logo

logo

logo

logo

logo

الاستصلاح الحيوي للتربة الملوثة

استصلاح حيوي تربه ملوثه

Bioremediation of contamenated soil - Bioremédiation des sols contaminés

الاستصلاح الحيوي للتربة الملوثة

نجم الدين الشرابي

الملوِّثات
الأحياء الدقيقة
عوامل البيئة
طرائق الاستصلاح الحيوي
ميزات الاستصلاح الحيوي وعيوبه
 

 

ترتبط نوعية حياة الإنسان على البسيطة بنوعية بيئته، لقد صار الاعتقاد القديم بشأن امتلاكه وفرة من الموارد (الأراضي والمياه خاصة) مشكوكاً فيه. وهذه الموارد أقل وفرة من جهة كما أنها تعاني الإهمال وإساءة التصرف. ولاسيما نتيجة الاستعمالات الخاطئة والنشاطات الصناعية وتزايد كميات النفايات الخطرة؛ مما أدى إلى تزايد أعداد المواقع الملوثة ومساحاتها على البسيطة لدرجة تهدد رفاهية الإنسان وصحته ولاسيما حينما يكون تركيز الملوثات عالياً.

يعتمد الأسلوب التقليدي في استصلاح الترب الملوثة على جرفها إلى مواقع محددة وتغطيتها، ولا يخفى أن هذا الأسلوب هو نقل للمشكلة وتكثيف لها، وليس القضاء عليها. ويتضمن الأسلوب الأفضل تحطيم الملوثات أو تحويلها إلى مواد غير ضارة باستخدام وسائل مثل الحرق والمعاملات الكيميائية وغيرها. بيد أن هذه التقنيات مكلفة من جهة وغير مقبولة من جهة أخرى؛ ولاسيما الحرق الذي يزيد تعرض العاملين والمجاورين للملوثات إضافة إلى إساءته للتربة ومكوناتها.

تقدم المعالجة الحيوية للتربة soil bioremediation خياراً يحطَّم بوساطته الملَّوث اعتماداً على النشاط الحيوي، ويشكل تقنية بسيطة أقل تكلفة ومقبولة جماهيرياً، ويمكن أن تنجز في الموقع من دون الحاجة إلى نقل التربة؛ إلا أنها في الوقت ذاته قد لا تكون كافية أو مناسبة دائماً، وقد تحتاج إلى زمن أطول، إضافة إلى وجود حالات تكون فيها نواتج التحلل أكثر خطراً من الملوث ذاته. كما أنها تتطلب خبرة في التخطيط والتطبيق من خلال تقدير مناسب للموقع ونمذجة ظروف تحقيق المطلوب. وقد شاع استعمالها في الولايات المتحدة الأمريكية وبلدان عديدة أخرى، ويتحسن باستمرار أداء هذه الطريقة بزيادة الخبرة والمعرفة.

ليس الاستصلاح الحيوي حقلاً جديداً من حقول المعرفة، وإنما هو أحد تطبيقات التقانات الحيوية biotechnologies التي تقدمت كثيراً بالترافق مع التقدم الحديث في علوم البيولوجيا الجزيئية والبيئة. هذا الاستصلاح هو بالتالي العملية التي تحوّل بوساطتها الملوثات تحويلاً حيوياً في ظروف محكمة إلى صور غير ضارة، أو يُخفض تركيزها إلى مستويات أدنى من الحدود التي تفرضها التنظيمات أو القوانين، وهي بالأساس استعمال الكائنات الحية - ولاسيما الدقيقة - لتحويل ملوثات بيئية إلى نواتج أقل سمية؛ أي إنها توظف البكتيريا والفطريات لتحليل سمية المواد الخطرة على صحة الإنسان والحيوان والبيئة أو إزالتها، ويمكن أن تكون هذه الأحياء الدقيقة ضمن الموقع الملوَّث، كما يمكن عزلها من مواقع أخرى وإحضارها إلى الموقع الملوَّث حيث توصف العملية بهذه الحالة بالإضافة الحيوية bioaugmentation، فتقوم الأحياء بمهاجمة المواد الملوثة بوساطة عملياتها الاستقلابية، وقد يستمر تحليل مركّب ما بوساطة نوع واحد من الأحياء الدقيقة أو مجموعة منها مدة غير قصيرة، وفي الاستصلاح الفعال تهاجم الأحياء الدقيقة المستخدمة الملوثات إنزيمياً، وتكون العملية ناجعة حينما تسمح بنمو هذه الأحياء وتكاثرها وإنتاجها للإنزيمات؛ ليتم التحلل بسرعة أكبر.

