logo

logo

logo

logo

logo

أوربا (الأميرة-)

اوربا (اميره)

Europa -

 أوربا

أوربا (الأميرة -)

 

من الأساطير الإغريقية الشائعة التي تنطوي على مغزىً جغرافي وتاريخي في وقت واحد قصة اختطاف الأميرة الكنعانية أوربا، وهي التي سميت باسمها قارة أوربا Europe.

تقول الأسطورة كان لأجينور Agenor ملك مدينة صور ابنة تدعى أوربا. استيقظت باكراً في يوم ما إثر حلم مزعج، حلمت فيه أن قارتين كل واحدة منهما على شكل امرأة، تحاول أن تمتلكها، آسيا التي ادعت أنها مسقط رأسها؛ فهي أحق بها، والثانية وكانت بلا اسم وقتها، أعلنت أن رب الأرباب زيوس سوف يهبها هذه العذراء.

وفي إحدى المرات هبّت أوربا من هذه الرؤيا الغريبة التي جاءتها عند الفجر، فقررت ألا تحاول النوم ثانية، بل تدعو صويحباتها الأتراب، وكلهنَ من الطبقة النبيلة أن يذهبن معها إلى المروج المزهرة الجميلة قرب البحر على الساحل الفينيقي، فهذا هو مكانهنَ المفضل، فيه يلتقين ويرقصن، أو يستحممنَ بأجسادهنَ الجميلة في رأس النبع أو يجمعن الأزهار. وعندما رأى زيوس هذا المنظر الجميل من السماء على الفور جن حباً بأوربا، وقبل أن يظهر لها تقمص في شكل ثور لم تشهده عين، لا في المرابض، ولا في الحقول، ثور يفوق ثيران الأرض جمالاً، أبدى من اللطف والتودد ما جعل الفتيات لا يجفلن عند اقترابه منهنَ، بل يجمعن الأعشاب من حوله ليقدمنها له، ويتنشقنَ العبير السماوي المنبعث منه. لكنه كان يريد أوربا، فاندفع إليها، وعندما لمسته بلطف أصدر صوتاً موسيقياً لا يمكن لشبّابة أن تصدر أجمل منه.

عندئذٍ استلقى عند قدميها، كما لو أنه يريها ظهره العريض فنادت رفيقاتها ليمتطينه معها، ابتسمت واعتلت ظهره، وانطلق الثور بأقصى سرعة إلى شاطئ البحر، وخافت من المياه المحيطة من كل جانب فأمسكت بقرن الثور الكبير بيد، وأمسكت بثوبها لتحفظه ناشفاً باليد الأخرى.

قالت أوربا في نفسها، لا يستطيع ثور أن يقوم بهذا، لا شك أنه إله، وتكلمت ضارعة إليه أن يشفق عليها، وألا يتركها وحيدة في مكان غريب، حدّثها بصوته وأجابها أنه إله، فلا داعي للخوف، وأنه زيوس أعظم الآلهة، وإنما ما فعله كان بدافع الحب، أخذها إلى كريت جزيرته المفضلة وهناك سوف تحمل منه:

أبناء مجيدين ، الملوك منهم

سوف يحكمون البشر جميعاً على هذه الأرض

حدث كل شيء كما قال زيوس، وأنجبت أوربا من زيوس ثلاثة أولاد ذكور من خيرة الأبناء، وهم مينوس Minos وردمانثوس Rhadamanthus وساربيدون Sarpedon. وقد أصبح الأخير ملكاً على ليكيا (بآسيا الصغرى)، واشترك في الحرب الطروادية ضد الإغريق ولقي مصرعه على يد باتروكلوس الإغريقي. وكان ردمانثوس رجلاً مستقيماً انتقل لذلك وفقاً لرواية هوميروس في الأوديسة إلى الإليزيوم Elysium (التي اشتق منها اسم الإليزيه في العصر الحاضر) أو إلى جزر المباركين حيث كان يعيش الأبطال الخالدون عيشة كلها نعيم ورخاء ولا يذوقون طعم الموت. ولكن في الأساطير التالية ينصب ردمانثوس بفضل نزاهته قاضياً في عالم الموتى، وأما مينوس فقد أصبح ملكاً على كريت.

