logo

logo

logo

logo

logo

التألق

تالق

Luminescence -

التألق

الفلورة والفسفرة

مردود التألق

التألق والليزرة

تطبيقات التألق واستعمالاته في الكيمياء والطب 

فادي قمر

 

التألق luminescence هو انبعاث الضوء من مواد معينة، قد لا تكون ساخنة إلى حد التوهج الحراري، نتيجة إثارتها بطرائق مختلفة. ويُعَّرف التألق على المستوى الذري بأنه هبوط الإلكترونات المُثارة في الذرة من مستويات طاقة ما إلى مستويات طاقة أدنى منها. تضخ الذرات المعزولة طاقة كافية لإثارة إلكتروناتها من سويَّة طاقة إلى سويَّة طاقة أعلى (الشكل 1- أ) في حالتين:

أ- إذا كان ذلك مسموحاً به وفق قواعد الانتقاء الناشئة من انحفاظ الاندفاع (العزم) الزاوي angular momentum وسبين spin الإلكترون.

ب- إذا كانت طاقة الفوتون الممتص مساوية الفرق بين سويتي الطاقة الأساسية التي سيُثار إليها الإلكترون.

يزداد عدد سويَّات الطاقة المتاحة عند اتحاد الذرات لتشكيل جزيئات، حيث يُضاف إلى سويَّات الطاقة الذرية كل من السويَّات الاهتزازية بين الذرات المترابطة والسويَّات الدورانية للجزيئات. تعود الإلكترونات في جميع الحالات- بعد قضائها فترة زمنية معينة في السويَّة المُثارة التي تسمى "عمر السويَّة" - إلى سويّتها الأصلية تلقائياً، وتفقد إثارتها عبر إصدارها فوتونات تساوي طاقتُها، وهي الفرق بين سويتي الطاقة المُثارة والأصلية (والتي تسمى أحياناً بالسويَّة الأرضية)، ويسمى حينها الإصدار إصداراً تلقائياً (الشكل 1- ب)، أو تعود الإلكترونات بشكل محَفّز من السويَّة المُثارة إلى السويَّة الأرضية قبل انقضاء زمن عمر السويَّة بوساطة تحفيز فوتوناتٍ واردةٍ لها الطاقة نفسها، ما يؤدي إلى توليد فوتونات جديدة لها اتجاه الفوتون الوارد وطوره نفسه لتضاف إلى الفوتونات الواردة (الشكل 1-ج)، فيظهر ذلك على شكل تضخيم لها.

الشكل (1): (أ) الامتصاص، (ب) الإصدار التلقائي، (ج) الإصدار المحفَّز

يعتمد الإصدار التلقائي للضوء أو تضخيمه (إعادة إصداره بشكل محفز) على نسبة عدد الذرات الموجودة في السويَّات الأرضية وعدد الذرات المُثارة؛ ففي المواد القريبة من التوازن الترموديناميكي يكون عدد الإلكترونات في السويَّات الدنيا (غير المُثارة) أكبر من تلك التي في السويَّات العليا (المُثارة) ما يجعلها تمتص الضوء الوارد إليها، وفي حال امتلاء السويَّات العليا بالإلكترونات المُثارة فإن الوسط سيتجه إلى إصدار الضوء.

يُصنّف التألق وفق طريقة الإثارة إما بطرائق ضوئية photoluminescence وإما كهربائية electroluminescence، وإما عن طريق حزم إلكترونية electron beam luminescence، وإما عن تفاعلات كيميائية chemiluminescence، وإما بأمواج صوتية sonoluminescence، وإما بطرائق بيولوجية bioluminescence (عند بعض البكتريا، والحشرات، والفطور). وهناك أيضاً تألّق حراري thermoluminescence تصدره بعض الأجسام في درجة حرارة أدنى من الدرجة التي تثير توهجها مثل تألق الطباشير حين يُرش مسحوقها على سطح ساخن، وتألّق البرودة الذي سببه التبريد الشديد مثل تألق بعض البلورات عندما تغطس في الهواء السائل، والتألق بالاحتكاك مثل تألق سكر القصب الجاف جداً حين يسحق في الظلام، وكالشرر الأصفر الذي تصدره فسفات الكلسيوم الطبيعية عند سحقها في الظلام، والتألّق البلوري عند بعض البلورات في أثناء تبلورها، والتألّق الإشعاعي radioluminescence المولَّد بوساطة الأشعة السينية أو الجسيمات المؤينة أو أشعة غاما (γ)، وإذا كان سبب التألق إلكترونات سريعة وُصف التألق بأنه كاثودي (مهبطي) cathode-luminescence، ويستفاد منه في صنع أنابيب راسمات الاهتزاز وفي صنع شاشات التلفاز.

يرافق التألّق الكيميائي بعض التفاعلات الكيميائية مثل تأكسد الفسفور ببطء في درجة الحرارة العادية، وتفسخ بعض الأخشاب القديمة أو الأسماك. أما التألّق الحيوي فينجم عن تفاعلات كيميائية تحدث في بعض الكائنات الحية مثل تأكسد مادة اللوسيفرين luciferin بوجود إنزيم يسمى لوسيفراز luciferase بوصفه وسيطاً للتفاعل ومصدراً للأكسجين، والأدينوزين ثلاثي الفسفات (ATP) Adenosine Triphosphate، وينتج عن هذا التفاعل مركب يسمى oxyluciferin وينبعث الضوء. وهناك أنواع عديدة من اللوسيفرينات في الحيوانات المتألقة مثل الحباحب أو اليراع والبكتريا المتألقة (فوتوبكتريوم Photobacterium) التي تنمو على الأسماك الميتة واللحم الفاسد، وديدان الأرض المضيئة، حيث تُصدر هذه الكائنات عادة ضوءاً وحيد اللون هو في الغالب أزرق أو أخضر أو أصفر (الشكل 2).

الشكل (2) بعض أنواع الحشرات المتألقة

إن أهم المنابع المتألقة هي مصابيح التألق الكهربائي الذي يتم في غازات تلك المصابيح عن طريق الانفراغ الكهربائي، غير أن مردود هذه المصابيح ضعيف يقارب 12%، وذلك إذا عُرِّف المردود بأنه نسبة الاستطاعة الضوئية الصادرة في المجال المرئي إلى الاستطاعة المحفّزة لهذا الإصدار. وقد تُطلى هذه المصابيح أحياناً بمادة فسفورية، هي عادةً إما فسفات الكلسيوم وإما سيليكات الزنك (التوتياء) وإما تنكستنات الكلسيوم، لتزداد شدة الضوء المرئي الصادر منها بعد أن كان جزءاً من الضوء الصادر عن الانفراغ في المجال فوق البنفسجي، فيتحسّن مردود هذه المصابيح ليقترب من 22%. تُستعمل هذه المصابيح عادة في الإشارات الطرقية البرية والمطارات وفي الأنابيب المتألقة المستخدمة في الإعلانات بألوان تختلف باختلاف الغاز فيها فيكون لونها أحمر (النيون) أوأزرق (بخار الزئبق) أو مائل إلى البنفسجي (الأرغون) أو لاختلاف الطلاء الفسفوري. أما في الأجسام الصلبة فيتم التألّق الكهربائي في تلك المصابيح بإثارة وسط عازل، حيث يتكون المصباح من قاعدة تحتوي على مسريين، أحدهما صفيحة معدنية والآخر لوح زجاجي مطلي بمادة ناقلة للكهرباء يؤلف واجهة المصباح، ومنه ينفذ الضوء المتألق نتيجة لتطبيق فرق كمون يسرّع حاملات الشحنة ويراوح بين 400 و 500 فولط على المسريين اللذين يفصل بينهما طبقة عازلة رقيقة من مادة فسفورية لاعضوية. ومثال ذلك المصابيح المستعملة في إنارة لافتات الإشارات العامة وفي تنويرات النجدة وإشارات المرور خاصة، ويقترب المردود فيها من القيمة 5%. وهناك منابع أخرى من الأجسام الصلبة تعتمد على الإثارة الإلكترونية للجزيئات العضوية الصلبة أو البلورات العضوية، ولكن أشهر منابع التألق الكهربائي المعتمدة على الأجسام الصلبة هي ديودات أنصاف النواقل المصدرة للضوء والمعروفة اختصاراً بـاللِدّات (LED) Light- Emitting Diodes (الشكل 3)؛ حيث يؤدي تطبيق انحياز أمامي على الديود ذي الوصلة N - P إلى حقن حاملات الشحنة القليلة إلى منطقة الوصلة، الذي يؤدي بدوره إلى إعادة اتحاد الإلكترونات بالثقوب وإشعاع ضوء. يبلغ مردود هذه الديودات في الوقت الحاضر قرابة 15%؛ لكن يمكن أن يصل المردود نظرياً حتى 43%. يُعبَّر أحياناً عن جودة إصدار المنبع للضوء المرئي بالكفاءة efficacy ، تمييزاً له من المردود efficiency الذي ليس له واحدة، ويقدر بواحدة الإضاءة، وهي اللومن lumen لكل واط مصروف، أي واحدته لومن لكل واط (lm/W). يقابل المردود 43% للديودات المصدرة للضوء -مثلاً- كفاءة تقارب 100 لومن لكل واط.

