رباط
Ribat -

 ¢ الرِّباط

الرِّباط

غزوان ياغي

 

الرِّباط والمرابطة: ملازمة ثغر العدو، وجمع الرِّباط رُبُط وأربطة ورباطات، وهو في الأصل الحصن أو الثغر أو المكان الذي يرابط فيه الجيش للدفاع عن الدولة، والرِّباط في العمارة الإسلامية أحد أنواع العمائر الدينية التي تميزت مسيرة تطورها بمرحلتين:

المرحلة الأولى: نوع من الثكنات أو العمائر الحربية التي كان يرابط فيها المجاهدون في سبيل الله على حدود الدولة وثغورها لحمايتها من الأعداء عملاً بقوله تعالى في سورة آل عمران (الآية200): {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، وقوله تعالى في سورة الأنفال (الآية60): {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ}، وقد قامت هذه المنشآت بدورٍ فعّالٍ في تأمين الحدود والثّغور فكانت حصوناً وأبراج مراقبة واتصال ومنارات ومحطات بريد ترسل منها إشارات لتحذير العواصم والحواضر-عند الخطر -بالدخان أو النار عندما يستوجب الأمر ردَّ عدوٍّ أو الاستعداد للقتال.

بدأت هذه الربط منذ القرن 1هـ/7م ثم انتشرت في القرنين 2 - 3هـ/ 8 - 9م؛ إذ يذكر اليعقوبي أن الخليفة العباسي هارون الرشيد شيَّد ثمانية ثغور وبنى دوراً للمرابطين، وقد عرفت هذه الأبنية وانتشرت في سواحل بلاد الشام في طرطوس وقيسارية وعتليت وبيروت ويافا وعسقلان وغزة وعند الحدود الشمالية للدولة العربية مع الامبراطورية البيزنطية، وكذلك انتشرت هذه العمارات في الأقاليم الشرقية للدولة العربية الإسلامية -أي في بلاد ما وراء النهر ولاسيما مدينتي بخارى وسمرقند- وفي العراق وكذلك في البلاد المصرية على السواحل وعند الحدود مع الأراضي الليبية، وكذلك في سواحل تونس والجزائر والمغرب؛ ومن أشهرها هناك رِباط المنستير في تونس 179هـ/ 795م؛ ورِباط سوسة 206هـ/821م .

صورتان لرباط سوسة في تونس

 

رباط المنستير _ البرجرباط المنستير في تونس

 

المرحلة الثانية : بدأت هذه المرحلة عندما استقرت أمور الثغور في الدول الإسلامية حيث زالت عن الرُّبط وظيفتها الحربية، وصارت عمائر دينية يسكنها المنقطعون للعبادة والزّهد ولا سيّما مع نشاط الحركة الصّوفية في القرن 6هـ/12م، ثم لم تلبث أن انتقلت عمارتها إلى داخل المدن، وانتشرت واسعاً في جميع المدن الإسلامية، وصارت شيئاً فشيئاً مكاناً للفقراء والنساء الأرامل والعجائز والمطلقات يقضين فيها ما تبقى من أعمارهن ضمن نظام يحفظهن ويُعلِّمُهُنَّ أمور الدِّين والصلاح .

مسقط رباط سوسة في تونس وهو من الأمثلة النموذجية لمساقط الرباطات في شمالي إفريقية خصوصاً والعالم الإسلامي عموماً

وجاء الطراز المعماري للرباطات في سورية متشابهاً من حيث تخطيطه، فهو مسقط مستطيل محاط بسور حجري حصين، يتوسطه فناء مكشوف تلتف حوله الحجرات والمنافع بارتفاع طابقين من الحجر النحيت، وتنتشر في الأركان الأربعة للرباط أبراج ومئذنة، في حين جُعِلَ له مدخلٌ وحيدٌ بارزٌ حصين ومزوَّد بشرفات وسقاطات.

وقد عرفت هذه الرباطات وانتشرت في أغلب المدن الإسلامية في الشرق والغرب؛ في خراسان والعراق وبلاد الأناضول وبلاد الشام ومصر وشمالي إفريقيا حيث زادت العناية بها مع نشاط الحركات الصوفية، وصار لأغلب هذه الأبنية قوانين وتنظيمات خاصة تحكمها وتفرض على المقيمين؛ وهي في مجملها قواعد صارمة تهدف إلى تعزيز مجاهدة النفس عن طريق التقشف والصلاة، وقد أدى نظام الأوقاف دوراً كبيراً في تعزيز دور الأربطة واستمرار دورها المهم بوصفها أحد أبنية الرعاية الاجتماعية في المدن الإسلامية، وهي تتشابه بذلك مع الخانقاوات[ر] والتكايا[ر] التي لا تقل أهمية في دورها هذا عن الرباطات مع بعض الاختلاف في طبيعة كل منها.

وقد أوقف الخليفة العباسي المستعصم بالله دار الشط المجاورة لدار الملك في بغداد سنة ٦٥٢هـ/١٢٥٤م رباطاً للنساء المحتاجات، وجعل مشيخته أيضاً لإحدى أهم النساء في عصره وهي «الشريفة بنت المهتدي بالله» حيث كانت تتولى تعليم النساء وإرشادهن.

