logo

logo

logo

logo

logo

التحفيز (الوساطة)

تحفيز (وساطه)

Catalysis -

التحفيز

 عبد الحليم منصور

خواص الحفّاز

لمحة تاريخية

آليّة التحفيز

التحفيز الإنزيمي

مثبِّطات التحفيز

 

التحفيز (الوساطة) catalysis في الكيمياء هو تعديل سرعة التفاعل (تسريع التفاعلات الكيميائية غالباً) بتماس موادها المتفاعلة مع مواد غريبة عنها يطلق عليها اسم الحفّازات catalysts. لا تظهر هذه المواد في معادلة التفاعل الستوكيومترية stoichiometric، وقد تُستهلك فيه ويُعاد تجديدُها لتعود في نهاية التفاعل إلى ما كانت عليه في بدايته.

خواص الحفّاز

يعمل الحفّاز على إيجاد مسارٍ بديل للتفاعل الكيميائي أسهل اتّباعاً من مساره من دون الحفّاز، ويخفّض بذلك الحاجز التحريكي المتمثّل بارتفاع طاقة تنشيط التفاعل المعنيّ عَبر نشوء حالة انتقالية أو أكثر، تتمثّل بتكوين مواد وسطية هي مُعقّدات منشَّطة ذات طاقة تنشيط activation energy أدنى من طاقة تنشيط التفاعل المعنيّ. ولا يؤثِّر الحفّاز في الحاجز الترموديناميكي للتفاعل؛ إذ يكون التغيّر الكلّي للطاقة الحرّةللجملة المتفاعلة واحداً في المسارَين المتّبعين بوجود الحفّاز ومن دونه، وليس هناك أيّ حفّاز قادر على تحفيز تفاعل لا يجري ترموديناميكياً بغيابه، فالحفّاز لا يكوّن الألفة في المواد المتفاعلة؛ بل يوقظ الألفات الهاجعة فيها. ويعمل الحفّاز بتماسّه مع المواد المتفاعلة؛ مساهماً غالباً في مرحلة التفاعل الأبطأ، وهي المرحلة المحدِّدة لسرعة التفاعل. كما يؤثر الحفّاز في شطرَي التفاعل العكوس؛ المباشَر والعكسي على نحو سواء، فهو يسرّعهما بالمقدار ذاته؛ لأن الشطر العكسي يمر بعكس المراحل التي مرّ بها الشطر المباشَر. ويعمل الحفّاز على تسريع الوصول إلى حالة التوازن من دون أن يؤثِّر فيها؛ لاقتصار دوره على اختزال الزمن اللازم لبلوغها.

وقد تطرأ تبدّلات على الحفّاز في مسار التفاعل؛ بيد أنها تبدّلات مؤقّتة، يعود بعدها في نهايته إلى ما كان عليه في بدايته، لذلك فإن بوسع جزيء واحد من الحفّاز أن يحرّض ويسرّع تحوّل أعدادٍ من جزيئات المواد المتفاعلة قد تبلغ الملايين في الدقيقة الواحدة. وتؤثر معظم الحفّازات نوعيةً في عملها على نحو انتقائي في مسار تفاعل واحد من بين عدّة تفاعلات آنيّة ممكنة.

مدة عمل الحفّاز محدودة فهو يشيخ وتنخفض فعاليته، وبصورة عامّة فإن مدة عمل الحفّاز الصناعي تقع بين 1000 و10000 ساعة يجب بعدها استبداله أو تجديده.

لمحة تاريخية

كلمة catalysis مشتقّة من اليونانية katalyein، وهي مؤلفة من الجذرين kata-، ومعناه أدنى، و-lyein ومعناه يحرّر أو يحلّ؛ وقد صاغها الكيميائي السويدي برزيليوس Berzelius على مثال كلمة analysis التي تعني التحليل.

لاحظ الكيميائيون القدامى alchemists -وعلى نحو مُبهم- أنّ ثمة تأثيراً لبعض المواد في سواها، وتأكد هذا التأثير بعدَهم لبعض الكيميائيين في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين؛ حين تبيَّن لهم أنّ الحمض يعزِّز تحويل النشا إلى سكّر؛ وأنَّ البلاتين المسحوق يعزّز تأكسد الإتانول إلى حمض الإتانويك؛ وأنّ غازَي الهدروجين والأكسجين لا يتفاعلان في مزيج منهما؛ عند درجة حرارة الغرفة إذا تُركا وحدهما ولو لمدّة طويلة جداً؛ بيد أن إدخال قطعة من البلاتين الإسفنجي إلى هذا المزيج يؤدّي إلى تكوّن الماء السائل مباشرة.

