المسرح (هندسة-)
مسرح (هندسه)
Stage engineering - Ingénierie de stade
المسرح (هندسة ـ)
المسرح (هندسة ـ)
الشكل (1-أ) مسرح نو الياباني |
المسرح مكان تقدم فيه المسرحيات أو العروض الفنية والموسيقية وغيرها كألعاب السيرك والسحر. وقد اختلف شكل هذا المكان وطبيعة استخدامه تاريخياً حسب التطور الحضاري لكل أمة امتلكت فناً مسرحياً. ففي الهند القديمة مثلاً[ر. الهند (المسرح في-)] كان يقام المسرح عادة على الجانب الأيمن خارج المعبد الهندوسي أو البوذي، وهو يتألف من منصة طولانية بعمق أربعة أمتار، تنسدل في عمقها على جدار المعبد مجموعة من الستائر المتتالية والمتحركة التي يرمز كل لون منها إلى إحدى العواطف الرئيسية في النفس البشرية. ومقابل هذه المنصة العارية يقتعد الجمهور الأرض على مساحة قسمت أربعة أقسام حسب الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها المشاهدون؛ وثمة في أقصى يسار المنصة بعض الموسيقيين مع آلاتهم التقليدية. أما في بلدان جنوب شرقي آسيا فلم توجد أي أبنية مسرحية؛ لأن الدراما الراقصة التي تعتمد على الأقنعة والأزياء المبهرجة كانت تقام في أي باحة أو ساحة، حيث يشكل الجمهور حلقة حول المؤدين الراقصين والموسيقيين المرافقين. وللمسارح في اليابان أشكال وظيفية حسب النوع المعروض (الشكل 1)[ر. اليابان (المسرح في -)] (نو، كابوكي، بونراكو، وغيرها).
وفي الصين حيث هيمنت تقاليد المسرح التمثيلي الغنائي الراقص الذي عُرف بتسمية «أوبرا بكين»[ر. الصين (المسرح في-)] لم يخرج البناء المسرحي عن المبدأ المعماري المعتمد على حالة المواجهة بين ما عُرف بمكان العرض (المنصة) وبين ما عُرف بمكان المشاهدة (الصالة)، مع اختلافات بسيطة في مستوى البهرجة حسب مكانة رعاة المسرح ومموليه، وكانت المنصات قديماً خشبية، دائمة ومؤقتة (الشكل 2).
الشكل (1-ب) مسرح كابوكي الياباني القديم | الشكل (2) المسرح الصيني القديم |
كشفت الحفريات الآثارية في جنوبي وادي الرافدين بقرب مدينة أور عن بناء يدل شكله على أنه مسرح (الشكل 3)، كانت تعرض فيه نصوص مثل «رثاء أور» الذي يعود إلى الألف الثانية ق.م.
الشكل (3) |
يتسع هذا المسرح المربع الشكل لنحو ألفي مشاهد، وقد عثر على نموذج يشبهه في آشور شمالي العراق، يعود أيضاً إلى الألف الثاني ق.م. ولاشك في أن نصوصاً مثل «حوارية السيد والعبد» ـ التي تعود إلى منتصف الألف الثانية ق.م ـ تدل على الاستخدامات المحتملة لهذه المنصة.
لم يول فراعنة مصر اهتماماً خاصاً بتشييد عمارة مسرحية، إذ كانت «عروضهم المسرحية المحجبة» (حكراً على الكهنة والحاشية) تقام في باحات المعابد عند البركة التي تمثل نهر النيل. في حين أن العروض الهائلة التي تمثل الصراع بين الخير والشر (بين الإله حورس والإله سِث) والتي يشارك فيها الجيش والجماهير فقد كانت تقام بالقرب من ميناء أبيدوس على النيل جنوبي ممفيس، مرة في السنة لتأكيد دورة الطبيعة.
