logo

logo

logo

logo

logo

الحضارات الأصيلة

حضارات اصيله

Original Civilizatins - Les premirés Grandes civilisations

 ¢ الحضارات الأصيلة

الحضارات الأصيلة

حضارة بلاد الرافدين الحضارة الصينية القديمة وحضارة شانغ
حضارة وادي النيل الحضارة المينوية في اليونان
حضارة وادي الهندوس (السند) حضارة أمريكا القديمة
 

يقترن مفهوما الحضارة والمدنية بإقامة الإنسان واستقراره في الحواضر من مدن وأرياف؛ بخلاف مفهوم البداوة المرتبط بالتنقل والارتحال، وبهذا المعنى كان التمدن أو التحضر هو الخطوة الأولى لوصول المجتمعات البشرية إلى تحقيق أهم إنجازاتها عبر مراحل التاريخ المختلفة. وقد درج العلماء على تقسيم الحضارات القديمة إلى حضارات أصيلة Original Civilizations لم تؤخذ من حضارة سابقة لها، وحضارات فرعية أو ثانوية Secondary Civilizations، كان للأصيلة التأثير الأكبر في مسار التاريخ البشري، ومنها انطلق الإشعاع الحضاري على المناطق المجاورة الثانوية. ولم يكن للإنسان أن يحقق الحضارة في أي مكان من العالم بمعزل عن الأنظمة البيئية والجغرافية والطبوغرافية المحيطة به من أرض ومناخ وتضاريس ونبات وحيوان. فالبيئة توفر للإنسان مجموعة من الإمكانات التي يتفاعل معها يأخذ منها ما يلزمه بالطرق والتقنيات التي تتوفر لديه، وهنا يظهر أثر البيئة في تشكيل طبيعة حياته. لكن العوامل الفكرية والاجتماعية والاقتصادية التي سبقت مرحلة التمدن هي التي أوصلت الناس إلى مرحلة العمران والتمدن، فقد كان الاستقرار الزراعي من أهم الشروط للوصول إلى المدنية، عندما تحول الإنسان من حياة الصيد والالتقاط بحثاً عن طعامه إلى حياة زراعية مستقرة استطاع أن يحقق من خلالها وفرة في إنتاج الغذاء، وهذا ما أطلق عليه العلماء اسم الثورة النيوليتية Neolithic Revolution، التي حصلت في منطقة بلاد الشام (في الألف العاشر ق.م)، وأوصلت لاحقاً إلى ما عرف بالثورة المدنيّة، وهي المرحلة التي تحولت فيها هذه القرى الزراعية الصغيرة إلى مدن ومجتمعات كبيرة.

لقد أدى فائض الإنتاج الذي تم تحقيقه إلى توفر القدرة على إيصال الغذاء إلى مجموعات أخرى من الناس لم تكن متخصصة في الأعمال الزراعية ولا تنتج ما تحتاج إليه من الطعام، مثل أصحاب الحرف والمهنيين والتجار وغيرهم، وهو ما أدى إلى نشوء اقتصاد متكامل قوي قاد إلى تراكم الثروة؛ وبالتالي نشوء دول المدن.

من الواضح أن أكثر البيئات ملاءمة لنشوء المراكز الحضارية المبكرة هي أودية الأنهار ومنها وادي الرافدين وبلاد الشام ووادي النيل ووادي الهندوس والصين. لكن تطور البشرية لم يتحقق بالسرعة نفسها في كل مكان؛ لاختلاف البيئة والتأثيرات الخارجية والإرث الثقافي بين مكان وآخر، وهذا ما دفع بعض العلماء إلى القول: إن للحضارات أصلاً ومكاناً واحداً انطلقت منه إلى المناطق الأخرى، فرأى قسم منهم أن هذا المكان هو مصر، ورأى آخرون أنه بلاد سومر في جنوبيّ بلاد الرافدين، لكن من الواضح أن منشأ الحضارة- بما تعنيه من استقرار وتمدن- تحقق أولاً في بلاد الشام التي شكلت جسر التواصل بين وادي النيل ووادي الرافدين في التاريخ القديم، فعندما نشأت الزراعة في بلاد الشام انتقلت منها إلى البلدان المجاورة، كما أن فكرة دولة- المدينة City- state التي بدأت في جنوبيّ العراق انتقلت مباشرة إلى بلاد الشام، مثلما بدأت الدولة الوطنية الموحدة في وادي النيل لتُعرف لاحقاً في بلاد الرافدين.

١ـ حضارة بلاد الرافدين:

ازدهرت الحضارة السومرية في الجزء الجنوبي من بلاد الرافدين خلال الألف الثالث ق.م، وهي المنطقة الممتدة بين شواطئ الخليج العربي ومدينة بغداد حالياً. يقسم تاريخ الحضارة السومرية إلى عدة مراحل رئيسة تمتد من عصر أوروك المتأخر وجمدة نصر (٣٢٠٠-٢٩٠٠ ق.م)، حتى عصر السلالات الباكرة الأولى والثانية والثالثة (٢٩٠٠-٢٣٥٠ ق.م).

تدل الثقافة المادية المكتشفة في جنوبيّ بلاد الرافدين على الهوية السومرية الواحدة، والتي تميزت في ظهور المدن الأولى التي تحيط بها الأسوار المحصنة بالأبراج، وتتخللها البوابات، وداخلها الأبنية الضخمة كالمعابد والزقورات[ر] والقصور والبيوت السكنية.

وشهدت تطور الكتابة من شكلها التصويري إلى المسماري، وتطور الفنون والقوانين والآداب بكلّ أنواعها وأولى قصص الخلق والملاحم، وانتشار استخدام الأختام الأسطوانية، واستخدام الدولاب السريع لإنتاج الفخار.

كان النظام السائد في هذه المرحلة هو نظام دويلات المدن، حيث اجتمعت السلطة السياسية في يد ملك اتخذ من مدينة كبيرة عاصمة لمملكة تضم العديد من الأراضي الزراعية والإقطاعات والقرى. تمتد حدودها أو تتقلص بحسب حالة الضعف والقوة التي تمر بها والتي أدت في كثير من الأحيان إلى نشوب الحروب أو توقيع المعاهدات مع دويلات المدن المجاورة، ومن أهم المدن السومرية: كيش وأور وأدب وأوما ولجش وإيسن ونيبور ولارسا وأريدو وبورسيبا وأوروك التي اشتهرت بمعبدها الديني المكرس للإلهة أي- أنّا.

بعد سقوط سلالة أور الثالثة في نهاية الألف الثالث ق.م؛ انتهت السيادة السياسية السومرية، وبقي إرثهم وخاصة الديني والثقافي شاهداً على عظمة حضارتهم.

زقورة أور في جنوبي العراق

٢ـ حضارة وادي النيل:

كان وادي نهر النيل مكاناً لظهور مركزين حضاريين: أحدهما في الجنوب، والآخر في الشمال، ولكن طابع الثقافة الجنوبي طغى على كل منطقة وادي النيل والدلتا نحو٣٥٠٠-٣٣٠٠ ق.م. ظهرت أولى الرموز الهيروغليفية في نهاية الألف الرابع ق.م تقريباً، أما أولى السلالات الملكية في مصر (الأولى والثانية)؛ فيعود ظهورها إلى عصر الأسر المبكرة (٢٩٥٠-٢٦٣٥ق.م). بعد ذلك مرّ تاريخ الحضارة المصرية بعدة مراحل مهمة، هي: الدولة القديمة (الأسر الثالثة حتى السادسة)، تلتها فترة انتقالية أولى (الأسر السابعة حتى العاشرة)، والدولة الوسطى (الأسرتان الحادية عشرة والثانية عشرة)، تلتها المرحلة الانتقالية الثانية (الأسرة الثالثة عشرة حتى السابعة عشرة)، فالدولة الحديثة (الأسر الثامنة عشرة والتاسعة عشرة والعشرون)، ثم الفترة الانتقالية الثالثة (الأسر الحادية والعشرون والثانية والعشرون والثالثة والعشرون والرابعة والعشرون)، وبعدها العصر المتأخر(حتى الأسرة الحادية والثلاثين).

