logo

logo

logo

logo

logo

جرابلس تحتاني (تل-)

جرابلس تحتاني (تل)

Jarablus tahtani (Tell-) - Jarablus tahtani (Tell-)

 جرابلس تحتاني

جرابلس تحتاني (تل -)

 

 

يقع تل جرابلس تحتاني Tell Jarablus Tahtani على الضفة اليمنى (الغربية) لنهر الفرات على بعد نحو 5 كم جنوب كركميش عند الحدود السورية- التركية. ويقع هذا التل عند خط العرض 38 36˚ شمالاً وخط الطول 1 38˚ شرقاً. وفي الوقت الحاضر يقوم التل عند الطرف الشمالي لحوض سد تشرين. ويتخذ تل جرابلس تحتاني شكلاً بيضوياً تبلغ أبعاده 220× 180م، ويصل ارتفاعه إلى 16م، ويتصف سفحه بالانحدار الشديد خصوصاً على الجهة الشرقية، ويخف هذا الانحدار على الجهة الجنوبية.

 

لقد دل تحليل البقايا النباتية القديمة في تل جرابلس تحتاني على أن الأعناب كانت عنصراً أساسياً شائعاً في العينات التي جمعت من الموقع. كما وجدت في جرابلس تحتاني بذور الكتان، ويرجح أن أشجار التين والزيتون والفستق واللوز والبرقوق كانت تنمو في المنطقة المحيطة بالموقع بدلالة وجود بقايا ثمارها في العينات القديمة المستخرجة من موقع كوربان حويوك Kurban Höyük على الفرات بنحو 100كم شمال جرابلس تحتاني. وتجدر الإشارة إلى أن المنطقة التي يقع فيها التل تتلقى معدلاً سنوياً من الأمطار يراوح بين 300و400 مم.

كان المنقب البريطاني ليونارد وولي [ر] Leonard Woolley أول من أشار إلى تل جرابلس تحتاني، ولكنه ذكره باسم تل الواوية، ولا يبدو أنه قام بالتنقيب الأثري فيه مثلما فعل في تل العمارنة[ر] إلى الجنوب منه وذلك في أثناء قيامه بتنقيباته الرئيسية في موقع كركميش في العقد الثاني من القرن العشرين. وفي سبعينيات القرن العشرين أجريت عملية مسح أثري للموقع من قبل باول كوبلاندP. Copeland وأندرو مور A. M. T. Moore. وذهب هنري دي كونتينسون H.de Contenson إلى أن تل جرابلس تحتاني يضم بقايا من العصور الآتية: البرونزي القديم والبرونزي الوسيط والروماني- البيزنطي والإسلامي. وقد أثبتت التنقيبات التي أجريت لاحقاً هذا التسلسل باستثناء العصر البرونزي الوسيط الذي لم يثبت وجود بقاياه في الموقع. وأثبت المسح الذي قام به شتاينG. J. Stein في عام 1989م وجود آثار من دور أوروك في الموقع أيضاً. وكشفت أعمال المسح الأثري التي قامت بها البعثة الأثرية من جامعة أدنبره في عام 1992م عن وجود مواد متميزة من العصر الحديدي المتأخر. وبهذا تكون العصور التي سكن خلالها تل جرابلس تحتاني هي: دور أوروك، العصر البرونزي القديم، العصر الحديدي المتأخر، العصر الهلنستي- الروماني والعصر الإسلامي. قامت بعثة أثرية من جامعة أدنبره بالتنقيب في تل جرابلس تحتاني بمواسم ابتدأت من عام 1992م. وكانت هذه التنقيبات بإدارة أدغار بلتنبرغEdgar Peltenburg ، وقد فتحت خلالها أربعة قطاعات رئيسية (Areas I – IV) وسلسلة من مجسمات السبر في الجهة الشرقية من التل. ويقدر مجموع المساحة التي جرى التنقيب فيها من التل نحو 1100م2، وبلغ عمق الحفر في أحد قطاعات التنقيب ( Area IV ) سبعة أمتار. ضمت طبقة دور أوروك (من العصر الحجري- النحاسي المتأخر) بقايا مستوطن لاتعرف مساحته أقيم من قبل سكان كانوا يستعملون فخار هذا الدور. وقد استقرت هذه الطبقة - وهي أقدم طبقة في الموقع- على الأرض البكر للسهل الفيضي. وتعاصر هذه الطبقة السكنى في مواقع فراتية أخرى مثل حبوبة كبيرة وتل قناص وجبل عارودة وتشترك معها في الخصائص العامة لفخار هذا الدور المألوف في موقع أوروك في جنوبي بلاد الرافدين. ذلك أنه لم تظهر خصائص محلية لفخار دور أوروك في موقع جرابلس تحتاني وسواه من مواقع الفرات المعاصرة له. وبدلالة الفخار المكتشف في هذه الطبقة أمكن تحديد تاريخها في منتصف الألف الرابع قبل الميلاد. وكان معظم هذا الفخار قد عثر عليه تحت بقايا جدران العصر البرونزي القديم التي تعرضت للتعرية والحت، ووجدت كسره في جميع قطاعات التنقيب التي فتحت في التل خصوصاً في الجهة الشرقية منه. ومما تجدر ملاحظته أن عدداً من الأوعية الفخارية المكتشفة يحمل آثار قار في داخله، وهذا يذكر بتقنية تذويب القار وتفريغه التي عمت في مواقع دور أوروك في جنوبي بلاد الرافدين، وهو ما يشير إلى الصلات الوثيقة لتل جرابلس تحتاني مع تلك المواقع. تحت سطح السفح المنجرف في القطاع الأول( Area I ) وفي مجسمات السبر(O/P 12-16) وجدت بقايا جدران من اللبن والطين المرصوص (الطوف) والحجر موازية في امتدادها لمجرى النهر، وتتصل بها - بزوايا قائمة- جدران أصغر. وفي المساحات المتكونة من هذه الجدران وجدت مواقد وحفر وتنور. وحيثما وجدت أرضيات فإنها مغطاة بما يصل إلى خمسة أمتار من جرف السفح، وهذا ما تسبب في عدم حفظ بقايا السكنى. كذلك ظهر في مجسات السبر أن المكونات السكنية تأثرت بشدة بالغمر المتكرر نتيجة لفيضانات الفرات، وقد يكون الخراب الذي كانت تحدثه هذه الفيضانات السبب الرئيسي الذي أدى إلى هجران الموقع. ومن الجدير بالذكر أن من بين المكتشفات العائدة إلى دور أوروك في جرابلس تحتاني بقايا عظمية لما يمكن أن يكون حماراً مدجناً وكذلك بقايا نباتية تدل على وجود نظام زراعي محلي خلال هذا الدور كان مقترناً بتناوب استغلال الحقول موسمياً في محيط الموقع. وتدل هذه البقايا أيضاً على عملية تخزين الحبوب بعد تنظيفها، وكان هذا واضحاً من خلال الحصول على عينة من الشعير المنقى نسبياً.

الخريطة الكنتورية لتل جرابلس تحتاني مع مواضع التنقيب فيه

لقد أمكن من خلال التنقيبات الأثرية في تل جرابلس تحتاني تمييز مرحلتين من السكن في العصر البرونزي القديم، الأولى يعود تاريخها إلى النصف الأول من الألف الثالث قبل الميلاد، والثانية إلى النصف الثاني منه. شغل الموقع في المرحلة الأولى بمستوطن بسيط مفتوح تطور في المرحلة الثانية إلى بلدة محصنة، وكان التطور من المرحلة الأولى إلى الثانية كبيراً ولم يقتصرعلى ظهور التحصينات وإنما شمل العمارة ومواد البناء وحجم المستوطن والمواد المصنعة وطرق دفن الأموات.

تتميز المرحلة الأولى باستمرار تراث الأبنية ذات الجدران المستقيمة التي سبقت مرحلة التحصين ضمن مساحة من 50م2 في قطاع التنقيب الثالث ( Area III) . وقد عثر في أدنى مستوى تم التوصل إليه من هذه المرحلة على قبر( T.1610) مورس الدفن فيه داخل جرة. وعلى الرغم من أن استعمال الجرار في الدفن كان شائعاً في المرحلة اللاحقة يتميز هذا القبر بالوضع العمودي للجرة داخل حفرة ضيقة وباستعمال صحن فخاري غطاءً لجرة الدفن واقتصار التجهيزات الجنائزية على خرز قرصية الشكل. ويعود الفخار المقترن بهذا القبر إلى النصف الأول من الألف الثالث ق.م. ومن المكتشفات الجديرة بالاهتمام من المرحلة الأولى طبعة ختم أسطواني وجدت على جرة عثر عليها بالقرب من أساس سور المرحلة الثانية في الجهة الشرقية المطلة على النهر، يظهر في مشهد هذا الختم حيوان مقرن و أفعى مع زهرة روزيتا. ويدل وجود هذا الختم على نشوء أسلوب فني في مشاهد الأختام الأسطوانية في شمالي سورية أعقب الأسلوب المعروف في أختام إيبلا- حماة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن ظهور طبعة الختم هذه في المرحلة الأولى من استيطان العصر البرونزي القديم في موقع جرابلس تحتاني قد يبدو بمنزلة تطور متقدم بالنسبة للبساطة التي اتصفت بها المرحلة، فالختم الأسطواني هنا يمثل وسيلة لتنظيم إداري له قواعده في التوثيق وحفظ الملكية، وظهوره قبل المرحلة الثانية المتطورة في العصر البرونزي المبكر في هذا الموقع قد يكون إشارة سابقة على التطور الوشيك الحصول، أو أنه دلالة على تطور محلي في المنطقة تبعه انتقال الموقع إلى المرحلة الثانية المتوافقة مع ذلك التطور.

تل جرابلس تحتاني
مدفن من العصر البرونزي القديم

انتهى استيطان المرحلة الأولى من العصر البرونزي القديم بحريق لوحظت آثاره تحت تحصينات المرحلة الثانية التي ظهرت معالم الاستيطان الأول منها في القطاع الثالث أيضاً حيث استظهرت غرفة دعم الوجه الداخلي لجدارها الشمالي بطلعاتbuttresses ، ووجد مدخل مبلط بالحجر في جدارها الشرقي مع درجات تتقدمه. هناك موقد مع منصبين للقدور الفخارية وحوضان مكسوان بالجبس الأبيض، ولأحدهما فتحة في أحد جوانبه. إن جميع هذه الملامح المعمارية تشير إلى وظيفة سكنية أكثر من كونها عسكرية. وتظهر دلائل إضافية على الطبيعة السكنية في مرحلة متأخرة بعد أن كوّن المنحدر الترابي التحصيني على الجهة الغربية، إذ كشف عن غرفة مستطيلة ضمت عدة أقراص مثقوبة وما مجموعه 42 مكوكاً (أو ملفاً للخيوط) من الطين.

