رخام في عصور كلاسيكيه
-

الرخام في العصور الكلاسيكية

هيا الملكي

 

الرخام في العصور الكلاسيكية

الصخور هي مجموعة من المواد الطبيعية المتحدة بعضها مع بعض، وقد يكون الصخر من مواد غير متماسكة مثل الرمل والحصى أو لا يدخل المعدن في تركيبه مثل الفحم، أو من وحدات متماسكة تماماً مكونة من عدة معادن تختلف أنواعها ونسبها من صخر لآخر، وهناك عدة أنواع من الصخور كالصخور النارية والصخور الرسوبية والصخور المتحولة Metamorphic rocks التي كانت في البداية من الصخور النارية أو الصخور الرسوبية، لكنها تعرضت لعوامل وظروف محددة ساهمت في تغيرها عن شكلها الأساسي مثل الضغط القوي أو الحرارة المرتفعة أو الاثنين معاً، فتحولت من حالتها الأصلية إلى الحالة الجديدة مثل الرخام، وهو من الصخور المتحولة عن الصخور الجيرية، وهو صخر متبلور، والحبيبات المكونة للرخام قد تكون صغيرة جداً لا يمكن تمييزها بالعين المجردة، وقد تكون كبيرة وخشنة. ويشبه الرخام الصخر الجيري في صلابته، ويكون لونه أبيض إذا كان صافياً خالياً من الشوائب، أما إذا احتوى الشوائب فتراوح ألوانه ما بين الأحمر والأخضر والقريب من الأسود والرمادي.

عندما بدأ الإغريق النحت اعتمدوا على نحت الألواح الحجرية، وفي القرن السادس قبل الميلاد بدأ النحت على الرخام لوفرة الرخام بكثرة في جزر بحر إيجة والأراضي اليونانية التي كانت تحتوي على كميات وافرة من الرخام الجيد، لكن الرخام ذا السعر المرتفع كان في جزيرة باروس Paros في بحر إيجة في جبل باريانParian شماليّ الجزيرة حيث يعود المقلع القديم في منحدرات قمة الجبل الرئيسية إلى القرن السادس ق.م؛ ويتميز هذا الرخام بأنه أبيض شبه شفاف نقي، ونحت منه عدة تماثيل مثل تمثال الإلهة الإغريقية أفروديت من ميلوس Aphrodite de Milos وتمثال الإلهة الرومانية فيكتوريا المجنحة من ساموثراس Victoria de of Samothrace، كذلك كان هناك مقلع للرخام في جبل بنتليكس Pentelic شمال شرقيّ مدينة أثينا، والذي يصبح لونه مع مرور الزمن عسليّاً لاحتوائه على الحديد. أما مصادر الرخام في مقدونيا في Prilep وفي تركيا فكانت أقل سعراً، وقد بنيت المعابد من الرخام مثل معبد البارثينونParthenon في أثينا، أو استخدم الرخام كجزء من الأبنية مثل المقاعد الأمامية في بعض المسارح كمسرح ديونيسوس Dionysus . ويتميز الرخام بدقة التنفيذ وبأنه سهل التشكيل وجميل الشكل، ولقد برع الإغريق في نحت التماثيل الرخامية معتمدين على أنواع الرخام المتعددة والمحلية، وكان من الممكن نحت التمثال بالكامل من الرخام أو نحت أجزاء جسم التمثال من الرخام وبقية التمثال (الملابس) من الخشب، حيث بدأ النحات ينحت تماثيله على الرخام مباشرة دون أن يكون لديه نموذج مصغر للتمثال، وكان يجري وضع عدة إشارات على الكتلة الرخامية تشير إلى أجزاء التمثال، وتبدأ عملية النحت باستخدام أدوات مختلفة حتى يظهر الشكل العام، ثم تبدأ مرحلة نحت التفاصيل وتحديد الظلال وصقل السطح، وكان النحات أحياناً يقوم بنحت كل جزء من التمثال وحده ثم يقوم بوصله مع التمثال بقطع معدنية، وأحياناً كان ينحت الرأس فقط من الرخام وبقية الجسم من كتلة حجرية عادية، كذلك في هذه الفترة نحتت الجبهات من الرخام كما في معبد هيكاتو بيدون في أكروبول أثينا، ومنها المشاهد التي تمثل صراع الآلهة ضد العمالقة.

أما الرومان فقد اعتمدوا في الفترة الامبراطورية على إكساء المباني المهمّة بألواح الرخام من الداخل والخارج مثل معبد البانثيون Pantheon ومدرج الكولسيوم colossum في روما، ووصل استخدام الحجارة -ولاسيما الرخام- أوجه في عهد الامبراطور أغسطس Augustus؛ إذ شيدت المباني تشييداً كاملاً من الحجارة كما في مذبح السلامالمشيد من الرخام الأبيض، واستخدم الرخام الرمادي Carrara في عمود ماركوس أوريليوس Marcus Aurelius في روما، وهو من الرخام المستخدم بكثرة في العصر الروماني. أما عمود تراجانوسTraianus فكان من رخام باروس. أما من ناحية النحت فقد اعتمد النحات الروماني على نسخ التماثيل الإغريقية، ونفذت بعض هذه التماثيل على الرخام مثل تقليد تمثال رامي القرص البرونزي للنحّات الإغريقي ميرون Myron من القرن الخامس ق.م؛ كذلك الأمر في تماثيل فينوس كنيد Venus cnidus لبراكستيلس Praxiteles، وقد عُثِر على نسخ رخامية متعددة منها ما يعود إلى القرن الثاني ق.م.

من تماثيل ماري الرخامية - القرن ٢٣ ق.م

أما النحت في سورية خلال العصور الكلاسيكية فقد اعتمدت كل منطقة على المواد الحجرية المتوفرة فيها كالحجارة الكلسية والبازلتية، لكن- وعلى الرغم من عدم توفر الرخام بكثرة- كان من المواد المفضلة للنحت؛ ولاسيما نحت التماثيل، ولذلك كان كتلاً حجرية أو منحوتاً على شكل تماثيل، ولقد عُثر على عدد كبير من التماثيل؛ ولاسيما تلك التي تخص الآلهة والتي نحتت من الرخام بسوية فنية مختلفة حيث برعت بعض مدارس النحت في سورية في التعامل مع الرخام في حين جاءت تماثيل أخرى بسوية فنية أقل، ولعل أهم التماثيل الرخامية كان تمثال الإلهة الإغريقية تيخي تايكه Tyche الذي نحته الفنان اوتيكيديس Eutychides، وكان ملهماً لعدد من النسخ الرومانية اللاحقة، كما عثر في دورا أوروبوس على تمثال لأفروديت Aphrodite وهي تضع قدمها على السلحفاة مصنوع من رخام باروس، والذي يظهر من التقنية المتبعة أنه نحت في مكان آخر ربما في أنطاكية أو صيدا، إضافة إلى تماثيل أفروديت الرخامية في سورية كان هناك تماثيل للآلهة الإغريقية: زيوس Zeus وأسكلوبيوس Asclepius وهيجيا Hygeia والرومانية: سايكة Psyche وديونيسوس Dionysus. وتمثال الآلهة أثينا –اللات المنحوت من رخام آسيا الصغرى. وتجدر الإشارة إلى أن عدداً من النواويس الكثيرة المكتشفة في صيدا وصور كانت من الرخام؛ بعضها من صنع محلي، وبعضها الآخر مستورد من اليونان أو آسيا الصغرى، ومن أشهرها ناووس الإسكندر الرائع الموجود حالياً في إسطنبول، كما ينبغي الإشارة أيضاً إلى ناووس الرستن الفريد من نوعه الذي يمثل تحفة فنية نادرة.

تابوت أخيل صنع من الرخام،، اكتشف في صور في القرن الثاني الميلادي - متحف بيروتنعش رخامي - القرن الرابع الميلادي - متحف بيروت

 

وفي تدمر نادراً ما كان النحات التدمري يترك الحجر الكلسي للعمل بالرخام، لكن هناك مثال واحد أكيد يدل على النحت التدمري للرخام، وهو البلاطة المكرسة للإله شادرافا Shadrapha ودو عنات Du anat من معبد الإله بعل شمين Baalshamin والتي نحتت بتقنية مشابهة لنحت الحجر الكلسي، وقد عُثر على قطع رخامية منحوتة في تدمر وما حولها استخدم في نحتها الأدوات ذاتها المستخدمة في الحجر الكلسي كالإزميل المقوس والمثقاب؛ ولكن بطريقة تقنية مختلفة تماماً، مثل بعض التماثيل التي عُثر عليها في آغورا تدمر وفي بعض الأعمال المعمارية.

 

مغارة المنطف - إدلب

 


- التصنيف : آثار كلاسيكية - المجلد : المجلد الثامن مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق