logo

logo

logo

logo

logo

أورارطو

اورارطو

Urartu -

 أورارطو

أورارطو

 

من الصعب على الباحثين تحديد الإطار الجغرافي الدقيق لبلاد أورارطو Urartu؛ بحكم أن هذا الإطار قد تعرض للتغير والتبدل على مدى تاريخ الدولة الأورارطية. ولكن يمكن القول: إن بلاد أورارطو الأصلية كانت في منطقة الهضبة الأرمينية إلى الجنوب الغربي من بحر قزوين، وتمتد إلى المنطقة الواقعة بين بحيرتي أورميا ووان. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن أوراطور هو الاسم الذي أطلقه الآشوريون على المنطقة المحيطة بجبل أرارات في شرقي بلاد الأناضول. وتذكرها النصوص المسمارية الآشورية من القرن الثالث عشر قبل الميلاد باسم نائيري Na´iri. وكان الأورارطيون يطلقون تسمية بياينيلي Biainele على بلادهم، ويسمون أنفسهم بيايني Biaine.

في فترة ازدهار مملكة ميتاني[ر] وقعت معظم أراضي أورارطو تحت سيطرتها، ولكن مع بداية ضعف هذه المملكة في بداية القرن الخامس عشر ق.م؛ بدأت سيطرة ميتاني بالتراجع عن أماكن انتشار القبائل الأورارطية، لتبدأ بالظهور هنا عدة تجمعات مستقلة تضم عدداً من القبائل الأورارطية، وكان من أهم هذه التجمعات ذلك الذي ظهر إلى الجنوب الشرقي من بحيرة وان. إن أولى الشواهد على هذا التجمع جاءت من خلال النصوص الآشورية العائدة إلى العصر الآشوري الوسيط فيما بين القرنين الثالث عشر والحادي عشر ق.م. فالملك الآشوري شلمنصر [ر] الأول (1274- 1244 ق.م) يذكر في حولياته أنه حارب ثمانية بلدان في أورواطري Uruatri. ومن ناحية أخرى، يبدو أنه في هذه المرحلة لم يكن لدى الأورارطيين دولة واحدة تجمعهم، وإنما كانوا منضوين تحت لواء عدد من الاتحادات القبلية، أو دويلات المدن. وقد استمر هذا الوضع في عهد خلفاء شلمنصر الأول، فالملك توكولتي - ننورتا الأول (1243- 1208 ق.م) يذكر مثلاً في نقش له أنه حارب ثلاثة وأربعين ملكاً في بلاد نائيري. وأما الملك تجلات- بلاصر الأول (1115- 1077 ق.م) فيذكر أنه حارب تحالفاً ضم ثلاثة وعشرين ملكاً من ملوك بلاد نائيري، ويتابع القول: إنه بعد أن انتصر على هؤلاء الملوك؛ حقق نصراً آخر على ستين ملكاً من بلاد نائيري وآخرين جاؤوا لمساعدتهم، وأنه لاحق هؤلاء حتى البحر الأعلى (أي البحر الأسود). ويبدو أن تعبير "ملوك" المستخدم في هذه الكتابات يعبر في الحقيقة عن زعماء القبائل الأورارطية الذين كانوا يوحدون قواهم عندما كانت الجيوش الآشورية تقترب من أراضيهم.

إن معالم الدولة الأورارطية تبدأ بالظهور تقريباً في منتصف القرن التاسع ق.م من خلال تحالف من قبائل حورية بقيادة الملك ساردوري الأول Sarduri I (840-830 ق.م)، وكان من أهم إنجازاته نقل العاصمة إلى مدينة جديدة بناها هي مدينة توشبا Tushpa (وان الحالية في تركيا)، ومن عهد هذا الملك وصلت أيضاً أولى الكتابات الأورارطية المكتوبة بالخط المسماري واللغة الآشورية، وهي عبارة عن كتابة قصيرة تعدد ألقاب الملك الأورارطي (الملك العظيم، الملك القوي، الملك المحارب، ملك نائيري). وجلس على العرش من بعده ابنه إشبويني Ishpuini الذي حكم بصورة منفردة بين العامين 825 و815 ق.م، ثم أشرك معه ابنه مينوا Minua في الحكم. استمر الأخير في الحكم إلى نحو العام 780 ق.م ويعدّ حكمه نقطة انطلاق الحملات التوسعية للملوك الأورارطيين في الاتجاهات التي أصبحت تقليدية من بعده، وهي شمالي بلاد الرافدين وشمالي سورية ومناطق القفقاس الجنوبي؛ أي إلى الشمال من بلاد أورارطو. وأما شرقاً فوصلت حدوده إلى الضفاف الغربية والجنوبية لبحيرة أورميا.

