logo

logo

logo

logo

logo

الأثاث في عصور ماقبل التاريخ

اثاث في عصور ماقبل تاريخ

Furniture in Prehistoric Times - Meubles dans la Préhistoire



الأثاث في عصور ما قبل التاريخ

 

 

مع بداية ظهور الإنسان وجد نفسه بلا مأوى يقيه البرد أو الحر، ويحميه من وحوش الطبيعة، فأوى إلى الكهوف، وجعل لنفسه أثاثاً بسيطاً من عظام حيوانات صيده، ولاسيما الكبيرة منها، فمن عظام لوح الماموت صنع طاولات تفصيل لملابسه، عثر عليها وهي تحمل آثار حزوز تدل على استخدامها لهذه الغاية، وحفر في الأرض مواقد تحلق حولها الناس في سهراتهم؛ فكانت مصدراً للدف والحماية من الحيوانات التي تهرب من النار ، و صنع أسرّة لصغاره؛ هي حفر في الأرض فرشها بالرماد الذي تخلفه المواقد، وعلى نحو تلقائي قسم المغارة أو الملجأ إلى زوايا وضع في كل قسم الأدوات المناسبة له، فمكان تصنيع الصوان مثلاً كان بعيداً عن مكان المعيشة، ومكان التقصيب كان أيضاً في زاوية أخرى وضع فيها مستلزمات التقصيب من أدوات صوّانية قادرة على القيام بهذا العمل، وأما أماكن النوم ففيها جلوده للتغطية ومراقد أطفاله.

آنية بيضا من تل الرماد

بنى إنسان الهومواركتوس Homoerectus في سورية ما بين نحو 700 ألف و300 ألف عام أكواخاً  بسيطة في اللطامنة والقرماشي في حوض العاصي أقام بداخلها، ووضع فيها أثاثه البسيط المكون من الجلود والأخشاب والعظام والصوان. وهذا ما عثر عليه أيضاً في مغاور إنسان نياندرتال  Neanderthalوملاجئه، حيث لا يُلفى أثاث حقيقي للإنسان القديم قبل الإنسان العاقل الذي استقر في قرى بسيطة كانت  بيوتها بدايةً نصف مغروسة في الأرض دائرية الشكل كما في المربيط والشيخ حسن على الفرات الأوسط في منطقة سد الفرات، ثم تحولت إلى بيوت دائرية مستطيلة كما في الجرف الأحمر[ر] على الفرات الأوسط.

وتضمنت هذه البيوت المقسمة إلى غرف للمعيشة ومطابخ أثاثاً مثل: مصاطب الجلوس والمواقد الأرضية والأفران. كما تضّمت أواني حجرية وعظمية كالآنية الحجرية التي وجدت في الجرف الأحمر مزينة بتحزيزات وخطوط، ولها ثقوب من أعلاها وضعت على الأرجح لربطها لتُحمل من الأعلى.

كما عثر على مسنات حجرية وإبر خياطة عظمية، ومن المؤكد ظهور السلال لتركها علامات على التراب المقسى.

 
إنا حجري (تل أسود - دمشق)   قصعة حجرية من الجرف الأحمر

وبعد أن تطورت القرى في العصر الحجري الحديث ما قبل الفخاري Néolithique precéramique بدأت الأدوات تتطور، والأثاث يتغير، فغدا هناك أثاث جنائزي حيث صنعت الدمى الطينية للربة الأم deesse- mére، وحفظت في زوايا البيوت لإخراجها عند الحاجة في أثنا طقس جنائزي كعبادة الأجداد كما في تل الرماد الواقع في ريف دمشق. ومع اكتشاف الزراعة وظهور أهمية الثيران في الحراثة ضمت مصاطب الجلوس قرون الثيران إيماناً بعبادتها وتيمناً بها، ومن المؤكد استخدام الإبر العظمية لحياكة الملابس لوجودها بكثرة وكذلك الملاعق العظمية، وإذا عدّت المواقد من الأثاث المنزلي؛ فقد وجدت بكثرة في هذه المرحلة في المطابخ كما وجدت في غرف المعيشة بهدف التدفئة.

 
صحن فخاري من تل الرماد   زبدية رخامية (تل الرماد)

وقبل اكتشاف الفخار استخدم الإنسان السوري القديم نوعاً من الأواني التي صنعها من الكلس المقسى الممزوج بالقش أحياناً وبالرمل أحياناً أخرى سميت بالأواني البيضا vaisselles- blanches، وزينها بخطوط من المغرة الحمرا وقد عثر عليها في معظم المواقع السورية العائدة لهذه الفترة

واستمر إلى جانبها بصنع أوانٍ حجرية غاية في الجمال عثر عليها في تل أسود وموقع بقرص وتل الرماد، وقد استخدمت في الطقوس الدينية لندرتها وصعوبة صنعها وجعلها أحياناً بأشكال حيوانية لتحقيق غايات دينية أيضاً.

