logo

logo

logo

logo

logo

الأردن في العصور الكلاسيكية

اردن في عصور كلاسيكيه

Jordan in Classical Antiquity - La Jordanie dans l'Antiquité Classique



الأردن في العصور الكلاسيكية

 

 

تشمل العصور الكلاسيكية في الأردن حقبة زمنية تصل إلى عشرة قرون، وتشمل العصور الهلنستية والرومانية والبيزنطية، حيث إن الهلنستية تمثل تمازج الحضارة اليونانية مع حضارة الشرق القديمة في حين تختلف آثار العصرين الروماني والبيزنطي لأنها أكثر ضخامة، ومعظمها مدن كشفت فيها أبنية ضخمة من الحجر كالمعابد والكنائس والمسارح والقصور والقلاع والحصون والساحات العامة والقنوات، والأواني المعدنية والفخارية والزجاجية، والحلي من المعادن الثمينة كالذهب والفضة، والنصوص الكتابية. بدأ العصر الهلنستي في الأردن بعد أن تغلب الإسكندر الأكبر [ر] Alexander the Great على الفرس سنة 333 ق.م، فخضعت الأردن لسيطرة اليونان، وسيطرت قوات الإسكندر على مصر وبلاد الشام؛ أي سورية الشمالية والجنوبية، وبعد وفاة الإسكندر سنة 323 ق.م تم تقسيم الامبراطورية بين كبار قادته بعد سلسلة طويلة من النزاعات، فأصبحت آسيا الصغرى من نصيب أنتيغونوس الأعور [ر]، ومصر وجز من جنوبي بلاد الشام من نصيب بطلميوس [ر]  Ptolemaios، أما بقية بلاد الشام وجميع المناطق الممتدة حتى حدود الهند فكانت من نصيب سلوقس نيكاتور [ر] Seleucus Nicator. استمرت الحروب بين تلك الدول طمعاً في التوسع والسيطرة؛ ولاسيما بين البطالمة والسلوقيين والتي سميت تاريخياً بالحروب السورية. وأهم مأثرة قدمها الإسكندر للتاريخ هي امتزاج الشرق والغرب؛ حيث إنه أتاح الفرصة لامتزاج الأفكار والمؤسسات اليونانية، وكانت عملية التداخل الثقافية قد بدأت قبل عهده، بيد أن فتوحاته زادت في سرعتها، وسهلتها، ثم زادت السياسة السلوقية في سرعة هذا الانتشار وقوته، وكانت نتيجة هذا التداخل بين الثقافتين اليونانية والسامية تلك الحضارة المركّبة التي عرفت بالهلنستية لتميزها من الحضارة اليونانية الصرفة، وقد سادت الهلينية - وهي أبرز مظاهر العصر السلوقي - ليس في سورية فحسب؛ بل في غربي آسيا ومصر، وشيّد اليونانيون والمقدونيون العديد من المدن على الطراز اليوناني، وقد كانت هذه المدن منبتاً لهذه الثقافة اليونانية الانتقائية التي انتشرت خاصة بين غير اليونانيين، واختار أولئك المؤسسون المواقع بعناية في نقاط استراتيجية وعند مراكز المواصلات المهمة وعلى طول مجاري الأنهار. من هذه المدن في الأردن بيلا (طبقة فحل) التي يعتقد أن الإسكندر نفسه قام بتأسيسها، وسميت كذلك بالنسبة إلى عاصمة مقدونيا. وجدارا (أم قيس) حيث إن البطالمة - الذين احتلوا جنوبي بلاد الشام - أعادوا بنا مدينة جدارا، وكانت بمنزلة حصن عسكري قوي حيث تم من خلاله التصدي للسلوقيين وحماية الأراضي من خطرهم في الشمال، فكانت أم قيس - في الفترة البطلمية - إحدى مدن القلاع البطلمية، وكان هناك عدا بين السلوقيين والبطالمة بسبب الرغبة في السيطرة على مدن بلاد الشام الجنوبية حيث قامت خمس حروب بينهما. وفي الحرب الرابعة التي قام بها أنطيوخوس الثالث Antiochus III؛ احتل مدينة جدارا وابيلا (قويلبة). وكان ذلك سنة 218 ق.م. وتذكر بعض المصادر أن جيش أنطيوخوس الثالث كان يضم 62 ألفاً من المشاة المحاربين و102 من الفيلةً جلبها معه من الهند عندما استولى على جدارا، وأعاد احتلالها مرّة أخرى سنة 198 ق.م، وذلك بعد انتصاره في معركة بانياس[ر] قرب منابع الأردن؛ إذ أحكم السيطرة على مدن جنوبي بلاد الشام، مثل جراسا (جرش)[ر] وجدارا، وأصبحت اللغة اليونانية هي اللغة الرسمية وإن ظلت الآرامية لغة التخاطب المستعملة بين الناس. ولهذا تأثر الشعب في الأردن بالطابع اليوناني ما عدا الأنباط [ر]؛ حيث إن مملكة الأنباط في جنوبيّ الأردن تفادت القوات اليونانية، واحتفظت باستقلالها طوال تلك الفترة. وعلى الرغم من تعدد المدن والمواقع التي تعود إلى هذه الفترة في الأردن مثل جدارا وحسبان وأماتا وجيراسا وبيلا وابيلا؛ فإن القليل منها بقيت له آثار معمارية، باستثنا موقع عراق الأمير إلى الغرب من العاصمة عمان، فقد بني من حجارة ضخمة نحت على بعضها أشكال أسود وحيوانات أخرى؛ حيث إن أشكال هذه المنحوتات في الأردن تكاد تكون منفردة، بيد أنه وجدت بعض الإنشا ات المشابهة في موقع حسبان، وهي صوامع حجرية تستعمل لخزن الحبوب، إضافة إلى كهوف تعود إلى هذه الفترة. وأصبحت بعض المدن القديمة أيضاً مدناً هلنستية؛ حيث إن السلوقيين والبطالمة لم يقتصروا على إنشا مدن جديدة؛ وإنما حولوا بعض المدن ذات الأسما السامية القديمة إلى مدن هلنستية، مثلاً في عهد بطلميوس الثاني فيلادلفوس  Ptolemy II Philadelphus من (285- 247 ق.م) وتكريماً له تم تغيير اسم مدينة ربة عمون إلى فيلادلفيا  Philadelphia، ولم يدم هذا؛ لأن أكثر المدن القديمة بعد الفتح العربي الإسلامي التي استعمرت وبدلت أسماؤها قد طرحت أسما ها اليونانية القديمة، واستعادت صفتها السامية وأسما ها القديمة التي تعرف بها اليوم. فمدينة فيلادلفيا هي اليوم عمّان، ولكن بقي الكثير من العناصر الفنية والمعمارية والثقافية الأخرى التي أدخلتها الجاليات اليونانية والمقدونية والتي تظهر واضحة في الفترة الرومانية؛ إذ إن انهيار الدول الهلنستية لم يتبعه انهيار الثقافة الهلنستية، وهكذا استمرت العناصر المعمارية قائمة مثل العقود والأقواس والقناطر كمأ إن التاج الكورنثي الذي يعلو الأعمدة انتشر باطراد، وتعود أغلب الآثار الكلاسيكية في بلاد الشام إلى الفترة الرومانية، ولدراسة الفترة الهلنستية في الأردن تم الاعتماد على مصدرين: الأول هو المصدر التاريخي الذي يتمثل بالمراجع التاريخية التي كتبها بعض الرحالة والمؤرخين القدما ، والمصدر الثاني هو التنقيبات الأثرية التي أجريت لدراسة المواقع التي تعود إلى هذه الفترة. ويقسم العصر الهلنستي إلى الفترة الهلنستية المبكرة التي تمتد حتى الربع الثاني من القرن الثاني قبل الميلاد، والفترة الهلنستية المتأخرة التي تمتد إلى سنة 63 ق.م، واستمرت قرناً من الزمان، وقد لاقت دراسة الفترة الهلنستية صعوبات كثيرة، أهمها قلة المصادر التاريخية. واحتل بومبيوس[ر] Pompeius سورية بما في ذلك الأردن وفلسطين سنة 64 ق.م، وأصبح اسمها ولاية سورية؛ إذ حلت محل مملكة سورية، وأصبحت عاصمتها أنطاكيا[ر]، وقد سمح القائد الروماني للملوك العرب بالبقا على أن تقتصر سلطتهم على ممتلكاتهم الأصلية وأن يدفعوا جزية سنوية، حيث إن ملك الأنباط احتفظ بدمشق مقابل مبلغ من المال، وأعيدت المدن التي ضمها اليهود بالقوة إلى سابق عهدها، ومنحت حرية داخلية في ظل حكام الولايات، الأمر الذي أحدث تحولاً سياسياً وإدارياً كبيراً في المنطقة حيث أصبحت جز اً من حضارة الرومان وامبراطوريتهم، ثم قضى بومبيوس على نفوذ اليهود الحشمونيين، وعمل على إعادة تنظيم المدن، وأعلن أن كل المدن اليونانية في شرقي الأردن متحررة تحكم نفسها بنفسها، وذلك لعلمه بأهمية هذه المدن واستراتيجية مواقعها، حيث قام بإنعاشها لتقف ضد الأخطار التي تحيق بها، وتعمل على نشر الحضارة الرومانية، ووضع أسس الحلف التجاري العسكري المعروف بـ الديكابوليس Decapolis  والذي تشكل من عشر مدن، وهي فيلادلفيا (عمان) [ر] وجراسا وجدارا وبيلا وكابتولياس (بيت رأس [ر]  وابيلا (قويلبة) وسكيثوبولس (بيسان) وكناتا (القنوات) وديوم (تل الأشعري) وهيبوس (الحصن)، وحرّر بومبيوس عدداً كبيراً من المدن الهلنستية من السيطرة اليهودية، ومنها جدارا وهيبوس [ر] وبيلا وديون وغزة [ر]. وقام الرومان بترميم المدن والقرى والمناطق التي خربها اليهود حيث أسقطت امبراطورية السلوقيين التي حكمت تلك المدن، فأصبحت تحت الحكم الروماني المباشر، ولكن استمرار الحروب الأهلية في بدايات العصر الروماني انعكس سلباً على مناطق بلاد الشام إلى أن اعتلى عرش الدولة الرومانية أوغسطس [ر]  Augustus، لتعيش المنطقة فترة طويلة من الازدهار والسلام حيث انعكس ذلك على مدن بلاد الشام خلال هذا العصر، وأثر ذلك في مدن الديكابوليس في القرنين الأول والثاني الميلاديين حيث ازدهرت المدن والتجارة وكذلك الثقافة، وأصبحت كثير من المدن القديمة مراكز تجارية، وازداد ثراؤها لأن الوضع المزدهر في الامبراطورية أدى إلى تطور المنطقة لدرجة كبيرة متمثلاً في تجارة القوافل التي تنقل منتجات الشرق إلى الموانئ الشرقية للبحر الأبيض المتوسط، وكانت هناك دولتان شبه مستقلتين سيطرتا على هذه التجارة، هما البترا [ر] في الجنوب وتدمر [ر] في الشمال. وبعد موت رابيل الثاني Rabbel II ملك الأنباط قام ترايانوس [ر] Trajanus باحتلال البترا عام 106م، وحول المملكة النبطية إلى ولاية رومانية؛ إذ كان هذا نقطة تحول في تاريخ المنطقة، وكان لسياسة ترايان في التخلي عن فكرة الحدود المستقرة وافتتاح عهد جديد من التوسع والفتوح؛ أثر في بعض المدن مثل جرش التي أصبحت في قلب الولاية العربية وفي موضع تؤدي فيه دوراً أعظم؛ حيث ساعد ذلك على تطورها وازدهارها العمراني. وازدهرت الحياة الاقتصادية في شرقيّ الأردن خلال حكم ترايانوس كما يتضح من خلال إنشائه للطرق التجارية التي عرفت بالطريق الملكي حيث بوشر بالعمل عام 111م، وتم الانتها منها خلال حكم الامبراطور هادريانوس [ر] Hadrianus ، وقد امتدت هذه الطرق بشكل شبكة مواصلات ربطت أهم المدن في المنطقة وكان على رأس هذه الطرق في الأهمية الطريق التي ربطت بين مدينة بصرى [ر] ومدن الديكابوليس، وكانت تمتد من بصرى باتجاه درعا [ر] ومن ثم باتجاه بيت رأس وأم قيس وطبرية [ر]. أما في جنوبي الأردن فإن وقوع البترا تحت الحكم الروماني عام 106 م كان نهاية للسيطرة النبطية التجارية على الطرق في الجنوب، وساد القانون والنظام والحامية العسكرية الرومانية في المنطقة بين العقبة ودمشق، و تم أيضاً شق طرق رئيسية يمكن ملاحظتها في أنحا البلاد شملت طرقاً داخلية وخارجية تصل جرش بالمدن الرئيسية مثل فيلادلفيا جنوباً وبصرى شمالاً وبيلا وجدارا غرباً؛ وطريقاً تصل بالمدن الساحلية كقيسارية [ر] وعكا [ر] عن طريق بيسان [ر]. وتقع المدن العشر أي الديكابوليس على الجانب الشرقي من شماليّ الأردن وبحيرة طبرية، وقد تركزت في المنطقة الممتدة من دمشق إلى عمان في الجنوب مسيطرة على الطريق التجاري بين سورية وشماليّ الجزيرة العربية، وكانت مدينة بيسان حلقة الوصل بين المدن الواقعة شرق نهر الأردن والمدن الواقعة على شاطئ البحر المتوسط. وأول مؤرخ روماني أشار إلى مدن الديكابوليس هو الجغرافي سترابو [ر] Strabo وعلى نحو متفرق مثل جدارا وفيلادلفيا وسكيتوبوليس (بيسان)، وذلك في القرن الأول الميلادي، وذكرها أيضاً يوزيفوس [ر] Josephus ، وأعطى كل من الجغرافيين بلينيوس [ر] Plinius وبطلميوس قائمتين تضمان مدن الديكابوليس، وتضم قائمة بليني دمسكوس (دمشق) وسكيتوبوليس وبيلا وهيبوس، وديون (ايدون) وجراسا، وفيلادلفيا، وجدارا، وكناتا (قنوات) [ر]. كانت هذه المدن تعقد تحالفات تجارية؛ وأحياناً عسكرية، والهدف من ذلك استمرار التجارة بين هذه المدن أو المشاركة في صد الهجمات التي ربما تتعرض لها هذه المدن، وتقع هذه المدن كلها إلى الشرق من نهر الأردن باستثنا مدينة بيسان التي تقع إلى الغرب منه. وقد سمي الحلف بحلف المدن العشر؛ لأنه كان يضم في غالب الأحيان عشراً من المدن الشهيرة، وكان ينضم إلى هذا الحلف في بعض الأحيان مدن أخرى مثل ابيلا (قويلبة)، وكابتولياس (بيت رأس)، وربما إربيلا (إربد) وغيرها، وكانت الطرق التجارية تتفرع من هذه المدن في ثلاثة اتجاهات: الطريق الأولى تمتد من بيسان إلى دمشق والطريق الثانية من بيسان إلى عمان والطريق الثالثة من بيسان إلى طبقة فحل وإلى ايدون، فكانت المدن العشر جميعها تقع على هذه الخطوط التجارية، ومن بيسان كان يخرج خط إلى البحر المتوسط. وكان لهذه المدن أملاك واسعة، وكانت مأهولة بالسكان، ويظهر ذلك من الأنفاق وقنوات الما التي تم حفرها، وما تزال بعض أجزا منها موجودة. ويشاهد في هذه المدن وخصوصاً في جرش وعمان وأم قيس المدرجات والأسواق والشوارع المبلطة والمعابد والكنائس والحمامات؛ مما يدلّ دلالة واضحة على أن هذه المدن كانت مزدهرة، وكان السكان يعيشون حياة ترف ورفاهية.

البترا : الخزنة، لعل تاريخ بنائها يعود إلى بداية 309 ق.م

ومن المواقع الكلاسيكية المهمة في الأردن مدينة جدارا: تقع مدينة أم قيس في شماليّ الأردن وعلى الحدود الشمالية الغربية شمال مدينة إربد التي تبعد عنها نحو 28 كم، وقد مثلت أم قيس الفترات الكلاسيكية جميعها منذ قدوم الإسكندر الأكبر ثم الحكم البطلمي ثم السلوقي، وفي عام 63ق.م احتلت الجيوش الرومانية سورية وتمركزت في دمشق، وكانت جدارا من المناطق المحتلة؛ ولكنها لقيت عناية خاصة من القائد الروماني بومبيوس إكراماً لصديق له كان قد حرره من العبودية اسمه ديمتريوس Demetrius، وكان قد ولد في هذه المدينة. وهكذا حصلت جدارا على استقلالها، ودخلت في حلف المدن العشر. وذكرت جدارا في كثير من كتابات الرحالة الأوربيين الذين زاروا الموقع في القرن التاسع عشر الميلادي، واحتفظت بجز كبير من معالمها الأثرية، وما تزال الأجزا الكبيرة من المدينة تحت الأنقاض، وما هو موجود يبرهن على عظمة تلك المدينة، التي اشتهرت بالشعر والأدب، وما وجد من عبارات باللغة اليونانية على القبور شاهد على ذلك، فالأديب ملياغروس  Meleagros ألف هذه العبارة التي كتبت على قبره ،وبها يخاطب من يمر: "إن كنت سورياً، فلك مني تحيةً، وإن كنت فينيقياً؛ فلتعش يا سيدي، وإن كنت يونانياً؛ فأتمنى لك الصحة، وأما أنت؛ فأجب على التحية بمثلها". كما وجدت كتابة على قبر آخر، وهذا نصها "أيها المار، إليك أقول: كما أنت الآن، كنت أنا، وكما أنا الآن، فستكون أنت، فتمتع إذاً بالحياة؛ لأنك فانٍ". ويعود تاريخ هذه الكتابة إلى سنة 355 م، وهي من عمل الفنان أرابيوس  Arabios، وهي تعبر عن فلسفة ساخرة من الحياة متأثرة بالتيار الأبيقوري. إن الزائر لهذه المدينة يشاهد مسرحين، هما المسرح الشمالي والمسرح الغربي، والكنيسة ذات الشكل المثمن، والسوق التجاري، والشارع المبلط والحمام والمبنى المثمن أو الساحة العامة وبوابة طبريا والبوابة الغربية، والمقابر، ومنها المقبرة الملكية، وأنفاق المياه.

المسرح الأثري في جدارا

وأيضاً من المدن مدينة كابيتولياس  Capitolias بيت رأس: التي إلى الشمال من مدينة إربد وعلى بعد 5 كم، وكشفت الحفريات الأثرية التي جرت فيها أنها كانت مسورة، وشهدت ازدهاراً في القرنين الثاني والثالث الميلاديين، وقد كشفت فيها مدافن رومانية، أحدها مدفن مقطوع في الصخر، وملون ومزين برسومات جدارية رائعة، ويعتقد أنه يعود إلى القرنين الثاني والثالث الميلاديين، كما كشف أيضاً عن مدافن بيزنطية ومعصرة زيتون داخل كهف يرجح أنها تعود إلى القرن الخامس الميلادي، وينتشر في البلدة العديد من آبار المياه والبقايا العمرانية القديمة. أما في الفترة البيزنطية فقد استمر ازدهار كابيتولياس، وقد مثلت في المجمع الكنسي في نيقيا عام 325م، ومجمع خلقدونية الذي عقد عام 451م، وقد كشف فيها عن كنيسة تعود إلى هذه الفترة، ودخل اسمها في التقسيمات الإدارية للدولة والمقاطعة العربية ودخلت في الدولة الأموية في القرن السابع الميلادي، ويذكر جونز Jones أن ثمة قطعة نقد امبراطوري من كابيتولياس يمجد فيها الإسكندر، وينسب إليه تأسيس المدينة، ويذكر أيضاً أن المدن الست - ومنها ديون، وكابيتولياس، وأبيلا التي تقع على مقربة منها- عقدت على الأرجح حلفاً متماسكاً، ويبدو أن المدن العشر بقيت على حالها، وأن مدينة كابيتولياس كانت إبان حكم ترايان، سميت بهذا الاسم نسبة إلى المعبد الرئيسي في المدينة الذي ظهر على المسكوكات التي تم العثور عليها. وأشارت أعمال المسح والتنقيب التي جرت أن بيت رأس شهدت استيطاناً منذ أواخر العصر الهلنستي نحو 150 ق.م. وازدهرت في القرنين الثاني والثالث الميلاديين، وقد عثر على نص كتابي منقوش على أحد أبواب المسرح المغلقة من الجهة الشرقية والذي يظهر عليها اسم كابيتولياس، وأيضاً تم تعرفها اعتماداً على قطع العملة التي تم العثور عليها داخل المدينة والتي ترجع إلى سنة 165م، و 218م وترجح أن مدينة كابيتولياس أصبحت مدينة في نهاية القرن الأول الميلادي، ومن أهم المعالم الأثرية التي يمكن مشاهدتها عند زيارة بيت رأس المسرح الذي تم الكشف عنه في نهاية عام 1999م، وفي عام 2008م تم الكشف عن باقي أجزائه. ومن المعالم أيضاً الكنيسة والأقبية (السوق التجاري)، والبركة الغربية والنفق وأجزا من سور المدينة، والمسجد القديم.

 
قوس هادريانوس في جرش

وأيضاً من المدن مدينة جراسا التي تقع في موقع متميز من جبال جلعاد؛ إلى الشمال من مدينة عمان، وتبعد عنها 42 كم، وقد احتفظت بجز كبير من معالمها الأثرية، فالزائر للمدينة يشاهد قوس النصر والبوابة الجنوبية، وسور المدينة وميدان سباق الخيل، والمسرح الجنوبي، ومعبد زيوس ،والشارع الرئيسي المعمد، وسبيل الحوريات، ومعبد أرتميس والكاتدرائية، والمصلبة الشمالية، والحمامات، والمسرح الشمالي، والبوابة الشمالية، والبركتين. ويرى الزائر لمدينة جرش من البوابة الجنوبية أو من مدينة عمان إلى الشمال قوس النصر فهي أول بنا أثري يقابل الزائر، وقد أقيمت تخليداً لزيارة الامبراطور هادريانوس للمدينة ما بين عامي 129-130م، والبوابة الجنوبية مكونة من ثلاثة ممرات أو مداخل أصغر حجماً من بوابة قوس النصر، والأوسط منها عرضه 20.4م، والممران اللذان على الجانبين عرض كل منهما 32.2م. وميدان سباق الخيل  Hippodrome الذي يقع إلى الغرب بجانب قوس النصر، ويـبلغ طوله 245م، وعرضه من الشرق إلى الغرب نحو 65م، واشتملت المدينة أيضاً على مبانٍ عديدة، منها المسرح الجنوبي الذي يقع بجانب معبد زيوس [ر] Zeus وإلى الشمال الغربي منه، وتؤدي إليه طريق ضيقة من طرف ساحة الندوة الجنوبي، وقد أنشئ في زمن الرومان خلال أواخر القرن الأول الميلادي، واكتمل في القرن الثاني الميلادي، ويتسع لنحو 3000 شخص، والمسرح الشمالي ويتسع لنحو 1600 شخص، ويوجد في الموقع أيضاً معبد زيوس الذي يقع بمحاذاة المسرح الجنوبي من الشرق؛ وعلى هضبة صغيرة تطل على المدينة القديمة، ومعبد أرتميس [ر]  Artemis، والشارع الرئيسي المعمد يتجه هذا الشارع من الجنوب الغربي من منطقة السوق إلى الشمال الشرقي ممتداً بطول 800 متر وإلى قلب المدينة الأثرية بمحاذاة السبيل مقابل معبد أرتميس، والشارع مبلط ومحاط على جانبيه بمجموعة من الأعمدة الأيونية، ومايزال مرصوفاً بحجارته الأصلية، ويعدّ هذا الشارع بمنزلة شريان الحياة والعمود الفقري المعماري لمدينة جرش والنقطة المركزية للمدينة حيث يتقاطع مع العديد من الشوارع الأخرى، وقد تم تغيير بنية هذا الشارع نحو عام 170م حيث جرى استبدال الأعمدة الأيونية بأعمدة كورنثية أكثر إتقاناً، وكان على كل من الجانبين رصيف عريض للمشاة وحوانيت، ما تزال ظاهرة للعيان، ويخترق المدينة من الشمال إلى الجنوب بطول 950م تقريباً، ويوجد أيضاً سوق وحمامات وكنائس وغيرها.

 
معبد هرقل في جبل القلعة بعمان

وأيضاً من المدن مدينة فيلادلفيا: التي دخلت تحت سيطرة البطالمة خلال العصر الهلنستي، وأطلق عليها اسم فيلادلفيا تيمناً باسم الحاكم البطلمي بطلميوس الثاني فيلادلفوس، وقد استطاع أنطيوخوس الثالث السيطرة على فيلادلفيا بعد معركة بانياس وصارت تحت الحكم السلوقي. وفي عام 63 ق.م احتلت من قبل الجيوش الرومانية بقيادة بومبيوس الذي ضمها إلى حلف المدن العشر. وأعيد بنا فيلادلفيا أيام الحكم الروماني، لتشمل مدرجاً وشوارع مرصوفة وأعمدة على الطراز الروماني، ومن أهم الآثار التي تعود إلى الفترة الرومانية ساحة الفوروم، والمدرج الروماني، ويقع الفوروم بين جبل القلعة وجبل الجوفة أمام المدرج الروماني في وسط عمان، وتبلغ مساحة الفوروم والمسرح ما مجموعه 7600 م2 ويعود تاريخ بنائها إلى القرن الثاني الميلادي؛ بين عامي 138م و161م إبان عهد أنطونينوس بيوس [ر]  Antoninus، ويقع المسرح في الجهة الشرقية من المدينة، وقد بني في أسفل المدينة ويتسع لـ 6000 شخص.

وأيضاً من المدن والمواقع الأثرية المهمة في الأردن مدينة إربيلا: التي حظيت عبر التاريخ بمكانة مميزة مع التشديد على تفاوت دورها في المراحل التاريخية المختلفة؛ فإنها ظلت مركزاً إدارياً سوا في العصور الكلاسيكية أم الإسلامية. وقد تناولتها المصادر العربية والإسلامية، وكتب عنها الرحالة بإيجاز حيناً وبالتفصيل أحياناً، أخرى ويبدو أن لموقعها وطبيعة مناخها الدور الأكبر في تعاقب دورها الإداري.

وتعدّ مدينة البترا من أهم المواقع في الأردن خلال العصور الكلاسيكية حيث تقع في جنوبيّ الأردن على بعد نحو 262كم جنوب العاصمة عمان؛ إلى الغرب من الطريق الرئيسية التي تصل بين عمان ومدينة العقبة التي تبعد عنها نحو 130كم، وقد احتفظت بجز كبير من معالمها الأثرية، وهي مدينة كاملة منحوتة في الصخر الوردي اللون (ومن هنا جا اسم بترا، وتعني باللغة اليونانية الصخر) (يقابله باللغة النبطية رقيمو)، والبترا تعرف أيضاً باسم المدينة الوردية نسبة إلى لون الصخور التي شكلت بنا ها، وهي مدينة أشبه ما تكون بالقلعة.

ولدراسة هذه الفترة في الأردن يفضل الرجوع إلى المصادر والمراجع التي تتعلق بها؛ إذ يعدّ المصدر التاريخي من أهم المصادر التي تناولتها الدراسات الكلاسيكية في الأردن إضافة إلى المراجع التاريخية التي كتبها بعض الرحالة والمؤرخين القدما والكتب الحديثة، والمصدر الثاني هو التنقيبات الأثرية.

 

وجيه كراسنة

 

 


التصنيف : آثار كلاسيكية
النوع : بلدان وممالك
المجلد: المجلد الأول
رقم الصفحة ضمن المجلد : 336
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1083
الكل : 40498833
اليوم : 28648