logo

logo

logo

logo

logo

دلمون

دلمون

Dilmun - Dilmun

 دلـمـون

تاريخ الجزيرة

المواقع الأثرية 

 

دلمون Dilmun هو اسم البحرين بالسومريّة (Tilmun بالأكادية)، حيث ورد هذا الاسم في الكتابات المسمارية لا ليدلّ في البدء على البحرين؛ بل على البرّ المقابل في الساحل الشرقي من الخليج العربي، ثم أُطلق على الجزيرة نفسها في أواخر الألف الثالث ق.م لأنها كانت- بموقعها وبما لديها من ينابيع مياه عذبة تحت سطح البحر- أكثر ملاءمة من البرّ لتكون محطةً للسفن التجارية العابرة في الخليج قادمةً من الشرق الأقصى حتى تبلغ بلاد الرافدين. ويماثل هذا التحول في الدلالة الطوبوغرافية للاسم دلمون في الكتابات المسمارية نظيره في دلالة اسم البحرين عند العرب؛ إذ كان منذ العصر الجاهلي يطلق على ساحل الخليج من جنوب البصرة إلى تخوم عُمان. أما جزيرة البحرين فاسمها عندهم أوال، وقد بيّن الهمداني - المتوفى في منتصف القرن الرابع الهجري- ذلك في كتابه «صفة جزيرة العرب» فذكر أن أرض البحرين هي هجر مدينتها العظمى، والعُقير والقطيف والأحساء، ثم سيف البحر وهو من أوال على يومٍ، وأوال جزيرة في وسط البحر.

تاريخ الجزيرة:

ورد أقدم ذكرٍ لدلمون في النصوص السومرية العائدة لبداية الألف الثالث قبل الميلاد، وعدّها السومريون أرضاً مقدسة ووصفوها أنها جنة عدن وأرض الفردوس وبلاد مشرق الشمس، وأرض الأحياء. وهي مكان إقامة بطل الطوفان (زي أوسودرا، أو تنابشتيم) الذي كافأته الآلهة بمنحه الخلود. وليس هناك ما يدلّ على الاستيطان بعد ذلك حتى منتصف الألف الثالث ق.م، حيث عُثِر على فخار يعود إلى عصر السلالات المبكرة الأوّل (٢٩٠٠-٢٧٥٠ق.م) في الطبقات السفلى من التربة في قلعة البحرين، وأصبحت دلمون منذ منتصف الألف الثالث ق. م وسيطاً تجارياً نشيطاً ينقل السلع من البلاد المجاورة ووادي السّند إلى بلاد الرّافدين في العصور المتعاقبة؛ فقد ذكرت حوليات الملك الأكادي شروكين الأول (٢٣٥٠-٢٢٨٤ق.م) أنّه أخضع دلمون وجعل سفنها تصل إلى شاطئ عاصمته أكاد، حيث كانت سفنها تحمل الأخشاب المجلوبة من بلاد السند، والنحاس المجلوب من عُمان، والقصدير المجلوب من أفغانستان، والعاج من الهند إلى دولة لاجاش Lagash في عهود ثلاثة من ملوكها بين ٢٤٠٠ و ٢٣٥٠ق.م، وإلى دولة أوما Umma في الفترة نفسها، ثم إلى مملكة أُور (٢١١١-٢٠٠٠ق.م) التي ذكر أحد نصوصها جماعة تسمّى بالأكادية alik Tilmun بمعنى تجّار دلمون، وإلى مملكة ماري، وتستورد منها الحبوب والفضّة والصوف. وورد ذكر دلمون في نصوص من زمن حكام ممالك إيسن Isin (2017-1793ق.م) ولارسا Larsa (2025 - 1763ق.م) وإشنونا Eshnuna (٢٠٢٠-١٧٦٠ق.م)، ويشير بعضها إلى سلعٍ جلدية مصنوعة في دلمون وإلى أسفلت دلمون. وتتحدّث رسائل من أرشيف ماري في فترة الدولة الآشورية القديمة بعث بها شمشي أدد الأول (١٨١٣-١٧٨١ق.م) إلى ابنه يسمخ أدد؛ عن تجارة القوافل بين ماري ودلمون. وتُستهلّ رسالتان مسماريتان مرسلتان من دلمون إلى نيبور في أثناء حكم الكاشيِّين في بابل في القرن ١٤ ق.م بالابتهال إلى إنزاك Inzak ومسكيلك Miskilak آلهة دلمون، ويرد إنزاك في ملحمة إنكي Enki السومرية على أنه «إله- تلمون» صنواً للإله البابلي الآشوري «نابو» Nabu، كما ورد اسم هذا الإله في عددٍ من النقوش المسمارية من الألف الثاني ق.م من جزيرة فيلكة التابعة اليوم لدولة الكويت.

بقايا معبد باربار ختم دلمون مع الصيادين والماعز، نحو أوائل الألفية الثانية ق.م

يظهر أنّ دلمون خضعت للآشوريين في زمن الدولة الآشورية الوسطى؛ إذ كان ملك دلمون وميلوخا (أيْ وادي السّند) واحداً من ألقاب الملك الآشوري توكولتي نينورتا الأول (١٢٤٣-١٢٠٧ق.م) التي وردت في أحد نصوصه.

ثم عادت دلمون إلى الظهور بعد نحو خمسة قرون في نصوص أربعة من ملوك الدولة الآشورية الحديثة؛ إذ روى شروكين الثاني (٧٢٢-٧٠٥ق.م) في حولياته الانتصارات التي حققها، وذكر اثنين من ملوك دلمون هما أوبيري Uperi وأخوندارا Ahundara، أرسل أولهما إليه الهدايا ودفع الآخر الإتاوة، ممّا يعني خضوع دلمون له. ثم ذكر سنحاريب (٧٠٤-٦٨١ق.م) أنّ الدلمونييّن ساعدوه على تدمير بابل. أما أسرحدون (٦٨١-٦٦٩ق.م) فقد لقّب نفسه ملك ملوك دلمون وماجان (أيْ عُمان) وميلوخا؛ في حين خاطب آشور-بانيبال (٦٦٨-٦٢٦ق.م) ملك دلمون في رسالةٍ إليه قائلاً: «إنني أُعطيك مملكة دلمون لتكون في حمايتي».

نقش على منحوتة من «أور» تشير إلى أن ملك لجش أورنانشي جلب الخشب بالقوارب من دلمون البعيدة، وهو أقدم ذكر لدلمون 

رأس ثور مصنوع من النحاس في أوائل فترة دلمون ٢ (٢٠٠٠ ق.م) اكتشف تحت معبد باربار

ولم تُذكر دلمون في المصادر الأخمينية بعد سقوط الدولة البابلية الحديثة واستيلاء قورش الثاني (٥٥٩-٥٣٠ق.م) - مؤسس الامبراطورية الأخمينية- على بابل عام ٥٣٩ق.م. ويبدو أن سقوط الدولة الأخمينية على يد الإسكندر المقدوني عام ٣٣١ق.م أنهى السيطرة الأجنبية على منطقة الخليج العربي– بما فيها دلمون– بضعة قرون من دون أن تخضع في العصر الهلنستي للإسكندر وخلفائه؛ غير أنّ المؤرّخ أريان Arrian ذكر أنّ أحد قادة الإسكندر وصل إلى جزيرة تُدعى تيلوس Tylus، وهي الصيغة الإغريقية من Tilmun- أيْ الجزيرة الكبرى في البحرين- ثم ذكر بلينيوس «تيلوس الصغرى» وهي جزيرة المحرّق المجاورة.

- المواقع الأثرية:

يعد موقع رأس القلعة أهمّ المواقع الأثرية في دلمون، وقد تعاقب على التنقيب فيه منذ عام ١٩٥٤م بعثات أثرية دنماركية وفرنسية وبحرينية؛ فتبيّن أنّ مجمّع الأبنية - الذي يضمّ قلعة البحرين ومنشآت أخرى- يمثّل عاصمة البلاد القديمة التي تعود إلى العصور والفترات الزمنيّة المتتابعة منذ منتصف الألف الثالث ق.م، ولذا أرجع بيبّي T.Bibby ما اكتشفه الباحثون من آثار وما عثروا عليه من فخّار وأختام ونقود وأدوات إلى ست مراحل من حياة سكان المدينة (City I-VI)، تعود أولاها- أيْ المدينة ١- إلى منتصف الألف الثالث ق.م؛ ويدلّ عليها فخّار من عصر السلالات الأكادية المبكرة في الطبقة السفلى من التربة وأوزانٌ حجريّة مستوردة من عُمان. وظهرت في المرحلة التالية- المدينة ٢- (نحو ٢١٠٠ق.م) أختامٌ دائريّة عليها رسومٌ بشريّة وحيوانيّة تُسمّى أختام الخليج، وأخرى أحدث منها تسمّى أختام دلمون تحمل رسوماً مماثلة وأشكالاً هندسية. أما المرحلة الثالثة- المدينة ٣- فكانت الصِّلات في أثنائها متينة مع الدولة الكاشية، ويدلّ على ذلك مجموعات من الفخّار الكاشي في القلعة تعود إلى منتصف الألف الثاني ق.م، كما يعود إلى تلك المرحلة مبنى كبير يحوي ألوف الحجارة المحروقة. ويُمثّل المرحلة الرابعة - المدينة ٤- مجمّعٌ من الأبنية يبدو أنه كان قصراً، وقد عُثر فيه على توابيت من النمط المسمّى حوض الاستحمام مطلية من الداخل والخارج بالقار، ولها نظائر في الفترتين: الآشورية الحديثة والبابلية الحديثة، وحوى أحدها كؤوس خمر برونزية لها نظائر أخمينية، كما عُثر في أحد مبانيه على جرّة تحوي ٦٠٠ قطعة ذهبية. وتعود المرحلة الخامسة - المدينة ٥- إلى العهدين الهلنستي والفرثي وكذلك إلى الفترة الساسانيّة المبكرة؛ في حين تمثل المرحلة الأخيرة - المدينة ٦- فترةً إسلامية متأخرة، وفيها حصنٌ مربّع مع أبراج دائريّة في زواياه، ويبدو أنه بُني في القرنين الثاني أو الثالث للميلاد عندما كانت المنطقة خاضعة للفرثيِّين، ثم أعاد المسلمون بناءه واستخدامه في القرن ١٣م.

   
بقايا معمارية من حضارة دلمون  موقع سار من حضارة دلمون 

 

ويُعدّ المرخ على الساحل الغربي من البحرين من أقدم المواقع، وهو رابية رملية تجاور سبخةً، تتناثر فيها أحجار الصوّان والأصداف وعظام الأسماك، كما عُثر فيه على زهاء ١٤٠ كسرة فخارية من النمط المسمّى فخّار ما بعد العُبيد ٤ الذي يعود إلى الربع الأوّل من الألف الرّابع ق.م.

وقد نقّب الدنماركيون في بَربار في الفترة نفسها فاكتشفوا ثلاثة معابد مغطاة بالرمال، عُثر في أكبرها على رأس ثور من النحاس يشبه رؤوس الثيران العائدة إلى فترة السلالات المبكرة في أور والعُبيد، وعلى فخارٍ من النمط البابليّ القديم.

أما الدِّراز- إلى الجنوب الغربي من بربار- فهو تلٌ منخفض نقب فيه الدنماركيون والبريطانيون، وعُثر فيه على معبد يُسمّى معبد البئر يعود إلى مطلع الألف الثاني ق.م، وعلى فخّارٍ من النمط المسمّى المُسلسل الحروف وعلى ختمٍ من نمط ختم الخليج.

   
مدافن سار  قلعة البحرين كانت ميناء قديماً وعاصمة دلمون 

 

- تلال الدّفـن:

لابدّ من أن يتوقف الباحث عند عشرات الألوف من تلال الدّفن Tumuli التي تنتشر في شريطٍ متقطّع يبدأ من بوعشيرة في الشمال الشرقي ويخترق الحَجَّر وسار والدراز وبربار وجانوسان، ويمتد جنوباً حول مدينة عيسى وعالي والرفاعة ودومستان وكرزكان حتى مدينة حَمَد، وكان الضابط البريطاني دورند E.Durand أول من نقّب فيها عندما دخل إلى اثنتين من أكبرها حجماً في عالي عام ١٨٧٨. ولكن الدنماركيين- بإدارة غلوب P.Glob وبيبّي- هم الذين استقصَوا البحث في التلال بين عامي ١٩٥٤ و١٩٦٥ قبل أن يتابعه باحثون آخرون ومديرية الآثار البحرينية في العقود التالية؛ فوجدوا أنها مجموعتان، تعود إحداهما إلى عصر الحديد؛ وهي ذات شكل مخروطيّ يبلغ قطره نحو ثلاثين متراً ويراوح ارتفاعه بين أربعة وسبعة أمتار، ويغطّيه خليط من القطع الحجرية الكلسية والطين؛ في حين تعود الأخرى إلى عصر البرونز، وهي تتألف من رجوم تحوي طبقات من الأحجار تحيط بها دوائر متفاوتة الأحجام، وقد تبيّن أن تلك التلال تحوي ثلاثة أنماط من المدافن؛ فمنها المدافن ذات الحجرة الواحدة لقبرٍ واحد، ومنها ذات الحجرة المركزية المتصلة بحجرات أخرى لقبورٍ متعددة، ومنها ذات الطابقين. وقد اتخذت القبور فيها - التي استعمل بعضها في العصور المتعاقبة- شكل نواويس مستطيلة حُفرت في الصّخر وبُطّنت بالجصّ وغُطّيت ببلاطات حجرية أو خشبية، وعُثر في الحجرات على هياكل عظمية وفخّار مزجّج وجرارٍ فخارية وأدوات عاجيّة ورؤوس رماح برونزية وحلي ذهبية وبرونزية ونقود.

رفعت- هزيم

مراجع للاستزادة:

- دانيال بوتس، الخليج العربي في العصور القديمة، ترجمة إبراهيم الخوري (أبو ظبي ٢٠٠٣م).

- Shaikh H.A. Al-Khalifa & M.Rice (eds.), Bahrain through the Ages (London 1986).


التصنيف : العصور التاريخية
المجلد: المجلد السابع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1088
الكل : 45602138
اليوم : 2821