الشكل (3) أنصاف النواقل المصدرة للضوء LED.

يُمكن أن تُصْدِر أنصاف النواقل ضوءاً في المنطقة المرئية من الأزرق إلى الأحمر بكفاءة عالية تقريباً. فالديودات الحديثة المصنوعة من فوسفيد الغاليوم GaP تشع الضوء الأخضر، والديودات المصنوعة من فوسفيد الغاليوم والألمنيوم والإنديوم AlInGaP تشع الطول الموجي الأحمر، ويمكن أن تصل طاقة إشعاعها الضوئية إلى 100 لومن لكل واط، وتُعادل كفاءة إنارة الديودات الضوئية واستهلاكها للطاقة عشرات أضعاف كفاءة إنارة المصابيح الأخرى المعروفة واستهلاكها للطاقة، مما يجعل استخدامها مهماً جداً في تطبيقات كثيرة، كما في السيارات ولوحات المرور ولوحات العرض وغيرها، لتوفير طاقة التشغيل والحصول على طاقة الإشعاع الضوئي الكبيرة. كذلك ظهرت مؤخراً مصابيح تألق كهربائية عالية الضغط تعتمد على الفلورة Compact Fluorescent Lamp (CFL) وتوَفِّر الطاقة (الشكل 4)، يستعمل فيها القليل من الزئبق؛ لذلك يُنصح عند كسر تلك المصابيح بالابتعاد عن المكان مدة 10 دقائق، وعدم استعمال المكنسة الكهربائية لتنظيفه خشية تطاير الغبار الحامل للزئبق.

الشكل (4) مصابيح كهربائية عالية الضغط وموفّرة للطاقة.

الفلورة والفسفرة:

تسمى العملية التي يتم من خلالها امتصاص إشعاع ذي طول موجي معين وإعادة إصداره بطول موجي آخر بالفلورة، ويتم ذلك وفق الآلية التالية: بعد إثارة إلكترونات مادة ما إلى سويَّات طاقِّية عليا عن طريق امتصاص فوتونات، تهبط الإلكترونات المُثارة آنياً إلى سويَّات أدنى قريبة تفصلها عنها سويَّات طاقة اهتزازية للجزيئات غالباً (عن طريق إصدار فوتونات) تكون شبه مستقرة (عمرها الوسطي طويل نسبياً) فاقدةً جزءاً من طاقتها، ثم تفقد إثارتها نهائياً بشكل إشعاعي لتعود إلى سويتها الأرضية بعد زمن يساوي عمر تلك السويَّة شبه المستقرة عن طريق إصدارها فوتونات بطاقة أصغر من طاقة الفوتونات الممتصة، أي بطول موجة أطول من الأصلية المحفزة (الشكل 5).

الشكل (5) آلية الفلورة - إصدار فوتون تواتره أخفض من تواتر فوتون الإثارة 

ويمكن في حالة الضخ (الإثارة) الشديد وكون عمر السويَّة العليا أو السويَّة شبه المستقرة طويلاً نسبياً ووجود سويَّات تتناسب مع طاقة فوتون آخر أن تمتص الإلكترونات المُثارة في السويَّة العليا أو السويَّة شبه المستقرة هذا الفوتون، أو تمتص طاقة إضافية اهتزازية (فوتون) تضاف إلى طاقة الإلكترونات فتثار إلى سويَّات أعلى ، بمعنى أن الامتصاص ثنائي الفوتون، وعند عودتها إلى سويتها الأصلية تطلق فوتوناً بتواتر أعلى من تواتر الفوتون الضاخ أي بطول موجة أقصر (الشكل 6).

 

الشكل (6) آلية الفلورة - إصدار فوتون تواتره أكبر من تواتر فوتون الضخ.

يمكن أن تستمر عملية الفلورة فترة طويلة بعد توقف عملية الامتصاص (مكروثانية أو ميلي ثانية) إذا كان عمر السويَّة شبه المستقرة طويلاً. وتشاهد الفلورة في العديد من المواد، حيث يملك بعضها كفاءة إصدار عالية. كذلك يمكن أن تحدث عملية الفلورة أيضاً في المواد التي تملك سويَّات اهتزازية ودورانية عبر الانتقال بين تلك السويَّات مما يؤدي إلى استمرارها فترة طويلة جداً (أطول بكثير من ميلي ثانية) نتيجة لتقارب السويَّات الاهتزازية والدورانية؛ مما يسهل الانتقال منها والعودة إليها ولعدد كبير من المرات قبل أن تفقد الذرات أو الجزيئات إثارتها وتسمى عندها العملية بالفسفرة. إن الاختلاف بين عملية الفلورة والفسفرة هو في سرعة إصدارها للضوء بعد إثارتها، وبصورة عامة تكون المدة الزمنية الفاصلة في الفلورة أقصر من المدة الزمنية الفاصلة في حالة الفسفرة التي قد تمتد أحياناً إلى أيام. والأمر الآخر الواجب ملاحظته للتفريق بين العمليتين هو سرعة استجابة الكاشف المستعمل للإصدار الضوئي بعد الإثارة، لذلك فإن التفريق بين العمليتين مختَلفٌ عليه.

مردود التألق:

يمكن تلخيص عملية التألق بالمعادلتين (1 و2):

 

(امتصاص الإلكترون طاقة، والانتقال من السويَّة الأرضية إلى السويَّة المُثارة)

 

(عودة الإلكترون المُثار إلى سويته الأرضية بعد زمن يساوي عمر السويَّة المُثارة)

ليست عمليتا الامتصاص والإصدار مثاليتين، إذ لا تصدر كل الطاقة الممتصة لاحقاً على شكل إشعاع ضوئي، وبالتالي هناك كفاءة (مردود) لعملية التألق في حالة التحفيز بالإشعاع الضوئي متناسبة مع نسبة احتمال الإصدار التلقائي A إلى نسبة احتمال الامتصاص B، وبالتالي يعطى المردود الكمومي في حالة إشعاع الجسم الأسود بالمعادلة (3):

 

 

حيث هو تواتر الفوتون المنبعث ويساوي تواتر التجاوب بين سويتي الطاقة الأرضية وسويَّة الإثارة، وn قرينة انكسار الوسط المُثار، و سرعة انتشار الضوء في الخلاء.

وقد يعطى المردود بنسبة عدد الفوتونات الصادرة إلى عدد الفوتونات الواردة، فيسمى المردود عندئذٍ المردود الخارجي. وبما أنه ليس من الضروري أن تمتص الفوتونات الواردة كلها لأسباب متعددة، فيعرف المردود الداخلي بأنه نسبة عدد الفوتونات الصادرة إلى عدد الفوتونات الممتصة فعلياً.

التألق والليزرة:

الليزر Light Amplification by Stimulated Emission of Radiation (LASER) هو مصطلح يطلق على الضوء المضخّم بوساطة الإصدار المحفّز (المحثوث) للأشعة. وعادةً ما تطلق كلمة الليزر أيضاً على الجهاز المستخدم لإنتاج حزم الليزر الشديدة التركيز والمترابطة لدرجة عالية. يعتمد الليزر على التألق في توليده حيث إن أجهزة الليزر التقليدية عادة مؤلفة من:

1- وسط فعال مناسب ذي سويَّات طاقة شبه مستقرة.

2- مصدر ضخ مناسب لإثارة الذرات.

3- تجويف ضوئي (مجاوب) resonance cavity لتعزيز حدوث عملية التضخيم (الشكل 7).

 

الشكل (7) الليزر التقليدي.

وبفرض أن الوسط الفعال هو أنبوب يحتوي على غاز يملك ذرات طليقة لها عدد من سويَّات الطاقة، تكون إحداها غير ممتلئة بالإلكترونات، تدعى هذه السويَّة "السويَّة الطاقية الأرضية"، في حين تكون سويَّات الطاقة الأعلى فارغة وزمن حياتها قصير جداً، ماعدا سويَّة واحدة يكون زمن بقاء الإلكترونات المُثارة فيها كبيراً نسبياً وتسمى السويَّة شبه المستقرة. إن إضاءة هذا الغاز بضوء يحوي فوتونات ذات طاقة مساوية لفرق الطاقة بين السويَّات العليا (الأعلى من السويَّة شبه المستقرة) يرفع العديد من إلكترونات الذرات، من خلال امتصاصها لطاقة الفوتونات الواردة من المستوى الأرضي، إلى تلك السويَّات التي تلبث فيها زمناً قصيراً يساوي زمن حياتها، لتهبط بعدها بشكل غير مشع، عن طريق إصدار فوتون، إلى مستوى الطاقة شبه المستقر قبل عودتها نهائياً إلى سويّتها الأم (السويَّة الأرضية). فإذا كان الضوء الضاخ شديداً بدرجة كافية يمكن أن يحصل انقلاب إسكاني، أي زيادة في عدد الإلكترونات في السويَّة شبه المستقرة، لتصبح أكثر من تلك الموجودة في السويَّة الأرضية. وبعد أن تقضي الإلكترونات زمناً يساوي عمر السويَّة شبة المستقرة فإنها تعود إلى السويَّة الأرضية عن طريق إصدار فوتونات يمتلك كل منها طاقة قدرها
()، ويسمى هذا الإصدار إصداراً تلقائياً أو فلورة كما ذكر سابقاً. لدى مرور الفوتونات التلقائية بذرات أخرى مجاورة تحوي إلكترونات مُثارة في السويَّة شبه المستقرة يمكنها، تبعاً لمبدأ التجاوب (الرنين)، أن تشجع الذرات على إصدار فوتونات عن طريق إعادة الإلكترونات المُثارة إلى مستوى الطاقة الأرضي، تسمى هذه الأخيرة الفوتونات المحرّضة، ولها نفس تردد الفوتونات الأصلية واتجاهها واستقطابها (ترابط مكاني)، ولها نفس طور الفوتونات الأصلية وسرعتها (ترابط زماني). يمكن عدّ الفوتونات التلقائية والمحرضة (المحثوثة) بمنزلة أمواج أولية تحفز بمرورها ذرات أخرى في السويَّات شبه المستقرة، فتصدر إشعاعاً من الفوتونات بالاتجاه نفسه وبالطور نفسه. تنقص كثافة الفوتونات التلقائية والمحرضة على نحو كبير في أثناء مسيرها ضمن الوسط الفعال، حيث تمتصها إلكترونات سويَّة الطاقة الأرضية فتثار الإلكترونات هذه المرة إلى سويَّة الطاقة شبه المستقرة. ولتعويض هذا النقص وتحقيق وفرة في عدد الفوتونات ينبغي زيادة نسبة الضخ كي يزيد عدد الإلكترونات في السويَّة شبه المستقرة لتصبح كثافتها أكبر بكثير من كثافتها في السويَّة الأرضية. ولإنتاج الليزر ينبغي زيادة نسبة الإصدار المحرض زيادة كبيرة مقارنة بالإصدار التلقائي، ويتم ذلك عن طريق تصميم تجويف ضوئي ليزري (مجاوب ليزري)، يقوم بعكس معظم الأمواج وإعادتها من جديد مرات ومرات إلى البلورة (الوسط الفعال). وتكون المجاوبة الليزرية عادة مداخل (من نوع فابري بيرو) Fabry- perot interferometer الذي يتألف من مرآتين إحداهما ذات انعكاسية 100%، والأخرى ذات انعكاسية جزئية لطول موجة الليزر المراد توليده. بعد إثارة إلكترونات الذرات أو جزيئات الوسط الفعال بوسيلة مناسبة لإنتاج الانقلاب الإسكاني فإن جزءاً من الذرات في السويَّات شبه المستقرة ستصدر إشعاعاً تلقائياً في كل الاتجاهات، وهذه هي الفوتونات التي مسارها لا يوازي محور المجاوب، وسوف تنفذ من الوسط الفعال مائلة بزاوية، ومن ثم فإنها لن تَرِد على المرآتين موازيةً لمحورهما (الخط الواصل بين مركزي المرآتين)، وبالتالي ربما لا تنعكس مرة أخرى إلى الوسط الفعال وتُفقد تماماً، في حين تنعكس الفوتونات التي تشع موازيةً للمحور ذهاباً وإياباً من طرف إلى آخر، وتتوقف فرصتها في الخروج من المجاوبة على شدة انعكاسية المرآة العاكسة جزئياً، وعلى كثافة الإسكان العالية لذرات السويَّة شبه المستقرة داخل المجاوب. وهكذا تكون الحزمة الضوئية الخارجة حزمة مترابطة وعالية الشدة يطلق عليها اسم «شعاع الليزر».

تطبيقات التألق واستعمالاته في الكيمياء والطب:

للتألق تطبيقات كثيرة في مجالات مختلفة، ففي الكيمياء هنالك التألق الكيميائي، حيث يؤدي تفاعل كيميائي معين إلى إصدار ضوء نتيجة الإثارة الإلكترونية للجزيئات العضوية الصلبة أو البلورات العضوية، كما في العصا المضيئة light stick التي تتألف من أنبوب لدائني (بلاستيكي) بداخله مادة كيميائية، وبداخل الأنبوب الكبير أنبوب آخر زجاجي رقيق بداخله مادة كيميائية أخرى، وعند ثني الأنبوب البلاستيكي ينكسر الأنبوب الزجاجي الداخلي مما يؤدي إلى اختلاط مادة (بيروكسيد الهدروجين hydrogen paroxide، مثلاً) في الأنبوب الزجاجي مع الفلور الصبغي ومواد كيميائية أخرى مما يؤدي إلى هذه الإضاءة التي قد تستمر في العصا القصيرة قرابة ربع ساعة، يمكن إنتاج ألوان مختلفة بالتحكم بالتركيبات الكيميائية المختلفة، وهذا النوع من المصابيح مستخدم في التطبيقات العسكرية والكشافة حيث يصدر الضوء من دون تيار كهربائي أو بطاريات أو غير ذلك. أما الديودات العضوية المصدرة للضوء Organic Light- Emitting Diodes (OLED) التي ظهرت مؤخراً فهي تعتمد على ظاهرة الإصدار الإلكتروني الضوئي التي تختلف عن ظاهرة الفلورة، حيث تعتمد هذه الظاهرة على عملية إعادة الاتحاد بين الإلكترونات من المهبط (الكاثود) والثقوب من المَصْعَد anode لتشكيل الإكسيتون exciton الذي يكون مُثاراً فيتخلص من طاقته عن طريق إصدار فوتون ضوئي.

