logo

logo

logo

logo

logo

الأسطورة في العصور التاريخية

اسطوره في عصور تاريخيه

The Myth in Historical Times - Le Mythe dans les Temps Historiques



الأسطورة في العصور التاريخية

 

الأساليب التي صيغت بها الأسطورة

مواضيع الأساطير

 

تعرّف كلمة أسطورة Myth لغة بأنها جا ت من السّطر أو الخطّ أو الكتابة وجمعه أسطر وسطور وأسطار وجمع الجمع أساطير، والكلمة في الإنكليزية والفرنسية من الأصل الإغريقي Mythos وتعني قصّة. وكان أفلاطون أول من استعمل مصطلح "علم الأساطير" Mythologia. ومن الممكن تعريف الأسطورة بمعناها الاصطلاحي بأنها مزيج من كلّ شي في كل شي ، فهي حكاية خالصة، حكاية مستوحاة من حوادث التاريخ، قصة سردية، تاريخ الآلهة، تاريخ الأبطال وتاريخ الأجداد، ويكون أبطالها أشخاصاً خياليين. وفي المشرق العربي القديم كانت بلاد الرافدين منبعاً للأساطير طوال العصور التاريخية، ويعود أقدمها إلى نحو 2500 ق. م وآخرها إلى القرن الأول قبل الميلاد، والكثير من هذا النتاج الأدبي القديم انتقل إلى لغات أخرى إما عن طريق الترجمة وإما شفاهياً. ولم يقتصر تأثير تلك الأساطير على الشرق الأدنى القديم بل امتد شرقاً إلى الحضارة الهندية وغرباً إلى الحضارة الإغريقية ومنها إلى أوربا في العصور اللاحقة. وقد دونت أساطير بلاد الرافدين القديمة باللغتين السومرية والأكادية وبالخط المسماري، وانتشرت نسخها في سورية ومصر وكذلك في بلاد الأناضول وبلاد فارس. وكان لمدينة أوغاريت [ر] الفضل الأول في حفظ أساطير أكادية وحورية فضلاً عن الأساطير السورية القديمة المدونة بالأبجدية الأوغاريتية. وفي بلاد الأناضول حفظت الأساطير بالحثية القديمة والحثية الحديثة Hittite ومنها الأساطير الحورية.

مع ذلك الأفق الواسع - الذي تميزت به أساطير حضارة المشرق العربي القديمة - اقترن التنوع بدرجة كبيرة من الإبداع. وفي حالات كثيرة هناك روايات مختلفة عدّة لأسطورة واحدة، وهذه الروايات قد ترتبط بمواقع مختلفة أو بعصور مختلفة، وأحياناً يصل الاختلاف فيما بين رواية وأخرى حد التناقض. تعود هذه الاختلافات إلى أن تكوّن الأساطير القديمة وصياغتها لا تكون ضمن العصر التاريخي لتدوينها حصراً، وإنما هناك أساطير تشكلت وحبكت حوادثها في عصور موغلة في القدم واستمر تناقلها شفاهياً حتى وصلت إلى صياغتها الأخيرة التي حفظت بالتدوين. وأصبحت كل أسطورة مدونة جز اً من عمل أدبي روائي أبدع في بيئة تاريخية محددة الملامح خدمة لهدف معين. وإذا وجد تداخل في النتاج الأدبي القديم فيما بين الأسطورة والقصة الأسطورية والرواية التاريخية فهو أمر متوقع مادام التمييز بينها هو من طروحات العصور الحديثة.

أمّا وظيفة الأسطورة فهي معرفة أصل الأشيا ، وثمة مفهوم خاص بالذهن البشري، إذ تمثّل قدرته على امتلاك التجارب والأفكار التي لا يستطيع شرحها عقلانياً. والأسطورة مصدر لجميع المعارف الإنسانية، ولذلك ترتبط كلمة الأسطورة دائماً ببدائية البشر قبل أن يمارسوا السّحر بوصفه ضرباً من ضروب العلم والمعرفة. وإنّ ملكة الخيال هي التي تمكّن الإنسان من التفكير بشي لا يكون حاضراً على الفور، وحين يدرك في البداية لا يكون له وجود موضوعي. فالخيال ملكة تنتج الدين، والأسطورة غير قابلة للانفصال عما هو طقسي، ولا معنى لكثير من الأساطير خارج الشعيرة إلا بالربط فيما بينهما. وهكذا ظهرت الأساطير في أوقات المحن كي تحمل البشر على تخطيها. والأسطورة تدور دائماً حول المجهول، إنّها تدور حول الذي لا يملك الكلام عنه بدايةً، لقد نشأت وسط صمت كبير.

وقد أدهش الكون القدما ففكروا فيه وفي مظاهره ذات التأثير الجسيم بحياتهم، وجمعوا تأملاتهم جيلاً بعد جيل لكي يعللوا تلك المظاهر بالوسائل الفكرية المحدودة التي امتلكوها. من هنا أقدموا على تركيب صور وظروف وحوادث لا يمكن السيطرة عليها لكنها قد تزودهم بشرح مقنع لهم على الأقل للأسرار الكبرى التي كانوا يشعرون بأنها تكتنف وجودهم، فكانت الأسطورة تجسيداً لذلك التركيب. وأهم تلك الأسرار وأكثرها إلحاحاً ما كان يتعلق بالمعطيات الأكثر شمولاً والأكثر تأثيراً في حياة القوم وقيمهم ومعتقداتهم. ومن قبيل ذلك سبب وجود الكون، ووجود القوم ذاته. وقد مثلت الأسطورة سبيلاً للبحث عمّا يحتمل أكثر من كونها سبيلاً للبحث عن الصحيح من الحلول حتى أضحت طاقة لإيجاد حلول مختلفة من دون المس بالحدس العميق الذي يكمن في العقيدة المتكونة تعبيراً عن الثوابت الكبيرة في حياة القوم.

الإله بعل

وللأسطورة موقعها الخاص في الأدب، فهي الفكرة، والأدب مادة صياغة هذه الفكرة. بمعنى آخر؛ الأدب هو اللغة التي تحول هذه الفكرة من حالة ذهنية خيالية إلى مادة منطوقة ومكتوبة، أي تنزلها من الخيال الإنساني إلى اللوح المسطور. ويمكن رصد الأساليب التي صيغت بها الأسطورة على النحو الآتي:

1- الحكاية: تعد الأسلوب والنمط الأوّل للأساطير، وهي ملأى بالقصص والتجارب الغنية.

2- الرسالة: كانت الأسطورة بهذا الأسلوب تقوم بإيصال الحكم والأقوال المأثورة إلى البشر ليستلهموا منها علماً أو سلوكاً معاشاً أو ديناً.

3- الشعر: هو الأسلوب الأدبي الأرقى الذي يعنى باستخلاص المختصر المفيد من الكلام، وقد ظهر الإيقاع الشعري في الأساطير الأكادية.

4- الإنشاد: اتبع هذا الأسلوب في الحفلات الدينية داخل المعبد أو في الحفلات الدنيوية في القصر.

5- الملاحم: هو الأسلوب الروائي الذي مكّن الأسطورة من تملّك أفكار الناس ونفوسهم. وتظهر في الأساطير القديمة - على اختلاف أساليبها - السّمات الأدبية الآتية: التكرار، المقابلة، الوصف والتشبيه.

أمّا مواضيع الأساطير فتعنى بالآتي:

1- الخلق: وهذا الموضوع معبّر عنه في عدد من أساطير وادي الرافدين وسورية.

2- الآلهة: كان لكلّ مدينة آلهتها الخاصة سوا في بلاد الرافدين أم في سورية. والأساطير الخاصة بها تدور حول ولاداتها وتزاوجها ومغامراتها وصراعاتها. والأسطورة تتحدث عن وجود عالم آخر ليست حياة البشر سوى نسخة مصغرة عنه، فكل الحوادث التي يتعرض لها الإنسان في حياته لها نظيرها في الميدان الإلهي، فالحقائق الأرضية هي ظل شاحب للمثال الواقعي الأصلي.

3- الكواكب: تتحدث بعض الأساطير عن الكواكب، وقد جا ت قصصها جز اً من أساطير عديدة تحاول أن تقدم تفسيراً لوجودها أو تحركها أو صلتها ببعضها، وكذلك تفسيراً لما تتعرض له من ظواهر.

4- الأبطال: عرفت أساطير وادي الرافدين وسورية أبطالاً خياليين، أو أشخاصاً أُضفيت عليهم هالات أسطورية؛ ليكونوا مواضيع لأساطير تمجد أفعالهم الخارقة.

5- المدن والمعابد: معظم الأساطير الخاصة بالمدن والمعابد كانت تهدف إلى تمجيد تلك المدن والمعابد، أو تفسير نشوئها أو خرابها.

الإله إيل

وقد عثر على عدد من نصوص الأساطير في مواقع المدن السورية القديمة مثل: إيبلا وأوغاريت، فنصوص إيبلا تتضمن زها عشرين أسطورة، وبعضها مدون بأكثر من نسخة. وفي هذه الأساطير مواضيع تخص أهم الآلهة التي كانت معروفة في إيبلا مثل رشب، شمش، عشتار ودجن. وفي أوغاريت عثر على نصوص أساطير مدونة بالأبجدية الأوغاريتية، ولكن لا تزال مواضع غموض كثيرة تكتنف هذه النصوص إما بسبب فقدان أجزا منها وإما بسبب عدم وضوح ترتيب ألواحها. وفيما عدا هذا توجد بعض الروايات الفينيقية التي جا ت من مصادر متأخرة.

ومن أهم الأساطير الأوغاريتية أسطورة بعل [ر] وعنات [ر]، وقد اكتسبت أهميتها من طولها وأهمية موضوعها. تبتدئ هذه الأسطورة بقصة الصراع بين بعل وإله البحر "يم" وينتهي الصراع بانتصار بعل. وجوهر الأسطورة مقتل بعل والنزول به إلى عالم الأموات مما يؤدي إلى اضطراب الحياة على الأرض وخمول فعاليتها.هنا تتدخل الإلهة عنات وتحارب لإنقاذ بعل وتنجح في ذلك فيعود الإله بعل وتعود معه الخصوبة والوفرة. تبدو هذه الأسطورة وكأنها سلسلة من القصص التي تربط فيما بينها شخصيات أبطالها. وعلى الأرجح أنّ مغزى أسطورة بعل وعنات هو دورة الفصول ومواسم الوفرة والجفاف. ومن الأساطير الأوغاريتية الأخرى أسطورة "السحر والغروب" (شحر وشلم) التي يدور الجز الأول منها حول الطقوس والتراتيل المرافقة لاحتفال ديني يقام في موسم جني الكرم. ويروي الجز الثاني قصة مولد الإلهين شحر وشلم ابني الإله إيل.

 إن الأساطير الكنعانية هي الصيغة المعرفية الأولى للعقائد الدّينية، والنّصوص الأوغاريتية هي المصدر الأوّل للأساطير الكنعانية، وتعود هذه النّصوص إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد. ومن الجدير بالذكر أنه لم تكتشف أسطورة خلق كنعانية إلا في الرواية المتأخرة التي أوردها فيلون الجبيلي. وبحسب هذه الرواية أنه كانت في البد ريح عنيفة ثائرة وفوضى مظلمة ظلت قروناً لا حصر لها، ثم اتحدت الريح والفوضى، فنشأت من ذلك كتلة مائية اتخذت شكل البيضة، وانشقت البيضة شقين، فظهرت نتيجة لذلك السما والأرض والكواكب وصنوف الحيوان. وتتضح في هذه القصة وجوه شبه عدة مع قصة الخليقة البابلية.ومن بين الأساطير الرافدينية التي وجدت نسخ منها في سورية أسطورة أترا- خاسيس التي عثر على نسختين منها في موقع مدينة أوغاريت، واكتشفت نسخ من ملحمة جلجامش في مواقع كل من إيمار (مسكنة) وأوغاريت ومجدو في فلسطين. وفي ماري عثر على نسخة من أسطورة "خلق الدودة" وهي من أساطير الخلق الرافدينية وقد اكتشفت نسخ من بعض الأساطير الرافدينية في تل العمارنة في مصر، وفي موقع سلطان تبه في تركيا، وموقع سوسة القديمة في إيران.

 

عبد الوهاب أبو صالح

 

 

التصنيف : العصور التاريخية
النوع : عقائد
المجلد: المجلد الأول
رقم الصفحة ضمن المجلد : 405
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1104
الكل : 40608860
اليوم : 138675