بقيت هذه الملاحظات ومثيلاتها معزولة لم يُعْنَ أحد بتوثيقها، ولم يُبذل أيُّ جهد لتفسيرها، حتى قام برزيليوس بذلك سنة 1835 فتفحّصها ومحّصها؛ وكانت أشتاتاً، وخلص إلى وضع المصطلح catalysis ، وقال إنه عُنِيَ به: "خاصيّة تأثير أجسام في أجسام أخرى"، من دون إدراك مفهوم هذا التأثير أو آليّته، وسمّى المادة التي تحدث هذا التأثير catalyst.

آليّة التحفيز

ظلّت آليّة عمل الحفّاز مدة طويلة من دون أن يكشف النقاب عن كنهها، بيد أنها ما لبثت أن أخذت تتّضح. فالحفّاز -على عدم ظهوره في معادلة التفاعل- يتدخل بصورة فعّالة في سياقه وفق آليّة تتضمن حالة انتقالية واحدة أو أكثر؛ ذات طاقة تنشيط أدنى من تلك التي يتطلبها إجراء التفاعل من دون تحفيز، ممّا يتيح لعدد كبير من الجزيئات المتفاعلة بلوغ هذه الحالة. يبين الشكل (1) مسار التفاعل.

الشكل (1) مخطّط يبيّن تغيّر طاقة الجملة المتفاعلة؛ بدلالة مسار التفاعل؛ في تفاعل محفّز وتفاعل من دون تحفيز.

للرموز المبيّنة على هذا الشكل الدلالات التالية:

Ea طاقة التنشيط،G الطاقة الحرة .

فإذا كان -على سبيل المثال- التفاعل بطيئاً جداً من دون حفّاز، ثم أضيف إليه الحفّاز (C) فتنفتح قنوات جديدة يجري فيها التفاعل؛ لعل أبسطها الشكل الآتي (المعادلات 1، 2، 3، 4):

تنشأ حالة انتقالية من معقد منشط؛ أو معقِّدات، يكوّنها الحفّاز مع مادة متفاعلة واحدة أو أكثر، وتتحول إلى منتجات التفاعل معيدة تكوين الحفّاز .

يتضمّن التفسير التحريكي لآليّة عمل الحفاز نوعين من التحفيز هما: التحفيز المتجانس والتحفيز اللامتجانس.

أ - التحفيز المتجانس:

يكوّن فيه الحفّاز مع مواد التفاعل مزيجاً متجانساً؛ أي طوراً واحداً غازيّاً أو سائلاً.

يُعدُّ التحفيز الحمضيالقاعدي من أهم أنواع هذا التحفيز، وعاملاه هما: الإيونان و، وهو يؤدّي دوراً مهماً في الكيمياء العضوية. تبدو آلية هذا التحفيز -عَبْر مفهوم كلٍّ من برونستد-لوري Bronsted-Lowry ولويس Lewis للحموض والأسس (القواعد)- بانتقال البروتونات من الحفّاز الحمضي إلى المادة المتفاعلة؛ أو من المادة المتفاعلة إلى الحفاز القاعديّ؛ أو بالتشارك بثنائية إلكترونية يقدّمها الحفّاز القاعدي ويتقبّلها الحفّاز الحمضي.

يُعدُّ تفاعل فريدل-كرافتس Friedel–Crafts بين البنزن وكلوريد الإتيل- المحفَّز بالحفّاز الحمضي اللامائي (وهو من حموض لويس بسبب العَوَز الإلكتروني على الذرة فيه) مثالاً للتحفيز الحمضي، ويجري وفق مايلي:

- يتفاعل مع (من دون وسيط) (التفاعل 5):

- يتفاعل الحفّاز مع كلوريد الإتيل (التفاعل6):

- يتفاعل الكاتيون مع البنزن (التفاعل 7):

- يتفاعل البروتون مع الجذر معيداً تكوين الحفّاز (التفاعل 8):

ب- التحفيز اللامتجانس:

يشكِّل فيه الحفّاز طوراً صلباً متميّزاً من الطور الغازي أو السائل للمواد المتفاعلة. يتكوّن الحفّاز من معادن metals انتقاليّة (مثل الحديد والنيكل) أو من أكاسيدها؛ وهي ذات سويّات طاقيّة غير مكتملة بوسعها تقبّل الإلكترونات لكونها حموض لويس؛ ومن أكاسيد مميّهة غالباً -مثل الألومين وهلام السيليس- قادرة على تبادل البروتونات.