يطلق على الدولة القديمة (٢٦٣٥-٢١٤٠ ق.م) اسم عصر بناة الأهرام، شهدت مصر فيه ازدهاراً في جميع المجالات المعمارية والعقائدية وانتشار عبادة الشمس (أوائل الأسرة الخامسة). ومن أشهر ملوك هذه الدولة زوسر باني أول هرم مدرج في سقارة، وسنفرو وخوفو (صاحب الهرم الأكبر) وخفرع (صاحب الهرم الثاني وله أيضاً تمثال أبي الهول بالجيزة)، ومنقرع (صاحب الهرم الثالث)، وتُلفى آثارهم في ميدوم ودهشور والجيزة.

شهد عصر الدولة الوسطى (٢٠٢٠-١٧٢٠ ق.م) نهضة وتقدماً في مجال العمارة والفنون والآداب. وكانت عاصمة هذه الدولة طيبة (الأقصر حالياً)، ثم انتقلت إلى إيشت تاوي (الليشت حالياً)، من أهم ملوكها أمنحوتب الأول الذي نجح بتوحيد البلاد مرّة أخرى بعد حالة الفوضى التي مرت فيها خلال الفترة الانتقالية السابقة، فأعاد المملكة إلى ما كانت عليه من قوة في عصرها القديم.

يمتد عصر الدولة المصرية الحديثة بين (١٥٥٠-١٠٦٩ ق.م)، وهو عصر الانفتاح على العالم، حققت مصر فيه رخاءً وتقدماً في جميع مجالات الحضارة من زراعة وعمارة وأدب، تشهد عليه الكتابات المنقوشة على أبنية الأقصر وأبي سمبل، أما في المجال العسكري فقد تم بناء جيش كبير منظم تمكن من بسط نفوذ الدولة على أماكن بعيدة وصلت شمالاً إلى منطقة أعالي نهر الفرات وجنوباً إلى إفريقيا الوسطى. ومن أشهر ملوك هذه الدولة أحمس الأول (الذي تمكن من طرد الهكسوس والنوبيين من البلاد، وأعاد توحيد البلاد)، وهناك تحوتمس الثالث (الذي قام بالعديد من الحملات على سورية، وخاض معركة مجدو ضد تحالف المدن السورية)، والملكة حتشبسوت وأمنحوتب الثالث ثم أمنحوتب [ر] الرابع (أخناتون) وتوت عنخ آمون وحور محب، ورعمسيس الثاني (الذي حارب الحثيين في قادش، ثم وقّع معاهدة سلام معهم) ورعمسيس الثالث(الذي واجه شعوب البحر).

من أشهر آثار الدولة الحديثة معابد الآلهة كمعبد الأقصر ومعبد سيتي الأول في أبيدوس، والمعابد الصخرية كمعبد أبي سمبل والمعابد الجنائزية كالرمسيوم؛ إضافة إلى العمارة الجنائزية كالمقابر في وادي الملوك؛ إذ شهد هذا العصر فصل المقابر عن المعابد الجنائزية، وتم حفرها في سراديب تحت الأرض لإخفائها عن أعين اللصوص.

أبو الهول والأهرامات في مصر

٣ـ حضارة وادي الهندوس (السند):

نشأت حضارة وادي السند في منطقة باكستان وشماليّ الهند، وتسمى أحياناً بحضارة هارابا Harappa، وهي مدينة في البنجاب تم اكتشاف هذه الحضارة بالقرب منها عام ١٨٥٦م، وقد أسفرت الحفريات الأثرية التي بدأت عام ١٩٢٠ في هذا الموقع وغيره من المواقع- مثل موهينجوـ دارو Mohenjo-daro، وميهرغاره Mehrgarh، وناوشارو Naucharo- عن اكتشاف حضارة مدنيّة متطورة تعود إلى منتصف الألف الثالث ق.م، نشأت بوساطة جماعات كانت تمارس الزراعة والرعي والتجارة، وأصبحت هذه الجماعات أكثر اتحاداً، فأسست مدنها الكبيرة بين ٢٥٠٠ و١٨٠٠ ق.م، وكانت مثالاً واضحاً عن التنظيم المدني المتطور؛ إذ بنيت وفق مخطط مسبّق، انتظمت فيها الأحياء السكنية في جزر مربعة أو مستطيلة، تقطعها شبكة منتظمة من الشوارع المستقيمة المتعامدة بما يتناسب مع شكل المدينة وتنظيمها الداخلي، شيدت فيها مبانٍ كبيرة استخدمت مخازن للحبوب. أما المنازل فقد بنيت باللبن، وتألفت غالباً من طابقين احتوت على حمامات، وزودت مع المدن بشبكة متقنة لتصريف المياه المالحة. أما الأموات فقد دفنوا غالباً في توابيت خشبية مع المرفقات الجنائزية، ومنها الأواني الفخارية وغيرها من المواد والأدوات.

طور أهل حضارة وادي السند نظاماً معيارياً للأوزان والمقاييس ونظاماً للكتابة التصويرية المعتمد على رسومات بسيطة تمثل الكلمات نقشت على الفخار والحجارة وغيرها من المواد. كما استخدموا الأختام الحجرية المربعة الشكل التي تحمل رسوماً مختلفة، ومارسوا التجارة على نطاق واسع، فتاجروا مع بعضهم ومع جيرانهم ومع حضارات وسط آسيا وبلاد ما بين النهرين وعلى طول الخليج العربي. كما مارسوا التعدين، فصنعوا من النحاس والبرونز الأدوات والمرايا والأواني، واستخدموا العظام والصدف والعاج لصناعة الحلي والأدوات وغيرها من الأثاث المطعم. وقد جاء ذكر وادي الهندوس في الوثائق الرافدية باسم «ميلوحا» أو «ملوخا» على أنه مصدر للفضة والذهب والعاج وبعض الأحجار الكريمة. وقد عثر على أختام تحمل كتابات من وادي الهندوس في العديد من مواقع نهري دجلة والفرات، كما عثر على أختام من بلاد الرافدين تدل على مستوى النشاط التجاري الذي كان قائماً. ولكن «ميلوحا» Melluha لم تعد تذكر في سجلات مواقع بلاد الرافدين نحو عام ١٨٠٠ ق.م.

آثار مدينة موهينجو- دارو وبرجها (حضارة وادي الهندوس)

٤ـ الحضارة الصينية القديمة وحضارة شانغ:

نشأت أولى بوادر هذه الحضارة وازدهرت في العديد من المواقع الموجودة في حوض النهر الأصفر شماليّ الصين، وبدأت أولى المراحل التاريخية في الصين خلال عصر البرونز، وقام نظام الحكم في الصين وعلى مدى ستة آلاف عام على الوراثة أو ما يطلق عليه اسم السلالات. كانت أولى هذه السلالات هي سلالة شيا Xia المؤرخة بين عامي ٢١٠٠-١٦٠٠ ق.م، حكم خلالها ١٥ امبراطوراً، وقد مثلت مرحلة متطورة بين حضارات العصر الحجري والحضارة الصينية القديمة، وتميزت بالتطور الزراعي وصناعة الأسلحة والأواني البرونزية الضخمة وتماثيل الخيول والعربات والفخار وصناعة الحرير. وإلى هذه الفترة (نحو ١٧٦٦ق.م) تعود أول كتابة اكتشفت في الصين؛ إذ عثر على بعض الكتابات المنقوشة على الأواني البرونزية وعلى أصداف السلاحف وعظام بعض الحيوانات.

تلتها حضارة سلالة شانغ Shang التي حكمت الصين خلال الفترة الممتدة بين ١٦٠٠-١١٠٠ ق.م، وهي قبيلة مؤلفة من مجموعة عائلات سيطرت بداية على المناطق التي كانت تسيطر عليها سلالة شيا في وادي هوانغ، ومن ثم سيطرت على الصين، وبقيت تحكم ما يزيد على ٦٠٠سنة من قبل ٣٠ امبراطوراً، قبل أن تهزم على يد سلالة تشو Zhou، ويُعدُّ موقع أنيانغ Anyang في مقاطعة هينان Henan من أهم مواقع حضارة شانغ التي اشتهرت بالعديد من المعالم المعمارية (كالقبور والقصور) ومخلفات الثقافة المادية التي تشير إلى مدى التطور التقني والحضاري الذي عاشته الصين في تلك المرحلة، ومنها: البدء باستخدام الأدوات الحديدية وصناعة الفولاذ، وإنتاج الفخار الأبيض والفخار الملون، كما تطور نسيج الحرير أول مرّة في العالم.

حكمت سلالة تشو Zhou أطول فترة في الصين (١٠٤٦-٢٥٦ق.م)، وخلال هذه المرحلة تطورت الحركة الفكرية على نحو لم يسبق له مثيل، فظهر الفلاسفة والشعراء، ومن أشهرهم الفيلسوف لاو – تسوLao- Tzu، وكونفوشيوس Confucius (500ق.م)، الذي حول الناس من الدين إلى الفلسفة، كما كان عليه الحال في اليونان، ومنشيوس Mencius، ومو- تيMo-Ti وقد ترك هؤلاء- فيما بعد- أثراً كبيراً في الحضارة الصينية والعالمية.

جاءت بعدها سلالة شي هوانك Shi Huangti( ٢٢١- ٢٠٦ق.م) الذي أحدث تغييرًا كبيراً، أثّر في العهد الامبراطوري بكامله. فقد قام بحل النزاعات بين الأمراء والولاة المتحاربين، وأسّس دولة إقطاعية مركزية موحّدة متعددة القوميات، وأقام نظام الولايات، ولكي يحمي الصين من خطر الغزاة أمر ببناء سور الصين العظيم، الذي يزيد طوله على ٥٠٠٠كم، ويمتد من كوريا إلى صحارى مقاطعة كانسو غرباً، وقد استخدم في بنائه ٣٠٠ألف شخص، ظلوا يعملون فيه نحو عقدين من الزمن حتى تم إنجازه، وعمد إلى توحيد اللغة المكتوبة والمقاييس والمكاييل والنقد، وبنى مقبرة ضخمة (وكان ما يزال على قيد الحياة)، ووضع فيها تماثيل لجنود وأحصنة (نحو ٨٠٠٠ تمثال)، علاوة على طيور وحيوانات متنوعة وعربات حربية بالحجم الطبيعي مصنوعة من الطين بهدف حراسته في الحياة الأبدية، وقد اكتشفت هذه المقبرة سنة ١٩٧٤م، وعدت اكتشاف العصر.

حكمت سلالة هان Han الصين بين ٢٠٢ق.م و٢٢٠م، وعملت على توسيع حدود الامبراطورية حتى وسط آسيا، وانتعشت في عهدها الصين على جميع الصعد، ولا سيما الزراعة والحرف اليدوية والتجارة؛ إذ وصلت البضائع الصينية- وكان من أهمها الحرير والمنسوجات- إلى إيران وسورية وسواحل المتوسط ثم أوربا؛ عبر ما عرف بطريق الحرير. وعلى المستوى الفكري وُضِعتْ خلال هذه المرحلة المعاجم وكتب التاريخ، واختُرعَ ورق الكتابة وفن الطباعة (نحو ١٠٥م)، ووُضِعتْ أصول الطب الصيني، وعند نهاية حكم هذه السلالة دخلت الديانة البوذية الصين قادمة من الهند.

سور الصين

٥ـ الحضارة المينوية في اليونان:

ازدهرت الحضارة المينوية في جزيرة كريت خلال عصر البرونز، منذ القرن ٢٧ ق.م حتى القرن ١٥ ق.م. يتميز الاستيطان خلال الألف الثالث ق.م بالقرى التي عثر عليها في وادي ميسارا؛ ولكنها تعرضت في نهاية هذه الألفية لسلسلة من التدهور والدمار.

خلال الألف الثاني ق.م عرفت الحضارة المينوية ازدهاراً ترافق مع ظهور المدن الأولى والمجمعات المعمارية الضخمة والقصور في المدن المينوية الرئيسية الأربع: كنوسوس وماليا في الشمال، وفيستوس في الجنوب، وزاكروس في الشرق. قسمت هذه المرحلة إلى ما يعرف باسم: فترة القصور الأولى (١٩٠٠-١٧٠٠ ق.م) وفترة القصور الثانية أو الحديثة (١٧٠٠-١٤٥٠ ق.م).

بنيت القصور المينوية وفق مخطط مسبّق مطابق للقصر الأكبر في كنوسوس، وتميزت باحتوائها على باحة رئيسية مستطيلة الشكل موجهة من الشمال إلى الجنوب. تتوزع حولها المساكن الفخمة وصالات الاستقبال وأماكن العبادة والمخازن. اتصلت الحضارة المينوية مع الحضارات المجاورة عبر التبادلات التجارية للحصول على المعادن كالبرونز والفضة. تعرضت مواقع كريت للدمار نحو عام ١٤٥٠ ق.م، واندمجت بعد ذلك في الحضارة اليونانية.

منظر جوي لأكروبوليس أثينا-اليونان

٦ـ حضارة أمريكا القديمة:

ظهرت في أمريكا الوسطى والجنوبية حضارات قديمة كان قوامها قرى ومستوطنات زراعية تطورت حتى منتصف الألف الثاني ق.م، بنتها شعوب من الهنود الحمر، واشتهرت بزراعة الذرة، التي كان لها إله اسمه آهمون؛ وبالمعالم العمرانية وخاصة بناء الأهرامات؛ والنحت وصناعة الفخار، من هذه الحضارات القديمة حضارة الأولمك Olmec التي ظهرت في ولايات فيراكروز وتاباسكو في المكسيك. بدأت في القرن الثاني عشر ق.م، وانتهت نحو ٨٠٠ ق.م تقريباً، ويمتد تأثيرها حتى وادي مكسيكو وجمهورية السلفادور. ويمكن إرجاع أغلب الفنون والعقائد الدينية في أمريكا الوسطى والمكسيك إلى عهد الأولمك.

قمة جبل ماتشو - بيتشو في البيرو (حضارة الإنكا)

وهناك حضارة الإنكا Inka في أمريكا الجنوبية والتي بدأت نحو١١٠٠ ق.م، واستمرت حتى الغزو الإسباني عام ١٥٣٢م. وتنسب إلى قبيلة تدعى كوجوا التي كانت تقطن في هضبة البيرو، وتعتمد على زراعة الذرة والبطاطا ومحاصيل أخرى في المدرجات الجبلية، توسعت لاحقاً وامتد نفوذها ليشمل جميع هضبة الأنديز والمناطق الأخرى المحاذية لشواطئ المحيط الهادئ في كولومبيا والبيرو وبوليفيا وجزءاً من تشيلي والأرجنتين في الجنوب. اشتهرت عاصمتهم كسكو بالمعابد والقصور، وقد أطلق عليها اسم مدينة الشمس المقدسة.

«الكاستيلو» وهو معبد على شكل هرم في المكسيك (حضارة المايا)

من الملاحظ أن مظاهر الحضارات الباكرة متنوعة ومختلفة؛ ولكنها تتشابه أحياناً في العديد من الصعد كالمعتقدات الدينية وطرز العمارة وغيرها؛ على الرغم من وجود مسافات بعيدة أحياناً تفصل بين هذه البؤر الحضارية، وهذا يعني أن معظم الحضارات الأصيلة لم تكن منعزلة بعضها عن بعض، بل كان هناك احتكاك وتأثير متبادل فيما بينها تم بفعل العلاقات التجارية النشيطة. وقد حاول بعض العلماء دراسة أوجه التشابه، فرأى بعضهم مثلاً أن الزقورات في جنوبيّ بلاد الرافدين تشابه الأهرامات المصرية، وتشابه إلى حد ما معابد الأولمك والمايا والإنكا في أمريكا الوسطى والجنوبية. كما حاول آخرون أن يروا في مقابر مدينة أور الملكية في جنوبيّ العراق شبهاً مع مقابر أسرة أنيانغ في الصين.

علا التونسي

مراجع للاستزادة:

- ب. رادين، الحضارات الهندية في أمريكا، ترجمة يوسف شلب الشام( دار المنارة، اللاذقية ١٩٨٩م).

- زيدان الكفافي، أصل الحضارات الأولى(دار القوافل، الرياض ٢٠٠٥).

- H. Crawford, Sumer and the Sumerians (Cambridge 1991).

- Ch. K. Maisels, Early Civilizations of the Old World: The Formative Histories of Egypt, The Levant, Mesopotamia, India and China (London 2005).


التصنيف : العصور التاريخية
المجلد: المجلد الخامس
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1061
الكل : 45620614
اليوم : 21297