logo

logo

logo

logo

logo

الجرن الكبير (تل-)

جرن كبير (تل)

Jurn al- Kabir - Jurn al- Kabir

 جرن كبير

جرن كبير (تل -)

 

 

يقع تل جرن كبير Tell Jurn Kabir على الضفة اليمنى (الغربية) لنهر الفرات في محافظة حلب على بعد أقل من 3 كم جنوب قلعة نجم. يعود تاريخ هذا الموقع إلى العصر الحديدي، وهو أحد ثلاثة مواقع من هذا العصر تقوم على ضفة الفرات نفسها ضمن مسافة 14 كم. فعلى بعد 7 كم شمال تل جرن كبير يوجد تل القداحية، وعلى بعد 7 كم جنوبه يوجد تل صندلية. والأول كشفت مجسات السبر فيه عن بقايا العصر الحديدي، فيما تنتشر على سطح تل صندلية كسر فخارية من ذلك العصر. كما أنه أحد ثلاثة مواقع فراتية في محيط تل أحمر [ر] أظهرت وجوداً آشورياً من العصر الآشوري الحديث، والموقعان الآخران هما تل شيخ حسن الذي أقيمت على قمته بناية من طراز «بيت خيلاني» [ر]، وتل شيوخ فوقاني [ر] (مدينة برمرينا القديمة) الذي استخرجت منه مجموعة نصوص مسمارية آشورية حديثة، وكذلك آرامية.

يقوم الموقع على ارتفاع نحو 320م فوق مستوى سطح البحر، وفي مركز التل يمكن تتبع البقايا الأثرية نزولاً حتى عمق 4م. لكن الموقع-عموماً- تعرض لتعرية شديدة وتآكل في معظم جهاته ولحقه تخريب أزال أجزاءً منه، وقد أقيم على أعلى جزء منه خزان ماء، وحفرت في التل خنادق لمد الأنابيب المتصلة بهذا الخزان. في شرقي الموقع وغربيه تقوم قرية حديثة تغطي أجزاءً واسعة منه وتقطع جدران بيوتها الطبقات الأثرية في أماكن كثيرة مما يجعل من الصعب تقدير طول الموقع على المحور الشرقي الغربي. وعلى المحور الشمالي الجنوبي تبقّى ما يبلغ طوله 130م من امتداد التل مما لم يتعرض للتعرية. ولذلك فإن الحجم الأصلي للموقع لايمكن تحديده في الوقت الحاضر، وإنما يستدل من تقدير المساحة المتبقية (نحو 2-3 هكتار) على حجم معتدل للمستوطن الذي ضمه هذا الموقع. ومن الجدير بالذكر أن المنقبين الآثارييّن لاحظوا وجود بقايا سكنية عند أطراف خندق القطاع الرئيسي للتنقيبات، والذي حفروه مع امتداد المحور الشمالي الجنوبي للموقع .

شُمل تل جرن كبير لأول مرة بالمسح الأثري الذي أجري من قبل مور A.M.T.Moore في عام 1977م. ثم قام كل من مكليلان T.L.McClellan وبورتر A. Porter بمسح الموقع أثرياً في ثمانينيات القرن العشرين. وفي عام ١٩٩٣م بدأت بعثة دنماركية من معهد كارستن نيبور لدراسات الشرق الأدنى في جامعة كوبنهاغن أعمال التنقيب الأثري في موقعي تل جرن كبير وتل القداحية ضمن مساهمتها في مشروع الإنقاذ الأثري في حوض سد تشرين في سورية. وكانت تلك التنقيبات بإدارة كلِّ من جيسبر آيديم Jesper Eidemوكارين بوت Karin Pütt، وأجريت خلال عدة مواسم في الأعوام 1993-1997م. نتيجة لتلك التنقيبات كشف عن أربع طبقات في تل جرن كبيرتعود جميعها إلى العصر الحديدي. وقد عثر المنقبون على كسر فخارية قليلة من العصر الروماني (البيزنطي) في التراب المتراكم على قمة التل، ولكن لم تقترن بها أي بقايا بنائية. اقتصر وجود بقايا الطبقة الرابعة-وهي أقدم طبقات الموقع- على الجزء الشرقي من الموقع؛ وهذه الطبقة تعرضت للتعرية ولحقها الخراب، وجل ما كشفت عنه التنقيبات منها حفر تنزل في الأرض البكر وبعض الأساسات الحجرية الضئيلة. ولم يعثر في هذه الطبقة سوى على قطع فخارية قليلة، وهذا كله يدل على أن الطبقة الرابعة تمثل استيطاناً انتقالياً أو عابراً.

مخطط الطبقة الثانية في تل جرن كبير

الطبقة الثالثة اللاحقة غطت الموقع كله، وأمكن الكشف عن بقاياها البنائية من خلال التنقيبات. يتوسط الموقع في هذه الطبقة حصن ذو مخططٍ بيضوي الشكل تصل أبعاده إلى ٥٠×٤٠م. الحصن محاط بسور يراوح سمكه بين ٢.٣-٣م وقد شيد بطريقة غير منتظمة تماماً وقوامه اللبن وحشوات طينية على أساس حجري قليل الغور؛ بعض أجزاء هذا السور أزيلت بفعل أعمال التشييد اللاحقة. وكشفت التنقيبات عن غرف دفاعية محصنة متصلة بالوجه الخارجي للسور. وفي داخل الحصن وجدت غرف صغيرة أو بيوت تحيط بساحة مركزية مفتوحة. وفي الجهة الشمالية الغربية خارج السور كُشف عن بقايا معمارية تعود إلى بيت واحد أو أكثر. وعلى الرغم من ملاحظة بعض التغيرات المعمارية التي أجريت في أبنية الطبقة الثالثة لا يبدو أن السكنى فيها دامت طويلاً، إذ هجر الموقع وتعرضت أبنيته لكثير من التخريب والإزالة قبل أن تعود السكنى إلى موقع في الطبقة الثانية اللاحقة.

رسوم مجموعة فخار الطبقة الثانية في تل جرن كبير

إن الفخار المستخرج من الطبقة الثالثة في تل جرن كبير متميز تماماً من فخار الطبقات الأخرى. فعجينة هذا الفخار تحتوي على الكثير من القش الذي استعمل لتقويتها بخلاف عجينة فخار الطبقات الأخرى التي قويت بحبيبات الرمل. لقد استخرجت مئات الكسر الفخارية من الطبقة الثالثة إلا أنه لم يعثر من بينها على قطع سليمة كاملة. وهذه الكسر تعود إلى طاسات وصحون متميزة بلون أحمر مائل إلى البرتقالي، وتكون أحياناً مصقولة صقلاً قليلاً وتظهر عليها حزوز تحت الفوهات. وإذا كانت لا تعرف قطع مشابهة بدقة لهذه الكسر الفخارية فإنها تظهر بعض الصلات مع فخار من العصر الآشوري الوسيط المتأخر من القرن الحادي عشر قبل الميلاد. ويلاحظ أن الصلة ضعيفة ما بين هذا الفخار وفخار العصر البرونزي الحديث المكتشف في مواقع وادي الفرات الأخرى في سورية. ويرجح المنقبون في تل جرن كبير لمجموعة فخار الطبقة الثالثة تاريخاً يعود إلى ما بين القرنين الحادي عشر والتاسع قبل الميلاد. فضلاً عن الفخار اشتملت المكتشفات من الطبقة الثالثة في جرن كبير على مجموعة من البكرات الطينية أو ثقالات المغازل والمقاشط العظمية المصقولة وأدوات أخرى مختلفة. وهذه المواد تقترن تقليدياً بصناعة النسيج وتعد من الأمثلة المميزة للعصر الحديدي في سورية. وهناك بضعة مكتشفات مثيرة للاهتمام لم تكتشف في الطبقة الثالثة نفسها وإنما في استعمالات ثانوية في الطبقات اللاحقة، لكنها تدخل في سياق مواد هذه الطبقة. ومن هذه المواد ختمٌ مسطحٌ دائري يحمل مشهداً يظهر فيه رجلٌ يمسك عصا وتحيط به حيوانات مصورة على نحو تجريدي. وهناك أيضاً حجر وزن بازلتي بشكل أوزة أعيد استعماله في ملء جدار من الطبقة الثانية اللاحقة. وعلى الرغم من الحالة السيئة لحجر الوزن هذا فإنه وجد كاملاً ويزن ٩.٤٥ كغ.

رسوم مجموعة فخار الطبقة الثالثة في تل جرن كبير

بعد فترة الانقطاع التي تلت الطبقة الثالثة اعيد استيطان الموقع في الطبقة الثانية التي مرت بمرحلتين أقدمهماII .B وتليها II .A. ومن الواضح أن سكان هذه الطبقة انهمكوا من البداية في مشروع معماري كبير أقاموه فوق بقايا حصن الطبقة الثالثة في وسط الموقع. ويتألف هذا المشروع من سورمحيط أضخم من سور الطبقة الثالثة، والذي جعلت بقاياه أساساً للسور الجديد، فضلاً عن بنايتين كبيرتين أقيمت إحداهما (البناية رقم 1) في الجهة الجنوبية الشرقية من التل والثانية (البناية رقم 2) في الجهة الشمالية الغربية. لقد أنجزت أعمال البناء الأساسية للبناية رقم 1 في الطبقة الثانية ب ( II . B) ثم أعيد استعمالها في الطبقة الثانية أ (II. A) اللاحقة. وهذا يعني أن للبناية تصميم أصلي أقدم وتصميم لاحق يتوافق مع إعادة استعمالها لاحقاً. وهذه البناية تغطي مساحة تصل إلى زهاء 24م2، ومدخلها الرئيسي في الجانب الجنوبي الشرقي حيث يطل على المنحدر المؤدي إلى ضفة النهر. وفي هذه الجهة من البناية كشف عن مساحة مرصوفة بحجر الكلس تؤدي عبر مدخل عريض إلى باحة واسعة (16×9م). تتقدم الجدار الشمالي الغربي لهذه الباحة-مقابل المدخل-مصطبة يخترقها مدخل يؤدي إلى غرفة عريضة (الغرفة رقم5) يبدو بوضوح أنها الغرفة الأساسية في البناية. تبلغ أبعاد هذه الغرفة 12×6م، وتشغل نصفها الشمالي الغربي مصطبة أخرى من اللبن يرقى إليها من الطرف الجنوبي الغربي من الغرفة. في القسم الشمالي الشرقي من الغرفة توجد دكتان متقابلتان من اللبن المكسو بالجبس وعليها آثار حرق شديد. على جانبي الدكة عند الجدار الجنوبي الشرقي يوجد تقعران في الأرضية يشبهان حوضين مبطنين بالجبس. على الرغم من دقة تنفيذ العناصر المعمارية غير الاعتيادية في البناية رقم1 فإنها فسرت من قبل المنقبين بأنّها إضافات لاحقة وليست جزءاً من التصميم الأصلي للبناية. أما وظيفة الغرفة رقم5 التي ضمت تلك الخصائص غير المألوفة فيبدو أنها خاصة بأداء شعائر مهمة، ولكن لا يمكن تحديد طبيعة هذه الشعائر في الوقت الحاضر بسبب عدم اكتشاف مواد ذات دلالة عليها داخل الغرفة أو على أرضيتها. وقد ذهب المنقبون الآثاريون في تل جرن كبير إلى أن المخطط الأصلي للبناية رقم1 يشترك في بعض الخصائص المعمارية- ومنها تكوين الجدران وسمكها- مع مخطط بيت خيلاني المكتشف في تل شيخ حسن في منطقة الفرات أيضاً. ولما كانت المساحة في شمالي هذه البناية تظهر دلائل على كونها منطقة سكنية فقد عدّ المنقبون هذا دلالة على أن البناية نفسها كانت مركزاً إدارياً و«قصراً» لحاكم مقيم فيه. البناية رقم2 لم تكتمل في المرحلة الأولى من الطبقة الثانية ( II . B) إذ اقتصرت بقاياها في تلك المرحلة على الأسس التي سويت وغطيت بطبقة كثيفة من الأتربة والأنقاض يراوح سمكها ما بين 20و 50 سم. وفي هذه الأنقاض الكثير من عظام الحيوانات الكبيرة وكسر الفخار التي تعود إلى فخار الطبقة الثالثة الأقدم. فوق طبقة الركام هذه أقيمت أبنية بسيطة بجدران من اللبن على أسس من الحجارة بمخطط مختلف. إن عدم وجود أرضيات أو جدران في البناية 2 حدا بالمنقبين إلى عدها بناءً غير مكتمل، وقدموا افتراضاً يفسر هذه البناية على أنها كانت منشأة بوابةgatehouse مشابهة لما اكتشف في عدد من المواقع في غربي سورية من العصر الحديدي المبكر والوسيط، لكن بقايا البناية نفسها لم تقدم دليلاً واضحاً على صحة هذا الافتراض. وتجدر الإشارة إلى أن انقطاع السكنى في مرحلتي الطبقة الثانية كان قد تم بطريقة سلمية ولم تترك خلاله أي مواد أثرية في مواضعها الصحيحة ( in situ).

مخطط الطبقة الثالثة في تل جرن كبير

في موسم تنقيبات عام 1996م عثر على قطعة نحت بارز من حجر الكلس وختم أسطواني مكسور. هاتان القطعتان وجدتا في استعمال ثانوي أو في ركامات المرحلة الثانية من الطبقة الثانية ( II . A)، غير أن المعطيات التقنية والفنية فيهما تجعل عائديتهما إلى المرحلة الأولى من هذه الطبقة II. B)). قطعة النحت تحمل مشهداً من النوع البارز المنبسط منفذ بشكل واف وإن غلبت عليه البساطة، ويظهر فيه ثور وأسد متوثب. وهذا العمل يمكن أن يكون تمريناً أو مشروعاً تجريبياً لعمل أكثر جدية لم ينفذ ضمن ماكان مخططاً له. أما الختم الأسطواني فقد فُقد جزء منه، ويلاحظ أنه دقيق الصنع ويحمل مشهداً يصور الصيد الملكي للأسود. الحافة المسننة لهذا الختم تضعه ضمن مجموعة الأختام التي تعود إلى زمن مبكر من العصر الحديدي وجدت في منطقة كركميش. أما المشهد فلا يوجد مثال مشابه لطرازه الفني. ومن المكتشافات الأخرى من هذه الطبقة مسرجة مصنوعة من حجر البازلت الأسود عثر عليها في موسم عام 1977م في ركام الغرفة 5 في البناية رقم1. إن مجموعة القطع الفخارية المستخرجة من الطبقة الثانية – بمرحلتيها-وكذلك من السياقات المقترنة بها تدل على أن تاريخ هذه الطبقة يعود إلى القرنين التاسع والثامن قبل الميلاد. ويرجح المنقبون أن الموقع في الطبقة الثانية كان مستوطناً سورياً شمالياً محلياً.

رسوم مجموعة فخار الطبقة الأولى في تل جرن كبير

بعد الفترة التي هجر خلالها الموقع في أعقاب سكنى الطبقة الثانية أعيد الاستيطان، ويبدو أن جهوداً منظمة بذلت لتسوية الخرائب القديمة وتمهيدها لإقامة منشآت الطبقة الأولى التي تبعت نمط الطبقة الثانية السابقة. وجدت أهم بقايا الطبقة الأولى في أعلى التل، وهذه البقايا تعود إلى بناء كبير يشابه الحصن أقيم فوق موضع البناية رقم 2 في الطبقة الثانية. تغطي هذه البقايا مساحة 20×20م والجدران فيها مشيدة من اللبن بسمك يبلغ 3م، وقد فقدت بعض أقسام البناء بفعل التعرية. أمكن تمييز مرحلتين رئيسيتين مر بهما بناء الطبقة الأولى، في المرحلة الأقدم(I. B) كان البناء مقسماً إلى غرف صغيرة بجدران قليلة السمك. وفي المرحلة الثانية (I .A) قسمت الباحة الداخلية إلى ثلاثة مقاطع رئيسية بتشييد جدارين طويلين وسميكين إلى حد ما. ويبدو أن السكان القدماء هجروا الموقع في نهاية كلٍّ من المرحلتين على نحوٍ سريع تاركين خلفهم الأواني الفخارية والأدوات الحجرية المختلفة في مواضعها الصحيحة. ويرجح أن غرف البناء المكتشفة كانت تستعمل لتحضير الطعام والطهو. وقد جعل سمك جدران البناء المنقبين يميلون إلى افتراض وجود طابقٍ ثانٍ أعلى. ويعزز هذا الافتراض اكتشاف تكوين بنائي عند الجدار الجنوبي الغربي في الغرفة الوسطية من البناء فسر على أنه قاعدة درج. وتقوم هذه القاعدة قرب المدخل الرئيسي الموجود في الجدار الجنوبي الشرقي من الغرفة، وتعود إلى المرحلة الثانية المتأخرة من تاريخ البناء. وكشفت خنادق التنقيب خارج هذا البناء عن جدران ضئيلة ومخربة مع آثار فعاليات سكنية قد تكون ضمن فلك البناء الرئيسي وذات صلة بدوره في الموقع.

لم يتبق من بقايا الطبقة الثانية في الجهة الجنوبية من قمة التل سوى أرضيات مكسوة بطبقة سميكة من الجبس، أما الجدران فقد تلاشت. ويبدو أن هذه الطبقة معاصرة لسلسلة من حفر كبيرة موجودة خارج البقايا البنائية المكتشفة، وتحتوي هذه الحفر على كميات كبيرة من الفخار الذي يعود إلى العصر الآشوري الحديث، وتحديداً من القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد.

نائل حنون

 

مراجع للاستزادة:

-Jesper Eidem and Karin Pϋtt, in Chronique Archéologique en Syrie II (1998) “Tell Jurn Kabir 1995”, pp. 27 – 31.

“Tell Jurn Kabir and Tell Qadahiye Spring 1997”, pp. 213 – 220.

“Tell Jurn Kabir and Tell Qadahiye Autumn 1997”, pp. 221 – 226.

- Jesper Eidem and Karin Pϋtt, “The Jurn Kabir and Tell Qadahiye :Danish excavations in the Tishrin Dam area”, The Archaeology of the Upper Euphrates, (Barcelona, 1999), pp. 193-204.


التصنيف : العصور التاريخية
المجلد: المجلد الرابع
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 6507
الكل : 45608205
اليوم : 8888