logo

logo

logo

logo

logo

الإدمان (بيولوجيا-)

ادمان (بيولوجيا)

Addiction biology - Dépendance biologique



الإدمان (بيولوجيا(-

 

النيكوتين الفارماكولوجيا العصبية Neuropharmacology
الحشيش Hashish (Hash)/الماريغوانا   Marijuana الكافئين
LSD القات
الكحول الكوكائين
الأمفيتامينات المورفين
أشكال أخرى من الإدمان الهيروئين

 

 

 

 

الإدمان  addiction حالة تنتج من تعاطي شخص مادة معينة (مثل الكحول أو الكوكائين أو النيكوتين أو غيرها)، أو مشاركته في فعالية ما (مثل المقامرة أو رهان السباقات)، وقد يكون تعاطيه أو مشاركته ممتعين له، لكن المثابرة على ذلك تتحول إلى إدمان لايستطيع الخلاص منه بسهولة، وغالباً ما يحتاج إلى معونة طبية ونفسية واجتماعية لمساعدته على التخلص من إدمانه الذي يمكن أن يعرقل سير حياته وصحته وتفكيره وسلوكه وأعماله على نحو طبيعي. ومالم يعالَج المدمن فقد يتطور هذا المرض إلى العجز الكامل أو الموت، ومع معرفة المدمن بأضرار الإدمان وخطورته؛ فإنه غالباً لايستطيع التخلص منه بسهولة.

يسبِّب إدمان الكحول والتبغ والعقاقير المخدِّرة أو المنشِّطة أو المهلوِسة عبئاً ضخماً على مجتمعات جميع البلدان؛ سواء من حيث نفقات المعالجات الطبية أم من حيث الموت المبكر (ففي الولايات المتحدة الأمريكية – على سبيل المثال – يتسبب التدخين بموت نحو 450 ألف شخص سنوياً)، أم من حيث الأضرار الاجتماعية مثل تفشي الجريمة بأشكالها المختلفة والتأثير السيئ في الحياة العائلية والمعاناة الشخصية والعجز وما إليها. ترتبط أشكال الإدمان بعدد من النظم والعلوم، وخاصة الطبية والنفسية والكيميائية والفيزيولوجية والقانونية والاجتماعية والحيوية، وتزداد أهمية معرفة الآثار الاجتماعية والثقافية والاقتصادية مع تزايد المعرفة العلمية ببيولوجيا الإدمان.

الفارماكولوجيا العصبية Neuropharmacology

الشكل (1) المشبك العصبي

العصبونات neurons هي الخلايا العصبية التي تعالج المعلومات في الدماغ. والنواقل العصبية neurotransmitters هي مواد كيميائية تطلقها في المشابك synapses، وهي الفجوات الدقيقة الفاصلة بين العصبونات (الشكل 1). تقوم هذه المواد بنقل دَفعات impulses من خلايا عصبية إلى أخرى مماثلة أو عضلة أو عضو أو نسيج آخر.  تتحرك هذه النواقل عبر المشابك وترتبط ببروتينات تدعى مستقبِلات receptors في الغلف الخلوية للخلايا المجاورة، وبمجرد أن ينشِّط ناقل عصبي المستقبِل الخاص به فإنه يتحرر منه ويُزال من المشبك، ويتم ذلك إما باستعادته إلى العصبون الذي أفرزه، وإما بتهدمه كيميائياً.

يمكن أن يمتلك العصبون آلاف المستقبِلات لكثير من النواقل العصبية، بعضها تنشِّط العصبونات، وتدعى نواقل عصبية إثارية excitatory، في حين يُنقص بعض آخر نشاطها؛ وتدعى نواقل عصبية مثبِّطة inhibitory.

يتوقف نشاط العصبون على الآثار المتجمعة لجميع مستقبِلاته، وثمة عدة مستقبِلات نوعية في الدماغ لكل ناقل عصبي، وهنالك عدة نماذج من المستقبِلات تستجيب للناقل العصبي نفسه، وثمة أنواع منها ذات علاقة بالاستجابة لإساءَة استعمال العقاقير، ويُذكر من النواقل العصبية الدوبامين dopamine والنورإيبينِفرن norepinephrine والسيروتونين serotonin، وغيرها.

تُغيِّر العقاقير التي تؤثر في الدماغ - بما فيها عقاقير الإدمان - من النشاط الفارماكولوجي العصبي بآليات متعددة، فهي تؤثر في إنتاج النواقل العصبية أو إطلاقها أو استرجاعها، ويمكن أن تحاكي أو تمنع فعل ناقل عصبي عند مستقبِله، أو تتآثر أو تزيد نشاط غلاف خلوي أو آلية خلوية مرتبطة بالمستقبِل، ويؤدي الاستعمال المديد للعقار إلى تغيير كل من هذه الوظائف.

وفيما يأتي عرض موجز لأهم أنواع عقاقير الإدمان:

الكافئين

الكافئين  caffeineهو أحد منبهات الجهاز العصبي المركزي الأكثر انتشاراً في العالم، يتم تناوله أساساً في مشروبي القهوة والشاي، كما يوجد في الكاكاو والشوكولاته ومشروبات الكولا. تنتمي هذه المادة إلى مجموعة من المركبات تدعى المِتيل كزانتينات methylxanthines، ويعود تأثيرها المنبِّه إلى إعاقة التأثير المثبط للناقل العصبي الأدينوزين في المستقبِلات. تثبط هذه المادة كلاً من نموذجي مستقبِل الأدينوزين: A1 و A2؛ لكنها أكثر تأثيراً في المسقبِل A1، وبسبب ذلك فإن إعاقة مستقبِلات الأدينوزين تسبب زيادة نشاط الغلوتامات. كما أن الكافئين يزيد مستويات النورإيبينيفرين norepinephrine والسيروتونين serotonin، مايساهم في التأثير المنبه للكافئين في الجهاز العصبي المركزي، ولم يُبَت تأثيره في الدوبامين بعد.

اختلفت الآراء حول الأضرار المحتملة من زيادة تناول هذه المادة، ويشير كثير من الباحثين إلى أن تناول كميات معتدلة منها لايسبب أضراراً تُذكر، ويرى آخرون أن الإسراف في استهلاكها دليل على كونها مسببة للإدمان، وهنالك أدلة قوية على اختلاف استجابة البشر لتأثير الكافئين، ويُعزى ذلك إلى اختلاف معدلات استقلابه وامتصاصه في الجهاز الهضمي، ويبدو أن كبار السن يظهرون حساسية أكبر لآثاره المنشطة من الأصغر سناً؛ مثل تأثير الكافئين المسبب للأرق، ويمكن لبعض الناس أن يُظهر تحملاً tolerance  لبعض مظاهر آثار الكافئين بالاستمرار مدة طويلة في تناوله؛ مثل زيادة معدل ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم؛ إضافة إلى بعض الآثار السلوكية مثل الحذر والتيقظ alertness والضعف العام.

يمكن أن يؤدي التوقف عن التناول المزمن للكافئين إلى آثار متعددة أهمها تغير المزاج والسلوك والنعاس والصداع، وقد تكون هذه التغيرات عائدة إلى الزيادة التعويضية في مستقبِلات الأدينوزين المتسببة من المنع المزمن للكافئين؛ لكن هذا التفسير يحتاج إلى إثبات قاطع.

القات

الشكل (2) مضغ القات
الشكل (3) شم الكوكائين

القات khat هو جَنبَة مزهرة دائمة الخضرة تُستعمل أوراقها وغصيناتها الغضة لتأثيرها المنبِّه، وتحتوي مادتين فعالتين هما: الكاثين cathine والكاثينون cathinone. منشؤه شرق إفريقيا، وينتشر فيها وفي بعض مناطق شبه جزيرة العرب؛ وعلى الأخص في اليمن حيث يُعد استعماله من المظاهر الاجتماعية.

يُستعمل القات بمضغ أوراقه و”تخزينها” في الفم بجانب الحنك (الشكل 2)؛ وأحياناً في الجانبين، ويتناول الشخص “المخزِّن” بين حين وآخر شيئاً من الماء أو المشروبات الغازية لاستخلاص المواد الفعالة منه؛ ما يسبب شعوراً منبهاً. تستمر جلسات القات عدة ساعات بعد تناول طعام الغذاء يتجمع خلالها الـ”مخزّنون” في غرفة كبيرة ويدخنون السجائر والنارجيلة، وينفضُّون في المساء حيث يرمون مخلفات القات من أفواههم  ويزيلون “يفسخون” تأثيره بشرب اللبن (الحليب).