وللتألق تطبيقات في مجال الأصبغة الكيميائية التي تعرف بـالمبيّضات الضوئية، وهي أصبغة عضوية لا لون لها، ذات أساس فينيلي. يمكن إثارة الأصبغة بكمية صغيرة من الأشعة الضوئية فوق البنفسجية الموجودة في ضوء النهار متفلورة لتعطي اللون الأزرق، الذي يعوّض امتصاص اللون الأزرق المسؤول عن اللون الشاحب لمعظم الأقمشة الطبيعية المبيّضة. كذلك يمكن إضافة بعض المواد المتفلورة أو المتفسفرة اللاعضوية إلى مواد الطلاء للحصول على التأثيرات البصرية الخاصة من أجل الدعاية والمسرح وأغراض الإظهار الأخرى، ويُعدّ التألق من أهم العمليات التي يعتمد الكيميائيون عليها لاكتشاف خواص العناصر والمركبات الكيميائية المختلفة بدراسة أطيافها، حيث يستعمل لهذه الغاية على نحو رئيسي جهاز المطياف الضوئي spectrophotometer الذي يعطي قياساً كمياً للانعكاس أو النفوذية للمواد كتابع لطول الموجة، إضافة إلى أجهزة أخرى.

كذلك يستفاد من التألق الحراري في تأريخ عمر المواد ولاسيما في الدراسات الجيولوجية وعلم الأثار بحساب عمر العينة المدروسة كالفخار والصوان والرسوبيات استناداً إلى معدل الجرعة الإشعاعية السنوية التي تلقتها وقياس الوميض الضوئي الناتج عن تسخينها، غير أن هذه الطريقة تفتقر إلى الدقة في معرفة معدّل الجرعة الإشعاعية السنوية لمحيط العينة المدروسة، كما أن إصدار الوميض بالتسخين اختبار تخريبي فلا يمكن تكرار القياس للعينة نفسها.

أما في الطب وعلم الأحياء الدقيقة فيُستعمل التألق الضوئي في التشخيص حيث تستخدم الأصبغة المتفلورة، مثل الفلورسين fluorescein والرودامين rhodamine وأزرق الأنيلين aniline blue في تمييز البروتينات وتعقبها لاكتشاف الأمراض والأورام. كما أن جزيئات النانو المضيئة تساعد الجراح في أثناء العملية الجراحية على تعرف مكان الورم، وبالتالي تسهل عملية استئصاله. ويستعمل مِنْظارُ التألق fluoroscope في الطب إذ يوضع المريض بين مُصدِر للأشعة السينية وشاشة قابلة للتألق. وحديثاً زود الجهاز بمكثف الأشعة السينية وأداة (نبيطة) اقتران الشحنة (CCD) Charge- Coupled Device مع كاميرا وجهاز تسجيل ضوئي لمراقبة الصور. كذلك يمكن استعمال التألق في المعالجة أيضاً (وخاصة في حالة الأورام السرطانية) حيث يعطى المريض مواداً تمتص أطوالاً موجية معينة، وبالتالي تحتاج إلى ليزرات بأطوال موجية مناسبة للكشف عنها، ويُترك المريض ثلاثة أيام لتتخلص الخلايا السليمة من تلك المواد، في حين تبقى الخلايا المريضة محتفظة بها، ولدى تشعيع الخلايا المريضة بالطول الموجي المناسب فإنها تمتص الضوء وتتألق، وتدمر الخلايا المريضة ذاتياً، تتم هذه العملية غالباً بالاستعانة بليزر نبضي.

مراجع للاستزادة:

- L. Brovko, Bioluminescence and Fluorescence for In Vivo Imaging, SPIE Press Book, 2010.

- M. Gaft, R. Reisfeld, G. Panczer, Modern Luminescence Spectroscopy of Minerals and Materials, Springer New York, USA, 2005.

- S. Parveen , M. S. Aslam ,L. Hu, G. Xu, Electrogenerated Chemiluminescence: Protocols and Applications (SpringerBriefs in Molecular Science), Springer New York, 2013.

- A. Roda, G. Zomer, J. W. Hastings, F. Berthold, Bioluminescence and Chemiluminescence. Academic Press, Florida, 2010.

- E. G. Yukihara, S. W. S. McKeever, Optically Stimulated Luminescence: Fundamentals and Applications, John Wiley and Sons Ltd. 2011.


التصنيف : الكيمياء والفيزياء
النوع : الكيمياء والفيزياء
المجلد: المجلد السادس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 552
الكل : 30988821
اليوم : 44622