الملوِّثات

تعرف المركّبات غير الطبيعية بأنها دخيلة حيوياً xenobiotics، ويشمل الاستعمال الواسع لهذا الاصطلاح مواد توجد طبيعياً؛ أو توجد بتراكيز مرتفعة في البيئة يمكن أن تستعمل مصدراً وحيداً للكربون والطاقة لأنواع كثيرة من البكتيريا والفطريات. وينتج تحليل الأكثر تعقيداً منها من مجهود مشترك لأنواع مختلفة من الأحياء الدقيقة، وإذا تمّ ذلك بوساطة أكثر من نوع واحد توصف بأنها اغتذاء تعابري syntrophism، وتحلل المركّبات التي لا توفر الكربون المكروبي أو متطلبات الطاقة بالاستقلاب التشاركي cometabolism. تشمل الملوِّثات القابلة للاستصلاح الحيوي:

1 - المواد الأحادية الكربون مثل السيانيد وأول أحادي أُكسيد الكربون وهالوجينات الميتان.

2 - الفحوم الهدروجينية المعدنيةmineral hydrocarbons.

3 - البنزين والتولوين والكزايلين والإيثيل بنزين.

4 - الفحوم الهدروجينية متعددة الحلقات polyaromatic hydrocarbons.

5 - الفحوم الهدروجينية المكلورة chlorinated hydrocarbons.

6 - ثلاثي نتروتولوين trinitrotoluene (TNT).

وفي حين تتحلل المواد الثلاث الأولى بسهولة فإن الباقية تتحلل بصعوبة. وفي جميع حالات تقدير التحلل الحيوي للمركبات السابقة يجب أن يؤخذ تركيب التربة بالحسبان؛ إذ يسهل تنظيف الترب الرملية مقارنة بالطينية.

الأحياء الدقيقة

يمكن تقسيم الأحياء الدقيقة المستعملة في الاستصلاح الحيوي إلى المجموعات الآتية:

1 - الهوائية aerobic: وهذه تنمو وتقوم بعملها بوجود الأكسجين الطلق، ومن أجناس البكتريا الهوائية المعروفة بمقدرتها على التحليل: Pseudomonas، Alcaligenes، Sphingomonas، Mycobacterium، ولهذه المكروبات القدرة على تحليل المبيدات والفحوم الهدروجينية والألكانات والمركّبات البوليميرية، ويستعمل كثير منها المادة الملوثة مصدراً للكربون.

2 – اللاهوائية anaerobic: وتنشط في غياب الأكسجين، ويتزايد الاهتمام في البحث عنها عند معالجة مركّبات biphenyls و polychlorinates في الأنهار والرسوبيات بغية نزع الكلور.

3 - الفطريات محللة الليغينين ligninolytic fungi: مثل العفن الأبيض القادر على تحليل كثير من المواد السامة المقاومة بيئياً مثل المبيدات والمركّبات الأروماتية المتعددة الحلقات والصبغات والليغينيتات.

4 - متغذيات الميتيل methylotrophs : هي بكتيريا هوائية تستعمل الميتان مصدراً للطاقة ولإنزيمها methane monooxygenase، وهي فعالة ضد كثير من المواد، ومنها 1.2-dichloethane.

والجدير بالملاحظة هو أن تحقيق التحلل يتطلب التقاء الملوث والكائن الحي القادر على تحليله، وهذا ليس سهلاً دائماً، ولكن قد تنجذب البكتيريا المتحركة إلى الملوث كيميائياً كما قد تنمو هيفات الفطر باتجاهه؛ مما يحقق الهدف.

عوامل البيئة

تشجع إضافة بعض المغذِّيات عملية الاستصلاح عن طريق تأثيرها في أعداد الكائنات الحية الدقيقة أو الفلورا (النبيت) العادية للتربة. وأهم هذه المغذيات الآزوت والفسفور والكربون، والأخير هو الأكثر أهمية، إضافة إلى الأكسجين، كما يتأثر نمو الأحياء الدقيقة ونشاطها برقم الحموضة pH ودرجة الحرارة والرطوبة، وهذه جميعاً عوامل يمكن التحكم فيها؛ إذ يمكن رفع pH التربة الحامضية بإضافة الكلس، ويمكن استعمال التغطية البلاستيكية لتشجيع التسخين الشمسي، كما أن توفر الماء ضروري لسائر العمليات الحيوية، ولابد من ري التربة للحصول على الرطوبة المناسبة، ويحدَّد مقدار الأكسجين المتاح شروط التحلل هوائياً كان أو لا هوائياً، وفي حين تتحلل الفحوم الهدروجينية بتأثير الظروف الهوائية تتحلل المركّبات المكلورة لا هوائياً، ويمكن زيادة تركيز الأكسجين المتاح بالفلاحة أو إضافة فوق أكسيد الهدروجين. وتؤثر بنية التربة في سائر العوامل السابقة، كما قد يضاف الجبس أو المادة العضوية لتحسين هذه البنية. ولا تناسب التربة القليلة النفاذية عملية الاستصلاح في الموقع. ويبين الجدول (1) الظروف المثالية للنشاط المكروبي ولتحلل الملوث النفطي في التربة.

الجدول (1) الظروف المثالية للنشاط المكروبي ولتحلل الملوث النفطي في التربة.

المعيار

متطلبات النشاط المكروبي

القيم المُثلى لتحلل النفط

رطوبة التربة

25 - 28 % من السعة الحقلية

30 -90 % من السعة الحقلية

با هاء التربة pH

5.5 - 8

6.5 - 8

محتوى الأكسجين

حد أدنى 10 % من المسام

10 - 40 % من المسام

المغذيات

آزوت وفسفور

C:N:P 100/10/1

درجة الحرارة C)ْ(

15 - 25

20 - 30

نوع الملوِّث

ألا يكون ساماً

فحوم هدروجينية 5 - 10 %

العناصر الثقيلة

الكلية 2000 جزء بالمليون

700جزء بالمليون

نسيج التربة

خفيف

خفيف

طرائق الاستصلاح الحيوي

تستخدم تقنيات مختلفة في عمليات المعالجة اعتماداً على درجتي الإشباع والتهوية، وأهمها:

1 - المعالجة في الموقع أو المكان in situ: تطبق على التربة في موقعها ذاته مع الحد الأدنى من التحريك، وهي الاختيار الأفضل بالنسبة إلى التكلفة، وهي في الوقت نفسه تجنب عمليات التجريف واحتمال انتقال الملوث إلى مواقع أخرى إلاّ أن عمق المعالجة بهذه الطريقة يبقى محدوداً، وكذلك انتشار الأكسجين الذي لا يتجاوز غالباً 30سم، وتشمل التهوية البيولوجية في معالجة الموقع ضخ هواء مضغوط من خلال آبار في التربة الملوثة لتحريض الأحياء الدقيقة الهوائية الموجودة في التربة، وهي طريقة فعالة في معالجة التلوث بالفحوم الهدروجينية البسيطة، وتسهم المغذَّيات المضافة بتحريض الفلورا الطبيعية على تحليل الملوِّث العضوي، كما تشمل هذه التقنية إضافة بادئ من البكتيريا الأصلية للتربة أو الخارجية عنها إلى المواقع الملوثة.

2 - المعالجة خارج الموقع :ex situ وتشمل هذه التقنية جرف التربة الملوثة أو إزاحتها، ومنها ما يسمى فلاحة الأرض حيث تُنقل التربة الملوثة، وتنشر في موقع سبق تحضيره، وتحرث تكراراً حتى يتحلل الملوث، والهدف في هذه الحالة هو تحريض الفلورا الذاتية وتنشيطها وتسهيل دورها في التحليل الهوائي. أما الأسلوب الثاني فيشمل خلط التربة الملوثة بمواد عضوية غير خطرة مثل المخلفات الحيوانية والنباتية، وتدعم هذه الطريقة الفلورا الطبيعية إضافة إلى رفع درجة الحرارة. أما الأسلوب الثالث والمسمى الكومة الحيوية biopile؛ فيجمع بين الأسلوبين السابقين، ويقدم بيئة محببة للأحياء الهوائية واللاهوائية.

ومن تقنيات المعالجة خارج الموقع تقنية المفاعلات الحيوية bioreactors ومفاعلات الروبة slurry حيث تجرى المعالجة ضمن نظام مُهندس في أوعية معزولة أو أجهزة يتم فيها تكوين أطوار ثلاثة (صلب وسائل وغاز) وظروف مزج لزيادة معدل معالجة الملوثات المرتبطة بالتربة مع الكتلة الحيوية القادرة على تحليل الملوث، وبصورة عامة يكون معدل التحلل ومداه أعلى في نظام المفاعل حيث يمكن التحكم في بيئته وكذلك التنبؤ بالنتائج، بيد أن لأنظمة المفاعل سلبيات مثل الحاجة إلى معاملات سابقة (التجريف والنقل) إضافة إلى التكلفة.

