logo

logo

logo

logo

logo

بوتنجر

بوتنجر

Peutinger -

بوتنجر (خريطة -) 

 

خريطة بوتنجر Tabula Peutingeriana (وبالانكليزية Peutinger Table) هي أهم وأشهر خريطة للعالم الروماني، وصلتنا من العصور القديمة، وتعد تتويجاً لتطور علم الخرائط القديم الذي بدأ قبل آلاف السنين؛  إذ تشير الآثار المكتشفة إلى أن شعوب المشرق العربي القديم كانت أول من عرف رسم الخرائط. ويروى أن الملك سرجون الأكادي سار في فتوحاته على هدى خريطة - صنعت في عهده (القرن 24ق.م)-  إلى الجهات الأربع. وقد عثر على أول خريطة بابلية للعالم مرسومة على رقيم فخاري من القرن السادس قبل الميلاد والتي نقلت عن خريطة أقدم منها تعود  إلى القرن التاسع ق.م؛ وهي تصور الأرض على شكل قرص دائري الشكل تحيط به مياه البحر المحيط. وقد ساهم الفينيقيون بنقل المعارف البابلية في هذا المجال - إضافة إلى معارفهم المكتسبة من أسفارهم البحرية - إلى الإغريق الذين أدركوا أهميتها فاستفادوا منها وأسهموا بدورهم بقسط وافر في المعرفة الجغرافية. وهكذا ظهرت أول خريطة إغريقية في آسيا الصغرى نحو عام 550ق.م منسوبة إلى أنكسيمندر Anaximandros، والتي تمثل البداية الحقيقية لعلم رسم الخرائط لأنها اعتمدت في تخطيط السواحل على معطيات واقعية تستند إلى أوصاف البحارة، وهي كذلك تصور الأرض على شكل دائرة تحيط بها البحار.

سورية في خريطة بوتنجر

كما قام الرحالة هيكاتايوس Hekataios الملطي برسم خريطة للعالم؛ حيث تشغل أوربا القسم الشمالي وآسيا الجزء الجنوبي من الدائرة.

وبعد معرفة الشكل الكروي للأرض استعاض جغرافيو القرن الرابع عن الدائرة بشكل المستطيل فظهرت آسيا في الشرق وأوربا وليبيا (=إفريقيا) في الغرب. واستعان إراتوستينس  Eratosthenes (نحو 275-195ق.م) بأخبار الرحالة، وسير حملات الإسكندر المقدوني فوسع خريطة العالم نحو الشمال والشرق والغرب وصار لها شكل بيضوي .أما هيبارخوس Hipparchos (القرن 2ق.م) فقسم الأرض إلى 360 درجة، ووضع نظام الدوائر المتوازية المعمول به حتى اليوم. وقد أخذ بهذا النظام الجغرافي مارينوس Marinus  وكان من أبناء مدينة صور، والذي وضع الأماكن وحدد الأبعاد فيما بينها تبعاً لمعلومات الرحالة، وظهرت على خريطته شواطىء أوربا الغربية والشرق الأوسط حتى الهند، وكان أول من وضع الصين إلى شرقها، كما أنه مد إفريقيا نحو الجنوب بعد خط الاستواء . ولم تصلنا هذه الخريطة التي وضعها مارينوس عام 114م، ولكن الجغرافي والفلكي الكبير بطلميوس الكلوذي (القرن الثاني الميلادي) اعتمد عليها في جغرافيته التي ضمنها خريطة للعالم أرفقها بجداول تضم نحو ثمانية آلاف موقع مع درجات خطوط الطول والعرض وكان لها تأثير كبير على الجغرافيين العرب الذين ساروا على نهج بطلميوس في تحديد المواقع الجغرافية بدرجات الطول والعرض وهو ما وُجدَ في معجم البلدان لياقوت الحموي.

خريطة بوتنجر في الأطلس القديم وتظهر سورية وبلاد الرافدين
في القسمين العاشر
Xb والحادي عشر XI

 

وفي العصر الروماني انعكس الطابع العسكري على علم الجغرافية ورسم  الخرائط بسبب طبيعة الامبراطورية الرومانية وامتدادها على مساحات واسعة من قارات العالم القديم في أوربا وآسيا وإفريقيا؛ فنشأت بالتالي ضرورة ملحة لتطوير رسم الخرائط والمصورات الجغرافية من أجل تلبية احتياجاتها العسكرية والمدنية والإدارية. كما دعت الحاجة إلى وجود مراجع تتضمن رسوماً ومعلومات عن الطرق البرية والبحرية والمحطات القائمة على مسارها والمسافات بين المدن والأماكن المختلفة وغير ذلك من الأمور التي تهم المسافرين من موظفين وتجار وسياح وطلاب علم، والتي كانت في أمس الحاجة إليها الجيوش الرومانية وقادتها في حروبهم وتحركاتهم العسكرية في ربوع الامبراطورية من أقصاها إلى أقصاها.

وقد قام القائد العسكري الكبير أغريبا Agrippa (62-12ق.م) بإجراء مسح شامل للامبراطورية تكلل بعمل أول خريطة للعالم الروماني، علقت بعد موته بأمر من الامبراطور أوغسطس[ر [ Augustus في ميدان الإله مارس بروما، ويرى بعض الباحثين أنها كانت النموذج الأصلي الأول لخريطة بوتنجر.

وقد عرف ذلك النوع من الكتب والمراجع باسم إتنيراريوم Itinerarium أي «دليل طرق»، ومع كثرتها لم يصلنا منها إلا القليل؛ ومنها دليل الطرق الأنطونيني (I. Antonini) الذي يعود إلى القرن الثالث الميلادي، والذي يتضمن وصفاً لأهم الطرق البرية والبحرية وقائمة بآلاف الأسماء الجغرافية. ومنها دليل الطرق إلى أورشليم من عام 333م الذي يعطي وصفاً طوبوغرافياً لرحلة حج انطلقت من بوردو (فرنسا) إلى القدس وبالعكس مع ذكر المحطات والفنادق والمسافات مع وصف لآثار الأماكن المقدسة. وكان ثمة خرائط إقليمية لفلسطين ومصر تتضمن طرق الحج إلى بيت المقدس، ولابد من الإشارة إلى خريطة مادبا [ر [التي تصور القدس ومعالمها الشهيرة. وتعد خريطة بوتنجر أهم ما وصلنا من خرائط الطرق الرومانية الشهيرة، والخريطة الوحيدة المتبقية من العصور الكلاسيكية، وهي محفوظة اليوم في مكتبة الدولة النمساوية في مدينة فيينا. ولكنها في الحقيقة ليست سوى نسخة لخريطة طرق رومانية وضُعت عام 1265 من قبل أحد الرهبان في مدينة كولمار Colmar (فرنسا). ويعتقد أن الخريطة الأصلية تعود إلى القرن الثالث أو الرابع الميلادي وقد دعيت باسم مالكها السابق كونراد بوتنجر K. Peutinger      ر(1465-1547م) أحد علماء الإنسانيات الألمان من مدينة أوغسبورغ Augsburg، الذي كان يهتم بجمع الآثار القديمة. وتتألف هذه الخريطة من (11) قطعة جلدية (رقوق) يبلغ مجموع أطوالها 682سم، أما عرضها فلا يزيد على 34سم، وبالتالي فلها شكل مستطيل متطاول جداً على هيئة لفافات البردي (والقطعة 12 مفقودة وهي تصور إيرلندا وإسبانية)، وقد نتج من شكلها تشويه كبير لشكل العالم الروماني الذي ضُغطت أبعاده من الشمال إلى الجنوب بصورة كبيرة جداً مغايرة للواقع لتلائم عرض الخريطة الذي يساوي 1/20 من طولها المفرط من الشرق إلى الغرب. وهكذا تم اختصار البحار وضغطها لتظهر على شكل خطوط عريضة أو شرائط زرقاء، أما أشباه الجزر فقد ضمت إلى الشواطئ، ورسمت الخطوط الشمالية الجنوبية (الطرق والأنهار والحدود ...إلخ) كخطوط متوازية أفقية أو عرضية تتوزع على مسارها المستوطنات والمدن والمواقع المختلفة، وتظهر المدن الرئيسة الثلاث في الامبراطورية (روما والقسطنطينية وأنطاكية) مصورة بزينة ورسوم خاصة بكل منها. كما تظهر الخريطة امتداد الامبراطورية الرومانية من إيرلندا غرباً حتى الهند وما بعدها شرقاً وصولاً إلى الصين، ويظهر عليها نهر الغانج وجزيرة سريلانكا وميناء موزيريس المرفأ الرئيس لتجارة الامبراطورية الرومانية مع الشاطئ الجنوبي الغربي للهند.

وقد أصدر هذه الخريطة ذات الستة ألوان مطبوعة عام 1887 أحد كبار الجغرافيين وهو كارلوس ميللر K. Miller وأعيد طبعها عام 1961م، وفي عام 2007 وضعت الخريطة على لائحة التراث العالمي لليونيسكو.

محمد الزين

مراجع للاستزادة:

- Lexikon Der Antike, Deutscher Taschenbuch Verlag Dtv  (Munchen 1970).

- M. Sartre, D’ Alexandre À Zénobie (Paris 2001).

 


التصنيف : آثار كلاسيكية
المجلد: المجلد الثالث
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1095
الكل : 40592012
اليوم : 121827