ارمن (انسانيه)
Armenians - Arméniens

الأرمن

 

يجمع أكثر المؤرخين أن الأرمن كانوا من بين مجموعات متلاحقة من قبائل ذات أصل آري, عرفت عرقياً باسم الشعوب الهندية الأوربية, واستقرت في البلقان[ر] أو في منطقة تسالية في شمالي اليونان[ر]. ثم عاد أفرادها مع الفريجيين والتراقيين إِلى آسيا الصغرى فعبروا البوسفور والدردنيل, وتوغلوا في الأناضول نحو مجرى الفرات الأعلى, وتغلبوا على السكان الحثيين القاطنين في تلك الأماكن واختلطوا بهم, في نحو القرن الثاني عشر ق.م. وانحدروا بعد ذلك من المرتفعات إِلى السهول الجنوبية وامتزجوا مع شعب الأورارتو[ر]. كذلك قدمت المنطقة قبائل من السريان والكلدان اندمجت بالمقيمين هناك. وقد تكونت الأمة الأرمنية من هذه العناصر الآرية والأورارتية والحثية, وقبائل منطقة وان, ومن القبائل التي استوطنت شرقي الأناضول, وكان ذلك نحو القرنين السابع والسادس قبل الميلاد. وفي تلك الحقبة بدأت تظهر على النقوش كلمة «أرمينية» وبدت لدى الشعب الأرمني, منذ القرن السادس قبل الميلاد, سمات تميزه منها: القامة المتوسطة القريبة من القصر, والجمجمة العريضة, واستطالة الوجه على نحافة وضيق, والشعر الأسود الفاحم, والصدر العريض, والشفتان الممتلئتان مع سعة الفك وقوته, وانبساط الخدين, وقنا الأنف, وميل البشرة إِلى السمرة, كما تميز هذا الشعب بصفات نفسية أهمها: الهدوء وتحمل المشاق إِلى جانب الحيوية والنشاط والقدرة على الإِنجاز.

تاريخ الأرمن

التاريخ القديم:

لم يتمتع الأرمن منذ القديم بالمنعة والسيطرة. اكتسح بلادهم البابليون والآشوريون والميديون ثم الفرس. وكان الفرس يختارون حكام البلاد من الأرمن غالباً, تعهدوا دفع الجزية لقاء احتفاظهم باستقلالهم الإِداري, ثم غدت أرمينية ساترابية (مقاطعة) تابعة للامبراطورية الفارسية, وذلك في عهد قورش. وبعد أن ساعد الأرمن الفرس في إِسقاط الدولة الليدية استطاع ديكران بن يراونت أن يجعل أرمينية ساترابية مستقلة, غير أن داريوس, الملك الفارسي, قضى على كل محاولة استقلالية. وقد تأثر الأرمن, في هذه الحقبة, بالتقاليد الفارسية في طراز معيشتهم, ودخل لغتهم كثير من الألفاظ الفارسية.

وبعد غزو الاسكندر المقدوني غدت أرمينية مملكة مستقلة تحت حكم الاسكندر نفسه, الذي عين حليفه الأرمني مهران على العرش, وهو من أسرة يراونت التي كانت تحكم المرزبانية. وبعد الاسكندر تولى السلوقيون حكم البلاد, وقسمت أرمينية قسمين رئيسين هما: أرمينية الكبرى وأرمينية الصغرى التي دعيت فيما بعد كيليكية (قيليقية) إِضافة إِلى مملكتين صغيرتين هما: صوفين وكوماجيني.

وكان تأثر الأرمن بالحضارة الهلينية كبيراً, وكان ذلك ما بين 321-190ق.م. وقد عين أنطيوخوس الثالث ارداشيس الأول حاكماً على أرمينية الكبرى وعين «زاره» على أرمينية الصغرى, وبعد موت أنطيوخوس استقل الملكان الأرمنيان عن السلوقيين, ثم ضم ارداشيس إِلى حكمه أرمينية الصغرى بعد موت زاره, ووحد البلاد, وأسس ملكية حكمها أفراد من أسرته, واستمرت قرابة قرنين من الزمن (من 189 ق.م إِلى السنة الأولى بعد الميلاد) ودعيت بالأسرة الارداشيسية ومن أشهر ملوكها ديكران الثاني الكبير (94-55ق.م).

ومنذ السنة الأولى الميلادية غدت أرمينية كالكرة يتقاذفها الفرس والرومان, يكتسح بلادهم الفرس فيحالفون رومة, ويحاربهم الرومان فيلجؤون إِلى الفرس. أما حكامهم فكانوا إِما من الفرس أو الرومان وقد اتفق الطرفان المتقاتلان الفرس والرومان في عهد نيرون على إِنهاء الحرب بينهما, وتنصيب ملك لأرمينية هو أخو ملك فارس, درطاد الأول الفارسي, وسميت أسرة درطاد بالأسرة الارشاغونية, وقد حكمت من سنة 66 إِلى 429م, ومن أشهر ملوك هذه الأسرة درطاد الثاني (217-238م) الذي يسمى أيضاً خسرو الأول الكبير, ودرطاد الثالث الذي اعتنق المسيحية وعمل على إِنشاء الكنائس.

وفي سنة 387م اتفق الرومان والفرس على تقسيم أرمينية إِلى إِقليمين أُلحق أحدهما بالدولة البيزنطية, وألحق الثاني, وهو الأكبر بالدولة الساسانية. ومنذ سنة 429م عادت أرمينية التي ألحقت بالدولة الساسانية مرزبانية فارسية, وبقيت كذلك حتى سنة 634م. وقد حاول الفرس جعل الأرمن إِيرانيين وإِكراههم على ترك ديانتهم المسيحية, ولكنهم اصطدموا بمقاومتهم التي كان يقودها «وارطان ماميكونيان» مما جعلهم يتخلون عن فكرتهم.

اختلفت أحوال الأرمن التابعين للفرس عن أحوال الأرمن التابعين لبيزنطة التي عملت على وضع المنطقة تحت إِشرافها إِشرافاً تاماً, ومعاملة الأرمن كالمواطنين من البيزنطيين, ولكن خلافهم الديني في التفاصيل مع بيزنطة جعلهم ينحازون إِلى الفرس شيئاً فشيئاً. وفي أواخر القرن السابع بعد الميلاد ظهر العرب على مسرح التاريخ.

الأرمن والعرب:

في عهد عمر بن الخطاب توجهت حملة عربية بقيادة عياض بن غَنْم إِلى سهول الجزيرة والأراضي الأرمنية حتى بلغت بَدْليس Bitilis ثم اتجهت إِلى خلاط Calatia (على بحيرة وان) وجبى عِياض الجزية ثم عاد إِلى الشام, وفي عهد عثمان بن عفان أُخضعت أرمينية للعرب أول مرة, وكان ذلك نحو سنة 24 أو25هـ/645 أو646م. وفي عام 33هـ/ 653م عقدت معاهدة صلح بين العرب والأرمن على أن تعفى الدولة الأرمنية من الجزية ثلاث سنوات, ثم يفرض عليها بعد ذلك تعبئة 15000 فارس من أموال الجزية لمساعدة العرب في حروبهم, وتعهد العرب باستقلال الإِمارات الأرمنية, وعدم إِرسال أحد من الأمراء أو القادة العرب إِلا إِذا زحف عليها الروم, وأبقي الحاكم تيودور الرشتوني على أرمينية وبلاد الكرج. ولم يعجب الاتفاق الامبراطور البيزنطي فهاجم أرمينية, وصدته القوات العربية والأرمنية معاً.وفي عهد الأمويين امتدت الفتوحات العربية فشملت أرمينية كلها, ونعم الطرفان, العربي والأرمني, في عهد معاوية بالعلاقات الطيبة, وزار حاكم أرمينية غريغور ماميكونيان دمشق واستقبله الخليفة معاوية بالترحيب.

وفي عهد عبد الملك بن مروان, وكان الحاكم في أرمينية آشوط الأرمني, شهدت أرمينية اضطرابات سببها اجتياح الخزر للبلاد, ودخول الامبراطور البيزنطي جوستنيان الثاني أرمينية للانتقام من العرب والأرمن معاً, ثم اختلّت العلاقات بين الأرمن والعرب, فأخذ أمراء الأرمن ينحازون مرة إِلى العرب ومرة إِلى الروم, وكانت بعض مناطق أرمينية تنتقل في ذلك الوقت بين الدولتين, وكان كثير من أمراء الأرمن يتنازعون السلطة فيما بينهم.

وكان الولاة العرب بعد فتح أرمينية قد اتخذوا بلدة دبيل مقراً لهم. وهي البلدة التي كان المرزبان الفارسي يتخذها مقراً له قبل الفتح الإِسلامي.

وفي العهد العباسي صارت أرمينية تشمل الإِمارات الأرمنية وأذربيجان[ر] وبلاد الجزيرة, وقد عيّن الخليفة العباسي أبو العباس السفاح أخاه أبا جعفر المنصور والياً على الجزيرة وأذربيجان وأرمينية, وفي عهد أبي جعفر نزحت إِلى أرمينية قبائل عربية كثيرة واستقرت فيها, وقد صالح أبوجعفر الامبراطور البيزنطي بعد أن خاص معه معارك كثيرة. ثم عيّن ساهاك البقردوني حاكماً على أرمينية.

وفي عهدي المهدي والرشيد, كانت أرمينية مقاطعة تتمتع بالحكم الذاتي, ويحكمها البطارقة الأرمن(وهم رؤساء الإِمارات الأرمنية) وكانوا يدفعون للدولة العباسية الجزية المقررة.

وفي عهد المعتصم عُين الأفشين عاملاً على أرمينية وأذربيجان فتحول إِلى مقاتلة بابك الُخرَّمي, فاستنجد هذا الأخير بالامبراطور البيزنطي الذي سارع إِلى نجدته, وتوغل في البلاد, يبطش بالحاميات العربية, غير أن أسر الأفشين لبابك (سنة 222هـ‎) جعل الامبراطور يعود إِلى بلاده.

وولى الخليفة المتوكل يوسف بن محمد عاملاً على أرمينية سنة 236هـ, فلم يحسن الإِدارة وأساء في تصرفاته وقبض على بعض الرؤساء وبعث بهم إِلى المتوكل. وغضب الأرمن لفعل يوسف وثاروا عليه وقتلوه سنة 237هـ, فوجه المتوكل بغا الشرابي إِلى أرمينية فأعاد إِليها الهدوء. وانتهج المتوكل سياسة جديدة عندما نصب آشوط بن سمباط البقردوني أميراً لأمراء أرمينية سنة 246هـ/ 861م. واستطاع هذا الأمير أن يخضع الأمراء الأرمن لسلطته كما ساعد العرب, فنُصِّب ملكاً على أرمينية واعترف به الملك البيزنطي وعقد معه حلفاً.

وبدءاً من هذا التاريخ حكمت الأسرة البقردونية (البغراتية أو البجراطية) أرمينية, ودام حكم ملوكها من سنة 272إِلى 464هـ/885 إِلى 1071م.

وكانت سياسة ملوك هذه الأسرة تهدف إِلى حفظ التوازن بين العرب والبيزنطيين والوقوف على الحياد بين الدولتين. ومن أشهر ملوك هذه الأسرة آشوط الثاني الذي لقبه الخليفة العباسي بشاهنشاه الأرمن, وآشوط الثالث الملقب بالرحيم الذي نقل العاصمة إِلى مدينة «آني» ونهضت في عهده البلاد عمرانياً وثقافياً.

ثم بدأت الإِمارات الأرمنية تتباعد وتفتقر إِلى الوحدة والتآلف, وتتحول إِلى دويلات ضعيفة لكل منها سياستها, فتوالت عليها النكسات والهزائم, وبدأت تتوالى عليها هجمات السلاجقة الأتراك, ورأى أحد أمرائها أن يتخلى عن دويلته لامبراطور بيزنطة مقابل منطقة سيواس في آسيا الصغرى, ثم انتقل بأربعين ألفاً من رجاله إِلى المنطقة المذكورة, فكانت هذه الهجرة الأرمنية الكبرى الأولى إِلى الشرق هي التي أضعفت المنطقة, وأعقبتها هجرات, فكانت نهاية دولة أرمينية الكبرى وانهيار حكم البقردونيين فيها, ووضع رجال الدين البيزنطيون يدهم على الأسقفيات والأديرة الغنية.

كان لبلاد أرمينية في الحقبة التي خضعت فيها للحكم العربي شأن اقتصادي مهم, فقد كان العدد الغفير من التجار والقوافل يعبرونها لتوسطها بين البحر الأسود وبلاد ما بين النهرين. وقد أفاض الجغرافيون العرب في وصف طرقها التجارية والحربية. وكان من أهم واجبات الولاة المسلمين الإِشراف على سلامة هذه الطرق.

أرمينية ما بين عامي 464و1335هـ/1071و1917م

أرمينية الكبرى:

بدأت غارات السلاجقة على أرمينية منذ عام 434هـ/1042م واستطاع الروم في البدء صد هجماتهم بفضل الحصون المنيعة التي كانت تحمي البلاد, ولكن السلاجقة ما لبثوا أن احتلوا «آني» ثم «قارص» ولم يأت عام 463هـ/1071م حتى أصبحت أرمينية «البيزنطية» تحت حكم السلاجقة, وذلك عقب معركة ملازكرد (ملازجرد) التي انتصروا فيها بقيادة ألب أرسلان على الروم. وتقسمت أرمينية بين عدة إِمارات سلجوقية كإِمارة خلاط التي أنشأها سقمان القطبي, وإِمارات خوي وسلماس وساسون.

وفي هذا الوقت بدأت قوة الكرج بالبروز. فبعد أن حرر هؤلاء بلادهم من حكم السلاجقة الأتراك احتلوا المقاطعات الشمالية والوسطى من أرمينية. وظل الوضع على هذه الحال حتى ظهور المغول الذين هاجموا خُوَارَزم وخُراسان وفارس والعراق وشمالي الهند وبلاد الكُرْج والأناضول وقضى زحف المغول على كل حضارة في تلك البلاد.

وبقي الأرمن طول المدة من القرن الثاني عشر إِلى الخامس عشر الميلادي يقاسون من الاكتساحات الطورانية (السلجوقية والمغولية والتركمانية), فبعد وفاة تيمورلنك خضعت أرمينية لحكم أوزون حسن (حسن الطويل) من الآق قيونلو (1453-1478م) الذي حكم البلاد الإِيرانية وبلاد الكُرْج وأرمينية. وفي هذا العهد بدأ التركمان يكونون العنصر الغالب في أرمينية إِلى جانب السكان الأصليين والكرد البداة, وكانت قد هاجرت إِلى أرمينية والأناضول قبيلتان تركمانيتان هما: آق قيونلو (الشاة البيضاء) وقره قيونلو (الشاة السوداء) واستقرتا فيها. وكانت وفاة أوزون حسن (سنة 882هـ/1478م)إِيذاناً بانحلال دولته وطمع شاه إِيران إِسماعيل الصفوي فيها, فأخذ يضم إِلى بلاده بالتدريج كل ما بقي منها لاسيما أرمينية. ولكن ذلك أثار عليه جاره العثماني محمداً الثاني (فاتح القسطنطينية) فنشبت الحرب بينهما, وكان من نتيجتها وضع أرمينية تحت حكم العثمانيين.

وحاول الشاه إِسماعيل استعادة الأراضي بعد موت محمد الثاني, فتغلب عليه سليم الأول مرة ثانية واحتل جميع بلاد أرمينية.

وفي بداية القرن السابع عشر الميلادي استولى عباس الأول شاه إِيران على إِقليم أرارات الأرمني من الأتراك العثمانيين, واجتاح أذربيجان, فعاد الأتراك واحتلوا البلاد, وأمر الشاه عباس بحرق إِقليم أرارات وما فيه من كنائس حتى لا يبقى لأعدائه شيء ينتفعون به. فاضطر أهالي البلاد من الأرمن إِلى النزوح عنها قاصدين أصفهان, حيث أنشأ الشاه لمن بقي منهم مدينة أسماها «جولفا». ثم كان لزعماء الكرد أثر في انتقال بلاد أرمينية من أيدي الفرس إِلى أيدي الترك, إِذ أصبح للكرد على مرّ الأيام مناطق كثيرة تخضع لسلطانهم المطلق, وقد استمرت المعارك بين الفرس والأتراك العثمانيين حتى سنة 1037هـ/1627م حين وقعت بينهما معاهدة سلام تخلى الشاه بموجبها عن إِقليم أرمينية وبلاد الكُرْج إِلى العثمانيين.

وفي عام 1148هـ/1735م عادت بلاد الكُرْج إِمارة تابعة لنادرشاه الذي استطاع أن يبسط نفوذه على أرمينية. ولكنه لّما رأى أنه غير قادر على حماية البلاد من العثمانيين ترك للروس أمر حمايتها, فوضع الروس يدهم على هذا الإِرث الذي مدّ سلطانهم أول مرة على بقاع أرمينية, وأعطاهم الحق بها بعد أن تنازل خليفة نادرشاه عن البلاد للقيصر.

وهكذا انضم إِلى أطراف النزاع طرف جديد هم الروس وكانت أولى المعارك بين الروس والفرس من أجل بلدة جنزرة, وانتهت بصلح غلستان الذي وضعت فيه الحدود الفاصلة بين بلاد القفقاس الخاضعة لروسية وبلاد فارس. ثم عدلت هذه الحدود في عام 1244هـ/1828م وأضحت كتلة جبل أرارات الكبرى هي الحدود الفاصلة بين الدول الثلاث المتنافسة, وانتقل بموجب هذا الصلح جزء كبير من أرمينية إِلى حكم ملك مسيحي, كما نص الصلح على أن يكون للمسيحيين الحق في الهجرة إِلى هذا الإِقليم, فاستفاد من ذلك رعايا الشاه من الأرمن, واستقر معظم المهاجرين في ناحية «قره باغ» التي استقبلهم سكانها من الأذربيجانيين ووطنوهم بين ظهرانيهم.

استمر النزاع بين الروس والعثمانيين وبين العثمانيين والفرس تدخلت فيه إِنكلترة وألمانية, واضطر العثمانيون إِلى التخلي عن إِقليم «خوطر» الأرمني للدولة الفارسية.

كذلك أدى الخلاف بين الروس والعثمانيين على البقاع المقدسة في أرمينية إِلى حرب جديدة عرفت بحرب القرم وكان ذلك ما بين 1853 و1856, ولما وضعت الحرب أوزارها تمتعت أرمينية بالسلام عشرين عاماً, ثم نشبت الحرب مرة ثانية بين روسية والدولة العثمانية وانتهت بصلح سان ستيفانو الذي أكده صلح برلين سنة 1878 وتخلت بموجب تركية لروسية عن جميع البقاع الواقعة على الحدود الروسية التركية القديمة, وكذلك عن جميع بلاد أردهان وقارص وباطوم.

وكان الأرمن يهاجرون في البدء إِلى روسية القيصرية يدفعهم إِلى ذلك فكرة الحرية والأمن غير أن روسية ما لبثت أن عمدت إِلى سياسة الدمج وإِذابة الفوارق العنصرية والدينية, وسعت إِلى جعل أرمينية مقاطعة روسية, فأقفلت المدارس الأرمنية وتدخلت في انتخاب «الجاثليق» الرئيس الديني الأرمني.

أما الأرمن الباقون في تركية فقط حظر عليهم حمل السلاح, وكانت كل مقاومة منهم تُعدُّ تمرُّداً. ثم جاء السلطان عبد الحميد بعشرات الآلاف من الأكراد البدو وأنزلهم في المناطق الأرمنية, وأنشأ منهم كتائب خيّالة مسلحة عرفت بالحميدية, كانت تنهب وتخرِّب في بلاد الأرمن. وأدى ذلك إِلى مذابح في ساسون وخربوط وطرابزون وأرضروم وأزرنجان وديار بكر وبدليس وسيواس وماردين وقيسارية (قيصرية), وقمعت مظاهرات حزب هنتشاك الأرمني في الأستانة.

وبدأ الأرمن في روسية يتسلحون ليساعدوا إِخوانهم في تركية, فخافت روسية من تزايد قوة الأرمن, وسلحت تتر أذربيجان وسيرتهم إِلى الأرمن, فأدى ذلك إِلى اصطدامات في باكو سنة 1905م. وعندما استولى حزب الاتحاد والترقي على الحكم في تركية كان للأرمن يد في مساعدته. فلما ألغى السلطان عبد الحميد الدستور لحق بالأرمن اضطهاد قاس, كما لحقهم مثل هذا الاضطهاد في نهاية الحكم العثماني عندما نفذ الأتراك سياسة التتريك. وكان من نتيجة ذلك وقوع ضحايا كثيرة من الأرمن في تركية, وهجرة الباقين منها إِلى سورية ولبنان ومصر وقبرص.

أرمينية الصغرى (مملكة كيليكية):

بعد أن بدأت هجمات السلاجقة على أرمينية أخذت الهجرات الجماعية الأرمنية تتوجه نحو كيليكية, كما توجه قسم كبير من الأرمن نحو بلاد القرم ومولدفية والمجر وبولندة.

وكان الأمير روبين البقردوني قد جمع أفراد الجالية الأرمنية في كيليكية وأنشأ فيها مملكة عرفت بأرمينية الصغرى (472-776هـ/1080-1375م), وكان ذلك في الوقت الذي جاء فيه الصليبيون. فتعززت العلاقات بين الطرفين, وناصر الأرمن الصليبيين. وعندما انتقل الحكم إِلى أسرة هيتوم وجد الملك المصاعب تكتنف بلاده, فالسلاجقة والروم في الشرق والمماليك في الجنوب, وأراد أن يستفيد من قوة كاسحة في الشرق هي المغول, فعقد مع الخان «منكو» حفيد جنكيز خان اتفاقاً أثار نقمة الملك الظاهر بيبرس فشنّ في سنة 664هـ حملة عسكرية اجتاح بها كيليكية, وتوالت بعد ذلك هجمات المماليك على دولة كيليكية حتى زمن السلطان الملك الأشرف, حين حاصر جيش المماليك مدينة سيس, كرسي دولة كيليكية, وفتحها في سنة 776هـ/1375م وقضى بذلك على دولة كيليكية (أرمينية الصغرى).

الأرمن (1917-1991):

أصبحت أرمينية جمهورية صغيرة مستقلة استقلالاً داخلياً ضمن الاتحاد السوفييتي[ر] وكانت تؤلف مع جمهوريتي أذربيجان وجورجية كياناً واحداً سُمي بجمهورية ما وراء القفقاس.

ومنذ عام 1936 ارتبطت مباشرة بالاتحاد السوفييتي وغدت أصغر جمهورياته الخمس عشرة. وقد قام الاتحاد السوفييتي بمحاولات لجعل أرمينية مركزاً يستقطب الأرمن المشتتين في العالم. وفي عام 1991 وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي والإِعلان عن استقلال جمهورياته أصبحت أرمينية دولة مستقلة ثم غدت عضواً في رابطة الجمهوريات المستقلة[ر.أرمينة (جمهورية -)].

الأرمن في العالم:

يعيش الأرمن المهاجرون في معظم أقطار أوربة وآسيا وأمريكة, فلهم جاليات في إِيران والهند وتركية والنمسة والمجر وبولندة وفرنسة وأمريكة وفي مصر وسورية ولبنان والعراق. وقد اختلفت المصادر في عددهم, فذهب بعضها إِلى أنهم ليسوا أكثر من مليونين ونصف المليون ووصلت مصادر أخرى بالعدد إِلى عشرة ملايين. وقد اشتهر الأرمني بالمثابرة وإِتقان العمل. ويمارس الأرمن التجارة والصناعات المهمة في البلاد التي يغدون مواطنين فيها. وهم يتكلمون لغة أوطانهم الجديدة إِضافة إِلى اللغة الأرمنية التي يتعلمونها في مدارسهم الأرمنية الخاصة بهم.

الديانة المسيحية والأرمن

تأثر الأرمن بديانات الدول التي حكمت بلادهم من الفرس والإِغريق, وقد تركت هذه الدول بصماتها الدينية على المعتقدات الروحية للأمة الأرمنية, فكانت تعبد الإِله «أهورامزدا» والإِله «ميثرا» ممثل الشمس والنور والنار عند الفرس, وقد سماه الأرمن «ميهر», كما عبدوا آلهة أخرى تقابل الآلهة اليونانية, وإِن ظهرت وفق أشكال أرمنية محلية.

وعند ظهور الديانة المسيحية صار لها أتباع وأنصار من الأرمن, وقد عانى هؤلاء من الاضطهاد في أيام خسرو (سنة 230م) ودرطاد الثالث. ثم إِن الملك درطاد اعتنق الديانة المسيحية وجعلها دين الدولة الرسمي عام 310م على الأرجح. وكان ذلك بتأثير غريغور بن أناك المعروف بالمنوّر. ودانت أرمينية بالمسيحية قبل أي دولة في العالم, وأصبح غريغور الرئيس الأعلى للكنيسة برتبة «جاثليق». وقد لقيت المسيحية مقاومة من الكهنة الوثنيين الأغنياء, ولكنها سرعان ما انتشرت. وبنى الملك مدينة اتشميازين (أواجميازين) لتكون كاتدرائيتها مقر الرئيس الديني الأعلى (الجاثليق). وغدا غريغور المنوّر شفيع أرمينية, ونسبت إِليه كنيستها فعرفت بالكنيسة الغريغورية الأرمنية.

والكنيسة الأرمنية مستقلة عن الكنائس المسيحية الأخرى وتسمى منذ سنة 506م بالكنيسة الرسولية المقدسة والجامعة. وللكنيسة الأرمنية تسع رتب لخدمة الدين, أولها الجاثليق (الكاثوليكوس) الذي يعدّ أكبر سلطة دينية وروحية لدى الأرمن, وللكاثوليكوسية الأرمنية اليوم مركزان واحد في اتشميازين (في جمهورية أرمينية), وآخر في انطلياس في لبنان, ويعرف باسم «كاثوليكوسية البيت الكبير لكيليكية».

وقد دخلت الكنيسة الأرمنية المجلس المسكوني للكنائس عام 1962م, وهي تعمل بنشاط في حركة تجميع الكنائس غير الخلقدونية.

غسان كجو, لوسي قصابيان, إِلياس الزيات

 

  


- التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار - المجلد : المجلد الأول، طبعة 1998، دمشق - رقم الصفحة ضمن المجلد : 933 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة