logo

logo

logo

logo

logo

أرخيلاوس

ارخيلاوس

Archelaus - Archélaos



أرخيلاوس

 

 

 

كانت مملكة هيروديس Herodes - الملقب بالكبير (Herod the Great) -  إحدى الممالك المحلية القائمة في جنوبي سورية (الطبيعية)، إلى جانب مملكة الأنباط [ر] وإمارة الإيتوريين [ر]. وقد أثبت ملكها ولا ه وإخلاصه في خدمة المصالح الرومانية في المنطقة؛ لذلك حظي بدعم قادة الرومان وأباطرتهم الذين ساندوه في صراعه مع القوى المجاورة ووسعوا نطاق حكمه. كان هيروديس ينتمي إلى الأدوميين، وهم شعب عربي استوطن في جنوبي فلسطين وجرى تهويده قسراً على أيدي المكابيين في أواخر الحكم السلوقي، وقد بدأ صعوده في مدارج السلطة مستغلاً ظروف الحروب الأهلية الرومانية حتى وصل إلى عرش يهوذا، وبعد أن حكم نحو ثلث قرن (37-4 ق.م) توفي تاركاً عدداً من الأبنا من زوجاته المختلفة.

كان أرخيلاوس Archelaos أكبر أبنا هيروديس من زوجته مالتاكي Malthake السامرية، ولد عام 23 ق.م، وعندما بلغ سن الشباب أرسله والده إلى روما مع بعض إخوته ليخالط الرومان ويتعرف عاداتهم وتقاليدهم بهدف التقرب منهم وكسب ثقتهم.

أوصى له هيروديس في وصيته الرابعة بالملك، وبأن يحكم يودايا Judaia والسامرة وأدوم التي تعدّ القسم الأكبر من المملكة، ولكن تنفيذ بنود هذه الوصية كان مرهوناً بموافقة الامبراطور الروماني أوغسطس[ر] Augustus. وهكذا تسلم أرخيلاوس زمام الأمور مؤقتاً، وبدأ يستعد للسفر إلى روما على أثر انتها مراسم الحداد على موت والده مباشرة. غير أنه وقبل أن يكمل استعدادته للسفر اندلعت الاضطرابات في أورشليم - القدس، وطالب الثائرون بإعفائهم من الضرائب الباهظة التي كان قد فرضها عليهم والده هيروديس.

حاول أرخيلاوس تأجيل الموضوع حتى عودته من روما على أمل أن تهدأ مشاعرهم في أثنا ذلك، ولكنهم رفضوا ذلك وقرروا إقامة عزا لعلما اليهود الذين كان هيروديس قد أمر بإعدامهم لأنهم أنزلوا تمثال النسر الروماني من بوابة الهيكل اليهودي وحطموه، كما طالبوا أيضاً بعزل الكاهن الأكبر الذي عينه هيروديس، وبطرد الموظفين الإغريق من البلاط الملكي.

خشي أرخيلاوس أن تعم الفوضى مع اقتراب موسم الاحتفال بعيد الفصح؛ فاستدعى كتيبة من جنده وأمرهم بقمع التمرد بالقوة، مما أدى إلى مقتل نحو ثلاثة آلاف رجل كما يذكر المؤرخ يوسيفوس في روايته لهذه الأحداث. وما كاد أرخيلاوس يصل إلى روما لكي يرجو من الامبراطور المصادقة على وصية أبيه حتى وصلها أيضاً وفد من الثائرين جا للمطالبة بانتها حكم آل هيروديس وضم منطقة يودايا إلى ولاية سورية. وقد تضامن مع هذا الوفد آلاف اليهود المقيمين في روما، كما وصل إلى روما وفد من المدن الإغريقية في فلسطين للمطالبة بوضع هذه المدن تحت السلطة المباشرة للوالي الامبراطوري في سورية، كما أن وفداً ثالثاً يمثل الأسرة الهيرودية جا يطالب بتقسيم المملكة بالتساوي بين أبنا هيروديس، أو بتسليم عرش المملكة إلى أنتيباس Antipas الأخ الأصغر لأرخيلاوس.

وفي أثنا ذلك كانت الأوضاع تزداد سو اً في فلسطين؛ مما استدعى تدخل الوالي الروماني في سورية كوينتيليوس ڤاروس Q. Varus الذي قمع الاضطرابات بالقوة. وصدر قرار الامبراطور أوغسطس متأثراً بكل هذه الأحداث، فرفض مطالبات الثائرين بإقصا آل هيروديس عن الحكم وصادق على وصية هيروديس بعد أن أدخل عليها تعديلاً جذرياً؛ فقد ألغى الملكية وقسم التركة بين أبنا هيروديس على الوجه التالي:

 -1 حصل أرخيلاوس على حكم يودايا وسماريا Samaria وإيدوميا Idumaea  مع لقب اتنارخوس Ethnarchos أي حاكم، ووعده بأن يمنحه لقب ملك أذا أثبت جدارته في الحكم.

 -2 يحكم شقيقه أنتيباس منطقة الجليل وبيرايا (المنطقة المقابلة لها شرقي الأردن)، ويحمل لقب تترارخTetrarchos .

 -3 أما فيليب Philippos ابن هيروديس من زوجته كليوباترة فيحكم المنطقة الواقعة في شمالي وادي الأردن ويحمل لقب تترارخ مثل أخيه.

   -فصل مدينة غزة وجدارا Gadara (أم قيس) وهيبوس Hippos، والأخيرتان من مدن الديكابوليس، التي أصبحت تابعة مباشرة لولاية سورية.

وهكذا نال أرخيلاوس القسم الأكبر والأهم من مملكة أبيه، وقد دعمه في مطالبه المؤرخ نيقولاوس الدمشقي مستشار والده السابق الذي كان ذا حظوة كبيرة عند أوغسطس، وعاد إلى فلسطين ليحكم على مدى عشر سنوات باسم هيروديس أرخيلاوس حكماً مستبداً ويقمع العناصر الثائرة في البلاد بمنتهى القسوة والشدة. وقد ازدادت علاقته السيئة برعيته سو اً نتيجة زواجه بغلافورة Glaphyra ابنة ملك كبادوكية وأرملة أخيه غير الشقيق ألكسندر Alexander، الذي كان له منها أولاد، وكان مثل هذا الزواج محرماً في الشريعة اليهودية وأثار سخطاً شديداً في أوساط المتدينين. وفي عام 6م توجه وفد إلى روما لرفع شكوى ضده، وفي هذه المرة لقي الوفد آذاناً صاغية لدى الامبراطور أوغسطس الذي أمر بعزل أرخيلاوس ونفيه إلى بلاد الغال ومصادرة أمواله وممتلكاته، وقد مات في منفاه بعد عشر سنوات.

 أما يودايا فقد وضعت تحت الحكم الروماني المباشر، وتحولت إلى ولاية رومانية يحكمها والٍ  برتبة بروكوراتور Procurator مسؤول أمام والي سورية، واتخذ الوالي الجديد مقره في مدينة قيسارية Caesarea الساحلية، والتي أسسها هيروديس الكبير، التي صارت عاصمة فلسطين طوال الحكم الروماني.

أصدر أرخيلاوس مجموعة من النقود تحمل رموزاً بحرية (سفينة شراعية، مرساة، مقدمة سفينة)، أو قرن الخصب مع اسمه ولقبه باللغة الإغريقية. وقد ورث عن أبيه حب الأبنية الفخمة، فأقام قصراً جديداً في أريحا بدلاً من قصر والده الذي خرب في أثنا الاضطرابات.