دمية من الأثاث الجنائزي (تل الرماد)

ومع ظهور التدجين استخدم أيضاً أصواف الحيوانات وجلودها في أثاثه، وهذا ما يؤكده وجود المغازل الحجرية حيث قام بغزل الأصواف والأوبار؛ ليصنع منها ملابسه، ويخيطها بالإبر التي عثر عليها في مواقعه أيضاً.

ومع تطور القرى الزراعية في الألف السابع غدا الإنسان منتجاً لغذائه، فأصبح مستقراً على نحو كامل، وسكنت القرى على نحو منظم، وقد فصل بينها أزقة، وظهر الفخار الذي بدأ بصناعته باليد، فصنعت أدوات كثيرة من جرار وقصعات وصحون مزينة وجميلة. وقد عثر على الكثير من الفخار في المواقع السورية، كما عثر في بيوت هذا الإنسان على تماثيل للآلهة كالربة الأم والثور حتى الأكباش، وضم أثاثه الكثير من السلال وصوامع الحبوب المحفورة في أرضيات القرى للاستخدام الجماعي كانت ملبسة بالكلس ولها غطا محكم.

وصنع ملابسه مع بداية التدجين من أصواف خرافه، وحزم الأخشاب بالقش؛ ليصنع منها مقاعد لجلوسه في أي مكان، واستخدم من العظام الحلي والأمشاط لشعره، وكذلك صنع منها خواتمه، وقد عثر في تل الرماد قرب دمشق على أمشاط وخواتم عظمية يمكن من حجمها التخمين أن أحدها لامرأة والآخر لرجل. فأثاث المنزل في هذا العصر كان جلود الحيوانات المدجنة والبرية استخدمت لفرش الأرض بعد تلييسها، دل على ذلك العثور على أرجل هذه الحيوانات مقصبة؛ وهو ما يؤكد استخدام جلودها.

وفي الأماكن الغنية بالقصب كموقع تل أسود في غوطة دمشق استخدم القصب بكثرة، فصنع منه بيوتاً خفيفة ومصاطب للجلوس والمقاعد والسلال وغيرها من الأشيا ، ولعل هذا ما جعل الكثير من معالم الأثاث تفقد في هذا الموقع الغني بأشيا أخرى مهمة.

وازدادت الموجودات المنزلية الفخارية مع ظهور دولاب الخزاف في الألف الخامس، وغدا الفخار مادة استهلاك يومي لا أهمية كبيرة لها، وإن كسرت فهي سهلة التعويض، وبذلك أيضاً زادت أنواعها، واختلفت حجومها لتشكل أثاثاً متنوعاً، كما صنعت منها مجارٍ للمياه المالحة الخارجة من البيوت حيث عثر عليها في حبوبة الكبيرة التي عُدّت إحدى القرى المهمة الأخيرة في عصور ما قبل التاريخ، وازدادت الدمى الفخارية وظهر أثاث جديد، هو المذابح لبيوت العبادة الأولى، حيث تقدم الأضاحي، ويمكن الحديث عن التزيينات التي عثر عليها في مساكن إنسان العصر الحجري الحديث  حيث زين سكان تل الرماد في ريف دمشق مساكنهم من الداخل - ولاسيما غرف المعيشة - بأشكال هندسية ملونة، وزين سكان بقرص قرب البوكمال مساكنهم - إضافة إلى الأشكال الهندسية الملونة - برسوم لطائر النعام إضافة إلى الكوّات التي كانت مخصصة لوضع قناديل الإنارة.

إذاً يمكن القول: إن إنسان ما قبل التاريخ بعد اكتشافه للزراعة والتدجين والاستقرار اهتم بمساكنه ومحتوياتها من الأثاث، وبدأ في البحث عن رفاهيته.

 

يسرى كجك

 

 

مراجع للاستزادة:

 - عفيف بهنسي، الآثار السورية مجموعة من الأبحاث قدم لها وأشرف عليها (منشورات مؤسسة البريد الدولية، 1982).

 - أ. لوروا كوران،  الكهوف مسرح الحياة الأول، ترجمة يسرى الكجك (منشورات دار شمال، 1995).

- D. FEREMBACH, “L’évolution  humaen au Pproche-Orient“. Paléorient -1- (2), (1973), pp. 213.

 


التصنيف : عصور ما قبل التاريخ
النوع : أثاث وأدوات
المجلد: المجلد الأول
رقم الصفحة ضمن المجلد : 169
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 463
الكل : 31650766
اليوم : 5348