رسايل
Letter(s) - Letter(s)

 ¢ الرسائل

 الرسائل

جمال تموم

 

الرسائل: وسيلة لنقل الخبر أو المعلومة من شخص إلى آخر تفصل بينهما مسافات متباعدة. وتكون الرسالة إما شفهية كما كان عليه الحال في عصور ماقبل الكتابة، وإمّا مكتوبة على الطين أو البردي أو الرق أو غيره كما كان عليه الحال في الشرق القديم في العصور التاريخية. وينقل الرسالة عادة شخص يدعى الساعي أو الرسول الذي ينتقل مع قوافل التجار والمسافرين من مكانٍ إلى آخر، ويدعى باللغة الأكادية «مار شيپري«، والساعي الملكي «مار شيپري شا شارّي».

تُعرف الرسالة باللغة السومرية بــ «أونِّيدوكُّو«، وباللغة الأكادية بـ «شيپروم« المشتقة من المصدر «شَپروم« بمعنى يرسل يكتب ، أو «طوپوم« : لوح طيني؛ رسالة، وباللغة العبرية والآرامية «سيپير« ، وبالعربية «سِفْر«.

تتصف الرسائل التي كُتبت باللغة الأكادية والكتابة المسمارية - وهي كثيرة- بأنها كُتبت على ألواحٍ من الطين وغُلِّف بعضها بأغلفة طينية خُتمت بخاتم مرسلها منعاً للتزوير أو التبديل أو إفشاء السر. وتبدأ معظم تلك الرسائل بالعبارة المألوفة التالية : «إلى فلان يقول فلان مايلي«، فلدينا أولاً اسم الشخص المرسلة الرسالة إليه، ثم اسم المرسل من دون أي ألقاب، وتأتي بعد ذلك التحيات والتمنيات، وأخيراً فحوى الرسالة، كما في المثال التالي (الرسالة رقم (33) من رسائل العمارنة):

«إلى ملك بلاد مصر أخي ، هكذا يقول ملك بلاد ألاشيا (قبرص) أخوك: أنا بخير، ليت الوضع يكون حسناً لديك، ليته يكون حسناً جداً لدى أفراد بيتك، زوجاتك؛ أبنائك؛ أحصنتك؛ عرباتك؛ وفي وسط بلادك. أمر آخر لقد سمعت أنك جلست على عرش أبيك .......«.

من رسائل الأمراء والملوك السوريين للملك المصري أمنحوتب الثالث، وجدت في تل العمارنة

إن عبارة «أخي« هنا تدل على المساواة في المكانة بين الملكين ، ولكن إذا خاطب المرسل المرسل إليه بعبارة «سيدي« (بيليا) ، أو بعبارة «بُني« (ماريا) فإن هذا يدل على التبعية وعدم التساوي في المرتبة ولاسيما في المراسلات بين ملوك الدول والممالك المختلفة وحكامها.

كشفت الحفريات الأثرية عن مجموعات كبيرة من الرسائل ضمن المحفوظات الملكية التي تم العثور عليها في مختلف المدن الرافدية والسورية القديمة ومن مختلف العصور، وتم تبادلها غالباً بين الحكام والملوك ، وهي من ثمّ تقدم معلومات عن العلاقات السياسية والاقتصادية وغيرها التي كانت سائدة بين الممالك والدول المختلفة ، فهناك مثلا رسالة من ملك إيبلا الواقعة في شمالي سورية إلى ملك مملكة خمازي القائمة شرق بلاد الرافدين (القرن 24 أو 23 ق . م) يقول فيها:

«هكذا إبوبو المشرف على القصر الملكي إلى الساعي (اسمع) : أنت أخي وأنا أخوك، لك أخ. سوف أعطيك ماترغب ويخرج من فمك، (وبالمقابل) أنت تلبي الرغبات الخارجة من فمي. أرسل لي جنوداً جيدين. أنا أصلي: أنت أخي وأنا أخوك .... إركب - دامو ملك إبلا هو أخ زيزي ملك خمازي. زيزي ملك خمازي هو أخ إركب - دامو ملك إبلا. هكذا تيرا - إيل الكاتب كتب وأعطى الرسالة إلى ساعي وزير زيزي«. تتحدث هذه الرسالة عن مشروع إقامة تحالف بين إيبلا وخمازي.

وتقدم محفوظات ماري الملكية التي يعود معظمها إلى النصف الأول من القرن الثامن عشر قبل الميلاد عدداً كبيراً من الرسائل المتبادلة بين - زمري لم ملك ماري ومعاصريه من ملوك الممالك الأخرى كحمورابي ملك بابل، بيد أن أشهر تلك الرسائل هي التي أرسلها شمشي أدد ملك آشور إلى ابنه يسماخ أدد حاكم ماري في أثناء السيطرة الآشورية على ماري؛ والتي يوبخه فيها على تقاعسه في شؤون الحكم وانصرافه إلى مجالسة النساء ومعاقرة الخمرة : «إلى متى يجب علينا أن ندللك ؟ هل أنت صغير ؟ ألست رجلاً ؟ متى تستطيع أن تدير مملكتك بشكلٍ صحيح؟ ألا ترى أخاك الذي يقود جيشاً كبيراً ؟ هكذا يجب عليك أن تدير مملكتك وقصرك«.

كما تضم محفوظات ماري مجموعة من الرسائل التي أرسلتها شيبتو زوجة زمري -لم إلى زوجها في أثناء غيابه عن عاصمة ملكه .

وتحتل مراسلات العمارنة الدولية التي تم تبادلها بين فرعوني مصر أمنحوتب الثالث وأمنحوتب الرابع وملوك الممالك السورية والرافدية والحثية والقبرصية وأمرائها مكانة مهمة ضمن مجموعات الرسائل المكتشفة في مواقع الشرق القديم المختلفة؛ فهي تقدم صورة واضحة عن العلاقات التي كانت قائمة في القرن الرابع عشر قبل الميلاد بين الامبراطورية المصرية الحديثة وممالك بابل وآشور وخاتي وسورية؛ والتي تتصف غالباً بالتبعية لمصر.

وتعبر الرسائل التي أرسلها رِب - هدَّا حاكم جُبيل إلى الفرعونين المصريين المذكورين عن تلك التبعية بوضوح، كما تبين الأخطار التي تتعرض لها جبيل من قبل مملكة أمورو وحاكميها عبدي عشيرتا وابنه عزيرو اللذين حاولا توسيع منطقة نفوذ أمورو على حساب الممتلكات المصرية في سورية، وقد ورد في الرسالة رقم (78) ما يلي :

«رِب - هدَّا يقول لسيده ملك البلدان، الملك العظيم: ليت الإلهة سيدة مدينة جُبْلا تهب القوة للملك سيدي شمسي. لقد جثوت لدى قدمي سيدي شمسي سبعاً فسبعاً. ليت الملك -سيدي- يعلم أن حرب عبدي عشيرتا عليَّ قوية، وقد أخذ كل مدني، هاهي مدينتان فقط بقيتا لي، وهو يريد أخذهما أيضاً. ها أنا ذا كالعصفور الموضوع في داخل قفصٍ، مثله أنا في داخل مدينة جُبْلا، فليت سيدي يصغي إلى كلمات خادمه«.

وتتحدث الرسالة رقم (15) عن العلاقات مع المملكة الآشورية الوسطى:

«قل لملك بلاد مصر: هكذا يقول آشور أوباليط ملك بلاد آشور: ليت الوضع يكون بخير لديك ؛ لدى أهل بيتك؛ بلادك؛ عرباتك وقواتك. أرسل إليك رسولي لزيارتك وزيارة بلادك. لم يكتب آبائي حتى الآن، أكتب لك أنا اليوم. أرسل لك هدية سلام عربةً خشبية جميلة ؛ حصانين ؛ خرزةً بهيئة البلح من حجر اللازورد الجبلي . لاتؤخر رسولي الذي أرسله إليك للزيارة؛ ليطَّلعْ ويعُد؛ ليطلع على رأيك ورأي بلادك، وليعُدْ مباشرة«.

وتبين الرسالة رقم (9) احتجاج ملك بابل الكاشي على استقبال الفرعون المصري رسل الملك الآشوري.

«قل لنبخُرريا ( أمنحوتب الرابع ) ملك بلاد مصر أخي : هكذا يقول بورنابورياش ملك بلاد كَردونياش (بلاد بابل )، أخوك: الوضع بخير لديّ، ليته يكون بخير جداً لديك؛ لدى أهل بيتك؛ زوجاتك؛ أبنائك؛ بلادك؛ كبار رجالك؛ أحصنتك؛ عرباتك . منذ أن كان أبائي وآباؤك يتحدثون مع بعضهم عن الصداقة كانوا يرسلون هدايا سلام جميلة إلى بعضهم، ولم يمتنعوا عن تحقيق أية رغبات لبعضهم في الأشياء الجميلة. الآن أرسل إليَّ أخي 2 مينا من الذهب (فقط) هدية سلام، ولكن إن كان الذهب الآن كثيراً فأرسلْ إليَّ بقدر ما كان آباؤك يرسلون، وإن كان قليلاً فأرسلْ إليَّ نصف ما كان آباؤك يرسلون .... في أيام كوريغالزو أبي كتب إليه الكنعانيون جميعهم قائلين: تعالَ إلى حدود البلاد ، فنثر ونتحالف معك. أبي أرسل إليهم هذا الجواب التالي: دعوا التفكير بالتحالف معي. إن تصيروا معادين لملك مصر - أخي - أو تتحالفوا مع أي حاكم آخر غيره، أتعتقدون أني لن آتيكم وأنهبكم ؟ فكيف التحالف معي؛ وإن أبي لم يصغِ إليهم إكراماً لأبيك. الآن الآشوريون التابعون لي لم أرسلهم أنا إليك، لماذا جاؤوا إلى بلادك بقرارهم ؟ إن كنت تحبني لاتدعهم يمارسون أية تجارة، أرسلهم إليَّ فارغي الأيدي. أرسل إليك هدية سلام ثلاثة مينا من اللازورد الجبلي؛ وخمسة ألجمة لأحصنة خمس عربات خشبية «.

رسالة ملكية اكتشفت في تل سكا عام ٢٠٠٨ م وتعود إلى القرن الثامن عشر ق.مرسالة من تل العمارنة أرسلها آشور أوبالط الأول ملك آشور إلى ملك مصر أخناتون

ومن العصر الآشوري الحديث ثمة مجموعة من الرسائل الملكية المتضمنة مواضيع سياسية وعسكرية وغيرها، بيد أن الأبرز فيها رسالة موجهة إلى الإله آشور من قبل الملك شروكين الثاني [ر] يخبره فيها عن حملته العسكرية الثامنة (714 ق . م) التي حقق فيها انتصاراً على مملكة أورارطو[ر] التي تحولت بعد هذا التاريخ إلى دولة صغيرة ليس لها أي وزن. وتحدث في الرسالة عن عظمته وعن الانتصار الساحق الذي حققه ووصل بنتيجته إلى السواحل الشمالية والغربية لبحيرة أورميا، تبدأ الرسالة كما يلي:

«إلى آشور أبي الآلهة ...... ليكن السلام عظيماً. إلى آلهة القدر والإلهات التي تسكن «إخار ساغ جال كوركورَّا« معبدهم العظيم، ليكن السلام عظيماً . إلى آلهة القدر والإلهات التي تسكن مدينة آشور معبدهم العظيم، ليكن السلام عظيماً. إلى المدينة وسكانها ليكن السلام معهم. إلى القصر الذي يقع في الوسط ليكن السلام هناك. من شاروكين الكاهن المقدس، الخادم الذي يخشى رأس الإله العظيم .....«.

كذلك ثمة رسائل من العصر البابلي الحديث هي في معظمها رسائل ذات فحوى اقتصادية؛ إذ تتحدث عن أمور زراعية وتجارية وملاحية؛ وعن إدارة المعابد وشؤون أخرى.

وهناك رسائل متعددة من أوغاريت بعضها يمثل معاهدات بين أوغاريت والممالك المجاورة كما في الرسالة التالية من الملك الحثي شوبيلوليوما إلى نيقمادو الثاني ملك أوغاريت:

«من الملك الشمس العظمى (المقصود الملك الحثي) إلى نيقمادو مايلي تكلم : الآن نوخاشي وموكيش (مملكتان صغيرتان بالقرب من أوغاريت) هم أعداء معي، ولكن أنت نيقمادو لا تخف منهم، كن واثقاً بنفسك«.

رسالة ضمن غلاف طينيأوغاريت - رسالة ملكية

وهكذا يتضح أن الرسائل تعدّ مصدراً مهماً من مصادر تاريخ سورية القديمة وتاريخ الشرق القديم عموماً.

مراجع للاستزادة :

-فاروق إسماعيل ، مراسلات العمارنة الدولية (دمشق 2010).

- A.L. Oppenheim, Letters from Mesopotamia, Chicago 1967.

- S. Parpola, Letters from Assyrian and Babylonian Scholars, Helsinki 1993.


- التصنيف : العصور التاريخية - المجلد : المجلد الثامن مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق