الموسوعة العربية

أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي

جيرود

-

¢ جيرود

جيرود

يتربع موقع جيرود Jayroud على الهضبة الشرقية للقلمون في منطقة ريف دمشق؛ على بعد 4 كم شمال شرقي بلدة جيرود الحالية، ويرتفع 800 م فوق سطح البحر، ويطلق على الموقع تسمية «ملاحة جيرود» نظراً لوجود بحيرة في المنطقة سابقاً.

في حزيران / يونيو من عام 1981م قام الباحثان جاك كوان J. Cauvin وإريك كوكينو E. Coqueugniot بمسح أثري في المنطقة أُشير فيه إلى وجود استيطان من عصور ما قبل التاريخ، وتم تشكيل فريق عمل فرنسي – سوري مشترك لإجراء عملية مسح أثري في منطقة جيرود، استمرت من 18 – 30 آب / أغسطس العام نفسه 1981م؛ بإدارة كوڤان.

وعلى نحو أدق تم تعرّف بعض المواقع الأثرية العائدة إلى عصور ما قبل التاريخ في تلك المنطقة والتي كانت متجمعة على امتداد الضفة الشرقية لبحيرة قديمة، وتدعى بحيرة ملاحة جيرود، وقد جفت الآن.

جيرود المملحة

كشفت أعمال المسح عدداً من المواقع الأثرية التي أطلق عليها جميعها اسم جيرود ومُيزت من بعضها بوساطة الأرقام، وهي 11 موقعاً تؤرخ على فترتين: الأولى الكبارية– الهندسية، والثانية النطوفية، وهذه المواقع من الأقدم إلى الأحدث:

-جيرود 6 وجيرود 7: يقعان بين جيرود 3، 4، 5. جيرود 7 صغير جداً يقع على ضفة البحيرة مباشرة، وإلى الشرق قليلاً منه يقع موقع جيرود 6، وهو أغنى منه بكثير، عثر فيهما على العديد من الأدوات الحجرية أهمها الأدوات الدقيقة (الميكروليتية) والمكاشط، وتبين أنها تعود إلى نهاية العصر الحجري القديم.

وضمت بعض المواقع في جيرود دلائل على استيطان من الفترة الكبارية – الهندسية مثل:

-جيرود 8: مرتفع صغير ومساحته نحو 2100م، عثر فيه على نحو 2079 أداة صوانية، تعود إلى نهاية العصر الحجري القديم أو الفترة المسماة الكبارية- الهندسية، وأهمها النوى والمكاشط والنصال؛ إضافة إلى أدوات دقيقة وذات أشكال هندسية بقطع على شكلي شبه منحرف ومثلث مختلف الأضلاع. كما عثر في الموقع على آثار أدوات تضم آثاراً حجرية كبيرة- كالرحى والأجران- دلت على استيطان مديد في الموقع.

أما الاستيطان من الفترة النطوفية فهو في المواقع جيرود 1، 2 ،3، 4، 5، 9.

-جيرود 2: يقع إلى الحنوب من موقع جيرود 8، على شكل مرتفع عثر فيه على نحو 1210 أدوات صوانية، من بينها مكاشط متنوعة بعضها دائري الشكل، وأزاميل وأدوات هندسية قصيرة (ميكروليتية) وعريضة يراوح طولها بين 1.7-3.2 سم؛ وهي ذات أشكال هلالية أو دائرية، تحمل آثار تشذيب قليل الانحدار من النوع المسمى حلوان. لم يعثر في الموقع على آثار للعمارة أو الأثاث الثقيل.

-جيرود 1: يقع إلى الشرق قليلاً من الملاحة، وهو مرتفع صغير عثر فيه على نحو 1127 أداة حجرية تعود جميعها إلى الفترة النطوفية.

-جيرود 3: وهو ملاصق للملاحة مباشرة، مرتفع كبير، يمتد على طول نحو 200م، عثر في الموقع على نحو 5186 أداة حجرية متنوعة؛ من بينها المكاشط والأدوات الدقيقة، وأثاث ثقيلة (رحى، أجران)، والجدير ذكره وجود مواقد على نحو ملحوظ.

-جيرود 9: يقع على محور شمال – جنوب على امتداد الملاحة بطول 200م، جمع منه نحو 3000 أداة حجرية نطوفية أيضاً.

-جيرود 4 وجيرود 5: يقعان على حافة الملاحة مباشرة على بعد 2,5 كم إلى الشمال من موقع جيرود 3، في منطقة أصبحت رملية جداً حالياً، يمثل جيرود 4 موقعاً صغيراً جداً- مساحته 600 م2- متوضعاً على تلة متحجرة أيضاً، وبفضل عوامل التعرية ظهرت على الضفة الغربية لهذا الموقع بقايا مواقد وأحجار محروقة.

