إيطالية (الموسيقى والرقص)
ايطاليه (موسيقي ورقص)
Italy - Italie
إيطالية
إيطالية
الموسيقى
كانت رومة القديمة فقيرة إلى التقاليد الموسيقية، وكانت تستقدم من الجوار القريبين منها ومن البعيدين إلى الشرق عنها التمثيليات الإيمائية والألعاب المرافقة برقصات وجوقات غنائية ومجموعات آلية موسيقية. ومنذ بداية القرن الثاني ق.م، كانت رومة تزاول الشعائر والأغاني الدينية القادمة من آسيا، وتستخدم بعض الآلات الموسيقية كالآولوس aulos المزدوج الإغريقي (آلة نفخ قصبية)، واللير lyre (آلة وترية) المستوردة من بلاد الرافدين، والقرون الإتروسكية المعقوفة والملتوية. ولما توسعت الفتوحات الرومانية احتك الرومان بالحضارات الأخرى وتأثروا بها، فكان معظم العازفين لديهم مع آلاتهم الموسيقية، والراقصين والمغنين القديرين، من الأسرى الذين تأتي بهم الفتوحات من اليونان وسورية ومصر. وقد بدأ الفن الروماني يعلن عن نفسه بدءاً من القرون الأولى للميلاد، فاتخذ طابعاً قومياً وتألفت الفرق الموسيقية، وتجمّع الموسيقيون المحترفون في هيئات حرفية، فظهرت مجموعات العازفين والمغنين المتجولين. وفي القرن الرابع الميلادي، ثبتت قواعد الغناء الديني الأمبروزي[ر.الموسيقى] المقتبس عن الكنيسة البيزنطية في سورية، ثم اندمج في الغناء الغريغوري في أواخر القرن السادس للميلاد. وفي القرن السابع ظهرت طريقة التدوين الموسيقي بالعلامات (نيومز) neumes، ثم جاء الراهب الموسيقي غويدو داريتسو (995-1050م)Guido D'Arezzo وثبت هذه العلامات فوق خطوط أربعة وبينها، وبهذا كانت بداية تشكل المدرج الموسيقي [ر.الموسيقى].
أدى انتشار قصائد الشعراء الجوالين الفرنسيين Trouvères في القرن الثالث عشر إلى ظهور نوع من الأغاني الدينية الشعبية العفوية في إيطالية الشمالية والوسطى. وكانت الموسيقى المؤداة آنذاك أحادية الصوت (مونودية) monodic، ثم تطورت الألحان الموسيقية في بعض الأغاني الدينية والدنيوية بإضافة صوت آخر فثالث، إلى اللحن الأساسي، بطريقة الطباق counterpoint. وهكذا بدأت طريقة تعدد الأصوات (البوليفونية) polyphony تثبت أقدامها، يساعدها على ذلك انتشار «الفن الجديد» ars nova. وظهرت في مدينة فلورنسة الإيطالية أشكال جديدة من الأغاني مثل المادريغال madrigal، والبالاّتا ballata، والكاتْشا caccia.
وكانت الفْروتّولا frottola، السابقة للمادريغال، أكثر التعابير شيوعاً وتمييزاً للفن الإيطالي، وهي أغنية البهجة والحب المتألق، لصوت واحد مرافق بالعود أو بأصوات متعددة تصل إلى أربعة.
كانت إيطالية في عصر النهضة وماقبله، مثل باقي دول أوربة تزخر بالعازفين، الهاوين والمحترفين، على مختلف الآلات الموسيقية. وكان الأرغن organ بأنواعه المختلفة مخصصاً للكنيسة، كما كان إلى جانب العود (الآلة المختصة بالعزف المنفرد والمرافق) الأكثر شيوعاً في بداية القرن السادس عشر. وكانت الموسيقى الآلية ترافق الغناء. وعلى أثر ظهور طريقة التدوين الموسيقي باللائحة tabulature للأرغن والعود (البندقية عام 1507م)، تطورت الكتابة الموسيقية بسرعة، ولحقها تطور في الآلات الموسيقية، ولاسيما الآلات ذوات لوحات الملامس keyboard. ولم يكن هناك، قبل القرن السابع عشر، عازفون شهيرون، وبخاصة على آلة الكمان، قبل أن تستكمل هذه الآلة على أيدي صانعيها في مدينتي بريشه Brescia وكريمونه Cremona ومنها أسر أماتي Amati، وغوارنييري Guarnieri، وستراديفاريوس Stradivarius ومن أشهرأفراد هذه الأسرة أنطونيو. فكانت مؤلفات الحوارية (الكونشرتو) concerto للكمان للموسيقيين: كوريلّي A.Corelli، وتوريلّي G.Torelli سابقة لإتقان صناعة هذه الآلة. إلا أن فيفالدي A.Vivaldi، وفيوتّي G.Viotti، وتارتيني G.Tartini (مؤسس مدرسة العزف على الكمان)، كانوا قد أوصلوا تقنية العزف على الكمان إلى أوجها. وأما آلة الكلافسان clavecin[ر.البيانو]، فقد أسهم في تطوير آلية العزف عليها أندريا غابرييلي A.Gabrieli. وابن أخيه جوفاني، وفريسكوبالدي G.Frescobaldi، وأليساندرو سكارلاتي Scarlatti وابنه دومينيكو.
تأثرت إيطالية، في عصر النهضة أيضاً، بالأوضاع الثقافية والفنية في أوربة. فشاعت فيها رقصات مختلفة وكانت أولاها الرقصة المنخفضة danza bassa وحلت محلها فيما بعد، البافانا pavana. ومن الرقصات النشطة والسريعة: السالتاريلّو saltarello، والغالياردَه gagliarda، والتارنتيلاّ tarantella وهي من الرقصات الشعبية الشائعة في منطقة نابولي.
في بداية القرن السادس عشر، كانت إيطالية السباقة في نشر المطبوعات الموسيقية للعود الذي تربع على عرش الآلات الموسيقية في أوربة نحو قرنين من الزمان. وبرزت في هذا القرن مدرستان موسيقيتان في كل من رومة والبندقية قادتا الحركة الموسيقية في إيطالية، وتحكّمتا في فن الغناء الديني الذي بلغ أرفع قيمه الفنية على يدي بالِسترينا G.P.Da.Palestrina ممثل مدرسة رومة التي تميزت بالغناء الجماعي دون مصاحبة الآلات الموسيقية. أما مدرسة البندقية التي كان لها أكبر الأثر في الموسيقى الأوربية في النصف الثاني من ذلك القرن فقد كانت الجوقة الغنائية المزدوجة من أهم خصائصها، وشمل التطور الموسيقى النظرية والعملية معاً، وكان كل من تْزارلينو (1517-1590م) G.Zarlino، وغاليلي «الأب» V.Galilei (نحو 1520-1591م) من بين أشهر العلماء المنظرين الذين أسهموا في تقدم الموسيقى نظرياً وعملياً في أوربة أيضاً.
كانت فلورنسة من أكثر مدن إيطالية تقدماً وانفتاحاً. وقد تشكلت فيها، في الربع الأخير من القرن السادس عشر، جماعة من رجال الفكر والثقافة والفن في الأدب والشعر والموسيقى، وبعض النبلاء سميت بالكاميراتا Camerata، قام أفرادها بثورة موسيقية وذلك بأن يكون الأداء التمثيلي غنائياً في المسرح. وعمت هذه الظاهرة في شتى أنحاء أوربة أيضاً، وأدت إلى ظهور فن الأوبرا opera في مطلع القرن السابع عشر. وكانت المسرحية الغنائية «إوْريديتشه» Euridice من ألحان بيري G.Peri، التي قدمت عام 1600م في فلورنسة بمناسبة زواج ملك فرنسة هنري الرابع من ماريا دي مِيديتشي، أول مثال لهذا الفن الذي كان فاتحة نهضة موسيقية غنائية في إيطالية فأوربة أدت إلى تشييد دور للأوبرا فيهما. وظهر عدد من المؤلفين الموسيقيين لها مثل مونتفِيردي C.Monteverdi. في البندقية، وأليساندرو سكارلاتي في نابولي. وكانت الأوبرا أيضاً، سبباً في ظهور الفرق الموسيقية المرافقة للغناء والتمثيل التي كانت تضم عدداً من الآلات الموسيقية كالكلافسان والعود والقيثارة والفيول والفلوت.
![]() |
أدى انتشار الأوبرا في أوربة إلى استدعاء مؤلفيها الأصلاء الإيطاليين إليها، وإلى سفر الكثيرين منهم إلى خارج إيطالية مثل كافالّي F.Cavalli وبرغوليزي G.B.Pergolesi وكيروبيني L.Cherubini إلى باريس، وبونونتشيني (1642-1678م)G.Bononcini وسالييري A.Salieri إلى فيينة، ثم أرايا (1709-1770م)F.Araja وبايزييلّو G.Paisiello وتْشيماروزا Cimarosa إلى بطرسبورغ في روسية، التي شاعت الأوبرا الإيطالية فيها منذ بداية القرن الثامن عشر. كما أن اللغة الإيطالية سادت نصوص الكثير من الأوبرات لمؤلفيها غير الإيطاليين مثل موتسارت Mozart وغلوك Gluck. وكانت المسحة الإيطالية، بالإضافة إلى ذلك، طاغية على أعمال الكثير من الموسيقيين الأجانب مثل غلينكا Glinka الروسي في أوبراه «حياة للقيصر» Life for the Tsar. ولم تكن أي عاصمة أوربية تخلو من موسيقي إيطالي أو من مؤلف درس الموسيقى في إيطالية. وقد جمع القرن السابع عشر كلاً من الأوراتوريو oratorio[ر.الإنشاد الديني] و «المغناة» (الكانتاتا) cantata إلى جانب الأوبرا.
دام عصر الأوبرا الزاهي في إيطالية مدة قرنين من الزمن. وكان القرن التاسع عشر مع إبداعيته (رومنسيته) عصرها الذهبي، فتمكنت إيطالية من فن الأوبرا الذي استحوذ على إعجاب جميع الإيطاليين حتى طغى معه على كل الأنواع الموسيقية الأخرى، ولاسيما الآلية منها التي كادت أن تكون منسية. واحتل المغنون مكان الصدارة الفنية في عالم الموسيقى. وقد اشتهرت في القرن التاسع عشر منذ مستهله، مئات الأوبرات للكثير من مؤلفيها الموسيقيين مثل: روسيني Rossini، وبلّيني Bellini، وبوتشيني Puccini الذين أغنوا المسرح الغنائي الإيطالي بروائع أعمالهم الأوبرالية، واستمر إنتاج البعض منهم في هذا المجال، حتى منتصف القرن العشرين. وأما فيردي Verdi فقد كانت جميع أعماله الأوبرالية هي الأكثر انتشاراً في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وكان كاروزو E.Caruso أشهر مغني أوبرا في إيطالية وخارجها في العقد الأخير من ذلك القرن والعقدين الأولين من القرن العشرين. ومع ذلك، فقد شذ عن الاهتمام بالأوبرا، في النصف الأول من القرن التاسع عشر، علم من أعلام الموسيقى الآلية هو باغانيني Paganini الذي أوصل تقنية العزف على الكمان إلى أرفع مستوياتها.
ويُعدّ النصف الثاني من القرن التاسع عشر جسراً في الموسيقى السمفونية والآلية لمؤلفي القرن العشرين الإيطاليين الذين لم تقتصر أعمالهم الموسيقية على تأليف الأوبرا بل أدخل بعض المؤلفين الموسيقيين الإيطاليين التقاليد الموسيقية الآلية الألمانية إلى إيطالية مثل سْغامباتي(1841-1914م)G.Sgambati الذي تلمذ لفرانتز ليست F.Liszt. وتأثر بفاغنر R.Wagner، ومارتوتْشي G.Martucci الذي كان من أواخر المعنيين بالمسرح الغنائي الإيطالي.
ومنذ بدايات القرن العشرين، بدأ الاهتمام بالموسيقى الآلية يزداد وأصبح معظم المؤلفين الموسيقيين الإيطاليين يهتمون بصيغ التأليف الموسيقية المختلفة إلى جانب أعمالهم في الأوبرا. ولم تكن الموسيقى الإيطالية الحديثة ثورية في إبداعاتها لتيارات ومذاهب موسيقية جديدة كالمدارس الأوربية الأخرى، بل كان جل اهتمام معظم موسيقييها منصباً على الروح الفنية التقليدية الوطنية المستقاة من المدرسة الواقعية verismo, realism، التي كان من أبطالها ماسكانيي Mascagni، ولْيونكافالّو Leoncavallo، وبوتشيني. كما سيطر الذوق الغنائي الغريغوري مثلاً على ألحان بيتسِتّي Pizzetti، وماليبييرو Malipiero، ومع تأثر هذا الأخير بالمدرسة الفرنسية وبالألحان الشعبية الوطنية ـ على غرار المدرسة الروسية ـ فقد بقي أميناً للموسيقى الإيطالية. واشتهر كل من وولف فيرّاري Wolf-Ferrari، وزاندوناي Zandonai، بصياغة ألحان الأوبرا بالطريقة التقليدية مع التأثر بالمدرسة الواقعية وأسلوب فاغنر. ويُعد بوزوني Busoni المبدع الأول في التجديد وفي تمازج المشاعر الفنية اللاتينية والجرمانية. ومع ذلك، فإن الموسيقى الإيطالية الحديثة لم تبتعد عن الذوق الأوربي العام وعن تظاهرته الموسيقية الرئيسة. فهذا ألفانو Alfano يتأثر بالنزعة الانطباعة impressionisme الفرنسية، ورسبيغي Respighi ينهل من أفكار ريتشارد شتراوسR.Strauss الألماني وديبوسي Debussy الفرنسي. وكان شكسبير الملهم الأول في الأعمال الأوبرالية التي ألفها كاستلْنْووفو ـ تِديسكو (1895-1968م) Tedesco Castelnuovo، الذي اشتهر بعد الحرب العالمية الأولى ومعه بعض زملائه مثل: غِديني Ghedini، ودَلاّبيكّولا Dallapiccola، ويِتراسّي Petrassi.
هذه البدايات المختلفة، أبرزت عهداً سمفونياً جديداً وحركة موسيقية نشطة للمدرسة الإيطالية الفتية. فبالإضافة إلى تأثيرات هندميث Hindemith الألماني، وبارتوك Bartok المجري، وسترافنسكي Stravinsky الروسي في أعمال بعض المؤلفين الحديثين، فإن هناك من ابتدع أسلوباً خاصاً مستخدماً التجارب الصوتية ـ على غرار فاريز Varese الفرنسي ـ أو استلهم الموسيقى الاثنى عشرية dodecaphony في مؤلفاته الموسيقية مثل: فلاد(1919) R.Vlad، وأرّيغو(1930) G.Arrigo. كما أن هناك مؤلفين موسيقيين إيطاليين استمالتهم نزعات وتيارات موسيقية حديثة مختلفة كالأبحاث الصوتية الكلامية phonology والموسيقى الإلكترونية مثل: نونو L.Nono، وماديرنا B.Maderna، وبيريو L.Berio. وقد أقيم أول مركز لأبحاث علم الأصوات الكلامية والموسيقى الإلكترونية عام 1955م في ميلانو، وعام 1957م في رومة.
وفي عام 1961م، قام إيفانجِليستي(1926-1980م)F.Evangelisti مع بعض زملائه المبدعين في الارتجال الموسيقي، بتأسيس جمعية «الأصوات المتوافقة الجديدة» Nuova Consonanza التي تبحث في الموسيقى «الاعتباطية» aleatory وهي إعطاء الحرية للعازف باختيار أجزاء العمل الموسيقي وترتيبها بطريقة اعتباطية أو بالمصادفة. وقد رسخ بعض المؤلفين من الجيل الجديد أقدامهم في ميدان الموسيقى الإيطالية فيما بعد العام 1970م ومن هؤلاء: دوناتوني (1927)Donatoni، وكاستالدي(1932-) P.Castaldiوبادْجاني (1932-)G.Baggiani.
وفي مجال الأداء الآلي المنفرد solist برع أكّاردو (1941)S.Accardo في العزف على الكمان، وأمْفيتياتروف (1907-)M.Amphiteatrov، وهو من أصل روسي، في العزف على التشيلّو cello[ر.الكمان]، وميكيلانِجلي (1920-)Michelangeli، وبولّيني(1942-)M.Pollini في العزف على البيانو، وآخرون كثيرون في العزف على مختلف الآلات الموسيقية الأخرى. أما قيادة الأوركسترا، فيعد توسكانيني Toscanini أبرز قائد لها ـ إيطالياً وعالمياً ـ بالإضافة إلى أبّادو (1933-)C.Abbado، وهو رئيس دائم لأوركسترا دار أوبرا ميلانو ومدير فني لأوركسترا لندن السمفونية. واشتهر في هذا القرن أيضاً، المغنون الإيطاليون في الأوبرا بالطبقة الصوتية الصادحة للرجال والنساء، فكان بين أبرزهم من الرجال في طبقة التِنور tenor[ر.الموسيقى] كل من جيليي (1890-1957م)B.Gigli، ودِلْ موناكو (1915-1982م)M.Del Monaco، وبافاروتّي(1935-)Pavarotti. وتعد تِبالدي (1922-)R.Tebaldi في أبرز مغنيات الأوبرا من الطبقة الصوتية سوبرانو soprano[ر.الموسيقى]. أما في النقد الموسيقي والتأليف الأدبي فقد اشتهر في إيطالية حديثاً كل من دِلاّ كورته(1883-1968م)A.Della Corte، وبانّاين(1891-1977م) G.Pannain.
حسني الحريري
- التصنيف : الموسيقى والسينما والمسرح - النوع : موسيقى وسينما ومسرح - المجلد : المجلد الرابع، طبعة 2001، دمشق - رقم الصفحة ضمن المجلد : 427 مشاركة :