logo

logo

logo

logo

logo

أشدود

اشدود

Ashdod -

أشدود

 

   

يقع تل أشدود الأثري على بعد نحو 4كم إلى الشرق من شاطئ البحر المتوسط، أي على بعد 15كم إلى الشمال من مدينة عسقلان، في فلسطين، ويرتفع نحو 50 متراً عن مستوى سطح البحر؛ و15 متراً عن المنطقة التي بني فوقها. وكانت في العصور القديمة تمر الطريق الرئيسة الواصلة بين مدينتي يافا وغزة - المعروفة باسم طريق الفلسطينيين Way of Philistines أو الطريق البحري Via Maris - بالقرب من جهته الشرقية. حتى عقود قريبة كان يجري بالقرب من الموقع نهر يسمى "نهر تل الدوير"، الذي تراجعت مياهه مع مرور السنين حتى أصبحت ضعيفة هذه الأيام. ويذكر الدارسون من العلما أن سكان الموقع ولبعدهم عن شاطئ البحر بنوا مينا عند مصب النهر، ويضيفون أنه هو تل مور .Tell Mor ويذكر المنقبون الذين نقبوا في تل أشدود أنه كان من الصعب عليهم تحديد أبعاده بدقة، وذلك لتعرضه لكثير من التدمير والتجريف نتيجة للأعمال الزراعية والإنشائية التي تمت عبر العصور؛ في العقود الأخيرة خاصة. وبنيت حديثاً بلدة "أشدود" على مسافة قريبة من التل.

بدأ الاستقرار في الموقع خلال العصر البرونزي المتوسط، واستمر الناس يسكنونه حتى نهاية العصر البيزنطي، لكنه ازدهر في فترات العصر البرونزي الحديث نحو 1550- 1200ق.م، والعصور الحديدية نحو 1200- 539ق.م.

ذكرت المدينة "أشدود" وسكانها لأول مرّة في وثائق مكتوبة، عثر عليها في موقع أوغاريت Ugarit، وتؤرخ للعصر البرونزي الحديث الثاني نحو 1400- 1300ق.م. تتحدث هذه النصوص - على نحو رئيسي - عن تاجر منسوجات أشدودي واسمه "أريان" (عريان)) Aryan يسمّى التاجر بالأكادية (Sukuna، أحضر معه من أشدود إلى أوغاريت ستة أثواب؛ وأصوافاً مصبوغة باللون الأرجواني. وهذا الأمر يشير إلى أن مدينة "أشدود" كانت مركزاً لصباغة الصوف، والمنسوجات. ويغلب على قائمة الأسما الواردة في النصوص الأوغاريتية أسما سامية غربية. ويعتقد بعض العلما أن الأشدوديين لم يشكلوا وحدة عرقية منفصلة عن الساميين في بلاد الشام؛ لكنهم كانوا تجاراً بحارة تعاملوا مع أوغاريت. ويورد أحد هذه النصوص أسما ثلاث مدن فلسطينية تاجرت مع أوغاريت وهي: عكا وعسقلان وأشدود. ويظهر من دراسة هذه النصوص أن الأشدوديين هم الوحيدون الذين عاشوا في مينة البيضا (أوغاريت).

كما ذكرت "أشدود" في قائمة مصرية لأسما أماكن تعود إلى القرن الحادي عشر ق.م. أما في العهد القديم فقد ورد ذكرها في أكثر من مكان، وفي أكثر من مناسبة (يشوع 11: 22؛ 13: 3؛ 15: 47؛ صموئيل 1 ، 5).

ولم تخلُ الكتابات والمصادر الآشورية من ذكر لمدينة "أشدود"، بل ورد أن الآشوريين أسقطوا ملكها المسمى أزوري Azuri عن عرشه، واستبدلوا به أخاه في عام 712ق.م. لكن المدينة عادت وأعلنت العصيان، وثارت في السنة التالية على الحكم الآشوري. لكن الملك الآشوري سرجون الثاني أخضع الثوار الذين هربوا إلى مصر، وضمها إلى أملاك الدولة الآشورية.

ويظهر أن الأمر استمر هكذا حتى خلال حكم الملكين الآشوريين سنحاريب، وأسرحدون. ويذكر المؤرخ هيرودتس أنه بعد سقوط الدولة الآشورية هاجم الفرعون المصري بسماتيك الأول أشدود، وحاصرها لمدة طويلة. لكن، وبعد أن سيطر البابليون الجدد على منطقة بلاد الشام هاجموا المدينة، وأخذوا ملكها أسيراً، وأصبحت ضمن المقاطعات البابلية الحديثة.

وبعد أن سيطر الفرس الأخمينيون على منطقة بلاد الشام؛ أصبحت "أشدود" تابعة لها. لكن تضيف النصوص التوراتية أنها كانت في هذه الفترة معادية لمملكة يهوذا (نحميا 13: 23-24). ومعلوم أن جيوش الإسكندر المقدوني قد احتلت المنطقة عنوة من الفرس، ودخلت جنوبي بلاد الشام نحو 332ق.م، فأصبحت "أشدود" تابعة لهم. ومن ثم احتلها القائد "تيطس" الروماني. لكن اسمها تغير خلال الفترتين الهلنستية، والرومانية ليصبح "عزوت"  .Azotus

يتكون موقع "أشدود" من قسمين، هما: الأكروبول، والمدينة السفلى. وتم التعرف في منطقة الأكروبول "العليا" إلى 23 طبقة أثرية، وكشف النقاب في السفلى عن عشر فقط.

وبنا على نتائج التنقيبات استطاع المنقبون تحديد الربط بين تتابع الطبقات والتسلسل الزمني للموقع، وعلى النحو الآتي:

الطبقة I  = الفترة البيزنطية.

الطبقة II  = الفترة الرومانية.

الطبقة  III = الفترة الرومانية (حكم الملك هيرود).

الطبقة IV  = الفترة الهلنستية.

الطبقة V = الفترة الفارسية.

الطبقات   IX-VI = العصر الحديدي الثاني.

الطبقة= العصر الحديدي الأول - الثاني.

الطبقات XIII- XI  = العصر الحديدي الأول.

الطبقات  XIV-XVII = العصر البرونزي المتأخر الثاني.

الطبقة  XVIII = العصر البرونزي المتأخر الأول.

الطبقة XIV - XXIII = العصر البرونزي المتوسط الثالث Middle Bronze Age III نحو 1650-1550ق.م حيث كان الموقع محصناً، مع الإشارة إلى وجود كسر فخارية تؤرخ لعهود أقدم.

على الرغم من العثور على كسر فخارية تعود إلى العصرين الحجري والنحاسي في الطبقات السفلى من الموقع؛ فإن بداية الاستقرار الدائم في الموقع لم يبدأ إلاّ في نهاية العصر البرونزي المتوسط نحو 1650-1550ق.م، حيث عثر على مدينة محصّنة بنيت فوق الصخر الطبيعي. تكونت التحصينات من كتل، ومنزلق Glacis بني ملاصقاً للسور، وبوابة بمدخلين مشبهة لتلك التي عثر عليها في موقع بلاطة، بالقرب من مدينة نابلس بشمالي فلسطين. ويعتقد المنقب أن البوابة بنيت زمن ملك الهكسوس أبوفيس الأول نحو 1674- 1567ق.م، الذي حكم مع بداية الأسرة الخامسة عشرة. وتظهر اللقى الأثرية من الطبقات XXIII-XXI  وجود صلات حضارية مع بلاد الرافدين وقبرص.

بوابة من العصر الحديدي الأول (القرن 11-10ق.م)  مخطط لبنا يعود إلى العصر البرونزي المتأخر الثاني 

وتشير المكتشفات إلى أن الناس استمروا في الاستقرار بالموقع خلال المرحلة اللاحقة؛ العصر البرونزي الحديث الأول Late Bronze Age I نحو 1550- 1400ق.م، لكن الموقع بلغ ذروته في العصر البرونزي الحديث الثاني نحو 1400- 1300ق.م والثالث نحو 1300- 1200ق.م. وكشفت الحفريات عن بقايا مبانٍ من اللبن الطيني، وأرضيات مبلطة بالحجارة ربما كان بعضها لساحات أو لشوارع. ومن أهم المباني المؤرخة لهذه الفترة وكشف النقاب عنها في الموقع؛ بناية كبيرة مكونة من عدد من الغرف بنيت حول ساحة، تشابه في تخطيطها المباني المصرية من القرن الرابع عشر ق.م، والمعروفة باسم قصور الحكام المصريين. ولاحظ المنقبون وجود نقش محفور على مدخل البوابة، ربما يحمل اسم صاحب المبنى. كما عثر على قطع أثرية من الفترة نفسها مستوردة من قبرص وميسينيا تؤرخ للقرن الثالث عشر ق.م. وانتهى استيطان هذا العصر بنيران شديدة كما تدل آثار الموقع.

ومع بداية العصر الحديدي Iron Age I أخذ الموقع معالم جديدة، حيث تم بنا مبانٍ جديدة فوق تحصينات العصر البرونزي المتأخر، كما عثر على كسر فخارية ميسينية تؤرخ للفترة بين نحو 1225- 1175ق.م. كما تم العثور في طبقات هذه الفترة - ولأول مرّة - على مخلفات نسبت إلى شعب البلست  pilisti، وهم من شعوب البحر الذين هاجروا من حوض بحر إيجة إلى بلدان شرقي البحر المتوسط. وبهذا تكون أشدود واحدة من المدن الخمس (غزة، وعسقلان، وتل المقنّع، وتل الشيخ أحمد العريني، وأشدود) التي تنسب إلى هذه الأقوام، وبنيت في جنوبي الساحل الفلسطيني. ووجد المنقبون قلعة كبيرة سُكِنت حتى بداية القرن العاشر ق.م؛ وفخاراً مزخرفاً برسومات مدهونة باللونين الأحمر والأسود                                            .(Philistine Bichrome Ware)

وكشف في إحدى الغرف لعمائر قريبة من القلعة على عدد كبير من الأواني الفخارية المايسينية Mycenaean CIII Type  المزخرفة برسومات على سطوحها، ويظهر أن كثيراً منها استورد من بلاد ميسينيا. كما عثر في واحد من المباني - ولها جدار منحنٍ Apsidal - على دمى تمثل إلهة تجلس على كرسيها، تشابه تماماً الدمى المايسينية المسماة "النائحة" .Mourner

كما عثر على ختمين أسطوانيين محفور على الأول إشارات مشابهة للكتابة القبرصية المينوية التي استخدمت خلال القرنين الثالث عشر والثاني عشر ق.م، وعلى الثاني أشكال تصويرية إيجية، مثل أشكال آدمية جالسة، ورؤوس طيور.

 
قلعة أشدود 

وأثبتت الحفريات الأثرية في الموقع التوسعَ العمراني البلستي خلال منتصف القرن الحادي عشر ق.م، حيث كشف النقاب عن مبانٍ في المنطقة السفلى للموقع، خاصة بوابة عرضها 4.20م، بنيت من اللبن الطيني ملاصقة لسور المدينة، لها برجان بني في كل منهما غرفتان في جهته الغربية وبرج للمراقبة في واجهته الأمامية. ويعتقد أن هذه البوابة دمرت في بداية القرن العاشر ق.م.

ويظهر أنه - وبعد تدمير التحصينات الدفاعية (الأسوار والبوابة) في بداية القرن العاشر ق.م بعقود قليلة - قام الناس في أشدود ببنا تحصينات جديدة إلى الجنوب من البوابة القديمة. وتكونت هذه الدفاعات من بوابة كبيرة جداً، تبلغ أبعادها 20.5م × 18.5م، ولها أربعة مداخل، ومبنية من اللبن الطيني فوق أساسات من الحجارة. وهي بهذا تشابه بوابات القرن العاشر ق.م في فلسطين، مثل ما هو الحال في مواقع: تل وقاص Hazor، وتل المتسلم Megiddo، وتل الجزر .Gezer

وتم التعرف في الطبقة (VIII) إلى عدد كبير من البيوت المكونة من عدد من الغرف تحيط بساحة. وعثر في إحدى هذه البنايات على سبعة أفران لشي الأواني الفخارية. كذلك تم التعرف إلى مبنى لمعبد صغير، مكون من عدة غرف عثر بداخلها على عدد من المجسمات البشرية Anthropomorphic، والحيوانية Zoomorphic كما لاحظ المنقبون وجود أعداد كبيرة من الهياكل العظمية الإنسانية، قدّرت بنحو ثلاثة آلاف مدفونة دفناً جماعياً في بعض الغرف. وهذا الأمر أدى إلى الاعتقاد أن السبب في هذا كان قتلاً جماعياً على يد الملك الآشوري سرجون الثاني في أثنا غزوه للمنطقة في عام 712-711ق.م. وما أكد هذا الرأي العثور على كسر من مسلة أقامها هذا الملك، ونقش عليها أسما المدن التي احتلها، ومنها اسم "أشدود".

وعلى الرغم من تدمير المدينة على يد الآشوريين، فإن المدينة بقيت تصنع الأواني الفخارية، بدلالة العثور على عدد من الحفر الممتلئة بالرماد بالقرب من منطقة أفران شي الأواني الفخارية، وتعود إلى بداية القرن السابع ق.م  .Stratum VII ويظهر أنه - ونتيجة لثبات "أشدود" ممثلة بملكها "ميتنتي" Mitinti على ولائها للآشوريين - سمح لها الملك الآشوري سنحاريب بإعادة بنا البوابة التي كانت مستخدمة سابقاً، ودمرها سرجون الثاني. لكن هذه البوابة دمرت مرّة أخرى في نحو 600ق.م إما على يد الفرعون المصري بسماتيك الأول، وإما الملك الكلدي نبوخذ نصر.

وبعد سقوط بلاد الشام بيد الكلديين (البابليين الجدد) تراجع دور عسقلان في المنطقة؛ إذ لم يعثر في الطبقة السادسة إلاّ على عدد قليل جداً من المباني، وقليل من أفران شي الأواني الفخارية، ودلائل على صناعات معدنية؛ مما دعا الباحثين لوصفها بموقع للصناعات.

وتمثلت بقايا الفترة الفارسية في الطبقة الرابعة بمبنى عام كبير المساحة، وآخر أصغر، وجواهر؛ وبنقش آرامي كتب على كسرة من الفخار، نصه "خمر قدم لزبادية". ويعتقد أن المبنى الكبير كان قصراً للحاكم، أو مبنى إدارياً، وهو يشابه في بنائه تلك الأبنية التي عثر عليها في تل القصيلة، وتل الدوير في فلسطين.

ويبدو أن مدينة أشدود في العصر الهلنستي (الطبقات (IV- III بنيت حسب مخطط مسبّق، حيث عثر على شوارع تفصل بين الوحدات البنائية. وجا ت المباني هنا مبنية من الحجارة على أساسات من اللبن الطيني. وكشف النقاب عن ساحة المدينة Agora، بني فيها مبنى عام، ربما كان لواحدة من غرفه صفة عقائدية. كذلك وجد المنقبون عدداً من جرار الخمر المعروفة باسم الجرار الرودسية (نسبة إلى جزيرة رودس)، وأفراناً لشي الفخار، وأواني فخارية محلية ومستوردة، وقطعة نقود تعود إلى الملك بطلميوس الثاني (271- 240ق.م)، وأخرى إلى الملك أنطيوخوس الثامن (114ق.م).

وتراجعت أهمية مدينة أشدود في الفترة الرومانية (الطبقة (II خلال حكم الملك هيرود خاصة، حيث أصبحت أصغر مساحة عنها في الفترة الهلنستية، ولم يعثر على الكثير سوى بنا مكون من ثلاث غرف. أما بقايا الطبقة الأولى المؤرخة للفترة البيزنطية؛ فلم تدل إلا على استيطان لقرية صغيرة.

وبهذا يُختتم الحديث عن مدينة أشدود، حيث مرت منذ تأسيها كمدينة في نحو 1650ق.م حتى الوقت الحاضر بمراحل صعود وهبوط، لكنها بلغت ذروتها في العصرين البرونزي المتأخر، والحديدي.

 

زيدان كفافي

 

 

مراجع للاستزادة:

-E. M. MEYERS. (ed.), The Oxford Encyclopedia of Archaeology in the Near East, Vol. 1., New York (Oxford University Press, 1996).

 

 

 


التصنيف : آثار كلاسيكية
المجلد: المجلد الثاني
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1079
الكل : 40611362
اليوم : 141177