كما انتشرت الأربطة في مدينتي القاهرة والفسطاط، فيذكر المقريزي في كتاب «الخطط» عن هذه الأربطة: «أنها كانت دوراً يطلق على كل منها رباط، وأنها على هيئة ما كانت عليه بيوت أزواج النبيﷺ، يكون فيها العجائز والأرامل والعابدات، وكانت لها مخصصات وجرايات»، ومن أمثلتها رباط الأندلس الذي أنشأته السيدة علم الآمرية سنة ٥٢٦هـ/١١٢٢م لإيواء العجائز والأرامل والمنقطعات، ورباط البغدادية الذي أنشأته السيدة الجليلة تذكار باي خاتون ابنة الملك الظاهر بيبرس سنة ٦٨٤هـ/١٢٨٥م.

كما حفظت سورية العديد من أمثلة الرباطات في حلب ودمشق وغيرهما من المدن السورية، ومن أهم أمثلتها في دمشق القديمة رباط أبي البيان الذي يؤرخ بسنة ٥٥٥هـ/١١٦٠م في العصر السلجوقي؛ والذي يقع في رأس درب الحجر بآخر جادة باب توما عند التقائها شارع مدحت باشا قريباً من حديقة القشلة؛ والذي ينسب إلى أبي البيان محمد بن محفوظ القرشي الشّافعي الزّاهد- المعروف بابن الحوراني- الذي شهر بصلاحه وعلمه وكراماته وكثرة مريديه، وكان ملازماً لصحبة الشيخ أرسلان صاحب الزاوية المعروفة والقريبة من موقع هذا الرباط، عند جامع خالد بن الوليد موقع مقبرة الشيخ أرسلان خارج باب شرقي، وكانا شيخي دمشق في عصرهما، ولما مات سنة ٥٥١ هـ/١١٥٦م دفن في مقابر الباب الصغير، وبعد وفاته بأربع سنين اجتمع أصحابه ومريدوه على بناء هذا الرباط، فعارضهم السلطان نور الدين، ثم وافق بعدما تحقق من مكانة أبي البيان، وأمدّهم بالمواد والمال حتى تمَّ سنة ٥٥٥هـ/١١٦٠م، وقد مرّت على هذا الرّباط فترات عديدة أُهمل فيها حتى تم تجديده في العصر العثماني سنة ١٢٨٠هـ/١٨٦٣م. ثم تمّ ترميمه في سنة ٢٠١٤م فعاد إلى حلّته الأثرية القشيبة.

رباط أبي البيان في دمشقرباط أبي البيان _ المئذنةرباط أبي البيان _ الصحن

ومن الأربطة في دمشق الرباط الذي أنشأته فاطمة الأيوبية سنة ٦٥٠هـ/١٢٥٢م للنساء المحتاجات، وكانت قد كتبت فوق بابه: »وقفت هذا الرباط فاطمة بنت الملك العادل محمد بن الكامل بن أبي بكر بن أيوب على المقيمات بها، وإظهاراً للصلوات الخمس والمبيت فيها».

وكذلك رباط ستيته الذي يقع في دمشق القديمة في زقاق المحكمة الملاصق لسوق الخياطين في حي الحريقة الحالي المعروف، وقد بنته ستيته بنت الأمير سيف الدين كراماي المنصوري؛ زوجة نائب الشام الأمير المملوكي تنكز سنة ٧٣٠ هـ / ١٣٣٠م.

كما يعدّ خانقاه الفرافرة بحلب الذي عُرف باسم الرباط الناصري والذي تأسس سنة ٦٥٣هـ/١٣٣٧م، من الأمثلة الجيدة العديدة الباقية فيها، حيث يقع هذا الرباط في حي الفرافرة مقابل المدرسة الهاشمية، وقد أقامته الملكة ضيفة خاتون بنت الملك العادل في العصر الأيوبي، وذلك في أثناء فترة وصايتها على ابنها الملك الناصر يوسف بن الملك العزيز محمد في سنة٦٣٥هـ/١٢٣٧م، وعُرِفَ هذا الرباط بخانقاه الفرافرة وخانقاه العادلية، والواضح من نص تأسيسه أن الواقفة أرادت أن تكون عمارتها هذه رباطاً؛ كما هو مذكور على النص التأسيسي الواقع فوق باب الدخول للرباط حيث يتألف هذا النص التأسيسي من خمسة سطور؛ ويبدأ بالبسملة يليها النص الذي يؤكد الوظيفة الأصلية للبناء واسم الباني وتاريخ البناء كالتالي: ( ... أُنشِئ هذا الرباط المبارك في أيام مولانا السلطان الملك الناصر صلاح الدنيا والدين يوسف بن الملك العزيز محمد بن الملك الظاهر غازي بن يوسف بن أيوب ناصر أمير المؤمنين في شهور سنة خمسة (خمس) وثلاثين وستمائة).

مساقط الرباط الناصري في حلب

كما يعدّ رباط قراسنقر الواقع اليوم في مدينة حلب في حي المقامات غرب المدرسة الكاملية من الأربطة المهمة في العصر المملوكي وقد بناه قراسنقر الجوكندار المنصوري سنة ٧٠٣هـ/١٣٠٣م ليكون رباطا،ً وقد حافظ البناء على وظيفته هذه حتى العصر العثماني حين حول الرباط إلى جامع مازال يعرف باسم جامع المقامات.

مراجع للاستزادة:

- سعيد عبد الفتاح عاشور، حضارة الإسلام (مطبوعات معهد الدراسات الإسلامية، القاهرة ١٩٩١م).

- أكرم حسن العلبي، خطط دمشق (دار الطباع، دمشق ١٩٨٤م).

- غزوان ياغي، المعالم الأثرية للحضارة الإسلامية في سوريا (المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم، الرباط ٢٠١١م).


- المجلد : المجلد الثامن مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق