يوليان (المرتد)
يوليان (مرتد)
Julian (the Apostate) - Julien (l'Apostat)
يوليان (المرتد)
يوليان (المرتد)
(331 ـ 363م)
هو فلاڤيوس كلاوديوس يوليانوس Flavius Claudius Iulianus امبراطور روماني اشتهر بارتداده عن المسيحية (فلقب بالمرتد Apostata) ومحاولته إحياء الديانات والفلسفات الوثنية، ولكنه أخفق في مسعاه، وانتهت دعوته بموته.
![]() |
كان ابن أخي الامبراطور قسطنطين[ر] الكبير وابن كونستانتيوس Constantius وباسيلينا Basilina. ولد في القسطنطينية، ونجا في سنة 337م من مذبحة أسرية قام بها جنود قسطنطين بعد موته ذهب ضحيتها والده ومعظم أقربائه. أرسل بعدها وهو في السادسة من عمره إلى مدينة نيكوميديا Nikomediaعلى بحر مرمرة فتعهده بالرعاية أسقفها الأريوسي أوسيبيوس Eusebios، وتولى تعليمه مردونيوس Mardonios الذي أشعل في داخله حب الهيلينية، كما تعرف الخطيب الوثني الشهير ليبانيوس[ر] Libanios. ثم أرسل عام 345م إلى كبادوكيا لاستكمال تربيته المسيحية على يد أسقف مدينة اللاذقية غيورغيوس Georgios، ولكن اهتمامه انصب على الأدب الوثني. عاد عام 351م إلى آسيا الصغرى لإتمام تعليمه، وفي مدينة إفسوس Ephesos تعرف الفيلسوف الوثني الأفلاطوني ماكسيموس Maximos الذي تحول يوليان على يديه إلى الأفلاطونية المحدثة الكلدانية، ولكنه أخفى ميوله الوثنية، وبقي يظهر المسيحية. ثم تابع تحصيله في نيكوميديا واستكمل دراساته الفلسفية في مدينة أثينا[ر] Athenai.
في عام 355م استدعاه ابن عمه الامبراطور كونستانتيوس إلى مدينة ميلانو الإيطالية، وسماه ولياً للعهد، ومنحه رتبة قيصر، وزوجه من شقيقته الصغرى هيلينا Helena، وعيّنه على بلاد الغال وبريطانيا. وسرعان ما أثبت كفاءته في التصدي للقبائل الجرمانية التي خاض معها معارك مظفرة على جبهة نهر الراين في السنوات 356ـ359م، وهزم القبائل الفرنكية في الشمال وقبائل الألماني في الجنوب، وأجبرها على الطاعة. وقد جعلت منه هذه الانتصارات حبيب الجند، فأثار ذلك مخاوف الامبراطور، وطلب منه إرسال خيرة قواته للمشاركة في الحرب ضد الفرس، ولكن الجنود تمردوا، ونادوا بيوليانوس امبراطوراً. ولاحت نذر الصدام العسكري في الأفق ولاسيما بعد أن توفيت زوجته هيلينا في أواخر عام 360م. وزحف يوليان بقواته نحو الشرق، وتحرك الامبراطور كونستانتيوس باتجاه القسطنطينية، ولكنه تُوفِّي فجأة وهو في طريق العودة، وهكذا دخل يوليان عاصمة الامبراطورية في أواخر عام 361م، وتوج امبراطوراً بلا منازع.
كان يوليان يتمتع بثقافة إنسانية عالية وفضائل أخلاقية كثيرة، وقد أظهر في حكمه القصير الأجل مقدرة فائقة في إدارة أمور الامبراطورية فحاول الحد من نفوذ البيروقراطية وسيطرتها ومن النفقات والتبذير. أصدر عدداً من القوانين لتحسين أوضاع البلديات وإعادة الحياة إلى مجالسها البلدية، وإصلاح الأوضاع المالية والحقوقية وأمور البريد والجيش وسواها.
سياسته الدينية:
ما كاد يوليان يتولى الحكم حتى جاهر بمعتقده الوثني، وبدأ يعمل لتحقيق آماله في إعادة الحياة للوثنية، فأصدر مرسوم التسامح الديني، وفتحت المعابد الوثينة، وبني ما دمر منها، وأعيدت إليها أملاكها السابقة، وأحدثت مؤسسات وثنية شبيهة بالكنيسة المسيحية، وعيّن كهان كبار للأقاليم والمدن المختلفة من أجل تنظيم العبادات والإشراف عليها، وصارت تتلى فيها أسرار الحكمة الهيلينية. بالمقابل أوقف الدعم المالي للكنيسة، وفقد أساقفتها وقساوستها حصانتهم. وصدر قرار بالعفو عن الأساقفة المنفيين والسماح لهم بالعودة إلى كنائسهم، ويبدو أن الهدف كان زرع الشقاق بين رجال الدين وإبعاد خطرهم عن الوثنية. وأُبعد كثير من المسيحيين من المناصب العسكرية والمدنية العليا، كما منعوا من تدريس الآداب والفلسفة الكلاسيكية، فصار لزاماً عليهم أن يرسلوا أبناءهم إلى مدارس التعليم الوثني.
في ربيع 362م انطلق يوليان إلى مدينة أنطاكية، واستقبله أستاذه ليبانيوس بخطاب ترحيب شهير، ولكن سرعان مانشب خلاف مع سكان أنطاكية التي كانت آنذاك من أهم المراكز المسيحية في الامبراطورية وأعظمها. وعندما شب حريق كبير في معبد الإله أبولون Apollo الشهير في ضاحية دَفْني Daphne اتهم المسيحيون بإضرامه، وعاقب يوليان المدينة بإغلاق كنيستها الكبرى. وفي الحقيقة أصيب بخيبة أمل كبيرة بسبب قلة الاستجابة لدعواته الوثنية.
نهايته ومكانته:
وبعد أن أتم استعداداته الحربية انطلق في ربيع عام 363م على رأس جيش كبير في حملته ضد الفرس وملكهم شهبور الثاني Shapur II حتى وصل العاصمة الفارسية طيسفون Ktesiphon (= المدائن)، ثم توغل شرقي دجلة، وفي إحدى المعارك أصابه سهم قاتل أودى بحياته، فحمل جثمانه ودفن في مدينة طرسوس الكيليكية، وبموته انتهت أسرة قسطنطين.
ونادى الجنود بقائد الحرس يوڤيانوس Jovianus امبراطوراً، فعقد صلحاً مزرياً مع الفرس، وتخلى لهم عن مدينة نصيبين. وبموت يوليان انهارت حركة إحياء الوثنية، وعادت المسيحية ديانة رسمية للامبراطورية. لقد رأت فيه الدوائر الوثنية والأرستقراطية الرومانية البطل والمنقذ، ومجدته بوصفه الحاكم المثالي. أما الكنيسة فرأت في موته المفاجئ عقاباً ربانياً بسبب ارتداده عن المسيحية، ولقبته بالمارق (بارابَطيس Parabatis)، وصاغت نهايته بأسلوب أسطوري، إذ يروى عنه أنه قال وهو يحتضر: «لقد غلبتني أخيراً أيها الجليلي».
كان يوليان خطيباً وأديباً خصب الإنتاج، لم يبق من مؤلفاته المتعددة سوى خطب ثمان ومجموعة من الرسائل الأدبية والشخصية بلغت نحو 80 رسالة (أشهرها تلك الموجهة إلى الأثينيين التي يسرد فيها سيرة حياته)، ولم يبق من مؤلفه الموسوم «ضد الجليليين» (أي المسيحيين) سوى شذرات قليلة، كما اشتهر بكتابه المسمى «ميزوبوغون» Misopogon (أي عدو اللحية) وهو دفاع عن أعماله بأسلوب ساخر. وتبدي مؤلفاته اهتماماته العلمية وثقافته الكبيرة وموهبته الأدبية. وقد رثاه ليبانيوس بخطاب أشاد فيه بمناقبه وأهدافه السامية، كما أن المؤرخ أميانوس مركلينوس[ر] أرخ لحياته وأعماله.
محمد الزين
الموضوعات ذات الصلة: |
البيزنطيون ـ الرومان ـ الفرس ـ ليبانيوس.
مراجع للاستزادة: |
ـ السيد الباز العريني، الدولة البيزنطية (دار النهضة العربية، بيروت 1982 )
- BIDEZ, La vie de l’empereur Julien (Paris 1930).
- التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار - النوع : أعلام ومشاهير - المجلد : المجلد الثاني والعشرون، طبعة 2008، دمشق - رقم الصفحة ضمن المجلد : 623 مشاركة :