشكل 1)، والإبل ثنائية السنام (الإبل الآسيوية) Camelus bactrianus (الشكل2)، في حين يضم جنس اللاما ثلاثة أنواع هي: اللاما غلاما Lama glama، والألبكة Lama pacos، والغوناق أو الغواناكو Lama guanicoe (الشكل3)، كما يضم جنس الفيكونا نوع الفيكونا Vicugna vicugna (الشكل4). وتمتلك جميعها 37 شفعاً من الصبغيات.

الشكل (2): الإبل الآسيوية (ثنائي السنام).

الشكل (1): الإبل العربية (وحيدة السنام).

الشكل (4): الفيكونا.

الشكل (3): اللاما.

 الموطن الأصلي والانتشار:

تشير معظم الدراسات والبحوث الحديثة إلى أن الإبل نشأت بريّة في أمريكا منذ نحو 40 مليون عام، وانتشرت منها - قبل مليون عام - إلى أنحاء المعمورة عبر ثلاثة محاور: تمثل المحور الأول في هجرة الفيكونا والغواناكو واللاما واستقرت في مرتفعات الأندِس في أمريكا الجنوبية، وتمثل المحور الثاني في هجرة الإبل ذات السنامين إلى ألاسكا وسيبريا، وتمَّ استئناسها في المنطقة الواقعة بين إيران وتركستان، ثم انتشرت إلى منغوليا والصين وتكيفت مع الظروف البيئية الباردة السائدة، وتمتاز هذه الإبل بغزارة الوبر وكبر الجسم وامتلاكها لسنامين. وتمثل المحور الثالث في هجرة الإبل ذات السنام الواحد إلى الجزيرة العربية - منطقة حضرموت - حيث عرفها العرب منذ نحو 2000-3000 عام قبل الميلاد، ومنها انتشرت إلى باقي مناطق الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا وأوربا فكانت وسيلة النقل في حِلِّهم وترحالهم، واستفادوا من لحومها وأوبارها وجلودها وألبانها، وأدت دوراً مهماً في حياتهم الثقافية والاجتماعية.

  وقد كرَّمها الله سبحانه وتعالى فذكرها في القرآن الكريم بعدة سور كقوله تعالى}أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى اْلإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ{ (الغاشية 17)، وجاءت في الحديث الشريف في مئة وتسعة أحاديث صحيحة، إذ مدحها الرسول ^ ونصح المؤمنين بالعناية بها والحفاظ عليها والرفق بها، فقال: «اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة؛ فاركبوها صالحة وكلوها صالحة؛ وإذا سافرتم في الخصب فأعطوها حظّها من الأرض؛ وإذا سافرتم في الجدب فأسرعوا عليها السير؛ الإبل عزُّ أهلها«، كما ذَكَرَ أنها تُدفع مهراً للكريمة بقوله: }فإنَّ فيها رقوء الدم ومهر الكريمة{، وفَرَضَ دية الرجل الحر المسلم بمئة من الإبل، وقد تغنّى بها العرب في أشعارهم واشتقّوا منها التشبيهات والاستعارات وضربوا فيها المئات من الأمثال، فيُقال: «لا ناقة لي فيها ولا جمل» عند التبرؤ من الظلم والإساءة، ويقال: «الجَملُ لا يَنظر إلى حَدبته» للإنسان الذي ينظر إلى عيوب الناس وينسى عيوبه، وهكذا صاغوا صفاتها في أسلوب رصين لتتناقل على الألسن جيلاً بعد جيل، وغيرها من الأمثال.

 أسماء الإبل عند العرب:

أطلق العرب على جمالهم أسماء عدة، منها: سفينة الصحراء وأبو أيوب وأبو صفوان، وكذلك نعتوا نوقهم بأم مسعود وأم حوا وبنت الفحل وبنت النجائب، كما أُطلق على الإبل العيس والبعير وحمر النعم، كما نُسبت إلى القبائل العربية فقسمت إلى الفاخرية نسبة إلى فاخر، والنميرية نسبة إلى بني نمير، والعبسية نسبة إلى بني عبس والتميمية والهلالية والأموية والحمدانية والنعمانية وغيرها. كما سميت بحسب أعدادها، فيقال عنها: الذود لتشير إلى الإبل بين الثلاث والعشر، والزيمة أقلها بعيران وأكثرها خمسة عشر، والرسل قطيع الإبل قدِر بعشر، والصرمة قطيع بين العشرين والثلاثين، والصدعة قطيع يبلغ الستين، والزمزوم اسم للمئة من الإبل، والعرج قطيع مابين خمسمئة إلى الألف، والحوم للإبل التي تزيد على الألف. وسميت الإبل بحسب لونها، فتسمى الناقة الحسناء اللون بالبتراء، والعيس بالبيض الكرام، وأشعل إذا خالط البياض الذنب، والأحسب الإبل التي فيها بياض وحمرة، والأصهب عندما يحمر أعلى الوبر، والجؤوة إذا خالط سوادَه لونٌ مثل صدأ الحديد، وأحمر إذا لم يخالط حمرة وبرها لون آخر، والكميت إذا خالط حمرته سواد، والأدهم إذا خالط سواده خضرة. وسميت الإبل بحسب مراحل عمرها، فيطلق اسم السليل على المولود ساعة ولادته، ومشبل للمولود الذي يشتد عوده ويسير مع أمه، والحوار على المولود قبل الفطام، والفصيل عندما يفطم وابن مخاض وابن لبون والحق والجذع والثني والرباع والسديس والبازل والقهب على من بلغ من العمر 2 و3 و4  و5 و6 و7 و8 و9 و10سنوات على التوالي. وقد أطلق العرب على الناقة الحلوب اللبون، والغزيرة اللبن الدروس، والقليلة اللبن العجناء، وتسمى الإبل التي تستخدم لحمل الهودج بالظعائن.

العروق:

لم تنل الإبل حظاً وافراً من الاهتمام العلمي لتصنيفها تصنيفاً دقيقاً ومتخصصاً بحيث يمكن تقسيمها إلى عروق محددة وواضحة، ولم يعرف بالدقة ما إذا كانت العروق في النوع الواحد تمثل عرقاً واحداً أو أنها مختلفة ومتباينة. تقدر أعداد الإبل في العالم بنحو 25 -30 مليون رأس، منها 20 مليون رأس من الإبل وحيدة السنام، و2 مليون ثنائية السنام، و3-7 ملايين رأس من إبل العالم الجديد. 

الشكل (6): عرق إبل اللحم في السودان

الشكل (5): عروق إبل اللبن

الشكل (8): عروق إبل السباق

الشكل (7): عروق إبل ثنائية الغرض

- الإبل ذات السنام الواحد (الإبل العربية): تنتشر في مناطق واسعة من الصحراء الكبرى وأطرافها في إفريقيا، وفي الشرق الأوسط وشبه القارة الآسيوية. يوجد 80 % منها في إفريقيا، وتتوزع بنسبة 55 % في الصومال، و25 % في السودان، ونحو 7 % في موريتانيا، ويتوزع الباقي منها بأعداد تتمثل بعشرات أو مئات الآلاف في باقي الدول العربية، كما يوجد منها حالياً نحو 200 ألف رأس في أستراليا بعد أن نقلت إليها من المغرب وعمان والباكستان والهند. وتشير بعض الدراسات إلى أنها تضم نحو 50 عرقاً؛ إذ صُنِّفت قديماً بحسب طبيعة الاستخدام إلى عروق للنقل وأخرى للركوب، أو بحسب أماكن وجودها ومواصفاتها إلى إبل السهول والمرتفعات والصحراء. وتُصنَّف العروق حالياً بحسب الغرض الإنتاجي كالآتي:

1. عروق اللبن (الحليب): تتميز بحجمها المتوسط وتطور ضرعها وتناسق حلماتها وصغر سنامها، ويمكن أن يبلغ إنتاجها من اللبن 2500 كغ في العام تحت الظروف الرعوية أو أكثر (الشكل 5)، وتشمل: إبل الهور الصومالية ذات اللون الرملي والأبيض، والرشايدي السودانية ذات اللون الأحمر، والرتاوية في ليبيا، وإبل أولاد سيد الشيخ في الجزائر وموريتانيا، والفاخرية في شمال شرقي ليبيا.

2. عروق اللحم: تتصف بكبر حجمها وسرعة نموها واكتناز جسمها وكبر رأسها وسنامها وطول عنقها (الشكل 6)، ومن أهمها: إبل العربي في السودان، والجندويل في السنغال والسودان، والمغربي الخليط بين الإبل السودانية والمصرية والتونسية، وإبل نابل التونسية، وإبل الشماية الغربية أو المحلية الليبية، وإبل القصبات في الخمس الليبية، وإبل الدلتا في مصر، وإبل الفلاحي في جنوبي مصر، وإبل المولد التي تنتج من تصالب الإبل المغربي والفلاحي في مصر.

3. عروق ثنائية الغرض: تتميز بحجم متوسط (الشكل 7) وسرعة نمو وبإنتاج متوسط من الحليب، ويمكن تصنيف معظم إبل الحمل الخفيف والركوب ضمنها. وأهمها: إبل السيفدعر والأديمو والهوغار في السودان، وإبل شعمبي بني عباس في الجزائر، وإبل القيروان في وسط تونس، وإبل الساحل في شمالي تونس والجزائر، وإبل فزان وإبل جبل الترهوني وإبل أرفيلا، وإبل أولاد سيف، وإبل التيبستي في ليبيا.

4. عروق السباق: تتميز بطول جسمها وقوائمها وعنقها الرفيع ورأسها الصغير وآذانها القصيرة وصدرها العميق، وخفّها متوسط الحجم ومستدير (الشكل 8). جلدها ناعم، ولونها غالباً أبيض، وهي سريعة العدو. ومن أهمها: إبل المهاري التي تنتشر في ليبيا وتونس والجزائر وموريتانيا، والركبي في جنوبي الجزائر وشمالي موريتانيا، والعير التي تنتشر في الصحارى الكبرى، والعنافي والبشاري في السودان. وتعد جمال السباق أو الهجن في دول الخليج مهمة جداً، وهي عروق محلية مثل العماني أو السعودي أو السوداني أو نتاج تهجين بينها. وفي الإمارت هناك إبل صوغان وهملول وظبيان ومصيحان.

- الإبل ذات السنامين: وتسمى أيضاً الإبل الآسيوية، تنتشر في تركستان والصين ومنغوليا وكازاخستان وروسيا والهند وباكستان وإيران، وتمتلك سنامين ينفصلان بمسافة كافية لركوب شخص بينهما. وتتميز بقصر قوائمها وعرض أجسامها وبطء حركتها وكثافة وبرها (الشكل 9)، وتستخدم في العمل وإنتاج الحليب (600-1200 كغ/ السنة) واللحم والوبر (5-6 كغ/ السنة). من أهم عروقها: الشان Alshan وكالميك Kalmyk وكازاخ Kazakh ومنغولي Mongolian وسونيت Sonite واكزينجيانغ  Xinjiang.

الشكل (9): عروق إبل السنامين

الشكل (10): عروق اللاما

- إبل العالم الجديد: وتعرف بإبل أمريكا الجنوبية، وهي تشبه في شكلها الخارجي إبل العالم القديم من حيث الرأس والأرجل والوبر إلا أنها لا تحمل سناماً، وتتميز باستقامة رقبتها وغزارة وبرها وطوله وجودته وتعدد ألوانها، وتستطيع العدو بسرعة، وخاصة في المناطق الجبلية. وكما ذُكر سابقاً يوجد منها أربعة أنواع هي: غلاما والألبكة التي استؤنست قبل مئات السنين، ويستخدمها سكان البيرو والأرجنتين في النقل والتنقل بين المدن الجنوبية،  والغوانكو والفيكونا التي مازالت بريّة. ومن أهم عروق اللاما  عرقا كاراسولو CaraSulo أو كارا  Kara والتشاكو Chaku (الشكل 10) اللذان يؤديان دوراً اقتصادياً مهماً في حياة كثير من سكان البيرو والأرجنتين والتشيلي وبوليفيا والأكوادور لاستعمالها في النقل والاستفادة من أوبارها (2-5 كغ / السنة) في صناعة الملابس والسجاد والحقائب، كما انتشرت حديثاً في كاليفورنيا. وهناك عرقان  رئيسان من الألبكة هما: الهواكايا Huacaya والسيوري Suri (الشكل 11). ويعد عرق الهواكايا أقوى من السيوري وينمو ويعيش على نحو أفضل في الظروف القاسية في المناطق التي يزيد ارتفاعها على 4000م في تشيلي والبيرو والأكوادور وبوليفيا، كما بدأت تثير اهتمام المربين والباحثين في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأستراليا. أما الفيكونا فتتركز في منطقة أياكوتشو Ayacucho في البيرو وفي شمال شرقي تشيلي وغربي بوليفيا، ولم يُميَّز فيها عروق محددة نظراً لصعوبة استئناسها، وتتصف بأنها الأصغر حجماً (80 سم طولاً و35-65 كغ)، ويُعد وبرها الأجود، واستخدمته العائلة المالكة في حضارة الإنكا. 

ونظراً لتماثل العدد الصبغي بين أجناس فصيلة الإبليات يمكن إجراء تهجين بينها، وهناك أمثلة عديدة للتهجين بين الجمال أحادية السنام وثنائية السنام، أو بين أنواع جمال أمريكا الجنوبية لإنتاج هجين خصب، ولكن الشيء اللافت للنظر أنه سجل ولأول مرة عام 2003 م في أبو ظبي تهجين بين الجمل العربي وأنثى اللاما بوساطة التلقيح الصنعي وسمي المولود  «كاما» (الشكل 12)، وهو غير خصب، كما تجرى الآن في المراكز البحثية في الإمارات العربية المتحدة محاولات لزرع جنين اللاما أو الألبكة في النوق ذات السنام الواحد.  

الشكل (12): مولود الهجين كاما (جمل عربي x أنثى اللاما).

الشكل (11): عروق الألبكة

بيولوجيا الإبل العربية:

حبا الله الإبل العربية بقدرات تمثلت في العديد من الخصائص التشريحية والفيزيولوجية والسلوكية، مكنتها دون غيرها من العيش والتأقلم مع البيئة الصحراوية وظروفها القاسية والاستغلال الأمثل لمواردها العلفية والمائية الشحيحة، ليس من أجل البقاء فحسب بل أيضاً لتستمر بالتناسل وإنتاج الحليب واللحم للمجتمعات البشرية التي تعيش معها، ولتشكل جزءاً من النظام الرعوي الزراعي السائد، ومن أهم هذه الخصائص مايلي:

- الخصائص الغذائية: توصف الإبل بأنها حيوانات صديقة للبيئة تحافظ على المراعي الطبيعية وتمنع تدهور غطائها النباتي نتيجة لسلوكها الرعوي المتمثل في قضم جزء من النبات وتقليمه مما يعطيه فرصة للنمو وإعادة البناء من دون التسبب في الرعي الجائر. تقطع مسافات طويلة (نحو50 كم يومياً) وترعى النباتات الصحراوية من أشجار وشجيرات ونباتات عشبية شوكية أو ملحية يصعب على غيرها تناولها. ودلّت بعض الدراسات على أنَّ تنظيم الأعصاب التي تغذي عضلات الكتفين والرقبة وترتيبها، وكذلك تنظيم شبكة الشرايين الدماغية تساعد حركة الرأس والرقبة إلى أعلى وأسفل دونما حدوث أي تغيير حاد في ضغط الدم، كذلك يتميز تركيب الأوردة في منطقتي الرقبة والأرجل بوجود صمامات على طولها، مركّبة بعضها فوق بعض لمنع رجوع الدم خاصة عندما يُخفِض الحيوان رأسه للشرب أو يرعى نباتات قريبة من سطح الأرض.

- الخصائص الفيزيولوجية: تختلف الإبل عن غيرها من الثدييات باستطاعتها البقاء على قيد الحياة حتى لو فقدت 40 % من ماء جسمها لكي تُبرِّد جسمها وتحافظ على درجة حرارة ثابتة، كما أن جفاف جسمها يستغرق وقتاً طويلاً لوجود العديد من الوسائل التي تمكنها من الحفاظ على الماء بالجسم وعدم فقدانه بسهولة، من أهمها:

1. درجة حرارة الجسم: تخالف إبل العالم القديم نظيراتها من الحيوانات ذوات الدم الحار وتشابه ذوات الدم البارد بقدرتها على تغيير درجة حرارة جسمها تبعاً لتغيُّر درجة حرارة الجو، وجعل الفرق بين درجة حرارة جسمها ودرجة حرارة الجو الدنيا أو العظمى أقل ما يمكن نظراً لقدرتها على تخزين كمية من الحرارة داخل الجسم في أثناء ساعات النهار والتخلص من الحرارة الزائدة المخزنة في الجسم عن طريق الإشعاع إلى المحيط الخارجي وليس بطريقة البخر التي يُفقد معها عادة كميات أكبر من الماء. وفى الأيام شديدة الحرارة تُخفف الإبل حرارة جسمها باللجوء إلى الراحة، بدلاً من الرعي. وقد ترقد في مكان ظليل، أو تواجه أشعة الشمس بوجوهها حتى لا يتعرض سوى جزء يسير من أجسامها لحرارة الشمس وأشعتها.

2. الوبر: يُغطي جسمَ الإبل نوعٌ من الوبر الكثيف ليحمي الحيوان من برد الشتاء ويَسمح بحدوث عملية البخر عند سطح الجلد فيقيه من حرارة أشعة الشمس في الصيف. كما تمتلك غدد تعرق تنتشر في جميع مناطق الجسم (200 غدة/سم2) باستثناء الفتحات الأنفية والشفة العليا والمنطقة الشرجية. وتتميز هذه الغدد بتعمقها المتعرج في طبقة الجلد وإفرازها للعرق مباشرة على سطح الجلد وتحت الوبر، ما يجعل كفاءة التبريد بالبخر بأعلى درجاتها.

3. تخزين الماء في الجسم: تتصف الإبل بقدرتها الفائقة والمتميزة على تحمل العطش والصبر على السفر لأيام (أسبوعين) في الصحراء من دون حاجة مُلحة للشرب حتى في أيام الصيف الحار. كما أنها إذا عطشت تشرب  نحو 150 - 200 لتر مرة واحدة، وقد كان هناك اعتقاد سائد بأن الماء الزائد يخزن في جيوب مائية داخل الكرش، أو في السنام، إلا أنَّ هذا الاعتقاد ثبت عدم صحته وعدم وجود فراغ بالكرش يتسع لتلك الكميات الهائلة من الماء، كما أنَّ السنام يعد مخزوناً دهنياً وليس مائياً، وأنَّ أكسدته وإنتاج ماء منه ليست اقتصادية للحيوان.  كما تبين أنَّ جدار الكرش في الإبل يحتوي العديد من الخلايا الغدية التي لم تحدد وظائفها الفعلية حتى الآن، فهل تقوم تلك الغدد بامتصاص الماء أو عصارة الطعام، أو أنها تفرز سوائل تساعد على عملية الهضم؟ على أي حال لا توجد دلائل تشريحية تشير إلى وجود أماكن تخزين الماء في الإبل، ولكن توجد آليات فيزيولوجية تساعد على ذلك، منها أن دم الإبل غني جداً بكريات الدم الحمراء (12,5 مليون/ مم3)، وأن شكلها البيضوي وصغر حجمها وسماكة غشائها يجعلها قادرة على مضاعفة حجمها وانتباجها بمقدار4 مرات في أثناء شرب الماء مع استمرار دورانها في الدم. كما وجدَ أن الشعيرات الدموية القريبة من سطح الجلد تتميز بجدران قوية وقطر صغير وتمنع فقدان الماء من الدم عن طريقها إلى المسافات البينية، ما يساعد على آلية حفظ حجم ثابت للدم. كما أنَّ ارتفاع نسبة الهيموغلوبين في كريات الدم الحمراء وقابليته العالية للارتباط بالأكسجين تُمكنُ الإبل من الحصول على أكبر كمية من الأكسجين في كل مم3 من الدم مقارنة بالثدييات الأخرى، هذا إضافة إلى أنَّ دمها غني ببروتين الألبومين الذي يساعد على تحمل درجات عالية من الجفاف، وتركيب الكلية وقدرتها على تركيز البول وخفض معدل تكونه من أهم العوامل الأخرى التي تساعد على المحافظة على الماء داخل جسم الإبل؛ إذ تستطيع إرجاع قدر كبير من الماء إلى الجسم، ويظهر ذلك جلياً في حالات الإبل العطشى، إذ وجدَ أنَّ كمية البــول المفرغة يومـياً لا تزيد على 0,001 من وزن الجمل، مقارنة بالأغنام العطشى التي تفرغ 0,005 من وزنها، أي أكثر بمعدل خمس مرات عن الإبل. كما أنها تحوي نسبة أعلى من النيفرونات nephrons التي تحتوي على عروات   هنلي Henles loops الطويلة مقارنة بالحيوانات الأخرى، ما يساعد على إعادة امتصاص أكبر قدر من الماء من الأنابيب الجامعة في الكلية إلى الدم. كما تُعزى مقدرة كلى الإبل علي تركيز البول إلى استجابتها الكبيرة للهرمون المضاد لإدرار البول antidiuretic hormone (ADH). وتُمكنُ الكلية حيوانات الإبل - بخلاف غيرها من الحيوانات - من تركيز الأملاح في البول إلى نحو ضعف تركيزها في ماء البحر، وهذا ما يمكِّنها من استهلاك النباتات المالحة وشرب ماء يفوق تركيزه مياه البحر. كما تقوم الكلى بإفراز كميات من اليوريا الناتجة من عملية أيض البروتينات، وهذا طبعاً يفيد الإبل بأن تعيد امتصاص اليوريا من جديد داخل الكرش، ثمّ بوساطة إنزيم اليورياز urease البكتيري تنتج الأمونيا التي تستعمل في تصنيع البروتينات الحيوية (بروتينات الأحياء الدقيقة الموجودة في الكرش)، ثمّ تدفع بهذه البروتينات إلى الأمعاء ليتم هضمها وتعود اليوريا الناتجة ثانية عن طريق الدم إلى الكرش لاستعمالها ضمن دورة اليوريا من جديد في تصنيع البروتينات. كما أنَّ للقولون القدرة على امتصاص أكبر قدر من الماء مما ينجم عنه دمناً جافاً نسبياً مقارنة بالحيوانات الأخرى. كما أنها تستطيع أن تُقلل  خروج بخار الماء من الأغشية المخاطية للأنف، فتقلل من فقد الماء وتحافظ عليه داخل الجسم. ووجد حديثاً أنَّ مستوى الهرمون الخافض الشهية (الـليبتين leptin) الذي يفرز من الأنسجة الدهنية (السنام) والمخفِّض لمعدلات الاستقلاب في الجسم يكون مستواه في الإبل أكبر بنحو 3-4 مرات منه في الحيوانات الزراعية، وأنَّ عملية تكونه في جسم الإبل ترتبط ارتباطاً مباشراً بإجهاد العطش الذي تتعرض له الإبل، وبمحتوى السنام من الدهن، وليس بمستوى التغذية الذي تعيشه الإبل. كما وجدَ أن معدل تكون الغلوكوز في الكبد والكليتين عند الإبل وحيدة السنام يكون أعلى منه في الأغنام وأنَّ هذين العضوين يكونان أكثر نشاطاً في عمليتي تكون الغلوكوز والغليكوجين في الإبل مقارنة مع الأغنام، ما يجعل مستوى الغلوكوز في دم الإبل أكثر بنحو 2-3 مرات منه في الأبقار والأغنام، ويجعله أكثر وفرة ويصبح  الحصول على الماء من تأيض الغليكوجين أكثر اقتصاداً من الحصول عليه من أكسدة الدهون في الإبل.

تختلف الإبل عن كثير من الحيوانات الأخرى بوجود غدتين في أعلى مؤخرة الرأس عند اتصالها بالرقبة، تسميان بغدد مؤخرة الرأس poll glands، وتحتلان مساحة تقرب من 4 - 6 سم2، وتظهر منطقة الغدتين بلون مخالف للون الجلد. وهما أنشط في الذكور، ولا تفرزان العرق إلّا في فترات الحرارة الشديدة، ومع ازدياد الهياج الجنسي في موسم التزاوج. 

يؤكد بعض العلماء أن القوة الفائقة لتحمل الإبل وصبرها غير المحدود عند تعرضها للظروف المناخية القاسية إنما تعود إلى إفراز الغدة الصنوبريّة pineal gland  لمادة الإندورفين endorphin المخدِّرة ذات التأثير المهدئ.

- مواصفات تشريحية: يراوح وزن الجمل البالغ نحو 250 - 690 كغ، وطول جسمه بين 2,5 - 3 م. وله رأس صغير، في مقدمته وعلى جانبيه عينان واسعتان تكللهما أجفان سميكة يظلل كلاً منهما زوج من الرموش الكثيفة المختلفة الأطوال، وتعمل عند ضمها كشبكة تحمي العين من الرمال والأتربة، وتخفّض من حدة ضوء الشمس الباهر، مما يُمكِّنها من الرؤية في أثناء الليل والنهار، كما تتميز العين بوجود غدد دمعية تمتلك قناتين عريضتين تفرز سوائل ترطب العينين وتمنع جفاف أغشيتهما، ويصعب انسدادهما بالأتربة. وليس للإبل قرون، وتوجد عند نهاية أعلى الرأس أذنان قصيرتان مستديرتان، يغطيهما شعر يصل إلى داخلهما ليساعدهما على الوقاية من رمال الصحراء. وتتمتع بحاسة سمع قوية، ولها فم كبير به 34 سناً قوية حادة. ولها عضلة ضامة عند فتحتي الأنف الخارجيتين تمكنها من إغلاقهما لمنع دخول الرمال والأتربة، وحماية الجهاز التنفسي. وتتمتع الإبل بمرونة الشفتين، وبوجود شق في الشفة العليا يساعدها على التقاط الأعشاب البريّة الجافة بسهولة، أمّا الشفة السفلى فمتدلية. وتحتوي اللثة العليا، وكذلك الغشاء الداخلي المبطن للتجويف الفموي على زوائد قرنية طويلة للوقاية من تأثير أشواك النباتات الصحراوية. ويتميز سقف التجويف الفموي للإبل بالطول، وينتهي بلهاة بارزة لها القدرة على الانتفاخ مثل «البالون»، وتعد من علامات الذكورة وتسمى «الهدّارة».

يتكون العمود الفقري للإبل - مثل باقي الثدييات - من سبع فقرات عنقية تتميز بطولها وضيقها مما يؤدي إلى إطالة رقبة الحيوان، كما أنَّ به 12 فقرة صدرية و7 قطنية و4 عجزية ملتحمة وبين 15 - 18 فقرة ذيلية عصعصية.

وفى صدور الإبل ومفاصل سيقانها بقع صلبة عارية من الوبر (عددها سبع) تكتسي بجلد سميك قوي عند بلوغ الصغير الشهر الخامس من العمر، وظيفتها تحمل الصدمات التي تعتري جسم الحيوان عند جلوسه.

وللإبل قوائم طويلة قوية، تنتهي كل منها بإصبعين تُزوّدان بظلف، وتصل بين الإصبعين أخفاف عريضة تمتد عندما تطأ الأرض، وتتسع دائرتها فتساعدها على السير على الرمال من دون أن تغوص فيها، كما تُمكِّنها من السير على الصخور بسهولة ويسر من دون إحداث صوت.

ويتكون السنام في معظمه من الشحم وبعض الأنسجة الليفية، قد يصل وزنه إلى 35 كغ. ويُزوِّد الإبل بالطاقة اللازمة للحياة والحركة إذا تعثر الحصول على الطعام، وينقص حجمه في فترات الجوع، ولكنه يشتد وينتصب بعد توافر الطعام.

ومن الثابت علمياً أن جنين كل من الإبل الآسيوي والإبل العربي يكون له سنامان صغيران، يبقيان ويكبران في الإبل الآسيوي، على حين يلتحمان في أثناء نمو الجنين وتطوره في الإبل العربي، ليكوّنا معاً سناماً واحداً.

كما للإبل مريء طويل مقارنة بالحيوانات الأخرى، نظراً لطول رقابها (2م)، وهو مبطن بغدد تفرز عصيراً هلامياً يرطب ويلين الأعشاب الجافة والأشواك التي تعتمد الإبل عليها كثيراً في غذائها، ما يسهل انزلاقها.

وتتميز الإبل بأن معدتها تتركب من ثلاثة أجزاء فقط، هي: الكرش rumen، والشبكية reticulum، والجزء الثالث تندمج فيه الورقية (القلنسوة) omasum والمنفحة abomasum، ولا يمكن تمييزهما من الخارج. وهي بذلك تختلف عن باقي المجترات التي تتركب معدتها من أربعة أجزاء. وتتميز الكرش باحتوائها على الحويصلات الغدية. ويصل طول الأمعاء الدقيقة إلى نحو40 م، والأمعاء الغليظة إلى نحو 20 م.

وتتميز الكبد بأنها على هيئة فصوص تحتوي العديد من الحواجز الليفية، وأن ليس بها حوصلة مرارية. أمّا الطحال فلا يلتحم بالحجاب الحاجز من الناحية اليسرى مثل الحيوانات الأخرى، وإنما يلتحم بالكرش.

كما تختلف الإبل عن غيرها بأنها موسمية التناسل (الأشهر الماطرة)، والإباضة عندها تحريضية، والبلوغ متأخر، والتلقيح في وضعية الجلوس، والحمل يحدث فقط في القرن الأيسر، ويمتد نحو 12 - 13 شهراً.

أهمية الإبل العربية:

أدت الإبل العربية عبر التاريخ دوراً مهماً في حياة الإنسان العربي، واستعملها في الحرب والتنقل والتجارة والحراثة، واستفاد من أوبارها في صناعة أنسجة الخيام وبعض الألبسة، ومن جلودها في صناعة الجف والسياط والطبول والخيام والأحذية، فضلاً عن استخدامها في الرياضة كسباق الهجن وغيرها، ومصدراً مهماً لغذاء الإنسان. إضافة إلى ذلك تبقى منتجاتها من لبن ولحم ليست ذات أهمية غذائية فحسب بل تتصف بخصائص استطبابية وعلاجية لعديد من الأمراض؛ فيُعد لبن الإبل غذاءً ذا قيمة غذائية وصحية عالية للإنسان، ولا يقل جودة عن لبن باقي الحيوانات الزراعية (الجدول 1). ويتميز بقدرته على البقاء من دون معاملة حرارية مدة 8 ساعات ومن دون حدوث تغيرات سلبية على قوامه وطعمه ورائحته نظراً لاحتوائه على مركبات مانعة لنمو الجراثيم مثل إنزيم اللايسوزيمlysozyme  المحلل للأحياء الدقيقة، كما يُعد مصدراً متميزاً للعديد من المركبات النشطة ذات الخصائص الوظيفية والصحية المتعددة، ما يجعله مرشحاً للانضمام إلى قائمة الأغذية الوظيفية functional foods نظراً لتأثيره المخفض لارتفاع ضغط الدم بسبب أنَّ بروتينات لبن الإبل تعمل على تثبيط إنزيم I angiotensin converting enzyme (ACE) المسؤول عن رفع ضغط الدم من خلال زيادة قدرة الجسم على حبس السوائل ومنع طرحها خارجاً، وقدرته على خفض كوليسترول الدم بسبب غناه بحمض الأوروتيك orotic acid، وتأثيره المخفض لسكر الدم نظراً لاحتوائه على كميات كبيرة من مركبات طبيعية شبيهة بالإنسولين insulin - like growth factor-1 (IGF-1) المسؤول عن ضبط سكر الدم، وتأثيره المضاد للأحياء الدقيقة الممرضة بسبب غناه بمركبات مانعة لنمو الجراثيم وبروتين اللاكتوفيرين والبروتينات المناعية المختلفة.