ميزات الاستصلاح الحيوي وعيوبه

للاستصلاح الحيوي للترب الملوثة ميزات عديدة، من أهمها ما يأتي:

1 - كونها عملية طبيعية مقبولة لمعالجة المواد الملوثة للتربة، وتزداد خلالها أعداد الأحياء الدقيقة القادرة على تحطيم الملوّث نتيجة لوجوده في الوسط، وتنقص أعدادها عند تحلله، وغالباً ما تكون هذه المحللات أو المحطمات وكذلك نواتج التحلل عديمة الضرر، وهي تشمل غالباً ثنائي أكسيد الكربون والماء إضافة إلى الكتلة الحيوية.

2 - هي عملية تحطيم كلي من الناحية النظرية للكثير من الملوثات التي يعدُّ بعضها خطراً من الناحيتين البيئية والقانونية.

3 - تمنع هذه الطريقة انتقال الملوث من وسط إلى آخر (من التربة إلى الماء أو الهواء).

4 - يمكن أن تتم المعالجة في الموقع من دون إحداث تخريب رئيس، ولا حاجة إلى نقل كميات من الفضلات بعيداً عن الموقع في هذه الحالة؛ مما يقلل احتمال الخطر على الصحة والبيئة الذي يمكن أن يرافق عمليات التجريف والنقل.

5 - غالباً ما يكون الاستصلاح الحيوي أقل تكلفة من التقنيات الأخرى المستعملة للتخلص من النفايات الخطرة.

أما عيوب الاستصلاح الحيوي فمن أهمها:

1 - قد تكون المعالجة الحيوية محددة بالتلوث بالمركّبات القابلة للتحلل الكامل والسريع، ولا تمتلك جميع الملوثات هذه الصفة.

2 - يعدُّ - وإلى حد بعيد - محدوداً، حيث تعدُّ عوامل الموقع أساسية في نجاحها بما فيها وجود أعداد من الأحياء الدقيقة القادرة على استقلاب الملوث إضافة إلى توافر شروط نمو مناسبة لها من حيث المغذيات والملوثات.

3 - قد تكون نواتج تحلل بعض الملوثات أكثر سمية من الملوثات ذاتها كما أنها قد تكون أكثر مقاومة للتحلل من المواد الأصلية.

4 - لا يمكن الانطلاق من التجارب المخبرية ونتائجها إلى التطبيق الحقلي مباشرة، وهناك حاجة إلى تطوير هندسة المعالجة الخاصة بالموقع، علماً بأن التلوث غالباً ما يكون غير متجانس من حيث التوزع والتركيز في الوسط، وربما يكون الملوث صلباً أو سائلاً أو غازياً.

5 - تستغرق المعالجة الحيوية زمناً أطول من الخيارات الأخرى مثل التجريف والنقل والحرق.

وإجمالاً يتطلب اللجوء إلى الاستصلاح الحيوي تكوين فريق عمل يتضمن اختصاصات ومهارات عدة. علماً بأنه مع اكتشاف قدرة المكروبات على معالجة الملوثات بدئ بعزلها وتعريفها وإنتاجها تجارياً وتسويقها على نطاق واسع.

أما المعالجة الحيوية باستعمال أحياء دقيقة محوَّرة وراثياً تنتج بروتينات أو إنزيمات مولفة؛ فما زالت قليلة الشيوع نظراً للتنظيمات المحددة لنشر هذه الأحياء في البيئة في معظم البلدان.

مراجع للاستزادة:

- Jan Dirk Elsas, Jack T. Trevor And Elizabeth M. H. Wellington, Modern Soil Microbiology, Marcel Dekker Inc., 1997.

- Rolf Schmid, Pocket Guide To Biotechnology And Genetic Engineering, Wiley, 2003.

- G. J. Skladany And Jr. F. B. Metting, Soil Microbial Ecology, Marcel Dekker Inc., 1992.

- Emma Tilston, Tom Sizmux, Geoffrey R. Dixon, Wilfred Otten And Jim Harris, The Impact of Land -Use Practices on Soil Microbes, Soil Microbiology and Sustainable Crop Production, Springer 2010.

 


التصنيف : البيئة
النوع : البيئة
المجلد: المجلد الثاني
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 557
الكل : 31129286
اليوم : 30676