-جيرود 10: يقع إلى الجنوب من موقع جيرود3، بين (جيرود 1 وجيرود 3) جمع فيه نحو 996 أداة صوانية، من بينها 74 نواة و43 أداة مشذبة بعضها يعود إلى العصر الحجري الحديث كالبلطات والمكاشط ذات القبضة الرفيعة. وبعضها الآخر يعود إلى نهاية العصر الحجري القديم كالنوى الصغيرة لاستخراج النصال.

-جيرود 11: هو الموقع الأكثر انخفاضاً، يقع إلى أقصى جنوب الملاحة، عثر فيه على نصال لفلوازية غير مشذبة، ولكن لم يتم من خلالها تأريخ هذا الموقع؛ لأن النصال اللفلوازية وجدت في فترات زمنية مختلفة مما قبل التاريخ ولا يمكن أن تعطي دلالة زمنية واضحة.

استخدم السكان في هذه المنطقة نوعان من الصوان: النوع الأول تقع مقالعه إلى الجهة الجنوبية الشرقية من البحيرة ضمن تشكيلة جيولوجية تعود إلى الإيوسين الأدنى وفي أماكن أخرى من المنطقة، وكانت نوعية هذا الصوان من الدرجة المتوسطة. أما النوع الثاني فكان الأفضل تميز بأنه حجر صوان من نوعية جيدة جداً، صلب وناعم، ذو لون بني أو أصفر، وهذا الصوان كان الأكثر استخداماً من قبل سكان مواقع جيرود في عصور ما قبل التاريخ، وتوجد مقالعه الصوانية في الجهة الشمالية الشرقية من الملاحة على مسافة 8 – 10 كم شمال شرقي المقالع الأولى.

استناداً إلى القطع الصوانية المكتشفة يعود تأريخ كل المواقع السابقة (1، 2، 3، 4، 5، 9) إلى الفترة النطوفية المؤرخة بـ 10 – 9 آلاف سنة ق. م. وكانت أغلب القطع مكاشط (ما عدا جيرود 1)، كما عثر على المكاشط الكبيرة وأحياناً القطع الصوانية الكبيرة ذات التشذيب الثنائي على الوجهين والتي تشبه البلطة أو القدوم؛ إضافة إلى الأدوات الدقيقة ذات الأشكال الهلالية التي تحمل تشذيباً حاداً شديد الانحدار؛ والتي قليل منها ذو تشذيب من النوع الأقل انحداراً والمسمى حلوان (جيرود 2)، وعثر على بعض الأزاميل والنوى.

أدوات حجرية من موقع جيرود

١-٢-٣-٤- ٥: نصيلات ذات ظهر مستقيم أو مقعر

٦-٩-١٠: أدوات دقيقة ميكروليتية ٧-١٢: مكاشط

٨: أزميل ١١: نواة

ومن المواقع المشابهة لمواقعها الملجأ الثالث في يبرود حيث عثر على آثار نطوفية مشابهة لتلك التي ظهرت في موقع جيرود 2 خصوصاً، وفي منطقة البادية السورية الكوم، وفي حوض الفرات (نهر الحمر) وفي منطقة درعا (الطيبة) في عفرين شمال حلب.

أدوات حجرية من موقع جيرود

١-٢-٣-٤- ٥-٧-٨: أدوات دقيقة ميكروليتية على شكل هلال

٦: أداة دقيقة ميكروليتية من نمط حلوان ١١: أداة ذات تشذيب فأسي

١٢: أداة دقيقة ميكروليتية

وأخيراً يمكن القول إنه على الرغم من قلة الدراسات والأبحاث في منطقة ملاحة جيرود؛ فإنها تعدّ من أهم المناطق التي قدمت دلائل مهمة على إقامة إنسان نهاية العصر الحجري القديم في الهواء الطلق، حيث كانت حياته وإقامته بمجموعات بشرية منتظمة، كما تدل على ذلك الأدوات الثقيلة (الرحى، الأجران)، ولابد أن هؤلاء السكان قد مارسوا الصيد مستفيدين من البحيرة، كذلك قاموا بجمع الحبوب التي نمت على نحو حر وطبيعي، كما أشارت لقى أخرى- مثل الصدف البحري- إلى وجود اتصال واسع بمنطقة الساحل الغربي.

هبة عاصي

مراجع للاستزادة:

- Marie- Claire CAUVIN, Du Natoufien au Levant Nord? Jayroud et Mureybet (Syrie), The Natufian Culture in The Levant, edited by Ofer Bar- Yosef & François R. Valla, (1991), pp. 295 -314.

- M.CAUVIN, E. COQUEUGNIOT, M. Le MIÈRE, S. MUHESEN, & M. NIERLE, Prospection préhistorique à Mallaha- Jayroud (Qalamoun, Syrie), Les Annales Archéologiques Arabes Syriennes, (vol. 32, 1982), pp. 273- 281.

- O. AURENCHE, J. CAUVIN, M. C. CAUVIN, L. COPELAND, F. HOURS, and P. SANLAVILLE, Chronologie et organisation de l’espace dans le Proche-Orient de 12000 à 5600 av. J-C. (14000 à 7600 Bb), Préhistoire du Levant, (1981. C.N.R.S), Paris. pp. 571- 578.