يشير بعض الباحثين إلى أن القات يسبب لدى متعاطيه شعوراً بالعظمة، أو الارتياب والشك، أو الكوابيس والهلوسة، إلى جانب فرط النشاط، ويقول بعض آخر إنَّ إدمانه قد يولد العنف أو الاكتئاب. أما تأثيره في الصحة فيقال إن إدمانه يسبب ارتفاعاً مباشراً في ضغط الدم ومعدل ضربات القلب، وأرقاً وعللاً هضمية وتلون الأسنان، وإمكان حدوث صعوبة في التنفس. وقد يتسبب الإدمان المزمن بحدوث تلف في الكبد ومشاكل قلبية؛ وعلى الأخص احتشاءات في عضلة القلب. إضافة إلى ذلك الآثار الاقتصادية الناجمة عن زراعته وانتشاره، ففي اليمن مثلاً قُطِعت أعداد كبيرة من أشجار البن اليمني الشهير لتزرع محله شجيرات القات التي تصرف أموال طائلة في رعايتها ووقايتها من الحشرات والأمراض وريِّها وتسميدها، وينفق المتعاطون سنوياً أموالاً طائلة لشراء القات يومياً وتناوله بانتظام، مما يؤثر في وضعهم المعيشي، ومن ثمَّ الغذائي والصحي لهم ولعائلاتهم، إضافة إلى ضياع عدة ساعات يومياً يقضيها مستعملو القات في مجالسه.

الكوكائين

الكوكائين  cocaine عقار منشط قوي المفعول يُنتَج من أوراق نبات الكوكا coca في أمريكا الجنوبية، يسبب شعوراً قصير المدى بالشَّمق (الخفة والنشاط) وبالطاقة والميل إلى الثرثرة، بالإضافة إلى آثار صحية خطرة مثل ازدياد ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم، وإدمانه مرض ناكس تسببه تغيرات في الدماغ تؤدي إلى استمرار الطلب على العقار من دون اهتمام بنتائجه الضارة.

يستنشِق المدمن مسحوق الكوكائين فيُمتص عبر الغشاء المخاطي للأنف (الشكل 3)، أو يُذاب في الماء ويُحقن وريدياً في الدم. والكراك crack هو ضرب من الكوكائين تم تصنيعه بشكل بلوري قاسٍ يمكن تدخينه بالتسخين لإنتاج أبخرة يستنشقها المدخِّن تُمتص في مجرى الدم في الرئتين.

تتوقف شدة مفعول الكوكائين ومدته على طريقة تعاطيه، فالحقن في الوريد أو التدخين يُوصله إلى الدم والدماغ بسرعة ومن ثم يظهر مفعوله في وقت قصير، لكن الشعور بآثاره لايستمر طويلاً بعكس المفعول الناجم عن الشم snorting الذي يمكن أن يستمر نحو 15–30 دقيقة، مقابل 5–10 دقائق عند تدخين هذا العقار، ويلجأ كثير من المتعاطين إلى تناول الكوكائين على نحو متكرر في فترات قصيرة وبجرعات متزايدة؛ مما يؤدي إلى الإدمان.

يحدث تأثير الكوكائين بتنبيه قوي للجهاز العصبي المركزي مما يزيد مستويات الدوبامين في مراكز الدماغ المنظمة للشعور بالسعادة والحركة، ويمنع تدوير (إعادة تصنيع) الدوبامين مما يسبب تراكم كميات كبيرة منه في المشابك العصبية synapsis أو نقاط الاتصال بين العصبونات، ويتسبب ذلك بتضخيم آثار الدوبامين ما يُخل بالاتصالات الدماغية الطبيعية، وهذا الفيض من الدوبامين هو ما يسبب الآثار المميزة للكوكائين.

يؤدي الاستعمال المتكرر والمديد للكوكائين إلى تغييرات عدة في جهاز الاستمتاع في الدماغ، وإلى زيادة في قدرة مستعمِل العقار على تحمله، مما يدفع إلى زيادة الكميات التي يتعاطاها المدمن وزيادة تكرارها، وبديهي أن يؤدي ذلك إلى زيادة المخاطر النفسية والفيزيولوجية التي تصيب المدمنين.

يؤثر الكوكائين في الجسم بطرائق عدة، فهو يسبب انقباض الأوعية الدموية، وتوسيع حدقات العيون، وارتفاع درجة حرارة الجسم ومعدل ضربات القلب، والصداع، ومضاعفات هضمية وغثياناً، إضافة إلى ذلك فإنه يسبب نقص الشهية ومن ثمَّ سوء التغذي، ويؤدي إلى زيادة احتمال الإصابة بأمراض القلب والجلطات، ما قد يسبب الموت الفجائي الذي غالباً ما ينجم عن توقف القلب. يضاف إلى ذلك فقد حاسة الشم لدى المدمنين على شم هذا العقار، وترتفع الإصابة بمرض التهاب الكبد C ونقص المناعة بسبب نقل ڤيروس نقص المناعة المكتسب HIV من شخص مصاب إلى آخر يستعملان الحقنة ذاتها؛ أو الشذوذ الجنسي الذي يصيب بعض المدمنين. وإذا استعمل الكوكائين عن طريق الفم فإنه قد يسبب غَنْغَرينَة  gangrene معوية بسبب نقص توارد الدم إلى المعي. يتصف المدمن بتهيجه وقلقه وبجنون الشك والهلوسة، وتزداد خطورة الكوكائين إذا تناول المدمن معه عقاقير أخرى أو مشروباً غولياً (الكحول)، فمثلاً يؤدي تناول الكوكائين مع الهيروئين إلى احتمال الموت.

المورفين

الشكل (4) محافظ الأفيون
الشكل (5) طريقتان لاستعمال الهيروئين

المورفين مادة من أشباه القلويات، بيضاء اللون تميل إلى الصفرة قليلاً، مرّة المذاق عديمة الرائحة، تُستخرج من نبات الخشخاش poppy، وقد أمكن تصنيعها مخبرياً. يُعبَّأ المورفين سائلاً في أمبولات زجاجية، واستخدامه محصور دوليّاً وقانونياً في الأغراض الطبية، ويؤدي  استعماله خارج هذا المجال إلى الإدمان العاجل.

يؤثر المورفين أساساً في الجهاز العصبي المركزي فيؤدي إلي تسكين الألم والاسترخاء والنوم، وهو مثبط لمراكز التنفس والسعال وتنظيم الحرارة، وكلها أعراض مباشرة  للتثبيط الذي يصيب الجهاز العصبي. يستخدم المورفين في التخدير ومسكناً قوياً للآلام ولاسيما في العمليات الجراحية والسرطانات ولوقف الإسهال، ومادة الكودئين فيه توقف السعال. وللمورفين بعض التأثيرات المنشِّطة لبعض مناطق الجهاز العصبي، تظهر في صورة غثيان وقيء وتضيق حدقة العين وهبوط في سرعة النبض.

يحدث التسمم  نتيجة تعاطي جرعات زائدة من المورفين، وذلك في أثناء العلاج؛ أو بسبب الانتحار أو في أثناء تعاطيه بوصفه عقار إدمان.

تظهر أعراض التسمم بعد نحو نصف ساعة إذا جرى تناول العقار عن طريق الفم ، وبعد دقائق إذا أُخذ حقناً، وتتظاهر في صورة سبات و ضعف في التنفس، كما ينخفض ضغط الدم ويضعف النبض ويشحب الجلد مع زيادة إفراز العرق وتضيق حدقة العين بدرجة كبيرة، وينتهي الأمر بالوفاة نتيجة شلل المراكز العصبية وخاصة مركز التنفس.

يزرع الخشخاش في كثير من البلاد الآسيوية، وتعد أفغانستان من المصادر الرئيسة له. وعندما يصل ارتفاع النبات إلى نحو المتر وتنضج محافظه (الشكل 4) يقوم المزارعون بجرحها فتسيل منها مادة راتنجية حليبية لزجة ؛ تُترك لتجف على المحافظ، ثم تُجمع بالحكّ وتُكتّل بشكل كتل من الأفيون الخام الذي يستخرج منه نحو 25 مركباً من القلويدات  alcaloids منها: المورفين  Morphine والتيبائين   Thebaine والكودئين Codeine والباباڤيرين Papaverine والنارسئين Narceine  والناركوتين Narcotine  وغيرها. تُعد الصناعة الكيمائية للأفيون ومشتقاته من أهم الصناعات الدوائية، ويأتي عقار الهيروئين  في مقدمتها.

ظلَّ المورفين زمناً طويلاً المركب الأساسي المستعمل في المداواة، ويمثل المصدر الرئيس للانسمام الأفيوني، ثم حلّ محله بمرور الزمن أحد مشتقاته الصناعية المهمة وهو الهيروئين، وتركيبه الكيميائي ثنائي أستيل مورفين .diacetylmorphine يتميز الهيروئين بأنه يُستعمل عن طريق الأنف والفم ومخاطية الجلد، كما يمتاز بسهولة الاستعمال والقدرة الهائلة على السيطرة على المريض، وهو أكبر فعالية من المورفين بخمس مرات.

يحتوي الأفيون على مقادير ضئيلة من الكودئين الذي يصنَّع حالياً من المورفين. وقد أوضحت بعض الدراسات أن هناك نوعاً من الخشخاش يسمى الخشخاش النحيل الأوراق، غني جداً بالتيبائين الذي يعد غير مسبب للإدمان، ويُحضَّر الكودئين من هذا القلويد.

الهيروئين

الهيروئين  heroinعقار أفيوني المفعول يصنَّع من المورفين morphine، وهو مادة توجد في خلاصات البراعم البذرية من نباتات الخشخاش الآسيوي، ويكون الهيروئين على شكل مسحوق أبيض أو بني اللون، أو مادة سوداء دبقة تعرف باسم هيروئين القطران الأسود black tar heroin.