الشكل (4) مدرج محفور في منحدر الهضبة |
وفي اليونان القديمة بعد انفصال الفن المسرحي عن احتفالات عبادة الإله ديونيسوس[ر] واستقلاله منذ أواخر القرن السادس ق.م بمهرجاناته - مرتين سنوياً- التي كانت تنظمها وتشرف على مصادر تمويلها حكومة دولة المدينة Polisفي أثينا، طرأت على هندسة المدرج[ر. المدرج] تطورات معمارية أخذ فيها المهندسون بالحسبان ضرورة تلبية احتياجات الكتّاب الدراميين في نصوصهم الجديدة، مثل إسخليوس[ر] وسفوكليس[ر] وأوريبديس[ر] وأريستوفانيس[ر] وغيرهم. فإذا كان المدرج theatron المحفور في منحدر الهضبة (الشكل 4) وليد مصادفة محضة حول مستديرة الرقص والغناء والتمثيل orchestra فإن سائر مكونات البناء الأخرى قد نجمت عن العلاقة الجدلية المتبادلة بين تطور الكتابة الدرامية وتطور الهندسة المعمارية المسرحية، واستخدام الرسم والنحت ومبدأ المنظور والتقانات المتنوعة التي تجعل من نص مثل «السلام» لأريستوفانيس عرضاً مسرحياً يضج بالحيوية والحركة عند تجسيد الأحداث والأفعال المختلفة في فضاء المنصة skene. وهذه الكلمة الأخيرة صارت لاحقاً تعني المشهد المسرحي.
ولكي يحافظ الممثلون على تأثيرهم صوتاً وصورة في هذه المساحة الهائلة؛ فقد لجؤوا إلى القبقاب لإطالة قاماتهم وإلى الحشوات تحت الثياب لتضخيم أجسامهم وإلى الأقنعة لتكبير رؤوسهم بحيث تتناسب مع الطول وضخامة الجسد. وكان لأسخيلوس الفضل في تطوير صناعة الأقنعة لأدوار متعددة، نسائية وذكورية. وقد اكتشف صانعو الأقنعة حينذاك أن إضافة قطعة معدنية رقيقة جداً عند فتحة فم القناع تساعد على تضخيم صوت الممثل بحيث يصل واضحاً إلى المشاهدين في أعلى صفوف المدرج. ثم صاروا ينتبهون لاحقاً إلى هندسة توزيع الصوت akustik في المكان بحيث لا يتولد الصدى المزعج، ويُحافَظ في الوقت نفسه على القيمة الصوتية لكل ممثل أو ممثلة على المنصة بجلاء مفيد، كما في مسرح بصرى مثلاً (الشكل 5)، فاستعانوا بألواح خشبية كتيمة توزع في نوافذ جدار الخلفية ذي الطبقات المتعددة بدرجات ميلانٍ مدروسة باتجاه الوسط والأسفل نحو بؤرة المستديرة ولتتوزع من ثم على مساحة المدرج المحيط بالمستديرة من جهات ثلاث دائرياً amphitheatre.
كانت أثينا في عصر بريكلس[ر] تمتلك مسرح ديونيسوس لمهرجانات المأساة والملهاة، ومسرح أوديون Odeon للموسيقى والغناء، وقد انتشر هذا التقليد في كبريات المدن الإغريقية آنذاك في اليونان وآسيا الصغرى وإيطاليا (الشكل 6).
الشكل (5) مسرح بصرى | الشكل (6) مسرح صبراتة في ليبيا |
الشكل (7) مسرح برين في العصر الهيلينيستي |
أما في المرحلة الهيلينستية[ر] على أثر اجتياح الإسكندر المقدوني العالم الإغريقي، واضمحلال دول المدن فقد تبدلت الأوضاع السياسية بتلاشي أنظمة الحكم الديمقراطية وتراجع اهتمام الفرد بشؤون الوطن والدولة والمصلحة العامة. ونتيجة لذلك تغيرت موضوعات المسرحيات، من القضايا الكبرى التي كانت محط اهتمام المجتمع كله، سواء في المأساة أم الملهاة إلى قضايا فردية (حب، غيرة، بخل، خيانة زوجية،…) بأسلوب كوميدي. ولم يعد عرض المسرحيات مرتبطاً بالمهرجانات؛ إذ إن تراجع اهتمام الحكام الجدد بالمسارح وتمويلها قد أدى إلى توقفها، مما أدى إلى تغيرات في البنية المعمارية للمسارح الجديدة لتلبي احتياجات العصر الجديد، ومن هذه التغييرات: صغر حجم المسارح إلى ما يقارب نصفها، وازدياد عددها وانتشارها في كل مدينة وبلدة تقريباً، إذ صارت العروض مربحة تجارياً؛ ولاسيما أن تطور علم الهندسة قد مكّن المهندسين من إنشاء مسارح مستقلة عن سفوح الهضاب، كما اتصل المدرج معمارياً بالمنصة مع إيجاد بوابتين للدخول والخروج. وبما أن المستديرة القديمة قد فقدت دورها بسبب تلاشي دور الجوقة في المسرحيات الجديدة، فقد صار شكلها نصف دائرة يلامس قطرها الممشى parados المجاور لواجهة المنصة السفلية (الشكل 7) حيث يوجد 3 - 5 فتحات تمثل متاجر في سوق. أما فتحات واجهة المنصة العلوية فتمثل عدة منازل متجاورة تقع الأحداث غالباً داخلها، أو يُدفع المشهد بكامله على المنصة المُدَولَبَة ekkyklemma (إكيكِلمَّا) إلى المنصة العلوية. ومن ثم صار بالإمكان تقديم مشاهد متزامنة على المنصتين السفلية والعلوية معاً، ولم تعد هناك حاجة للتقانات القديمة المعقدة مثل العتلة أو المصعد أو المهبط.
الشكل (8) مسرح أورانج الروماني في فرنسا |
الشكل (9) مسرح بومبيوس الروماني في روما |
دخلت على هندسة المسارح في مرحلة الحضارة الرومانية [ر: المسرح] تطورات وتعديلات كثيرة، إذ لم يكن الرومان بحاجة إلى هذه الأبنية من أجل تقديم المسرحيات، فقد كان اهتمامهم بالمسرح ضعيفاً جداً مقارنةً بأسلافهم الإغريق. لكنهم احتاجوا إليها من أجل احتفالاتهم الرسمية وعروضهم الترفيهية التي كانت تعقب انتصارات جيوشهم ونجاحات سياسييهم في الحصول على مقاعد في مجلس الشيوخ أو على مناصب رفيعة في الدولة ومستعمراتها. فقام الرومان بإجراء تعديلات على معظم المسارح اليونانية لتناسب أغراضهم, وبنوا مدرجات[ر. المدرج] هائلة متعددة النماذج، تطورت تقاناتها وكثرت مستودعاتها لتتسع للوازم العروض وللوحوش المفترسة وللمجالدين، ولأغراض العروض المسرحية والموسيقية إن وجدت. وقد نشر الرومان نموذج مسرح بصرى في جميع مستعمراتهم المعروفة في العالم القديم، من آسيا الصغرى حتى فرنسا، بحجوم وتزيينات مختلفة (الأشكال 8، 9).
غاب الاهتمام بالمنشآت المسرحية حتى منتصف عصر النهضة الأوربية[ر]، بسبب محاربة الكنيسة المسيحية المسرح طوال القرون الوسطى. وكانت إيطاليا رائدة في هندسة دور المسرح والأوبرا[ر] الجديدة التي استوحت في البدء الشكل الروماني على نحو مصغر، كما في المسرح «الأولمبي» (الشكل 10) Teatro Olimpico في مدينة فيرنيزه Fairnese، إلى أن ظهر الشكل الأكثر انتشاراً والذي أُطلق عليه تسمية «مسرح العلبة الإيطالية» وهو يشبه صندوقاً مستطيل الشكل، ثلثه صالة المشاهدين وثلثاه منصة التمثيل والكواليس وغرف «المكياج» والحمامات والمستودعات وغيرها (الشكل 11). تمتلك مساحة المنصة سقفاً مرتفعاً يخفي جسور «الديكورات» العلوية والإضاءة إضافة إلى إمكانية إدخال «قطع الديكور» من الكواليس على يمين المنصة ويسارها. وفي بعض الحالات توفرت في بعض مسارح عصر النهضة الأوربية ـ إيطاليا وفرنسا تحديداًـ إمكانية تخفيض مستوى المنصة إلى مستوى الصالة التي تُفرغ من كراسيها، فتتحول المساحتان معاً إلى قاعة رقص ضخمة أو صالة مآدب لأفراد الحاشية الذين لم تعد تتسع قصورهم لأعداد المدعوين المتزايدة.
الشكل (10) المسرح الأولمبي في مدينة فيرنيزة. صممه أندريا بللاديو عام 1530 | الشكل (11) شكل مسرح العلبة الإيطالية، دار أوبرا فيينا صممها لوفيكو بورناتشيني عام 1669 |
كانت الخطوة التالية في تطور نموذج العلبة الإيطالية هو اتخاذ الصالة شكل حدوة حصان تمتلئ جدرانها بثلاث حتى خمس طبقات من البلكونات المقسمة إلى مقصورات تتسع كل منها لستة مشاهدين في صفين، ثانيهما أعلى من الأمامي. وتتصدر المقصورة الملكية استدارة الحدوة في مواجهة المنصة، بحيث يكون الملك أو الأمير شاملاً الجميع بأنظاره في أثناء العرض. (الشكل 12). لكن هذا المكان من الناحية العملية بصرياً هو الأسوأ؛ لبعده عن المنصة في ظروف إضاءة ذلك العصر بالشموع أو القناديل؛ مما ولَّد ضرورة استخدام المنظار المقرب الذي صار دُرجة «موضة».
الشكل (12) مقصورة الملك وبلكونات المشاهدين من حولها في دار أوبرا مونيخ التي صممها فرانشيسكو ساتويني عام 1654 |
كانت الفرقة الموسيقية تجلس في الممشى الفاصل بين مقدمة كراسي الصالة والمنصة، ثم أوجد المهندسون حفرة الأوركسترا في جزء من الممشى؛ كيلا تعوق رؤوس العازفين وأقواس آلاتهم صفاء خط الرؤية بين الصالة والمنصة (الشكل 13). وكان على المهندسين في عمارة المسارح المغلقة من الطرز الجديدة بذل جهود إضافية لدراسة هندسة توزيع الصوت في فضاءي المنصة والصالة. حتى القرن العشرين كان نموذج «مسرح العلبة الإيطالية» بتنويعاته المختلفة حجماً وزينة وتقانة النموذج الرئيسي في ميدان هندسة المسارح المغلقة في جميع أنحاء العالم.
اتخذت المسارح في إنكلترا في عصر النهضة شكلاً متميزاً مستوحى من حيث الجذر المعماري من النموذج الروماني، أطلقت عليه تسمية «المستديرة» The Round (الشكل 14) حيث يحيط المشاهدون في المدرج بمكان التمثيل من ثلاث جهات، إضافة إلى وجود بعض المشاهدين الفقراء وقوفاً في ما كان في النموذج الروماني نصف دائرة الأوركسترا. أما المنصة فهي لسان مربع ممتد داخل الأوركسترا من بناء ثلاثي الطوابق. ومن أشهر تلك المسارح «الوردة» The Rose، «البجعة» The Swan، «الكرة» The Globe، وقد عُرف الفن المسرحي ـ الذي كان يقدم فيهاـ بالمسرح الإليزابيتي Elizabethan Theatre حين برز شكسبير[ر] ومارلو[ر] وبن جونسون[ر] وغيرهم.
الشكل (13) مخطط لمسرح دروري لين في لندن 1809 بحسب نموذج العلبة الإيطالية وتظهر حفرة الأوركسترا في الممشى بين الصالة والمنصة |
وفي الوقت نفسه في إسبانيا كانت العروض المسرحية تقدم في مسارح الخانات (الشكل 15) على منصات خشبية فقيرة. ولما كانت المسارح الإنكليزية والإسبانية حينذاك فقيرة تقانياً فقد كان الكتاب يعوضون عن ذلك وصفاً في نصوصهم، كما عند شكسبير ولوبه دي بيغا[ر] وكالديرون دي لاباركا[ر] وغيرهم.
الشكل (14) نوذج مسرح المستديرة في إنكلترا في عصر النهضة، مسرح "ذا غلوب" لشكسبير | ![]() الشكل (15) نموذج مسرح الخانات في إسبانيا في القرن السابع عشر |
المسارح والتكنولوجيا المعاصرة
على الرغم من اختلاف أنواع المسارح، فإنها تحتوي جميعها على عنصرين أساسيين، هما مكان العرض ومكان المشاهدة، إضافة إلى بعض الملحقات المخفية عن عيون الجمهور. أما المسارح المعاصرة فلم تعد تقتصر على هذه الأساسيات، بل أضاف إليها المهندسون كثيراً من أمكنة الخدمات التي تضمن للجمهور الراحة والرفاهية، مثل شبابيك بيع البطاقات والحجز وبهو الانتظار الذي يحتوي عادة مقهى ومطعماً وقسم إيداع المعاطف، وهناك مرآب السيارات و«كبائن» الهاتف ودورات المياه. وقد صار من ضرورات العمارة المسرحية المعاصرة أن توجد في البناء نفسه مجموعة من ورشات تصنيع لوازم العرض المسرحي أو الأوبرالي وتجهيزها، مثل ورشة النجارة وخياطة الثياب والأحذية والأسلحة والشعور المستعارة وورشات «الديكور» و«الإكسسوارات» بمختلف أنواعها. ونتيجة لتطور التقانات الكهربائية على صعيد الإضاءة[ر. الإضاءة المسرحية] والصوت؛ صار لابد من وجود غرفة في أعلى مؤخرة الصالة مخصصة لمتابعة مخطط الإضاءة والمؤثرات الصوتية والموسيقى المشتركة في العملية الإخراجية للعرض.
الشكل (16) |
بينت دراسات تاريخ الفن المسرحي على صعيد العمارة والتجهيزات التقانية وفن التمثيل و«الديكور» والسينوغرافيا والموسيقى أن المسرح يرتبط جدلياً بدرجة تطور المجتمع ثقافياً وعلمياً وبمستوى انفتاحه على المعرفة وعلى الآخر من خلال الحوار الفني الفكري. وكلما تعمقت عملية التواصل بين المرسل (المسرح) والمتلقي (المجتمع) نشط المسرح وصار أكثر فاعلية في النسيج الفكري الفني للبنية الاجتماعية. ومن هنا يأتي تعدد أشكال المسارح الحديثة وطرزها المعمارية، فمنها البسيطة نسبياً، ومنها الأشكال البالغة التعقيد كما في «دار الفيلهارموني» House der Philharmonie للحفلات الموسيقية أو «قصر مدينة فريدريش» Friedrichs stadtpalast للعروض المسرحية والموسيقية والترفيهية المنوعة في برلين (الشكل 16).
كما اختلفت أشكال المسارح تبعاً لموقع البناء ورؤية المهندس المعمار وأسلوبه في التصميم. وقد استفاد المعماريون المختصون في تصميم المسارح من التقانات الإنشائية الحديثة وتنوع مواد البناء، فوضعوا تصاميم معمارية جريئة غير مـألوفة الشكل جسدت أفكارهم وتصوراتهم المعمارية.
إضافة إلى ما سبق تطورت في القرن العشرين مسارح الهواء الطلق الواسعة التي تقدم في موسم الصيف حفلات موسيقية كلاسيكية وحديثة وعروضاً مسرحية تستغل جغرافية المكان، سواء كان شاطئ البحر أم الغابة أم البساتين، مثل مسرح فونْزيدِل Wunsiedel في ألمانيا المقام على أطلال قصر لويزنبورغ Luisenburg.
إن الحاجة إلى إيجاد مسرح متعدد الاستعمالات يتسع لعدد كبير من الجمهور دفعت المعماريين ومهندسي الصوت والميكانيك إلى مواجهة هذا التحدي التقاني، بوضع حلولٍ بارعة مبتكرة، كما في «مسرح هيوستن الجديد للحفلات الموسيقية» الذي يعد من أكثر المسارح تعقيداً، بمسقطه غير المتناظر، والمحاط من جوانبه المنحنية بعدد من الشرفات (البلاكين).
إن التحدي الذي يواجه المعمار هو ابتكار تصميم مناسب وظيفياً لجميع الفعاليات المحتمل إقامتها في هذا أو ذاك الزمان، ومرضٍ في الوقت نفسه للجمهور وللممثلين وجميع العاملين في الوسط المسرحي؛ مما يتطلب إيجاد فضاءات مشهدية كبيرة ومريحة، كما في (الأشكال 17، 18) في «قاعة جيس جونز»، حيث تُقتطع أجزاء من الفضاء بوساطة شاشات كاتمة للصوت أو ناقلة له.
الشكل (17) |
الشكل (18) |
وفي مسرح مدينة دوسلدورف Düsseldorf في ألمانيا (الشكل 19) حرص المهندس المعمار على إيجاد كتل معمارية انسيابية ذات خطوط منحنية مغلقة، فيها قاعتان للعروض المسرحية والموسيقية تشكلان وحدة معمارية. تتسع الكبرى لـ 1024 مقعداً وهي تشبه حذوة حصان متصلة مباشرة بالمنصة على نحو رشيق ومرن يسمح بالتحكم بفتحة إطار المنصة Proskenionحتى 18م. كما يمكن التحكم بأرضية المنصة حيث ترتفع كلها أو أجزاء منها هيدروليكياً أو تنخفض إلى مستوى حفرة الأوركسترا حسبما ينسجم مع المشهد المسرحي أو الأوبرالي.
الشكل (19) |
الشكل (20) |
وقد أثَّرت التقانات السمعية البصرية المتطورة في أشكال المسارح الحديثة، فلم تعد إحاطة الصالة بالمنصة شرطاً ضرورياً للمتابعة سمعياً وبصرياً، إذ صارت هناك مسارح تتحرك فيها الصالة حول المنصة، ومسارح تدور فيها المنصة على محورها، كما في «بيت الثقافة» في مدينة غرونوبل Grenoble الفرنسية (الشكل 20).
كما يستخدم المهندس المعمار التقنية الإنشائية ومواد البناء و«الديكور» لخلق نسب جمالية تحقق للمسرح مفهومه البصري، كيلا يبدو كأي بناء إداري أو تجاري أو صالون عرض؛ إضافة إلى الاستفادة من التقانات في إيجاد الفراغ المرن القابل للتعديل عندما تقتضي الضرورة، كما في «مسرح المدينة» Théâtre de la Ville في باريس (الشكل 21).
هناك نماذج بالغة التنوع من المسارح ودور الأوبرا وقاعات الموسيقى الحديثة، ومن أشهرها «دار أوبرا سيدني» Sydney Opera House في أستراليا (الشكل 22)، بموقعها المتميز في مرفأ سيدني. وهي محاطة بمياه البحر من ثلاث جهات وتشغل مساحة هكتارين. يتشكل سقفها من أشرعة بيتونية الشكل يبلغ ارتفاعها 66م عن سطح الماء. وهي تمتلك قابلية لتعديل الحجوم والارتفاعات تبعاً لمتطلبات العروض؛ إضافة إلى إمكانية تجسيد التصاميم المسرحية غير المسبوقة، والتي تتميز بغرابة الشكل، إضافة إلى احتوائها العديد من الفضاءات المتعددة الاستخدامات التي تلبي الاحتياجات الثقافية والمهرجانية.
![]() الشكل (21) | ![]() الشكل (22) |
نبيل الحفار
الموضوعات ذات الصلة: |
العمارة ـ المسرح ـ المسرح (إضاءة ـ) ـ هندسة الصوت.
مراجع للاستزادة: |
- D.P. KALLISTOW, Antikes Theater (Kochler und Amelang، Leipzig 1970).
- H. BRAULICH & E.O. HAMANN, Beiträge zur Geschichte der Theatertechnik (Berlin 1980).
- SHELDON CHENEY, The Theatre, Three Thousand Years of Drama Acting and Stagecraft (U.S.A. 1972).
- R. LEACROFT, The Development of the English Playhouse (New York).
- التصنيف : الهندسة - المجلد : المجلد الثامن عشر، طبعة 2007، دمشق - رقم الصفحة ضمن المجلد : 535 مشاركة :