logo

logo

logo

logo

logo

الآلهة

الهه

Gods -



الآلهة

 

 

لا تتعدى المعلومات الخاصة بالآلهة المعبودة Deities في عصور ما قبل التاريخ ما عبر عنه بالفن، مثل الدمى التي فسرها المختصون على أنها ترمز إلى الآلهة الأم [ر]. ولكن في غياب الدليل الكتابي من غير الممكن معرفة طبيعة العبادة في تلك العصور أو أسما المعبودات ووظائفها. أما في العصور التاريخية فقد هيأت الكتابة معلومات مفصلة عن الآلهات  goddesses التي عبدت ومظاهر عبادتها بحسب المعتقدات القديمة مع ما يتعلق بذلك من أساطير وممارسات ومعابد.

تمثال الإله بعل من أوغاريت (متحف اللوڤر)

تمثال صغير من البرونز والذهب لإله من أوغاريت

تمثال صغير من البرونز لإلهة جالسة من أوغاريت

تمثال ملقارت إله صور

كان آلهة أقوام الشرق الأدنى القديم في العصور التاريخية - من دون استثنا تقريباً- يصورون مشابهين للبشر ذكوراً وإناثاً مع إضفا صفات خارقة عليهم. ويشمل تشبيه الآلهة القديمة بالبشر نواحي متعددة، منها تدرجهم في المكانة والمسؤولية والقوة وكذلك حالاتهم العاطفية ونقاط ضعفهم. وميزت المعتقدات القديمة فيما بين الآلهة والبشر بالخلود، فمصير البشر الفنا ، والآلهة خالدون. غير أن أوجه الشبه الأخرى تعني تعرض الآلهة للمخاطر والتقاتل؛ وبالتالي التعرض للموت. وبالفعل ترد في الأساطير السورية والرافدينية القديمة قصص عن تعرض آلهة للموت، لكن هذا لا يعني سوى نزولهم إلى العالم الأسفل (عالم الأموات) مؤقتاً، أو انضمامهم إلى مجمع آلهته؛ أي إنه موت ليس مثل موت البشر. وكان المعتقد أن مقام الآلهة في السما أو في العالم الأسفل، وهناك امتداد لوجودهم في التماثيل التي ينصبها البشر لهم لأغراض العبادة.

من غير المعروف كيف نشأ مبدأ تشبيه الآلهة بالبشر، والمرجح أنه نشأ منذ تكون فكرة تجسيد القوى الخارقة وعبادتها. ولم يقتصر هذا التشبيه للآلهة مع البشر فرادى، لكنه شمل تكوين مجمع الآلهة الذي تخيله الفكر الديني القديم على غرار هيئة الحكم في تنظيم الدولة. وهذا ما يرجعه الباحثون إلى أولى تنظيمات قيادة المجتمع في قرى ما قبل التاريخ. ثم تطورت الأفكار عن مجامع الآلهة مع تطور نظام الحكم. وتقدم وثائق بلاد الرافدين - منذ الألف الثالث قبل الميلاد - معلومات واسعة عن تصورات القدما حول تنظيم مجمع الآلهة والعلاقات فيما بين أعضائه بعضهم مع بعض من جهة ومع البشر من جهة أخرى. ومما لاشك فيه أن مجمع آلهة بلاد الرافدين والآلهة الرافدينية القديمة كانوا أمثلة مؤثرة في تكوين التصورات الخاصة بالآلهة في معتقدات الشرق الأدنى القديم.

إن المصطلح الذي أطلق على الآلهة في اللغة الأكادية وشقيقاتها من اللغات العروبية (اللغات السامية بحسب المصطلح الغربي) في بلاد الرافدين وسورية هو "إيلُ" ilu الذي يرادف المصطلح السومري "دِنجَر" dingir، ومعناه الحرفي "إله، أو كائن إلهي، أو كائن أثيري، أو أحد كائنات ما ورا الطبيعة". ويستمد بعض الباحثين من العلامة الصورية - ثم المسمارية - التي كتب بها هذا المصطلح ما يستدلون به على أصل الفكرة التي كانت ورا تكون عقيدة الآلهة. وهذه العلامة هي النجمة التي تقرأ دِنجَر في السومرية وإيل في الأكادية، وفي الوقت نفسه تعني السما حين تقرأ بلفظة أن An في السومرية وشَميي samê في الأكادية. ففي هذه العلامة ودلالاتها ما يقرنه أولئك الباحثون بمعنى العلو والسمو أو ما يراد القول به: "ما هو فوق" أو " ما هو أعلى" أو ما معناه أن السما المقام الأصلي للآلهة، ويعني هذا ضمناً أن التكوين الإلهي هو "المثل الأعلى لكل ما هو هنا" أو "المثل السماوي". وتجدر الإشارة إلى أن اللفظين الأكاديين لعلامة الإله (إيل وشَميي) في الكتابة الصورية والمسمارية لهما ما يضاهيهما بالمعنى نفسه في الكنعانية والآرامية. وقد جسدت كلمة إيل في سورية بالإله الرئيس في المعتقدات الأوغاريتية إيل، واستعملت كلمة شَميم/ شَمين بالجمع - مثلما هي الكلمة الأكادية - للدلالة على السما .

أدى إقبال القدما على تجسيد الظواهر الطبيعية بآلهة تمثلها وتتحكم بقواها إلى تعدد الآلهة على نحو كبير. وقد تجاوز عدد الآلهة في التراث المدون المبكر في بلاد الرافدين ثلاثة ألاف اسم موزعة على مجموعات وعائلات ومراتب مختلفة فضلاً عن اختلاف وظائفها ومسؤولياتها. وهناك أساطير عدة تدور مواضيعها حول هؤلا الآلهة. وأحياناً كان إلهان باسمين مختلفين يمثلان مظهرين يعودان إلى إله واحد. وحينما بلغ التطور الديني ذروته بتزايد عدد الآلهة المعبودة ظهرت ميول إلى تقليل هذا العدد الكبير بدمج معبودين - أو أكثر- تتشابه صفاتهما بإله واحد.

لقد عرفت عقائد المشرق العربي القديم خلال العصور التاريخية لحضارته القديمة ما يعرف بالتفريد henotheism، ويقصد به إبراز مكانة إله معيّن لتفوق مكانة أي إله آخر؛ دون أن تلغي عبادة الآلهة الآخرين، ومنح ذلك الإله مركزاً قيادياً من بين الآلهة المعبودة. وإذ يعدّ التفريد مرحلة وسطى فيما بين الشرك والتوحيد؛ فإنه كان يقوم على أسس سياسية بالدرجة الأولى كما في حالة تزايد نفوذ مدينة معيّنة، فيكون التفريد من نصيب إلهها الرئيس. فقد كانت المدن القديمة تشترك في عبادة الآلهة نفسها، لكن كل مدينة منها تعطي لإله معيّن مكانة أعلى من مكانة الآلهة الأخرى، وتتخذ منه إلهاً حامياً لها مع احتفاظها بعبادة الآلهة الأخرى. فإلى جانب الإله الرئيس للمدينة كان هناك آلهة آخرون، وكان يتبع الآلهة الكبار آلهة أقل مكانة، وهم بمنزلة المستشارين أو المساعدين لأولئك الآلهة. فضلاً عن ذلك كان هناك اعتقاد الآلهة الشخصيين الذين يسمى الواحد منهم "إله رجل"، ويكون حامياً وشفيعاً لشخص واحد أو عائلة واحدة، وفي العادة لم يكن هؤلا الآلهة الشخصيون يذكرون بالاسم.

تعددت الآلهة القديمة بتعدد الظواهر والمسؤوليات والمهام التي تجسدها أو تكون مكلفة إيّاها. وكانت هذه الآلهة - ذكوراً وإناثاً- تنتظم في مجمع إلهي Pantheon لكل إله فيه مكانته. ومن أهم أسس تنظيم تلك الآلهة في مجمعها هي الأسس الكونية والجغرافية. فعناصر الكون الرئيسة السما و الفضا (أو بالتعبير القديم الهوا الذي يفصل السما عن الأرض)، والأرض جسدت بالآلهة الثلاثة الرئيسة في بلاد الرافدين القديمة آنو، إنليل وأيا (إنكي). وللآلهة أبراجها من كواكب السما ، ولكن للكثير منها المكانة الفضلى في مدينة مهمة معيّنة على الأرض. فآنو مدينته أوروك، وإنليل له نِبُّر، وإنكي له إريدو. وللآلهة الأخرى مدنها مثلما كانت لارسا للإله الشمس شمش وأور للإله القمر سين وبابل للإله مردوخ، وهكذا فيما يخص بقية الآلهة.

هناك أساطير عدة تتضمنها النصوص المسمارية (السومرية والأكادية) والأبجدية (الأوغاريتية) في الشرق الأدنى القديم تتناول موضوع أصل الآلهة وظهورها بحسب الفكر الديني القديم، وبضمن ذلك تزاوجها وولادتها. كما كانت هناك أساطير تدور مواضيعها حول تعرض آلهة معيّنة للموت في حوادث، لكل منها مغزى ووقائع خاصة. ومن هؤلا الآلهة تموز وبعل وأدونيس وأوزيريس في مصر القديمة. وما يميز الآلهة حين تظهر رسومها المشاهد الفنية أو المنحوتات أنها تعتمر غطا رأس مقرن يحمل ما بين زوج واحد إلى ستة أزواج من القرون، وكلما ازداد عدد أزواج القرون؛ كان ذلك معبراً عن ارتفاع مكانة الإله وأهميته. وفي مشاهد فنية عدة يكتفى برسم رمز الإله أو الحيوان الخاص به للدلالة عليه.

كشفت نصوص إيبلا [ر] (تل مرديخ) في سورية عن مجمع آلهة خاص بهذه المدينة في نحو 2300 ق.م، والقليل من آلهة هذا المجمع استمرت عبادتهم في سورية لاحقاً. ويمكن تقسيم آلهة إيبلا إلى مجموعتين تشتركان جزئياً في المعبودات نفسها. المجموعة الأولى تضم آلهة العبادة الرسمية الذين أدرجت أسماؤهم في الوثائق الخاصة بتقديم القرابين في البلاط. ويأتي على رأس هذه المجموعة ثلاثة آلهة رئيسة، هم كورا Kura الذي يظهر في بعض أسما الأعلام أيضاً، وإله العواصف والأمطار أدد والإله الشمس شمش، والأخيران من آلهة بلاد الرافدين. وهناك إله رابع، هو إداكول Idakul، وآلهة رافدية مثل عشتار وإشخارا ودجان. وفي الوقت نفسه توجد آلهة سورية مثل رسب Rasap، الذي ظهر باسم رشف في أوغاريت لاحقاً، وكاسالو Kasalu، الذي عرف باسم كوثار في أوغاريت، وكَميش Kamish، الذي عبد في مؤاب في الألف الأول قبل الميلاد. ومن الآلهة المحلية التي عبدت في إيبلا بليخ المجسد لنهر البليخ والإلهان أدامّا Adamma وأشتابي Ashtapi اللذان يظهران بعد ألف عام ضمن مجمع الآلهة الحوري في أوغاريت. والمجموعة الأخرى من آلهة إيبلا تضم الآلهة الخاصة بالعبادات الشعبية، وتعرف من أسما الأعلام الإيبلائية المركّبة التي يدخل في كل منها اسم إله. ومن هؤلا الآلهة بعل ودامو ولِم ومَلِك ورسب وزِكِر. ويظهر في إيبلا اسم إل أو إيل أيضاً الشائع في ثقافات المشرق العربي القديمة، ووروده في إيبلا يكون إما اسماً لإله وإما مصطلحاً دالاً على معنى إله.

وفيما يخص الآلهة الكنعانية فمن اللافت أنه لم تكن لها خصائص محددة أو ثابتة. وكثيراً ما كان يحدث تبادل في صفات تلك الآلهة وفي وظائفها وصلاتها مع بعضها وحتى جنسها. والسبب ورا ذلك أنه لم يكن للديانة الكنعانية منهج كهنوتي منظم تنظيماً صارماً مثلما هو الحال في بلاد الرافدين أو مصر القديمة. وكان للمدينة الكنعانية آلهتها الخاصة، لكن آلهة المدن الكنعانية تعرضت لتطورات كثيرة من خلال تغير التصورات الدينية، وطالما اختفت آلهة، وحلت محلها آلهة أخرى، كما دخلت آلهة غير كنعانية إلى مجمع الآلهة الكنعاني. ومن المثير للاهتمام أن آلهة كنعانية/ أمورية حملت أسما القربى العائلية أسما علم لها مثل عمّو، حمّو، وخالو.

جسدت الآلهة الكنعانية الرئيسة في الغرب السوري خلال العصر البرونزي الحديث قوى الطبيعة، ومن هؤلا الآلهة عنات، أثيرة، بعل، رشف، وعلى رأسهم إيل. ويصورون في الأختام والمنحوتات بطرق مختلفة؛ ولكن من دون رموز مميزة مقترنة بشخصياتهم. وقد استمرت عبادة بعض الآلهة الكنعانية في العصر الحديدي خلال الألف الأول قبل الميلاد، مثل عبادة شيموش Chemosh في مؤاب؛ وواصلت المدن اتخاذ آلهة حامية فردية مثل ملقارت Melqart في صور. ومن الجدير بالذكر أن الآلهة الكنعانية التي تقوم بأدوار رئيسة في الأساطير والملاحم المعروفة لا تقوم بأدوار مضاهية في الحياة اليومية، والعكس صحيح. فالإله لِم - المعروف من خلال أسما الأعلام المركبة في ماري - لا يذكر في قوائم أسما آلهة المدينة. وفي أوغاريت يكون اسم عنات نادراً في أسما الأعلام المركّبة، لكن هذه الإلهة تقوم بدور فعال في الأساطير الأوغاريتية. وعموماً عبد الكنعانيون آلهة عدة أخذوها عن بلاد الرافدين وعن مصر القديمة، ولاحقاً كان هناك تطابق بين آلهة كنعانية وأخرى إغريقية.

كان للآلهة الكنعانية مكان بارز بين آلهة الآراميين. ففي سمأل وجدت عبادة إيل، وذكر باسمه المركّب ركب- إيل، وكذلك الإله بعل الذي حمل لقب بعل- صمد في سمأل وبعل- شمين في حماة، وكان الإله الأكبر في تدمر. وعبد الآراميون آلهة رافدية ترد أسماؤهم في النقوش الآرامية، ومنهم نَبو، سين، نُسكو، شالا (سول)، فضلاً عن أدد الذي عرف اسمه بصيغة هدد.

 

أكرم محمد كسار

 

 

مراجع للاستزادة:

- جان بوتيرو، بلاد الرافدين: الكتابة - العقل - الآلهة، ترجمة البير أبونا (بغداد، 1990م).

- سبتينو موسكاتي، الحضارات السامية القديمة، ترجمة السيد يعقوب بكر (القاهرة 1986م).

-Alfonso ARCHI,  The Royal Archives of Ebla , Ebla to Damascus: Art and Archaeology of Ancient Syria, Harvey Weiss (ed.), (New Haven, 1985), pp. 140- 148.

-H. I. H. Prince Takahito MIKASA (ed.), Cult and Ritual in the Ancient Near East, (Wiesbaden, 1992).

 


التصنيف : العصور التاريخية
المجلد: المجلد الثاني
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1071
الكل : 40612182
اليوم : 141997