والهيروئين - على شاكلة الكوكائين - يمكن استعماله حقناً أو تدخيناً أو شماً (الشكل 5)، وفي جميع هذه الوسائل فإن العقار يصل إلى الدماغ بسرعة كبيرة، وإدمانه مرض مزمن ناكس ناشئ من تغيرات دماغية يسببها هذا العقار، وتؤدي إلى إدمانه، من دون أي اهتمام بأضراره الكثيرة.

يتحول الهيروئين بعد دخوله الدماغ إلى مورفين يرتبط بجزيئات على الخلايا المعروفة باسم المُستقبِلات الأفيونية opioid receptors؛ موجودة في عدة مناطق من الدماغ (وفي الجسم أيضاً)، ولا سيما تلك المشاركة في الإحساس بالألم والنشوة. توجد هذه المستقبِلات في جذع الدماغ brain stem الذي يتحكم بوظائف مهمة جداً للحياة، مثل ضغط الدم واليقظة والتنفس، وتؤدي الجرعات الزائدة من العقار إلى توقف التنفس الذي يمكن أن يكون مميتاً.

يذكر كثير من المدمنين أن جرعة من الهيروئين عن طريق الدم تسبب شعوراً بالنشاط والخفة مترافقاً وجفاف في الفم وتوهج في حرارة الجلد، إضافة إلى تثاقل في الأطراف وضبابية في القدرات العقلية، يلي ذلك حالات من الشعور بالنعاس.

وكما هي الحال في العقاقير المخدِّرة الأخرى فإن الهيروئين يسبب تغييرات في وظائف الدماغ، منها حدوث ظاهرة الاعتياد، وهو الإدمان؛ إذ يحتاج المدمن إلى زيادة الجرعات التي يستعملها مرة بعد أخرى كي يحصل على الشعور الذي كان يحس به سابقاً.

أخطار هذا العقار كثيرة، يأتي في مقدمتها الإصابة بالتهاب الكبد C ومرض نقص المناعة المكتسب نتيجة استعمال المدمنين حقناً مشتركة؛ إذا كان بعضهم مصاباً بأحد الأمراض التي تنتقل عن طريق الدم أو مفرزات الجسم. وقد يصاب المدمنون بعدوى في بطانة القلب وصماماته، وبإمساك ومغص معوي، وأمراض كبدية وكلوية، إضافة إلى الإصابة بأمراض تنفسية تتضمن أشكالاً مختلفة من الالتهابات الرئوية. ومن جهة أخرى فإن الهيروئين الذي يباع في الشوارع والأزقة غالباً ما يحتوي على ملوِّثات سامة أو إضافات يمكن أن تسبب انسداد الأوعية الدموية  المؤدية إلى الرئتين أو الكبد أو الكليتين أو الدماغ؛ مسببة أضراراً دائمة فيها.

يستعمل بعض المدمنين – ولا سيما اليافعين منهم - عقاقير دوائية مصنَّعة مضادة للألم، وتباع بموجب وصفات طبية - مثل الأُكسيكونتين Oxycontin والفيكودين Vicodin - وهي تعطي مفعولاً مماثلاً للهيروئين، وتعدّ من أكثر العقارات الصيدلانية التي يُساء استعمالها في الولايات المتحدة الأمريكية، ويرى بعض الباحثين أن استعمالها يفتح الباب أمام الانتقال إلى استعمال الهيروئين.

النيكوتين

النيكوتين هو من أهم المواد النفسية المفعول psychoactive المسؤولة عن تكوين إدمان التدخين واستمراره، وهو المادة الرئيسة في التبغ. والتدخين سلوك بالغ التنظيم؛ إذ إنّ المدمنين بالغو الدقة في الحفاظ على مستويات معينة ثابتة من النيكوتين في الدماغ. يمتلك النيكوتين تأثيرات جسدية وتغير المزاج، وهذه التأثيرات ممتعة مؤقتاً، وتحفِّز إلى الاستمرار بتدخين التبغ، وإلى الاعتماد عليه، وفي الوقت نفسه فإن الإقلاع عن التدخين يسبب أعراض الامتناع عن استهلاكه؛ بما فيها الاهتياج والقلق. وقد أشارت بعض الدراسات الحديثة إلى أن تدخين 1–4 سجائر في اليوم قد يؤدي إلى الإصابة بأمراض عديدة، أهمها أمراض القلب وسرطانات الرئتين وغيرها كثير، وقد يؤدي ذلك إلى الموت.

يؤدي التدخين إلى دخول النيكوتين إلى الرئتين مباشرة حيث يتم امتصاصه في الدم الغني بالأكسجين الذي يحمله إلى القلب، ومن ثم يُضخ إلى الأوعية الدموية والدماغ، أما النيكوتين الذي يُستهلك بوساطة الشم أو المضغ فإن امتصاصه يتم عن طريق الأغشية المخاطية في الفم، ويصل إلى الدماغ على نحو أبطأ، ولكن استعماله باستمرار يؤدي إلى وجوده في الدم والدماغ بمستوى ثابت.

الحشيش Hashish (Hash)/الماريغوانا  Marijuana

الشكل (6) أوراق القنب
الشكل (7) سيجارة مليئة بالماريغوانا

يدعى أيضاً القنب Cannabis والكنجا Ganja  والعشبة Grass (الشكل 6). ومن آثاره النشوة euphoria والاسترخاء والنعاس، وله أحياناً آثار جانبية غير مرغوبة تزداد بازدياد الجرعة المستعملة، ويعد من أكثر العقارات غير القانونية استعمالاً في الولايات المتحدة الأمريكية.

الماريغوانا خليط أخضر أو بني أو رمادي اللون من أوراق مجففة من بعض أنواع القنب، يمكن لفها بشكل سجائر أو سيجار لتدخينها (الشكل 7)، ويخلطها بعض الناس بالطعام لأكلها معه، وقد تسبب اعتياداً لدى الناس بعد استعمالها فترة من الزمن.

يؤدي تدخين الماريغوانا إلى علامات وأعراض سريعة متوقعة، ويؤدي مضغها إلى آثار أبطأ؛ وأحياناً أقل توقعاً. وتتضمن الآثار الجانبية لاستعمال الماريغوانا:

- تناقصاً مؤقتاً في الذاكرة.

- جفاف الفم واحمرار العينين.

- نقصاً في القدرات الحركية.

أما أكثر الآثار شدة فهي: الذعر وجنون العظمة والاضطراب العقلي (الذهان) الحاد، وهي أكثر حدوثاً عند مستخدمي العقار الجدد أو المصابين بأمراض نفسية. ويتقاطع هذا العقار غالباً مع عقاقير مهلوسة وأكثر خطورة منه، مما يسبب ارتفاعاً فجائياً في ضغط الدم وآلاماً صدرية مع تشوش في ضربات القلب، وكذلك يمكن حدوث فرط نشاط وعنف جسماني، وربما أزمة قلبية وسكتة دماغية.

تسمح بعض الولايات الأمريكية وهولندا وغيرها ببيع الماريغوانا للاستهلاك، ويمكن استعمال المادة الفعالة فيها المسماة -9هِدروكانابينول   9-tetrahydrocannabinpol (THC)  التي تحدث في الإنسان آثاراً تتفاوت من الاسترخاء البسيط والنشوة والتسكين والجوع إلى الأعمال الهجومية) لمعالجة الدوار الناجم عن المعالجة الشعاعية للسرطان، ولتحسين الشهية في حالات نقص الوزن الشديد الناجم عن مرض نقص المناعة المكتسب AIDS.

LSD

واحد من أقوى المهلوِسات  hallucinogens، آثاره لايمكن التنبؤ بها، وتعتمد على الكمية المستعملة منه، ويكفي عادة استعمال نحو 25 مكروغراماً منه لإحداث الهلوسة.

وقد يتخيل مستعملوه ألواناً مختلفة وأشكالاً وأصواتاً غريبة، ويتصورون أشياء ليست موجودة فعلاً، ويعانون تغيراً شديداً في أمزجتهم، وقد تستمر هذه الأعراض حتى 12 ساعة. أما آثاره القصيرة المدى فتتضمن اتساع حدقة العينين وارتفاع درجة حرارة الجسم أو انخفاضها وارتفاع ضغط الدم أو انخفاضه وتسرع النبض والتعرق وفقد الشهية والأرق وجفاف الفم، وأعراضاً عديدة أخرى.

يصنَّع الـ LSD  من حمض الليسرجِك  lysergic acid الذي يوجد في فطر الإرغوت المهماز  ergot الذي ينمو على الجودار وغيره من الحبوب، ويتم تصنيعه في الولايات المتحدة الأمريكية خاصة على شكل بلوري في مختبرات غير قانونية؛ وتحول البلورات إلى سائل للتوزيع، وهو عديم الرائحة واللون، مذاقه خفيف المرارة.

ويُعرف هذا العقار باسم acid (حمض) وأسماء عديدة أخرى، ويباع حبوباً صغيرة أو كبسولات أو مربعات جيلاتينية، كما يُباع سائلاً أحياناً، ومهما كان شكل تعاطيه فإنه يقود مستعمله نحو مكان واحد هو الانفصام الشديد عن واقعه.

الكحول

الشكل (8) النسب المئوية للكحول في بعض المُسكِرات

الإتانول ethanol أو الكحول الإتيلي  ethyl alcoholهو مادة مُسكِرة توجد في البيرة والخمر والمشروبات الروحية، يتكون الكحول بتخمير  السكريات والخميرة والنشويات. وهو مادة مُخَمِّدة للجهاز العصبي المركزي تمتص بسرعة من المعدة والأمعاء إلى الدم. ويُعد المشروب المعياري معادلاً 18 غراماً من الإتانول النقي، أو نحو 360 غراماً من البيرة، أو 150 غراماً من النبيذ، أو 45 غراماً من مشروبات روحية “قوية” مثل الجِن والروم والڤودكا والويسكي. ويوضح الشكل (8) محتويات بعض المُسكِرات من الكحول.

يؤثر الكحول في كل عضو من جسم شاربه ويمكن أن يُضر بالجنين في رحم أمه، ويمكن أن يسبب التخميد الذي يُحْدِثُه ضرراً في وظائف الدماغ والقدرات الحركية، وتغيرات واضحة في المزاج والسلوك الذي قد يصل إلى درجة العدوانية، ويجعل التفكير والحركة المتزنة أموراً صعبة، كما يمكن أن يسبب الاستعمال المفرط منه خطر الإضرار بالقلب - بما في ذلك اعتلال عضلة القلب الكحولي المنشأ، واضطراب النظم، وارتفاع ضغط الدم والسكتة القلبية - أو الإصابة بسرطانات معينة منها سرطانات الفم والمريء والحلق والكبد والثدي، أو سكتة دماغية وأمراضاً كبدية بما فيها تنكس الكبد الدهني أو التهابه الكحولي أو تليُّفه، ويمكن أن يُضعف الجهاز المناعي مما يؤدي إلى سهولة الإصابة بالأمراض. والكحوليةalcoholism  - التي تمثل هذه الأمور كافة- مرض مزمن ومُتَرقٍ يسببه تناول الكحول على نحو متزايد، أو بعد التوقف الفجائي عنه. وبديهي أن المصاب بالكحولية لن يستطيع التحكم في قراراته ولا في تحديد كمية ما يشرب أو المدة التي سيقضيها في تناولها، ولن يقدر النتائج الصحية والسلوكية والاجتماعية الناجمة عن أفعاله، والتي تزداد مع تزايد ما يستهلكه من الكحول، ومن المؤسف أن يكون تطور الكحولية أسرع في الأشخاص اليافعين منه في الأكبر سناً، وأن تفشي هذه الظاهرة يزداد بوضوح. ويحدث هذا المرض تدريجياً، لكن بعض الناس يستجيبون للكحول على نحو غير طبيعي منذ المرة الأولى لتناوله. وتزداد خطورة حدوث الكحولية لدى كثير من الأفراد الذين ينتمون إلى عائلات ظهرت فيها كثيراً، وتزداد ملاحظتها عند بعض المدمنين المصابين بالقلق أو التوتر النفسي أو الاكتئاب وما إليها من متاعب عقلية أو نفسية، يساعد على تفشيها تأثر الشبان بالدعايات البراقة أو الجنسية المشجعة على تناول المسكرات خاصة، ومن الجدير بالذكر أن خطورة الكحولية تزداد مع تناول عقاقير أخرى مع الكحول مما يزيد سميتها أو أضرارها الأخرى.

الأمفيتامينات

تُنتج الأمفيتامينات amphetamines (مثل الدكستروأمفيتامين  والميتأمفيتامين) آثاراً مشابهة لآثار الكوكائين، ولكنها ليست متماثلة في آليات العمل، فآثار الكوكائين قصيرة المدة بعد حقنها في مجرى الدم، على عكس آثار الأمفيتامينات التي قد تستمر عدة ساعات، والتي تدخل الجسم غالباً بطريق الفم، لكنها يمكن أن تُحقن وريدياً، أو يتم تناولها بالتدخين أو بطريق الأنف. يتشابه كل منهما بزيادة طاقة الجسم وتحسن المزاج، وربما أيضاً زيادة القوة الجسمانية وظهور آثار تنشيط الجملة العصبية الودِّية. ومن جهة أخرى فإن الجرعات الكبيرة من الأمفيتامينات تسبب تأثيرات سامة تتمثل بهلوسة hallucination بصرية وسمعية وأحياناً لمسية، وكذلك شعور بالارتياب واختلال في قدرات التفكير يشابه نوبات انفصام الشخصية schizophrenia.

تتماثل الأمفيتامينات والكوكائين من حيث قدراتها التعزيزية لآثار الدوبامين في الـ MCLP، فكل منهما يعوق استرداد الدوبامين؛ لكن تأثيرهما الرئيس يتمثل بالتنشيط المباشر لتحرير الدوبامين من العَصبونات، لكن الأمفيتامينات أكثر فعالية من الكوكائين في زيادة مستوى الدوبامين عند المشابك العصبية، كما أنها تُنشِّط إطلاق النورإيبينيفرين والإيبينيفرين والسيروتونين من هذه المشابك.

يتطور تحمل آثار الأمفيتامينات مع طول فترة استعمالها، ويُعتقد أن ذلك عائد إلى نفاذ الموصِلات العصبية المخزَّنة - وخاصة الدوبامين - في النهايات السابقة للمشابك نتيجة لاستمرار تنشيط إطلاقها بفعل العقار المستعمل. ويلي ذلك ظهور علامات إيقاف أي من الكوكائين أو الأمفيتامينات بعد استعماله مدة طويلة.

أشكال أخرى من الإدمان

Pedigree الشكل (9) نسب مجموعة من الأفراد
(الدائرة = أنثى، المربع = ذكر، الفرد الملون = فرد مصاب، الفرد الغير ملون = فرد سليم)

لا يقتصر الإدمان على العقاقير؛ بل يتعداه إلى أشكال عديدة أخرى، منها إدمان الطعام ومايسببه من سمنة، قد تصبح مفرطة؛ وأمراض عدة، وكذلك إدمان المأكولات “السريعة”، على الرغم من ثبوت آثارها الضارة في جسم الإنسان، والإدمان في استعمال الحاسوب (الكمبيوتر) ساعات طويلة يومياً، وما يسببه من أضرار صحية ونفسية، يرافق ذلك الانتشار الأخطبوطي لـ “مقاهي الإنترنِت”، والأعداد الهائلة من برامج الألعاب الإلكترونية السيئة. يُضاف إلى ذلك إدمان بالغ الخطورة مثل إدمان القمار وسباقات الخيل والسيارات وغيرها.

الوراثة

تُعد الوراثة عاملاً مهماً في الإدمان، وعندما يبحث العلماء عن “جينات الإدمان”، فإن ما يبحث كثير منهم عنه هو في الواقع الاختلافات الحيوية (البيولوجية) التي تجعل بعض الأفراد أكثر عرضة للإدمان أو أقل.

قد يكون التوقف عن الإدمان أمراً صعباً بالنسبة إلى بعض الناس الممتلكين جينات معينة، أو قد يعانون صعوبات كبيرة في محاولاتهم الخلاص من إدمان معين، وقد يكون بعض الأشخاص ممن يقاومون الإدمان بشدة يمتلكون جينات تساعدهم على ذلك، لكنه تجب الإشارة إلى أن الطابع الوراثي لفرد ما لن يجعله بالضرورة مدمناً، ذلك أن البيئة وعلاقة الفرد بمكوناتها والإرادة قد توجهه في طريق الإدمان أو الامتناع عنه.

تساعد تحاليل الأنساب (الشكل 9) لعائلات كبيرة ينتشر فيها الإدمان على تفهم المرض، وغالبيتها تعدّ الإدمان مرضاً، فالنسب يمكن أن يكشف فيما إذا كانت العائلة المدروسة تمتلك مكوِّناً وراثياً من عدمه. وستتم دراسة العلاقة بين الوراثة والإدمان وطرائق تقويمها في مدخل لاحق.

 

أسامة عارف العوا

 

 

مراجع للاستزادة:

- S. Eisen, Biology of Addiction: Chemistry and Biochemistry of Drug Abuse, Academic Press Inc., 2006.

- C. K. Erickson, Science of Addiction, W W Norton, 2007.

- B.K. Madras et al., Cell Biology of Addiction, Cold Spring Harbor Lab Press, 2005.

- P.M. Miller (Ed.), Biological Research on Addiction, Academic Press, 2013.

- P.M. Miller and D. Kavanagh (Eds.), Translation of Addictions Science into Practice, Pergamon, 2007.

- V. Quinones-Jenab, The Biological Basis of Cocaine Addiction, New York Academy of Sciences, 2001.

- D. Ross, What is Addiction, A Bradford Book, 2010.

 

 


التصنيف : الوراثة
النوع : الوراثة
المجلد: المجلد الأول
رقم الصفحة ضمن المجلد : 441
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 459
الكل : 31652306
اليوم : 6888