قطع نقدية من مجموعة النقود التي أصدرها أرخيلاوس: في اليسار قطعة نقدية نقش عليها عنقود عنب وأوراقه، وفي اليمين قطعة نقد عليها خوذة فوقها ريش ولها رباط عنق مع نقش عين في وسطها

كما أقام في وادي الأردن بالقرب من أريحا مدينة جديدة حملت اسمه فعرفت باسم أرخيلاس  Archelais، وأحاطها بغابة واسعة من أشجار النخيل التي أنشأ لسقايتها قناة تجلب المياه إليها من ينابيع منطقة نعران.

وتبعاً لخريطة بوتنجر Peutinger فإن أرخيلاس كانت تبعد 12 ميلاً رومانياً عن أريحا، كما تظهر المدينة كذلك على خريطة مأديا الفسيفسائية. وقد عثر في موقعها المعروف اليوم بخربة عوجا التحتا على آثار أبنية ومنشآت مياه يمكن رؤيتها على أرض الواقع، كما عثر على فخاريات من العصر الحجري النحاسي وعصر البرونز وعصر الحديد؛ مما يدل على قدم الاستيطان في هذا الموقع.

أما شقيقه هيروديس أنتبياس (الذي سمي على اسم جده الأدومي) فكان عليه الاكتفا بحكم منطقة الجليل وبيرايا ولقب تترارخ (4 ق.م-39م). وقد قام بتأسيس عاصمة جديدة له عام 17م على شاطئ بحيرة الناصرة دعاها طبرية Tiberius  على اسم الامبراطور الروماني تبيريوس  Tiberius ت(14 - 37م)، فازدهرت وعظم شأنها وصارت البحيرة تنسب إليها.

تزوج انتيباس -للمرة الثانية - ابنة أخيه (غير الشقيق الذي أعدمه والده) وتدعى هيرودياس Herodias التي كانت زوجة أخ آخر له. وقد استنكر يوحنا المعمدان هذا الزواج، فما كان منه إلا أن أمر بقتله تلبية لرغبة زوجته وابنتها سالومي Salome. وأدى طلاقه من زوجته الأولى التي كانت ابنة الملك النبطي، إضافة إلى خلافات حدودية إلى نشوب حرب مع الأنباط انتهت بانتصار الحارث الرابع على أنتيباس في جلعاد Gilead وتشتيت جيشه، فاستنجد بسيده وحاميه القيصر الذي أمر واليه على سورية بمحاربة الحارث ولكن وفاة الامبراطور حالت دون ذلك.

وعندما طلب أنتيباس من الامبراطور كاليغولا Caligula ت( 37 - 41م) منحه لقب ملك أوغر أغريبا الأول Agrippa I- أخو أنتيباس - صدر الامبراطور ضده فأمر بعزله ونفاه إلى بلاد الغال عام 39م، حيث مات هناك.

أما الأخ الثالث فيليبيوس فكان نصيبه من إرث أبيه المنطقة الواقعة في أقصى شمال شرقي وادي الأردن، ويروى أنه كان حاكماً صالحاً وقد أسس في عام 1 ق.م على السفح الجنوبي الغربي لجبل الشيخ قرب نبع بانياس (أحد منابع نهر الأردن) مدينة سماها قيصرية Caesarea تكريماً للقيصر الروماني، واشتهرت فيما بعد باسم قيصرية فيليب (تفريقاً بينها وبين قيصرية الساحلية عاصمة فلسطين الإدارية)، وقد ورد ذكرها في إنجيل متى، وهي المعروفة اليوم باسم بانياس (الداخل) الواقعة في الجولان.

تزوج فيليبوس ابنة أخيه سالومي السالفة الذكر، ومات في عام 34م بلا وريث، فضمت مقاطعته إلى ولاية سورية.

 

محمد الزين

 

 

مراجع للاستزادة:

- M. - M. SARTRE, D, Alexandre à Zénobie (Paris, 2001).

 


التصنيف : آثار كلاسيكية
النوع : أعلام
المجلد: المجلد الأول
رقم الصفحة ضمن المجلد : 329
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1086
الكل : 40589015
اليوم : 118830