كانت الغاية الرئيسية للتوسع الأورارطي في المناطق الشمالية من سورية وبلاد الرافدين حرمان الآشوريين من الحصول على المواد الأولية، ووضع الطرق التجارية المارة من جنوب شرقي الأناضول وشمالي سورية وبلاد الرافدين تحت سيطرتهم.

في العام 780 ق.م جلس على عرش أورارطو أرغيشتي الأول Argishti I الذي تابع سياسة من سبقه من الملوك الأورارطيين فيما يتعلق بالمحاور التقليدية للسياسة التوسعية للدولة مستغلاً في ذلك الضعف الذي حل بالدولة الآشورية بعد وفاة أدد- نراري الثالث. ولذلك قام هذا الملك بمهاجمة المناطق الواقعة إلى الجنوب من بحيرة أورميا، ولأول مرّة تتحدث النصوص الأورارطية عن إلحاق الهزيمة بالآشوريين، ولكن الآشوريين ردوا له الصاع على يد قائد جيوشهم شمشي - إيلو، الذي يذكر في نقش له عثر عليه في تل بارسب (تل أحمر اليوم على ضفة الفرات في سورية) أنه انتصر على قوات أرغيشتي في منطقة جبلية محصنة.

وفي نحو العام 760 ق.م، ارتقى ساردوري الثاني Sarduri II عرش أورارطو، وتابع سياسة أسلافه من الملوك، الذين وضعوا نصب أعينهم محاصرة بلاد آشور وإبعادها عن مناطق استخراج المواد الأولية، فوصلت قواته جنوباً إلى حوض نهر ديالى، أما في الغرب فوجه حملتين نحو شماليّ سورية، كان هدفهما توطيد النفوذ الأورارطي في الأماكن التي كان قد حارب فيها والده من قبل، أي كوموخ وميليد (أرسلان تبه[ر]). وكانت ذروة انتصارات ساردوري الثاني انتصاره على الملك الآشوري آشور- نراري الخامس Ashur - nirari V؛ وذلك في العام 753 أو 752 ق.م، وهي المرة الأولى التي يأتي فيها نص أورارطي على ذكر اسم ملك آشوري.

إن التحول الحاسم في القوى بين الآشوريين والأورارطيين بدأ مع وصول تجلات - بلاصر الثالث Tiglath- Pileser III إلى العرش الآشوري في العام 745 ق.م. فبعد أن أعاد هذا الملك تنظيم أمور مملكته؛ واجه في العام الثاني من حكمه تحالفاً كبيراً جمع بين صفوفه مجموعة من المدن السورية على رأسها متيع - إيل حاكم بيت أجوشي ومعهم الملك الأورارطي ساردوري الثاني. ويذكر تجلات- بلاصر في الكثير من كتاباته أنه تمكن من إلحاق هزيمة كبيرة بهذا التحالف. وكان من نتيجة هذه المعركة أن خرجت أورارطو من دائرة الصراع على النفوذ والسيادة من الشمال السوري. وفي العام 735 ق.م؛ توجه تجلات- بلاصر بقواته إلى بلاد أورارطو، وفرض الحصار على عاصمتها توشبا Tushpa؛ وإن لم يتمكن من دخولها، ولكنه استعاض عن ذلك بتدمير عدد من المدن الأورارطية.

في عهد الملك الأورارطي ساردوري الثالث Sarduri III بلغت الدولة درجة من الضعف دفعته إلى الإعتراف بالسيادة الآشورية على بلاده؛ وأن يدعو نفسه في رسالة وجهها إلى آشور بانيبال "ابن" ملك آشور. ومع انهيار الدولة الآشورية في العام 612 ق.م - تحت ضربات التحالف الميدي الكلداني - خضعت أورارطو للميديين، وأصبحت تابعة لهم؛ ولكن تتمتع باستقلالية ذاتية. وبقيت على هذا الحال حتى العام 593 ق.م عندما قضى الميديون على استقلالها على نحو كامل.

لم تكن اللغة الأورارطية من اللغات الهندو-أوربية، واللغة الوحيدة التي تمت بصلة لها هي اللغة الحورية. وقد دوّن الملوك الأورارطيون بهذه اللغة مجموعة كبيرة من النصوص التي تخلد أعمالهم؛ مستعملين من أجل ذلك الكتابة المسمارية التي كانت سائدة في الشرق القديم، كما لجؤوا في أحيان قليلة إلى الكتابة اللوفية الحثية.

وقد عبد الأورارطيون مجموعة كبيرة من الآلهة التي ورد ذكرها في كتاباتهم الملكية المختلفة. وكان على رأس مجمع آلهتهم؛ الإله خالدي، وهو إله للحرب بالدرجة الأولى. والإلهان الآخران المهمان في مجمع الآلهة الأورارطية هما الإله تيشيبا إله الجو، والإلهة شيفيني إلهة السماء.

اهتم ملوك أورارطو ببناء المدن المحصنة اهتماماً كبيراً. وبحسب النصوص الأورارطية فإن أراضي نائيري - أورارطو تمتعت بكثافة عالية من التجمعات السكانية المحصنة والتي كانت تحيط بها الأسوار المرتفعة، وبعضها كان يضم قلاعاً داخلية ترتفع على الأغلب إلى ثلاث طبقات. ومن الأمثلة على هذه المواقع المحصنة إيربويني (يريڤان الحالية) وتيشيبياني (موقع كارمير بولار الحالي). وقد بنيت هذه المدينة في عهد الملك روسا الثاني، ووجدت فيها القلعة الرئيسة ومعبد كبير للإله خالدي وبعض الأحياء السكنية. وكانت معظم البيوت في هذه المدينة مؤلفة من غرفتين أو ثلاث غرف. ومن المباني الأخرى المميزة في المدن الأورارطية المحصنة الإسطبلات التي كان يتدرب فيها الفرسان الأورارطيون. وقد عثر في بعض المواقع على مدافن كانت مؤلفة من حجرة صغيرة تتقدم المدفن الرئيس وحجرتين جانبيتين على طرفي المدفن كانت توضع فيهما القرابين والهبات والنذور. وقد شق ملوك أورارطو الكثير من قنوات جر المياه التي مازال بعضها مستخدماً حتى هذا اليوم. أما عن الأعمال الفنية؛ فقد عثر الآثاريون على عدد كبير من الأعمال الفنية التي حملت في البداية طابع الفن الآشوري؛ قبل أن تبدأ بالظهور معالم فن أورارطي خالص.

مارس الأورارطيون مختلف أوجه النشاط الاقتصادي الذي عرفه عالم الشرق القديم؛ ولاسيما الزراعة والرعي والتعدين. وكانت أهم مزروعاتهم الحبوب والأعناب. أما الرعي فكان يشمل قطعان الماشية الصغيرة والكبيرة (أغنام وأبقار). وحظيت تربية الخيول في أورارطو باهتمام كبير؛ فضلاً عن اهتمامهم بالجمال. ولكن القطاع الذي كان له الحظ الأكبر من التطور هو قطاع التعدين الأمر الذي توضحه الكتابات الآشورية ونتائج التنقيب الأثري. ويبدو أن مناطق أورارطو نفسها كانت غنية بالمعادن المختلفة بما فيها الحديد، ومما يدل على ذلك أن ملوك أورارطو نادراً ما كانوا يذكرون حصولهم على المعادن من البلاد التي غزوها على عكس الآشوريين الذين كانوا يركزون على هذا الجانب كثيراً. وقد وُجدت ورشات تعدين في القصور الملكية كانت تصنع فيها الأسلحة الحديدية والحلي والأعمال الفنية المعدنية المختلفة. وكان للتجارة دورها المهم في الاقتصاد الأورارطي، ولذلك سعى ملوك أورارطو إلى فرض سيطرتهم على جنوب شرقي الأناضول والشمال السوري من أجل وضع الطرق التجارية المارة في هذه المناطق تحت سيطرتهم؛ لما يحققه ذلك من فوائد اقتصادية جمة لهم.

جباغ قابلو

مراجع للاستزادة:

- غ. أ. ميليكيشفيلي، الكتابات الأورارطية المسمارية (إصدار أكاديمية العلوم السوڤييتية، موسكو 1960، باللغة الروسية).

- مارغريت ريمشنايدر، أورارتو مملكة أرمينية قديمة في أحضان أرارات، ترجمة محمد وحيد خياطة (حلب 1993).

- جباغ قابلو، "التنافس الآشوري الأورارتي للسيادة على الشرق القديم خلال النصف الأول من القرن التاسع والقرن الثامن ق.م"، مجلة دراسات تاريخية، 71 - 72 (2000م).

- Kirk GRAYSON, Assyrian Rulers of the Early First Millennium BC (1, 2) (Toronto, 1991, 1996).

 


التصنيف : العصور التاريخية
المجلد: المجلد الثاني
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1074
الكل : 45628311
اليوم : 28994