الشعر (في الغرب)
شعر (في غرب)
Poetry - Poésie
الشعر
الشعر Poésie, Poetry هو أحد أشكال فن القول، إلى جانب النثر والمسرح. ولا يمكن وضع تعريف جامع مانع له، لأنه يختلف باختلاف الحضارات واللغات والمراحل، بل وحتى بين شاعر وآخر أحياناً في المرحلة عينها، إلا أنه بصورة عامة تاريخياً قول منظوم بليغ يدل على معنى، ولعل تعريف كولردج S.T.Coleridge، الذي أخذه عن جوناثان سويفت J.Swift في سياق حديثه عن الأسلوب في الكتابة، هو الأبلغ حين قال «النثر هو الكلمات في أفضل ترتيب والشعر هو أفضل الكلمات في أفضل ترتيب». أما التزام القافية فيرتبط ببعض الشعر. والشعر هو أقدم الآثار الأدبية في جميع الحضارات لارتباطه بالشعائر الدينية، وعنه تفرع النثر الفني، وهو حسب الناقد الإنكليزي رتشاردز I.A.Richards «أكمل وسيلة للخطاب». ويعيد كثيرون في الغرب اصطلاح «شعر» إلى اللغة الإغريقية، من كلمة Poiesis = صنعة ـ إبداع. أما في الحضارات الشرقية فتختلف المصادر والاشتقاقات، فمصدره عند العرب مثلاً فعل شَعَرَ، وهم يعدّونه صنعة، كما الإغريق والهنود والصينيين القدامى. وشعر هوميروس Homeros كان ينشد قبل أن يدوَّن في أيّ كتاب، وكذلك الأمر في الحضارات الأخرى. ويعد كتاب أرسطو «فن الشعر» Peri poietikes أول كتاب في نظرية الشعر وأنواعه، وسار على منواله كثيرون حتى اليوم في مختلف اللغات.
يتميز الشعر شكلاً ببنيته الإيقاعية الناشئة من تقسيم دقيق لوحدات مقيسة، لا تتطابق مبدئياً مع تقسيمه إلى وحدات نحوية، في حين ينقسم النثر إلى مقاطع وجمل وفقرات. كما يتميز الخطاب الشعري بالعبارة الشعرية poetic diction أو بنية اللغة الشعرية، التي كانت تعني قديماً انتقاء الكلمات وتنسيقها لتكون لغة رفيعة لفن سام. وهذا الفهم يُخرج من دائرة الشعر أشكالاً حديثة صارت شائعة، مثل الشعر الحر free verse و قصيدة النثر poème en prose. كما أن دلالة المصطلح لا تشمل الشعر كله بمفهومه المعاصر، لأن الشعر سيحدُّ نفسه تاريخياً وأسلوبياً، ولن يوجِد في لغته إلا تقاليد محدِّدة حكمت استعمال اللغة في الأدب، أي منظومة خاصة من أدوات التعبير مغلقة على نفسها. وظل هذا الفهم للشعر قائماً حتى نهاية عصر النهضة الأوربية، وحتى بداية عصر النهضة العربية.
يقوم الشعر عامة على بنية لغوية (لغة الشعر) وبنية جمالية (جيد الشعر ورديئه) وبنية المعنى (المقاصد والأغراض) وبنية صوتية (العَروض prosody والوزن metre والقافية rhyme والمقطع stanza). وتعارف النقاد على دراسة التجانس الصوتي assonance ضمن البنية الصوتية، وهو تكرار صوت أو أكثر في كلمات متوالية، أو في مجموعات إيقاعية rhythm متتالية. وهو أيضاً مظهر من مظاهر موسيقى الكلام، يولِّد إيقاعاً ونغماً يتجلى في الوزن، أي في مجموع القوانين الناظمة لبنية الشعر الإيقاعية، التي تختلف من منظومة شعرية إلى أخرى، ومن لغة إلى أخرى. وهو كذلك مجموعة من الأنماط الإيقاعية التي تتألف من تتابع معين في النبر، أو من تتابع محدد لمقاطع الكلمات، أو مما تشمله من مقاطع لغوية. أما علم العروض فهو مصطلح يطلق على مجموعة الوسائل التي يمكن بها تحليل الكلام إلى عناصره الصوتية الإيقاعية، أي ضبط القوالب الموسيقية الشعرية وحصرها وتبيان ما يطرأ عليها من تحوير بزيادة أو نقص لا يختل به النغم. كما ترتبط بنية الشعر العروضية بالقافية أحياناً، وهي تكرار أصوات متشابهة أو متماثلة بانتظام، تكون في نهاية البيت أو الشطر، وقد تكون استهلالية. ويلاحظ أن القافية لم تستعمل دائماً في الشعر، لا غربيّه ولا شرقيّه، لكنها لازمت الشعر العربي والفارسي والعثماني. ومن أجل دراسة مستفيضة للشعر العربي[ر: الأدب العربي، القصيدة].
يمكن تقسيم أنواع الشعر إلى ثلاثة أقسام:
ـ الشعر السردي:narrative ويأخذ أشكالاً مختلفة، قصيرة أو طويلة، بسيطة أو معقدة، أهمها الملحمة[ر] Epic والبالادة[ر] Ballad والرومانس Romanz (أي ما كتب بلغة الشعب أو بالعامية).
ـ الشعر الدرامي:dramatic ويعتمد الأسلوب السامي والشخصيات النبيلة من الكتب المقدسة، مروراً بنصوص المسرح الإغريقي والروماني ومسرح عصر النهضة ومسرح القرن الثامن عشر. وقد طوَّر الإنكليزي روبرت براوننغ R.Browning أحد أشكاله الحديثة وهو المنولوغ الدرامي Dramatic Monologue.
ـ الشعر الغنائي lyric: وهو الشعر المنظوم للغناء بمصاحبة آلة موسيقية، ويركز على عاطفة الشاعر الذاتية. ومن أنواعه الترنيمة Hymn والأود[ر] Ode والسونيته[ر] Sonnet والمرثية Elegy، والرعوية Pastoral. وتختلف هذه الأنواع كلها من حيث الطول والوزن وعدد المقاطع والقافية.
الشعر في الغرب:
تعود بداية الشعر الأوربي إلى القرن التاسع أو الثامن قبل الميلاد مع ظهور ملحمتي هوميروس «الإلياذة» و«الأوديسة»، ثم كتَبَت سافو Sapphoفي الشعر الغنائي والغزلي. وفي القرن الخامس قبل الميلاد ازدهر الشعر الدرامي في مآسي أسخيلوس Aeschylus وسوفوكليس Sophocles وأوربيديس Euripides وملاهي أريستوفانس Aristophanes. أما في العصر الهلنستي (338-30ق.م) فقد ابتكر ثيوقريطس Theokritos الشعر الرعوي في أغانيه idylls، كما جمع السوري ملياغروسMeleagros ت(140-70ق.م) في «الإكليل» The Garland مختارات من الحِكَم، ضُمت لاحقاً في ما عُرف بـ«المختارات الإغريقية» Greek Anthology التي مهدت الطريق لهذا النوع من الكتب. وفي العصر البيزنطي ومع انتشار المسيحية نشأت أشكال جديدة في الشعر الديني اليوناني، مثل الترانيم الطويلة Kanon التي كان القديس يوحنا الدمشقي من أفضل كتّابها، وما زالت ترانيمه تنشد في الشعائر الكنسية liturgy حتى الوقت الحاضر.
في بدايات الشعر اللاتيني ظهرت عدة ترجمات لأعمال هوميروس، وفي القرن الثاني قبل الميلاد كتب إنيوس Ennius، مؤسس الشعر اللاتيني، «الحوليات» Annales، وأسهم بلوتس Plautus وتيرنس Terence في الشعر الدرامي، كما كتب لوكريتيوس Lucretius «في طبيعة الأشياء» De rerum natura وهو عمل فلسفي شعري. وفي العصر الذهبي كتب فرجيل Virgil ملحمة «الإنيادة»، وفي الرعويات[ر]، كما كتب أوفيد Ovid «مسخ الكائنات» أو «التحولات» Metamorphoseon و«فن الحب» Ars amatoria، وتلاهما في العصر الفضي كل من برسيوس Persius ويوفينال Juvenal.
تميزت العصور الوسطى بظهور اللهجات المحلية المنبثقة من اللاتينية وصارت لغات قومية، وبظهور الشعر الغنائي الدنيوي، مثل «كارمينا بورانا» Carmina Buranaت(13ق.م)، وبظهور مؤلفات آذنت ببداية الآداب المحلية، مثل «حياة القديس ألكسيس» La vie de Saint Alexis (نحو 1040م) في فرنسا، وملحمة «السيد» El Cid (نحو 1140م) في إسبانيا، والأغاني الدينية على يد فرنسيس الأسيسي Francis of Assisi ودانتي في إيطاليا، الذي كتب «الكوميديا الإلهية» التي تُعد أكبر عمل أدبي في اللغات الأوربية. كما نشأ ما أُطلق عليه تسمية «مادة فرنسا» Matière de France و«مادة روما» و«مادة بريطانيا» في رومانسات مثل «أغنية رولان» Chanson de Roland في فرنسا، و«قصة الإسكندر» Le Roman d’Alexandre حول شخصيات من الأدب الكلاسيكي، و«قصة بروتوس» Roman de Brut و«موت أرثر» Morte Arthure و«سير غاوين والفارس الأخضر» Sir Gawain and the Green Knight حول شخصيات أسطورية بريطانية. أما في شمالي أوربا فقد كان لملاحم «بيوولف» Beowulfت(9ق.م) و«أغنية هيلدبراند» Hildebrandsliedت(8ق.م) وقصائـد الـ «إدا» Eddaت(9-11ق.م) و«أغنية نيبلونغن» Nibelungenliedت(12ق.م) والساغا الإيسلندية مثل «ساغانيال» Njalssagaت(13-14ق.م) دور رئيسي في تطور الشعر.
يرتبط الشعر الغنائي في لغات الرومانس ارتباطاً عضوياً بتطور الشعر العربي في الأندلس، ولاسيما بالزجل والموشحات والخرجات التي انتشرت بين المستعربين من الأقوام الإيبيرية بعد بداية الألف الثانية للميلاد. فقد انتقلت تقاليد هذا الشعر إلى منطقة البروفانس في جنوبي فرنسا مع أول شعراء التروبادور[ر] troubadours وليم الأكيتيني William of Aquitaine الذي غنى بلغة الأوك langue d’oc، ومع شعراء التروفير trouvères في الشمال الذين غنوا بلغة الأويل langue d’oïl، وشعراء مينزينغَر minnesinger الألمان، فاقتبس هؤلاء جميعاً موضوعات الغزل والوقوف على الأطلال أو «أين هم؟» ubi sunt، والحب العذري amour courtois. وكان لابتكار السونيته الذي يعزى إلى الإيطالي جاكوبو دا لنتينو Jacopo da Lentino، الدور الأساسي في هذا الانتشار الواسع للشعر الغنائي، وقد استخدمها كل من دانتي وبتراركا Petrarca وبوكاتشو Boccacio وتشوسر Chaucer وشكسبير.
عادت الملحمة في عصر النهضة إلى الصدارة في أعمال الشاعرين الإيطاليين أريوستو Ariosto وتاسو Tasso، وكان موريس سيف M.Scève في فرنسا، مع جماعة «الثريا أو البلياد»، من أبرز الشعراء إلى جانب رونسار Ronsard وسينيور دو بارتاس Seigneur du Bartas. أما السونيته فقد وصلت إنكلترا في أشعار وايات Wyatt وسبنسر Spenser، وسيدني Sidney، الذي ألَّف «دفاع عن الشعر»The Defence of Poesie ت(1595)، وأيضاً في أشعار مارلو Marlowe وملتون Milton. وكان دي بيغا de Vega ودي لاباركا de la Barca من أبرز شعراء إسبانيا في عصرها الذهبي. وفي ألمانيا كتب مارتن لوتر (لوثر) Luther أهم ترانيم الكنيسة البروتستنتية، كما وضع مارتن أوبيتس M.Opitz أهم الأعمال النظرية في الشعر (1624). وظل الشعر الميتافيزيقي يسود بريطانيا في أشعار جون دَن J.Donne وأندرو مارفِل A.Marvell، في حين كان شعر عصر الباروك Baroqueت(1580-1680) يسود بقية أوربا.
حدد فرانسوا دي مالِرب F.de Malherbe سمات الاتباعية الجديدة Neoclassicism في القرن السابع عشر، ثم بلورها بوالو Boileau في كتابه «فن الشعر» L’Art poétique ت(1674). وكان بوالو من أبرز شعراء تلك المرحلة إلى جانب لافونتين وكورني Corneille وراسين Racine. وفي القرن الثامن عشر وصل فولتير Voltaire بالشعر إلى ذروته. أما في إنكلترا فقد كان النفوذ لدرايدن Dryden في «مقالة حول الشعر الدرامي» An Essay on Dramatic Poesy ت(1668)، وبوب Pope في «مقالة حول النقد» An Essay on Criticism، كما بشَّر شعراء مثل غراي Gray وبرنز Burns وبليك Blake وآخرون بالحركة الإبداعية (الرومنسية). كان لكلوبشتوك Klopstock كبير الأثر في إحياء الشعر في ألمانيا، إلا أن غوته Goethe وشيلر Schiller وهولدرلين Hölderlin هم عمالقة الشعر الألماني، ولعب لومونوسوف Lomonosov الدور ذاته في الشعر الروسي، وكرويتس Creutz في السويد، وغونزاغا Gonzaga في البرازيل. وبانتشار الإبداعية في الشعر الإنكليزي على أيدي وردزورث Wordsworth وكولردج برزت أسماء كبيرة أخرى، مثل شلي Shelley الذي كتب «دفاع عن الشعر»A Defence of Poetry ت(1840)، وبايرون Byron وكيتس Keats، إلى جانب هاينه Heine في ألمانيا، ومانزوني Manzoni وليوباردي Leopardi في إيطاليا، وليرمنتوف Lermontov وبوشكين Pushkin في روسيا، ولامارتين Lamartine وهوغو Hugo ونرفال Nerval في فرنسا، وثوريللا Zorilla في إسبانيا، وبو Poe في الولايات المتحدة، وستاغنيليوس Stagnelius في السويد، ولُنْروت Lönnrot، الذي جمع الملحمة الوطنية الفنلندية «كالفالا» Kalevala ت(1849)، في فنلندا.
![]() قصيدة أبولينير "اليمامة المتألمة ونافورة الماء"
|
قصيدة من مخطوطات بول فاليري
|
أخذت ملامح الحركة الرمزية[ر] Symbolism بالظهور في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وكان بودلير Baudelaire، الذي كتب «أزهار الشر» Les Fleurs du Mal ت(1857)، أبرز شعراء تلك الحقبة، وتلاه من حيث الأهمية شعراء كبار، مثل فرلين Verlaine ورامبو Rimbaud ومالارميه Mallarmé ومترلينك Maeterlinck وفاليري Valéry. وكان أبولينير Apollinaire مبشراً بالحركة السريالية[ر] Surrealism، وبروتون Breton وأراغون Aragon وإيلوار Éluard بالحركة الدادائية[ر] التي تأثر بها الألمانيان غيورغة George وريلكه Rilke والإيطاليان دانونتسيو D’Annunzio وكوازيمودو Quasimodo. وكانت هذه مرحلة الحداثة الشعرية Modernism التي مثلها كل من أخماتوفا Achmatova وماياكوفسكي Mayakovsky في روسيا، وداريو Darío ونيرودا Neruda في أمريكا الجنوبية، ولوركا Lorca في إسبانيا، وسيفريس Seferis في اليونان، وإبسن Ibsen في النروج، وسترندبرغ Strindberg وفرودنغ Fröding وكارلفِلت Karlfeldt في السويد. أما على صعيد الشعر المنظوم بالإنكليزية فقد عبّر شعراء مثل آرنولد M.Arnold وهارديT.Hardy عن تشاؤم عميق، وأفرزت الحرب العالمية الأولى شعراء أُطلق عليهم تسمية «الجيل الضائع» Lost Generation تركوا بصمات واضحة في الشعر العالمي، مثل جويس Joyce وإليوت Eliot وباوند Pound ووليمز C.W.Williams وغريفز Graves وأودِن W.H.Auden، وأيضاً شعراء جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية الذين أطلقوا على أنفسهم تسمية «الجيل المنهك» Beat Generation، مثل ألان غنزبرغ A.Ginsberg، إضافة إلى شعراء عالميين مثل حمزاتوف Gamzatov من قرقيزيا، وبريشت Brecht من ألمانيا، وديلن توماس D.Thomas من بريطانيا، وسيلفيا بلاث S.Plath من الولايات المتحدة.
رضوان القضمانين، نبيل الحفار، طارق علوش
- التصنيف : الأدب - المجلد : المجلد الحادي عشر، طبعة 2005، دمشق - رقم الصفحة ضمن المجلد : 704 مشاركة :