ولما افتقد الملك الكنعاني آجينور ابنته أوربا أرسل أبناءه في أثرها ليبحثوا عنها، وأوصاهم بألا يعودوا من دونها، فأبحروا على الفور كل في اتجاه لجهلهم الوجهة التي اتخذها الثور. ومضى فينيقس Phoinix غرباً إلى ما وراء ليبيا، إلى قرطاجة، وهناك أعطى اسمه للقرطاجيين، بيد أنه عاد إلى كنعان بعد موت أبيه، فسميت فينيقية باسمه تكريماً له، وفيها أنجب أدونيس. ومضى كالكيس Calcis إلى كيليكيا في الأناضول وسميت هذه البلاد باسمه. وكيليكيا مشتقة من الجذر السامي خلق. أما قدموس Kadmos شقيق أوربا الآخر فقد أبحر إلى جزيرة رودوس Rhodos، ثم إلى جزيرة ثيرا Thera، ثم انتقل إلى البر اليوناني متوجهاً إلى معبد دلفي ليسأل الإله أبولون أين يجدها، فأخبره الإله ألا يتعب نفسه في البحث عنها، وأن عليه فور خروجه من دلفي أن يتتبع عجلة يراها في طريقه، وأن يبني مدينة في المكان الذي تستريح فيه، وهنا بنى قدموس مدينته التي سميت طيبة والبلاد التي حولها وسميت بويوتيا Boeotia حيث استقر في طيبة التي تُعرف في أساطير عصر البطولة كادميا، أي مدينة كادموس أو قدموس الفينيقي التي أقام فيها القدموسيون ردحاً من الزمن، وامتد نفوذهم إلى شبه جزيرة البلوبونيز اليونانية وجزر بحر إيجة بما فيها كريت.

وتأتي وقائع هذه الأسطورة معززة للتحليل اللغوي لاسم أوربا الذي يؤكد هويتها السامية، فهي ابنة ملك كنعاني، وكان موطنها الأصلي في صور، ثم ارتحلت إلى الغرب إلى كريت، ومن هناك - كما جاء في أخبار أخرى - انتقلت إلى البر اليوناني بعد ذلك وسميت القارة الأوربية باسمها.

ويؤكد هيرودوت أن اسم قارة أوربا اشتق من اسم هذه الأميرة الكنعانية بقوله: "وأما أوربا إنما كانت امرأة آسيوية صورية، ولم يسبق لها أن حطت في البلد الذي نسميه اليوم أوربا، وتقتصر حكايتها أنها أبحرت من بلاد الفينيقيين إلى كريت".

وترمز هذه الأسطورة إلى قدم الصلات بين كريت والساحل السوري، وأهل كريت الذين كانوا لا ينتمون إلى الأسرة الهندية - الأوربية، ووفدوا إلى كريت - على ما يرجح - من آسيا الصغرى في العصر الحجري الحديث (النيوليثي) أي إنهم ينتمون إلى جنس البحر المتوسط. ولما كانت كريت تتمتع بموقع وسطي ممتاز في شرق البحر المتوسط يجعلها على اتصال بالشرق والجنوب والشمال، فسرعان ما تلاقت فيها التيارات الحضارية الآتية من هذه الجهات، وعلى الأخص من الشرق العربي، ونشأت فيها حضارة رائعة امتلأت بالبهجة وألوان التسلية والترف، والأناقة والجمال، واتسع نطاق علاقاتها مع أقطار الشرق الأدنى.

كانت أسطورة اختطاف الأميرة أوربا من المواضيع المحببة لدى الفنانين القدماء؛ لذلك صورت على المزهريات وفي الرسوم الجدارية وسواها. كما عثر على تمثيل لأوربا على الثور منحوتاً على واجهات المعابد في صقلية وفي دلفي من القرن السادس قبل الميلاد. كما وجدت أوربا مصورة في إحدى لوحات الفسيفساء الإيطالية العائدة إلى القرن الثالث الميلادي. وعثر في مدينة بومبيي Pompeii على لوحة تمثل اختطاف أوربا من قبل زيوس، وهي محفوظة في متحف نابولي.

وقد رسمها كثير من الفنانين في لوحاتهم المنتشرة في المتاحف الأوربية المختلفة. كما كانت موضوعاً لمسرحيات وروايات وأشعار وأوبرات ومؤلفات أدبية مختلفة مثلما كانت في الفن.

خليل سـارة

مراجع للاستزادة:

- أديث هاملتون، الميثولوجيا الإغريقية، ترجمة حنا عبود (منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق 1990).

- عبد اللطيف أحمد علي، التاريخ اليوناني، جزءان (بيروت 1974-1976).

- هيرودوت، التاريخ، ترجمة عبد الإله الملا، (إصدار دار الثقافة، أبو ظبي 2001).

 


التصنيف : آثار كلاسيكية
المجلد: المجلد الثاني
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1090
الكل : 45624137
اليوم : 24820