الثورة الزراعية agricultural revolution مصطلح أطلقه أول مرة الباحث الإنكليزي غوردن تشايلد G.Childe في ثلاثينات القرن العشرين لوصف التحول الذي حصل في عصور ما قبل التاريخ، وتميز بانتقال المجتمعات البشرية من حياة التنقل والصيد والالتقاط، التي سادت في العصر الحجري القديم (الباليوليت)،

"/>
ثوره زراعيه (تط)
Agricultural revolution - Révolution agricole

الثورة الزراعية

الثورة الزراعية

 

الثورة الزراعية agricultural revolution مصطلح أطلقه أول مرة الباحث الإنكليزي غوردن تشايلد G.Childe في ثلاثينات القرن العشرين لوصف التحول الذي حصل في عصور ما قبل التاريخ، وتميز بانتقال المجتمعات البشرية من حياة التنقل والصيد والالتقاط، التي سادت في العصر الحجري القديم (الباليوليت)، إلى حياة الاستقرار والزراعة والتدجين التي ميزت العصر الحجري الحديث (النيوليت). ويستخدم مصطلح الثورة هنا للدلالة على عمق وشمولية التحول وأهميته ونتائجه الكبيرة في تاريخ الإنسان والحضارة عامة، وعلى أنه تحوّل تدريجي ومترابط في مختلف مراحله.

يتصدى الباحثون في معالجة موضوع الثورة الزراعية أو الثورة النيوليتيةneolithic revolution  أي ثورة إنسان العصر الحجري الحديث، إلى الإجابة عن مجموعة من الأسئلة تتعلق بزمن حصول هذه الثورة ومكانها وكيفيتها وأسبابها، مستعينين بعلوم كثيرة ومختلفة أهمها علوم الآثار والباليونتولوجيا (المستحاثات) والبيئة والمناخ وطرائق التأريخ الحديثة وغيرها. لقد تبين أن الدليل الأول والأقدم للثورة الزراعية قد أتى من بلاد الشام، من المنطقة الممتدة من وادي الفرات شمالاً (تل المريبط) مروراً بحوضة دمشق (تل أسود) حتى وادي الأردن في الجنوب (أريحا)، وذلك منذ الألف التاسع ق.م، وهو العصر الذي بلغت المجتمعات، التي عاشت في العصر الحجري الوسيط (الميزوليت)، أوج تطورها واضعة الأسس المادية والروحية للتحول الكبير الذي بدأ في مطلع العصر النيوليتي، الذي تابع تطوره على كل الأصعدة وعلى امتداد الألف الثامن والسابع والسادس ق.م، كما دلت عليه عشرات المواقع المنتشرة على امتداد المشرق العربي القديم والتي أعطت دلائل الحبوب المزروعة والحيوانات المدجنة والبناء والفنون والأدوات التي ميزت المجتمعات الزراعية.

تجسدت الثورة الزراعية (من خلال إبداعات جديدة كثيرة في مختلف الميادين، دلت عليها) بالقرى الزراعية الأولى التي بُنيت وفق مخططات محددة، وتألفت من بيوت كبيرة وقوية، وشوارع وساحات ومدافن ومعابد ومشاغل وغيرها من أنماط الأبنية الفردية والأسروية والجماعية التي تدل على تبلور سلطة اجتماعية جديدة تنظم وتدير شؤون تلك القرى. كما زُرع القمح والشعير والعدس ودُجن الماعز والغنم والبقر، وظهرت الأدوات الثقيلة المصقولة وخاصة الأدوات الزراعية كالرحى والأجران والبلطات والفؤوس، والأدوات الصوانية كالمناجل ورؤوس النبال، ثم صنعت ومنذ الألف السابع قبل الميلاد الأواني الفخارية التي كان لها الدور الأهم في تخزين وحفظ الطعام والشراب، وتميّز الشعوب والحضارات على امتداد العصور اللاحقة.

اتفق الباحثون على عصر الثورة الزراعية ومكانها وكيفية حصولها، لكنهم اختلفوا إلى درجة التناقض على الأسباب التي أدت إلى حدوث هذه الثورة، فمنهم من يربطها بالجفاف البيئي الذي أجبر الناس على إنتاج الطعام انطلاقاً من موقف التحدي والرد الذي تبناه الباحث أرنولد توينبي A.Toyenbee، في حين يرى آخرون مثل بوسيروب E.Boserup أن الزيادة السكانية كانت الدافع الأهم للزراعة والتدجين وإنتاج مقومات العيش بسبب عجز الموارد والطبيعة عن سد الحاجة، ويعتقد بعضهم مثل بريدوود R.Braidwood أن السبب يعود إلى التقدم التقني لإنسان العصر الحجري الحديث الذي عاش في بيئة غنية بالخيرات الطبيعية وأحسن استغلال تلك الخيرات وقام بتدجين الحيوان وزراعة الأرض، ويرى بعضهم الآخر مثل كوفن J.Cauvin أن الزراعة كانت نتيجة دوافع اجتماعية ـ فكرية لذلك الإنسان الذي أراد تنظيم إنتاج قوته بدوافع روحية ومعنوية. ومهما يكن فإن الإنسان من جهة والبيئة من الجهة الثانية كان لهما الدور الحاسم في حصول الثورة الزراعية الأولى في حياة البشرية التي وضعت أسس الحضارة بمفهومها الشامل.

كانت بلاد الشام المهد الأول للثورة الزراعية منذ الألف التاسع ق.م، ومنها انتقلت إلى جنوبي أوربة وشمالي إفريقية وجنوب غربي آسيا منذ الألف السابع ق.م، وتدل الدراسات أن مراكز زراعية أخرى عرفت ثورات زراعية بعد ذلك في مناطق مختلفة من العالم، أهمها في الصين حيث زُرع الرز منذ الألف السابع ق.م، وأمريكة الوسطى حيث زرعت الذرة منذ الألف السادس ق.م بينما ظهرت الزراعة في وسط إفريقية منذ الألف الخامس ق.م، ثم ما لبثت الزراعة أن انتقلت إلى مختلف أرجاء المعمورة بأوقات متفاوتة فيما بعد.

أما في القرنين التاسع عشر والعشرين فقد تميزت الثورة الزراعية، انطلاقاً من إنكلترة ودول أخرى، بتقدم التعليم الزراعي والبحث العلمي واختراع الآليات الزراعية وتطويرها، واكتشافات زراعية كثيرة، إلى جانب إدخال زراعات جديدة من المحاصيل الحقلية والبستانية وتطبيق الدورات الزراعية وتجميع الأراضي الزراعية وتنظيمها وتسويرها وتحسين كفاءة استغلالها، وزيادة رقعتها. كما أسهمت هذه الثورة في تطوير عروق الماشية والخيول المحسّنة وحفظ الأعلاف وتحسين طرائق تربية الحيوان وطرائق تغذيتها، إلى جانب تطوير أنواع المحاصيل المختلفة وأصنافها باستخدام طرائق التربية الاصطفائية وإنتاج المخصّبات وتحليل الترب وحفظها وغيرها. كما ظهر عدد من المجلات العلمية الزراعية المتخصصة لتنقل إلى قرائها نتائج البحوث العلمية والتطبيقية معتمدة على الاكتشافات الحديثة في علوم الكيمياء الزراعية الحيوانية والنباتية وغيرها.

سلطان محيسن

 

 

- التصنيف : الزراعة و البيطرة - المجلد : المجلد السابع، طبعة 2003، دمشق - رقم الصفحة ضمن المجلد : 360 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة