logo

logo

logo

logo

logo

التجميد (التطبيقات الحيوية)

تجميد (تطبيقات حيويه)

Freezing biology -

التجميد الحيوي

عبد الحكيم عزيزية

مفهوم التجميد

حقول الدراسة ومجالاتها

التجميد الحيوي في الكائنات الحية

تطبيقات التجميد الحيوي

التجهيزات والتقانات المستخدمة

 

التجميد الحيوي cryobiology هو أحد فروع علوم الحياة الذي يدرس أثر التجميد ودرجات الحرارة المنخفضة في الكائنات والمنظومات الحية بدءاً من درجات الحرارة المعتدلة وصولاً إلى درجات شديدة التبريد (قريّة). اكتسب هذا العلم أهميته التطبيقية في المجالات الزراعية والطبية والصيدلانية حتى الصناعية لحفظ البروتينات والخلايا والنسج والأعضاء لأغراض التخزين طويل الأمد.

مفهوم التجميد

تحتوي النسج الحية على الكثير من الماء الذي يُعدُّ المُكَوِّن الأساسي للحياة، ولا حياة من دونه، ويؤدي الماء دوراً أساسياً في العديد من العمليات الاستقلابية في الكائنات الحية، وهي تتأثر بانخفاض درجات الحرارة التي تسبب بطء عمليات الاستقلاب أو توقفها، وقد تسبب درجات الحرارة المنخفضة جداً موت الخلايا. ويميل الماء إلى التبلور بشكل صافٍ في أثناء التجمد الطبيعي في حين تتركز المواد الذائبة أو المعلقة في السائل المتبقي (الشكل 1).

الشكل (1) تبلور الماء وزيادة تركيز المواد الذائبة في أثناء التجمد الطبيعي.

يُعدّ التجميد شديد التدمير للخلايا الحية وخاصة إذا تمّ ببطء، حيث تبدأ بلورات الثلج بالتشكل في البداية خارج الخلايا بفعل تجمد السائل المحيط بها؛ مما يؤدي إلى زيادة تركيز المواد الذائبة في السائل المتبقي وانتقالها إلى الخلايا وخروج الماء بفعل الضغط الحلولي مسبباً جفاف الخلايا، وقد يصل تركيز المواد الذائبة فيها إلى درجات سامة، كما قد تتمزق الخلايا بفعل الضرر الميكانيكي لبلورات الثلج المتكونة (الشكل 2).

الشكل (2) الضرر الميكانيكي لبلورات الثلج خارج الخلايا في أثناء التجميد البطيء.

تتصلب بعض المواد مثل الغليسرول من دون تبلور، وتدعى هذه المواد جوامد لا متبلورة amorphous solids، وليس لها نقطة تجمد حقيقية، كما لا توجد لها درجة حرارة معيّنة للانتقال من طور إلى آخر، وعوضاً من ذلك يظهر تغير تدريجي في لزوجتها ومرونتها ضمن مدى من درجات الحرارة تدعى درجة حرارة التحول الزجاجي. وقد ظهر مصطلح التصلب الزجاجي (التزجيج) vitrification الذي يُعرّف بأنه التجمد الزجاجي لسائل ما بتحويل المحاليل المائية إلى حالة شبيهة بالزجاج عند تبريدها بشدة لمنع تشكل البلورات الثلجية، وذلك عن طريق إضافة موانع تجمد cryoprotectants تمنع تكونها وإحداث تبريد سريع للمحاليل.

حقول الدراسة ومجالاتها:

يهتم علم الـتجميد الحيوي بدراسة تكيف المنظومات الحيوية (الكائنات الحية الدقيقة والنباتات والحيوانات الفقارية واللافقارية التي تدخل في حالات سبات) في شروط درجات الحرارة المنخفضة، ودراسة تأثير موانع التجمد المستخدمة في الخلايا والأنسجة والأعضاء والأجنة الحيوانية والبشرية المعدَّة لأغراض التخزين الطويل، في درجات حرارة تقع دون نقطة تجمد الماء، وحفظ الأعضاء بهدف زراعتها مستقبلاً، والتجفيف بالتجميد للمواد الصيدلانية، وتحديد أثر استخدام الغازات والسوائل عالية التبريد في تخريب النسج، بما يسمى الجراحة بالتبريد المفرط (الجراحة القرّية) cryosurgery، ومعرفة آلية تشكل نوى الثلج ونموها وتحديد أشكالها وأثرها في المنظومات الحيوية.

التجميد الحيوي في الكائنات الحية:

يمتلك العديد من الكائنات الحية القدرة على تحمل درجات الحرارة تحت نقطة تجمد الماء لفترات زمنية طويلة، ويعود ذلك إلى قدرتها على تخزين موانع التجمد لحماية نفسها من أضرار بلورات الثلج المتشكلة في أثناء التجمد. ويستطيع معظم النباتات تحمل درجات حرارة تصل من 4-°س إلى 12-°س، حيث تمر بفترة تدعى التصلب hardening؛ مما يسمح لها بالبقاء عند درجات حرارة تحت 0°س من أسابيع إلى شهور. وثمة بعض البكتريا مثل Carnobacterium pleistocenium،
وChryseobacterium greenlandensis وHerminiimonas glaciei استطاعت العودة إلى الحياة بعد بقائها مجمدة في الجليد (الثلج) آلاف السنوات. كما يستطيع بعض الحيوانات كالنيماتودا (الخيطيات) وخاصة النوع Haemonchus contortus الصمود بعد تجميده مدة 44 أسبوعاً في درجة حرارة الآزوت السائل (-˚196س). ويمكن أن تبقى النطف والأجنة مجمدة وفعالة مدة 10 سنوات أو أكثر، وذلك بعد معاملتها بالواقيات من التجمد التي تحمي النسج الحية من أضرار التجميد بفعل تشكل بلورات الثلج، وقد اكتشف في أجسام الحشرات القطبية والأسماك وبعض أنواع البرمائيات مركّبات مثل الغلوكوز والغليسرول أو بروتينات مضادة للتجمد تقلل من أضراره في أثناء فترات الشتاء القاسية؛ نظراً لقدرتها على النفاذ بسهولة إلى الخلايا، وتظهر فعاليتها من خلال تركيزها في المحاليل الخلوية، ويجب أن تكون فعالة وغير سامة، أهمها:

ثنائي متيل سلفوكسيد Dimethyl Sulfoxide (DMSO) ،إتلين غليكول Ethylene glycol، غليسرول Glycerol، 2 متيل -4، 2 بينتانديول pentanediol -4، -2 2-Methyl، بروبيلين غليكول Propylene glycol، سكروز Sucrose.

تُعدّ الغليكولات أهم موانع التجمد التقليدية، وهي كحولات تحتوي على اثنين من مجموعات الهدروكسيل على الأقل، ومنها الإتلين غليكول، بروبلين غليكول، والغليسرول. يستخدم الإتلين غليكول عادة مانعَ تجمد في السيارات، ويستعمل البروبلين غليكول للحد من تشكل البلورات الثلجية في منتجات البوظة، كما استخدم الغليسرول وDMSO لفترات طويلة للحد من تشكل البلورات الثلجية خلال حفظ السوائل المنوية والأجنة المجمدة في الآزوت السائل. تتميز خلائط موانع التجمد بسمّية أقل وفعالية أكبر مقارنة باستخدامها على نحو مفرد، ومن الخلائط المستخدمة خليط من مركّب DMSO وبروبلين غليكول ومادة شبه غروية.

تتميز بعض موانع التجمد بتخفيض درجة حرارة التحول البلوري للمحاليل أو المواد، وبذلك يمنع تجمدها الفعلي، وتعطي المحاليل بعض المرونة ومظهراً زجاجياً. كما تؤدّي دوراً في تشكيل روابط هدروجينية بين الجزيئات الحيوية؛ مما يحمي البروتينات والـدنا DNA، ويسمح للمواد الحيوية بالحفاظ على تركيب محاليلها الفيزيولوجية وقدرتها على أداء وظائفها على الرغم من عدم بقائها في بيئة مائية. كما تعمل على الحد من تبلور الماء في المحاليل الخلوية خلال التجميد، وبدلاً من حدوث تجمد تصبح الجزيئات بطيئة الحركة ضمن المحلول كلما انخفضت درجة حرارته إلى أن تصبح ساكنة ومحجوزة ضمن حيز غير بلوري في درجات الحرارة المنخفضة جداً، وعندئذٍ يمكن القول: إن المحلول وصل إلى مرحلة التحول الزجاجي (الشكل 3).

الشكل (3) دور موانع التجمد في الحد من تشكل البلورات الثلجية في المحاليل الخلوية.

تضاف موانع التجمد إلى المنظومات الحيوية قبل تبريدها بشدة لمنع حدوث ضرر للخلايا خلال عملية التجميد (الشكل 4).

الشكل (4) دور موانع التجمد في المحافظة على سلامة الخلايا خلال عملية التجميد.

مع تعدّد النظريات التي شرحت آلية عمل موانع التبلور فإن طريقة تأثيرها مازالت غير معروفة بدقة، كما أنها قد لا تكون قابلة للتطبيق على جميع أنواع الخلايا والمنظومات الحيوية.

يُؤثر العديد من العوامل في نجاح استخدام موانع التجمد في الخلايا والمنظومات الحيوية، فهي تعتمد أولاً على نوع الخلايا وحجمها وتركيبها ومرحلة نموها ومحتواها من الماء والدهون، إضافة إلى كثافتها، وثانياً على تركيب وسط التجميد ونسبة التبريد ودرجة حرارة التخزين ومدته.

تطبيقات التجميد الحيوي

ظهرت أولى استخدامات علم التجميد الحيوي قبل نحو 2500 سنة قبل الميلاد في الطب المصري الذي استعمل البرودة لإيقاف النزف والانتفاخ. وقد استخدمت موانع التجمد في حفظ السوائل المنوية للثيران بالتجميد للمرة الأولى عام 1949، ومنذ ذلك الوقت استخدم التجميد الحيوي وموانع التجمد في حفظ العديد من الأعضاء والنسج والخلايا في درجات الحرارة المنخفضة؛ مما سمح بتخزين الخلايا المعلقة كالدم والنسج الرقيقة في درجة حرارة الآزوت السائل. كما استخدم التجميد الحيوي في تخزين النطف والبيوض والأجنة، وقد مكّن هذا من ولادة أول جنين بشري مجمداً عام 1984، ومنذ ذلك الحين أدخلت الآلات المبرمجة على مستوى العالم لتهيئة الخلايا الحيوانية والبشرية قبل تجميدها بدرجة حرارة الآزوت السائل (الشكل 5).

الشكل (5): أ- سلامة الأنسجة المجمدة بطريقة التزجيج.

ب – تضرر الأنسجة المجمدة بالطريقة التقليدية.

يسمح التصلب الزجاجي بتصلب نسج الأعضاء الكبيرة كالقلب والكلى من دون الإضرار ببنيتها نتيجة لعدم تشكل بلورات ثلجية؛ مما يسمح بتخزينها في درجات حرارة شديدة الانخفاض تصل لـنحو - 196°س. ويسعى العلماء في الوقت الراهن إلى تطوير طرائق تقلل من سمية موانع التجمد المستخدمة في التصلب الزجاجي للأعضاء المراد زراعتها مستقبلاً. وقد ظهر علم جديد يدعى العلاج بالتبريد المفرط (القرّي) Cryonics يهتم بتجميد الحيوانات الأليفة أو البشر الميتين (قانونياً) عند درجة حرارة الآزوت السائل أملاً بإعادتهم مستقبلاً إلى الحياة.

تُستخدم موانع التجمد في الزراعة برش المحاصيل الزراعية قبل حدوث الصقيع للحد من تضررها، وفي المجال الصناعي تستعمل موادّ حافظة، مثل السكريات، لحفظ بعض الأغذية من من دون التخوف من سميتها، كما أنَّ معظم لحوم الدواجن الخام المجمدة تحتوي على محاليل من الماء والسكروز وفسفات الكلسيوم. كما تستخدم موانع التجمد لإعطاء الملمس الناعم في منتجات المثلجات بوساطة الحد من تشكل بلورات ثلجية في المنتج.

التجهيزات والتقانات المستخدمة

هناك نظريتان تدعمان آلية حفظ الخلايا بالتجميد، وتبين أنَّ آليات التجميد السريعة جداً تسبب تشكل البلورات الثلجية داخل الخلايا فتقتلها، كما تسبب عمليات التجميد البطيئة قتل الخلايا بفعل الضرر الميكانيكي لبلورات الثلج المتشكلة خارجها، أو بفعل التأثير السام الناتج للمحلول المتبقي، ويكون الضرر الناجم عن تشكل الثلج داخل الخلايا أشد مقارنةً بتشكله خارجها. ويمكن الحد من تشكل نوى البلورات الثلجية باستخدام تقنية التزجيج.

في المجال الطبي يتطلب الحفظ بالتجميد للأعضاء والنسج المعدّة للزرع استخدام محاليل خاصة للحد من تأثرها بالحموضة، مثل الفياسبان Viaspan، وكيتوغلوتــاريت الهســتيدين تــريبتوفان Histidine-Tryptophane-Ketoglutarate (HTK)، المصممة لهذا الغرض خصوصاً، وقد يضاف بعض العناصر للتقليل من أضرار الجذور الحرة radicals free، ومنع تشكل الوذمات إضافة إلى تعويض خسارة الأدينوزين ثلاثي الفسفات Adenosine Triphosphate (ATP).

ويستخدم حالياً الآزوت السائل وسطاً للتبريد؛ لأنه خامل حيوياً ومتوفر ورخيص نسبياً. و طُوِّرت العديد من الحاويات التي تستخدم الآزوت السائل في تخزين السائل المنوي المستخدم للتلقيح الصنعي ونقله، أو لنقل الأجنة عبر القارات، حيث يبقى الآزوت السائل فيها حتى 60 يوماً. وصممت هذه الحاويات بحيث تكون ذات فتحات صغيرة بقطر 6.25 سم؛ لتقلل من تسرب الحرارة (الشكل 6)، كما طورت عدة نماذج منها لتلائم نقل مواد حيوية أخرى لا يمكن أن تدخل في مثل هذه الفتحات الصغيرة.

الشكل (6) مقطع طولي في خزان الآزوت السائل.

مراجع للاستزادة:

- E. E. Benson, B. J. Fuller, and N. Lane, Life in the Frozen State, CRC Press 2019.

-R. C. Chian, Cryobiology: an Overview. Cambridge University Press, 2010.

- C. Gunn, A Comprehensive Introduction to Cryobiology, Larsen and Keller Education 2017.

- S. F. Mullen and J. K. Critser, The Science of Cryobiology. In: Oncofertility. Woodruff. T. K. and Snyder. K. A. (eds.), Springer. 2007.

- M. J. Tucker, Vitrification in Assisted Reproduction, CRC Press 2015.


التصنيف : العلوم والتقانات الزراعية والغذائية
النوع : العلوم والتقانات الزراعية والغذائية
المجلد: المجلد السادس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 569
الكل : 31132951
اليوم : 34341