كشف عن آثار عدة طبقات بنائية من المرحلة الثانية في قطاع التنقيب الرابع (Area IV) لكن التعرية التي تعرضت لها الجدران ذات الأسس الحجرية في الطبقات تجعل من الصعوبة التأكد مما إذا كانت معاصرة للسور الدفاعي الذي أحاط بالموقع في المرحلة الثانية أو متأخرة عنه. ومن الأبنية التي كشف عنها في القطاع الرابع البناية التي رمز إليها المنقبون بالرقم (B 1000)، وهي بناية تتألف من عدة غرف يحدها مجاز مبلط يفصلها عن بناء كبير يمتد إلى ما وراء حدود قطاع التنقيب. غرف البناية مستطيلة وضيقة تضم دكاكاً وأحواضاً وعناصر أخرى تستعمل في عمليات تحضير الغذاء. و يعتقد أن تحضير المحصول وتنظيفه كان يجري في هذه البناية بدلالة البقايا النباتية القديمة وكذلك وجود عدد كبير غير معتاد من المدقات البازلتية وأحجار الجرش على الأرضيات.

إعادة تكوين لمدفن العصر البرونزي القديم

في هذه المرحلة شيد سور ضخم من اللبن والجص على أسس من الحجر ليحيط بالجزء الأساسي من المستوطن، وكان هذا السور يمتد بارتفاع عالٍ بمحاذاة النهر في الجهة الشرقية ثم يستدير غرباً ليطل في الجهة الشمالية على الحقول التي تفصل ما بين جرابلس تحتاني وكركميش. وقد استظهر جزء من هذا السور في قطاع التنقيب الرابع في جنوب-غربي الموقع حيث اكتشف مجرى تصريف للمياه ينفذ تحت السور.فضلاً عن الوظيفة الدفاعية لهذا السور السميك كان مهيئاً لحماية مركز الموقع من الفيضانات التي قد تكون مدمرة في المواسم الاستثنائية؛ فقد دلت التحريات الجيومورفولوجية التي أجريت في موقع جرابلس تحتاني على أن فيضاناً من هذا النوع حدث فعلاً في نهاية العصر البرونزي القديم ليترك تأثيراً مدمراً ليس في المستوطن فقط وإنما في مقترباته الزراعية المباشرة أيضاً على ما يرجح. ومن خلال التنقيبات الأثرية تم توثيق وجود أبراج في السور كان أحدها في القطاع الأول في الجهة الشرقية، وآخر في الجبهة الشمالية (القطاع الرابع ). وهناك دليل على وجود برجين على جانبي المدخل الجنوبي للمستوطن عند قاعدة التل على ضفة النهر، ويتوقع المنقبون أن هذين البرجين كانا يقترنان بسور محيط سفلي ثانٍ.

عزز سور الموقع في وقت لاحق بمنحدر ترابي ضخم على الوجه الخارجي للسور، وعزي إنشاء هذا المنحدر إلى سكان منتصف الألف الثالث قبل الميلاد وأواخره. تم إنشاء هذا المنحدر بمدرجات أفقية متصاعدة وختمت بسطح منحدر مستوٍ بدرجة انحدار من 25-30 درجة، ثم كسي هذا السطح بطبقة بيضاء من الجبس بلغ سمكها في بعض المواضع 10 سم. ويعتقد أن هذا التكوين لم يكن لتوفير الحماية من الفيضان فقط وإنما لإضفاء مظهر لافت يحاكي تلك التكوينات الضخمة التي كشف عنها في مواقع أخرى على الفرات مثل تل السويحات[ر] وتلول البنات والكبير [ر].إن مخطط المستوطن في هذه المرحلة ووجود نظام التحصين وتصريف المياه المركزي، وإنشاء ذلك كله فوق بقايا المستوطن السابق بعد احتراقه تعد جميعها دلائل على وجود سلطة مركزية وقوة عمالة مع توفر موارد جديدة. ومن المرجح أن يكون وراء ذلك تطوران جديدان شهدهما العصر البرونزي القديم في النصف الثاني من الألف الثالث قبل الميلاد، وكان التطور الأول في مجال أسلحة ذلك العصر ومارافقه من إمكانات التحشيد العسكري، والتطور الثاني في مجال التجارة بعيدة المدى التي ساعدت على توفير مستوى جيد من الثراء حينذاك.

مدفن من جرابلس تحتاني

كشفت التنقيبات في القطاع الثاني (Area II) - في الجهة الجنوبية- الشرقية من التل- عن ضريح ضخم رمز إليه المنقبون بالرقم(T 302) مع مجموعة من القبور على مقربة منه بلغ عددها ثلاثة عشر قبراً. وقد استخرج من هذا المدفن ما يراوح مجموعه بين600 و1000 من الآنية الفخارية والمواد المختلفة. ويبدو أن هذا الجزء من الموقع كان مركزاً دفيناً مقترناً بعناصر معمارية خاصة به، والمعلم الرئيس فيه الضريح 302. هذا الضريح مشيد عند قاعدة الموقع بجوار ضفة النهر، وقد فصل عن الأبنية بسور خاص به مما يشير إلى أهميته. يقود إلى المدفن من وسط الموقع ممر مدرج مرصوف بالحجارة يبلغ طول ما تبقى منه 20م. على جانبي هذا الممر مدخلان متقابلان يؤدي الشرقي منهما إلى الضريح الرئيسي 302 عبر درجات تنزل إلى مدخل الضريح الموجود في الضلع الجنوبية الغربية، وهو مغلق بحجر. بناء الضريح نفسه له شكل مستطيل أبعاده 10 × 8م، وزواياه موجهة نحو الاتجاهات الأربعة الصحيحة. يتألف البناء من حجرتين تبلغ أبعاد أولاهما 6,6 ×3,5م ، وتحتل الثانية القسم الشمالي- الشرقي ويربطها بالحجرة الأولى مدخل صغير. جدران الضريح مشيدة بقطع كبيرة غير منتظمة من حجر الكلس، والبناء كان مسقفاً بعقد مطنّف، كوّن بتقارب صفوف الحجر من الجهتين ، ومغطى بالتراب. وعلى الرغم من أن الضريح تَعرض للنهب منذ القدم وجد أنه ما يزال يحتوي على بقايا 12 شخصاً بالغاً وطفل. وتدل المواد المتبقية في الضريح على فخامة التجهيزات الجنائزية وكثرتها، وهي تجهيزات كانت تودع في كل مرة يتكرر فيها الدفن. فقد عثر في هذا الضريح على مقابض خناجر عاجية ونصال خناجر ورؤوس سهام وبلطات فؤوس برونزية فضلاً عن رقائق ذهبية وفضية وخرز ذهبية ودبابيس فضية، قطع من الكريستال الصخري وقشور بيوض نعام وعدد كبير من الأقداح والأوعية الفخارية. ومن بين المواد الفخارية المكتشفة ما يقارب مئة من الأقداح الفخارية المتميزة بسيقان طويلة وقواعد مخروطية الشكل، وهي من النوع الذي وجد في عدة أضرحة في مواقع منطقة الفرات من بينها تل أحمر. يعد هذا الضريح من الأمثلة الفريدة من نوعه، ويعود استعماله إلى عدة أجيال من عائلة مرموقة لا يستبعد أن تكون العائلة الحاكمة في الموقع. ومن الواضح أنه أكبر أضرحة العصر البرونزي القديم المكتشفة في سورية وأغناها. لقد كان هذا الضريح مشيداً فوق موضع صوامع خزن كبيرة مما يدل على تاريخه المتأخر في التعاقب السكني للعصر البرونزي القديم. وبدلالة الصلة الطبقية والمعمارية للضريح ونوع القطع الفخارية المكتشفة فيه يمكن تحديد تاريخه في نحو 2450 -2300ق.م.

القبور التي كشف عنها في جرابلس تحتاني تتنوع في أشكالها وفي طرق الدفن المتبعة فيها، فهناك القدور الفخارية التي استعملت لدفن الرضع، والجرار الفخارية الكبيرة لدفن البالغين فضلاً عن الأحواض وحفر الدفن والأضرحة المقباة. وهذه الأضرحة كانت غالباً تستعمل للدفن المتكرر مثل الضريح (T 1518 ) الذي وجدت فيه هياكل عظيمة تعود إلى خمسة أشخاص. وكان ينفذ إلى هذه الأضرحة من خلال فتحات في أعلاها أو عبر مدخل منحدر في أحد جوانبها.

من المكتشفات التي عثر عليها في تل جرابلس تحتاني قالب لصنع نصال الخناجر وبوتقات فخارية لصهر المعادن جاءت من باحة خارجية في الطرف الشمالي من الموقع. كذلك وجدت بوتقات أخرى في القطاع الأول ( Area I ) في جنوب- شرقي الموقع. وقد حدد المنقبون تاريخ هذه البوتقات من الألف الثالث قبل الميلاد، وهي صغيرة الحجم ورقيقة الجوانب ولها أشكال نصف كروية. إحدى هذه البوتقات تحتوي على شذرات من الذهب مختلطة بمادة مزججة سوداء ملتصقة بباطنها، وفي بوتقة أخرى وجد صدأ لخليط نحاسي. ويبدو أن هذه البوتقات كانت تستعمل لتصنيع مواد خام، كما أنها قد تكون استعملت في تحليل الذهب بالرصاص. ومن المواد الأخرى المكتشفة في طبقات العصر البرونزي القديم صفيحة نحاسية بشكل عنزة بقرنين يرتدان إلى الخلف، وفأس/ مطرقة حجرية مصقولة، وأنبوب عظمي مزخرف بأشكال هندسية وخطية .

انقطعت السكنى في جرابلس تحتاني في أواخر الألف الثالث قبل الميلاد على أثر فيضان مدمر على ما يرجح، ومن المحتمل أن يكون ذلك قد حدث في نحو 2200ق.م. واستمر هذا الانقطاع زهاء 1500عام انتقل خلالها الدور المهم في المنطقة إلى كركميش التي لابد أن تكون مارست السيطرة المباشرة على الأراضي الزراعية التي كانت تابعة للموقع. استمر هجران موقع جرابلس تحتاني حتى العصر الحديدي المتأخر، إذ من المرجح أن يكون أعيد استيطانه بعد معركة كركميش المشهورة في عام 605ق.م في مطلع العصر البابلي الحديث. إلا أنه لم تكتشف بقايا بنائية من هذا العصر، واقتصرت المكتشفات التي تدل عليه على المواد الأثرية. وقد كشفت التنقيبات عن بقايا معمارية من العهد الروماني والعصر الإسلامي، ومن هذه الأبنية من العهد الروماني بناء استعمل القرميد والأعمدة في تشييده، لكنه تعرض لخراب شديد بسبب القبور الإسلامية التي حفرت فيه. ولا بد من الإشارة إلى أن نتائج التنقيب في تل جرابلس تحتاني أضافت منطقة أعالي الفرات في سورية إلى منطقتي الجزيرة وإيبلا بعدّها من مناطق نشوء الدويلات وأنظمة الحكم المتطورة في العصر البرونزي القديم .

نائل حنون

 

مراجع للاستزادة:

- Lisa Cooper, Early Urbanism on the Syrian Euphrates, (Bodmin, 2006).

- Edgar Peltenburg, “Tell Jerablus Tahtani, 1992-1996: a summary”, Archaeology of the Upper Syria Euphrates, the Tishrin Dam Area,(eds.) G. del Olmo Lete and J.- L. Montero Fenollós,(Barcelona,1999 ), pp. 97-105.

- Edgar Peltenburg et al.,” Jerablus Tahtani, Syria: preliminary report”.

1992-1993 , Ievant 27 (1994), pp.1-28.

1995,Ievant 28 (1996), pp.1-26.

1996, Ievant 29 (1997), pp.1-18.


التصنيف : العصور التاريخية
المجلد: المجلد الرابع
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 989
الكل : 45599302
اليوم : 144283