يُعدُّ استعمال أكسيد الفاناديوم الخماسي ، حفّازاً في طريقة التّماس لصنع حمض الكبريت -مثالاً عن المعادن الانتقالية وأكاسيدها للعمل حفّازات؛ لقدرتها على تغيير درجة تأكسدها، فـ يتأكسد إلى بأكسيد الفاناديوم الذي يرجَع (يُختزل) إلى الأكسيد (التفاعل 9):

ويتأكسد بالأكسجين إلى (التفاعل 10):

يبيّن هذا المثال أيضاً أن الحفّاز قد يتبدّل في أثناء التفاعل؛ بيد أنه يعود في نهايته إلى ما كان عليه في بدايته.

يتحقق التفاعل التحفيزي غير المتجانس بتماس المواد المتفاعلة مع سطح الحفّاز، لذلك يُعمل على زيادة مساحة هذا السطح -من أجل حجم معطى للحفّاز- بغية زيادة فعاليته، وذلك بجعله على شكل دقائق بالغة النعومة؛ أو بتوزيعه على حامل صلب كبير المساحة، كما يمكن زيادة فعالية الحفّاز بإضافة قسط ضئيل من مادة منشّطة إليه؛ مثل الألومين الذي ينشّط حفّازات الحديد والنيكل في تفاعلات الهدرجة.

يعمل الحفّاز عَبر مواقع فعّالة على سطحه ترتبط عليها المادة المتفاعلة بامتزاز كيميائي يغيّر الطبيعة الكيميائية للجزيئات الممتزَّة منشئاً مركَّبات متوسطة؛ هي معقّدات منشَّطةَ قليلة الثبات.

ففي تفاعل هدرجة الإتِن إلى إتان -وهو تفاعل تحفيزي متجانس- يمر التفاعل بالمراحل التالية كما يتضح في الشكل (2).

الشكل (2) آلية الهدرجة التحفيزية للإتِن.

1- امتزاز كيميائي لجزيئات الإتِن والهدروجين على المواقع الفعّالة من سطح الحفّاز يضعف معه بعض روابطها فتتحطم (وهو أمر لا يحدث في الطور الغازي بسبب الطاقة المرتفعة التي يتطلبها هذا التحطيم)، وتُمتز نواتج هذا التحطيم على سطح الحفّاز إلى جوار بعضها.

2- انتقال ذرة هدروجين ممتزَّة أولى إلى ذرة كربون مجاورة لها في ناتج امتزاز جزيء الإتِن، يتبعه انتقال ذرة هدروجين ثانية إلى ذرة الكربون المجاورة الثانية في ناتج امتزاز جزيء الإتِن؛ ومن الجانب ذاته للرابطة المضاعفة.

3- انتزاز desorption جزيء الإتان من سطح الحفّاز.

ومن أنواع الحفّازات اللامتجانسة نوعان مهمان هدفا إلى زيادة مساحة سطح الحفّاز؛ ومن ثمّ فعاليته، وهما حفّاز الأمفورة (الجرّة) وحفّاز العنقود.

يُصنع حفّاز الأمفورة amphora catalyst من دقائق صغيرة بتقانة خاصة تتيح تشكيل كرات أو أسطونات بأبعاد تقع بين 1.5 و6 مم؛ في داخلها تجويف ينتهي بفتحة على سطحها، أخذ هذا الحفّاز اسمه من كلمة amphora؛ وهي كلمة يونانية ورومانية وتعني الجرّة.

أمّا الحفّاز العنقودي cluster catalyst فحفّاز من ذرّة معدنية أو أكثر، تحيط بها جزيئات -مثل - لتكوين بنية عنقودية تصل أبعادها إلى 12 أنغستروم ، الشكل (3).

الشكل (3) الحفّاز العنقودي.

وهي حفّازات انتقائية خاصة بالمركبات الكربونية، تعمل على هدرجتها ومصاوغتها وتعديل هيكلها الجزيئي؛ بغية تحسين المشتقات النفطية الثقيلة. من هذه الحفّازات حفّاز الروثينيوم ، وحفّاز الإيريديوم ، وحفّاز الأسميوم .

وبين التحفيز المتجانس والتحفيز اللامتجانس يقوم صنف خاصّ من التحفيز، هو التحفيز الإنزيمي enzyme catalysis.

التحفيز الإنزيمي

الإنزيم بروتين معقّد تنتجه الخلايا الحيّة؛ وهو ضروري للحياة؛ إذ يحفّز معظم تفاعلات الخليّة مثل تفاعلات الحلمهة (التحليل المائي) والأكسدة، وهو على درجة عالية من النوعيّة والتفرّد، ويحتاج للقيام بعمله إلى منشِّط مثل تميم إنزيمي. يستعمل الإنزيم أحياناً حفَّازاً -خارج العضويّة الحيّة- في تفاعلات صناعية مثل التخمّر وصناعة الأجبان ودبغ الجلود، وتتأثر فعالية الإنزيمات التحفيزية بمؤثّرات عديدة؛ مثل درجة الحرارة ودرجة الحموضة (الباهاء pH) وسواها.

تشبه آلية التحفيز الإنزيمي من حيث المبدأ الآليّات التحفيزية التي سبق ذكرها؛ من حيث توفير مسار بديل للتفاعل تنخفض فيه الطاقة اللازمة لبلوغ أعلى حالة انتقالية عن تلك التي يتطلبها التفاعل غير المحفَّز؛ من دون أن يؤثر في فرق الطاقة الحرّة بين الحالتين الأولية والنهائية للجملة المتفاعلة. لا يستهلك الإنزيم الحفّاز خلال التفاعل بل يعاد تجديده، مما يتيح له القيام بجولات تحفيزية عديدة.

مثبِّطات التحفيز

المثبِّط مادة تعوق عملَ الحفّاز إعاقة عكوسة، يمكنه بعدها أن يستعيد عافيته عند إزالة تأثير المثبِّط عنه. يُعرف المثبّط أحياناً بالحفّاز السلبي؛ وهي تسمية غير دقيقة، فهو ليس حفّازاً بالمعنى المعروف؛ إذ إنه يوفر للتفاعل مساراً ذا طاقة تنشيط مرتفعة.

يعمل المثبّط بالتأثير في المواقع الفعالة على سطح الحفّاز ولا سيما في التحفيز الإنزيمي؛ أو بتراكم منتجات تفاعلات جانبية على هذا السطح مثل تراكم فحم الكوك في عمليات التحسين التي تُجرى على المشتقات النفطية ذات الأوزان الجزيئية المرتفعة؛ أو بإزاحة مواد التفاعل المتوسطة مثل الجذور الحرّة التي يمكن أن تطلق أنواعاً من التفاعلات الكيميائية عَبْر آلية متسلسلة. وقد يعدّل المثبّط انتقائية الحفّاز -كما يحدث عند هدرجة الإتين إلى إتان بوجود حفّاز من البلاديوم -حيث يعمل مثبّطاً- مثل خلات (أسيتات) الرصاص (II)- على تحويل التفاعل إلى إنتاج الإتِن .

يؤدي التحفيز دوراً مهماً في العمليات الصناعيّة بمستوياتها المختلفة؛ من صناعة الحموض اللاعضوية إلى صناعة المشتقات النفطية؛ فصناعة منتجات الكيمياء الدقيقة مثل الروائح والعطور والمنتجات الصيدلانية.

وقد قُدّر الطلب على الحفّازات في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2011 بما يقارب 29.5 مليار دولار، كما قدّر ثمن المنتجات التي تدخل الحفّازات في تصنيعها بـ900 مليار دولار في عام 2005.

بيد أن ذلك لا يبعد الأنظار عن الدور السلبي الذي يؤدّيه التحفيز في إحداث الضرر البيئي الذي يتجلّى في مساهمته بإحداث ثقب الأوزون، وهو ما تفعله حفّازات جذور الكلور الحرّة الناتجة من تفكك مركّبات الكربون الكلورية – الفلوريّة بفعل الأشعة فوق البنفسجية، حيث يتحول جزيء الأوزون إلى جزيء الأكسجين وفق التفاعلين (11 و12):

مراجع للاستزادة:

- P. W. Atkins, Elements of Physical Chemistry, W. H. Freeman,2005.

- P. W. Atkins, et al., Elements of Physical Chemistry, Oxford University Press 2002.

- I. Chorkendorff, J. W. Niemantsverdriet, Concepts of Modern Catalysis and Kinetics, Wiley-VCH.2017.

 -R. J. Farrauto, L. Dorazio, C. H. Bartholomew, Introduction to Catalysis and Industrial Catalytic Processes, Wiley-AIChE, 2016.  

-G. A. Somorjai, Yimin Li, Introduction to Surface Chemistry and Catalysis, Wiley .2011


التصنيف : الكيمياء والفيزياء
النوع : الكيمياء والفيزياء
المجلد: المجلد السادس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 530
الكل : 29571742
اليوم : 26658