 

النوع

المكونات%

ماء

جوامد كلية

الدهن

البروتين

اللاكتوز

الرماد

المرأة

88

12

3.8

1.2

7

0.2

الخيول

90.1

9.9

1

2.6

6.9

0.4

الإبل

88.2

11.8

3.5

3.1

4.4

0.8

الأبقار

86.2

13.8

4.4

3.8

4.9

0.7

الأغنام

82

18

6.4

5.6

4.7

0.9

المعز

87.1

12.9

4.1

3.7

4.2

0.8

الجدول (1) مكونات حليب الإبل مقارنة بحليب المرأة وحيوانات زراعية

 

كما تبين حديثاً أن الجمال العربية ذات السنام الواحد تتميز من غيرها من الثدييات في أنها تملك في دمائها وأنسجتها أجســـاماً مضادة صغيرة تتركب من سلاسل قصيرة من الأحماض الأمينية، وشكلها على صورة حرفV ، سميت بالأجسام المضادة الناقصة أو النانوية nano antibodies أو nanobodies، وأن حجمها هو عشر حجم المضادات العادية، وتمر بسهولة عبر الأغشية الخلوية وتصل إلى كل خلايا الجسم، وهي أكثر ثباتاً في مقاومة درجة الحرارة وتغير رقم الحموضة، وتحتفظ بفاعليتها في أثناء مرورها بالمعدة والأمعاء على النقيض من الأجسام المضادة العادية التي تتلف بالتغيرات الحرارية وبإنزيمات الجهاز الهضمي، وأثبتت فاعليتها في القضاء على الأورام السرطانية حيث تلتصق بكفاءة عالية بجدار الخلية السرطانية وتدمرها.

يُعدُّ لحم الإبل مستساغاً في مناطق عديدة من البلدان العربية، ولاسيما لحوم الإبل الصغيرة أو المسمنة، ويمتاز بكونه حلو المذاق (غنياً بالغليكوجين) ومنخفض الدسم، وتبلغ نسبة البروتين 19,5 - 22 %، والماء 73-78 % والدسم 1,2 - 3,8 % والأملاح المعدنية 0,58-1,1 %، وهو قليل الكوليسترول (61 مغ مقارنة مع 80 مغ في الأبقار)، كما يحتوي العديد من الفيتامينات خاصة فيتامين ب المركب، ما يجعله غذاءً صحياً للإنسان، ويقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. إضافة إلى ذلك فإن الدهن المتداخل بين العضلات لدى الذبائح الفتية يضفي على اللحم المظهر المرمري ويحسن طعمه وخصائصه الغذائية، كما أنَّ غناه بالأحماض الدهنية غير المشبعة مثل حامض اللينوليك يجعل له أهمية في الحماية من الأورام السرطانية، وأن احتواءه على نسبة عالية من الغليكوجين يجعل له أهمية في علاج الإرهاق والتعب، والاستخدام في العديد من الصناعات الغذائية مثل صناعة المرتديلا والبسطرمة واللحم المحفوظ والسجق والشاورما.

مراجع للاستزادة:

- أحمد التباري وعبد الحق أنواسي، علم التكاثر عند الإبل، شركة أبو ظبي للطباعة والنشر (بن دسمال)، الإمارات العربية المتحدة 1997.

- عبد الله زايد وغسان غادري وعاشور شريحة، الإبل في الوطن العربي، جامعة عمر المختار، ليبيا 1991.

- فلاح خليل العاني، موسوعة الإبل، دار الشروق للنشر والتوزيع، عُمان 1997.

- O. A. Al Haj and H. A. Al Kanhal, Compositional, tech­no­logical and nutritional aspects of dromedary camel milk, In­ter­na­tional Dairy Journal, 20:811-821, 2010.

 

 


التصنيف : الانتاج الحيواني
النوع : الانتاج الحيواني
المجلد: المجلد الأول
رقم الصفحة ضمن المجلد : 32
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 545
الكل : 31201874
اليوم : 27031