عُرفت إيران قديماً باسم فارس، وقد ورد هذا الاسم في النصوص الآشورية العائدة للقرن التاسع عشر ق.م بـصيغة  بارسوا Parsua، وأطلق اليونانيون على الهضبة الإيرانية بأكملها اسم برسيس Persis.

"/>
ايران (تاريخ)
Iran - Iran

تاريخ إيران

تاريخ إيران

 

عُرفت إيران قديماً باسم فارس، وقد ورد هذا الاسم في النصوص الآشورية العائدة للقرن التاسع عشر ق.م بـصيغة  بارسوا Parsua، وأطلق اليونانيون على الهضبة الإيرانية بأكملها اسم برسيس Persis. كما أنها عرفت عند العرب أيضاً باسم فارس. وإيران اسم مشتق من آريا Arya الذي تسمت به الشعوب التي احتلت الهند الشمالية وإيران نحو بداية الألف الأول ق.م.

وكانوا يقسمون إلى قبائل يتمايز بعضها من بعضها الآخر باللهجات. وأشهرها قبائل بارسا Parsa وميدية media أو ماداMada. ويعتقد أن هذين الشعبين قد دخلا إلى الهضبة الإيرانية من الشمال الغربي عن طريق القفقاس، في حين أن شعوباً إيرانية أخرى وصلت إلى هذه الهضبة من الشمال الشرقي عن طريق آسيا الوسطى.

إيران في التاريخ القديم

إيران في فجر التاريخ: لم تكن الهضبة الإيرانية خالية من السكان قبل وصول الميديين والبارسيين إليها. ففي الألف الخامس قبل الميلاد، حدثت تغييرات عميقة في الأوضاع الطبيعية والجغرافية المناخية للهضبة الإيرانية قادت إلى استقرار الإنسان في سهولها الداخلية وبداية إعمار إيران. وتدريجياً أصبحت الزراعة والرعي والصيد واستثمار ثروات الأرض والتجارة مقومات الحياة الاقتصادية آنذاك. وباستثناء عيلام (في منطقة عربستان) تبقى الوثائق البابلية المصادر الرئيسة لتاريخ إيران في الألفين الثالث والثاني ق.م، وتذكر هذه المصادر أسماء  الشعوب الإيرانية الجبلية التي أقامت على امتداد سفوح جبال زغروس وتضم من الشمال إلى الجنوب الكوتيين واللولوبيين والكاشيين[ر] والعيلاميين[ر]. ونتيجة احتكاكهم الدائم بشعوب بلاد الرافدين الذين عرفوا الحياة الحضرية، وإقامة الممالك القوية المحاربة قبلهم شعروا بالحاجة إلى التكاتف والتضامن وتأليف وحدات لها نظمها السياسية.

ـ العيلاميون[ر]: كان العيلاميون أول الشعوب الإيرانية التي هبطت من الجبال المحيطة بسهول سوسة الواسعة الواقعة في جنوب غربي إيران. وأسسوا في الألف الثالث ق.م أول أسرة حاكمة في المنطقة. وتجاوزت حدود عيلام منطقة عربستان، وكان لها واجهة بحرية على ساحل الخليج العربي.

ـ الميديون[ر]: مع قدوم القبائل الميدية في الألف الأول ق.م يغدو تاريخ إيران القديم أكثر وضوحاً،فقد استطاعوا تأسيس دولة كبرى بين أواخر القرن السابع وأواسط القرن السادس ق.م. ويعد كيخسرو (كيأخسار) بن كشاتريتا ـ فراورته phraortes مؤسس المملكة الميدية.

ـ الأخمينيون[ر]: استقر الفرس في سفوح جبال بختياري، وأسسوا مملكة صغيرة بزعامة أخامانيش (أخمينيس باليونانية). وبعد انتصارات قوروش الثاني (559-530ق.م) وتوحيده العالم الإيراني، صارت هذه المملكة أكبر امبراطورية عرفها الشرق «الأوسط» القديم حتى ذلك الحين. إلا أن عوامل الانقسام والضعف بدأت تدب في جسم الدولة في القرن الرابع ق.م، مما سهل على  الاسكندر المقدوني القضاء عليها واحتلال عاصمتها بارسا (330ق.م).

ـ العصر الهلنستي: توفي الاسكندر المقدوني فجأة (323ق.م) من دون أن يترك ولياً للعهد أو يضع نظاماً لوراثة الحكم. وعاش العالم القديم بعده أربعين عاماً من الصراعات الدامية بين قادته المتنافسين. استطاع خلالها حاكم بابل الهلنستية سلوقس الأول (305ـ281ق.م) فرض سيطرته على معظم ممتلكات الامبراطورية الأخمينية السابقة في الشرق. وعند وفاة سلوقس الأول ترك امبراطورية كبيرة تضم ثلاثين مليوناً من الناس كانوا يؤلفون خمس سكان العالم آنذاك.

بدا الحكم السلوقي عموماً كأنه استمرار لحكم الأسرة الأخمينية. إذ حافظ السلوقيون على النظم والمؤسسات التي كانت قائمة قبلهم في دولتهم دون تعديل كبير. ولم يغيروا شيئاً كثيراً من النظام الاجتماعي القائم. ولم يستطع خلفاء سلوقس الأول الحفاظ على وحدة الامبراطورية في حين أدى دخول موجات جديدة من البدو الإيرانيين إلى إقليم باكترية، في القرن الثالث ق.م، إلى تأسيس مملكة جديدة هي المملكة الفرثية (البارثية) التي بسطت سلطتها على معظم المناطق الإيرانية الشرقية. وبذلك انتقلت السيادة على إيران من جديد إلى أسرة إيرانية. وانتهى العصر الهلنستي السياسي والعسكري في إيران. وبدأت في العالم الإيراني مرحلة انتقالية قصيرة شهدت ظهور حضارة جديدة هي مزيج من تفاعل ثقافات الشرق والغرب.

 

 

ـ المملكة الفرثية [ر الفرثيون] (250ق.م-224م): يعد أرساكيس الأول (أرشاق Arsaces) وأخوه تيريداتس Tiridates مؤسسي الدولة الفرثية، إذ اعتبر الفرثيون أنفسهم ورثة مباشرين للأخمينيين. وفي عهد ميتريداتس الأول Mithridates I  (171-138ق.م) ظهرت أول دولة إيرانية كبرى بعد سقوط الامبراطورية الأخمينية هي الامبراطورية الفرثية التي امتدت من البحر الأسود حتى بحر عُمان، ومن القفقاس وبحر الخزر (قزوين) حتى الخليج العربي. ووصلت هذه الامبراطورية أوجها في عهد أوروديس الثاني Orodes II (55 (55-37ق.م) الذي سحق جيشاً رومانياً في حران (53ق.م). وفي عام 20ق.م جعلت المعاهدة التي وقعها الفرثيون مع الرومان من الفرات الحد الفاصل بين الامبراطوريتين. وأدى انقسام الشرق القديم بين الفرثيين والرومان إلى قيام صراع بينهما دام قرنين ونصف القرن. وفيما بين 198-200 احتل الرومان العاصمة الفرثية طيسفون (المدائن). وامتدت الامبراطورية الرومانية حتى نينوى.

ـ الامبراطورية الساسانية: إثر تدهور حكم الأسرة الأرشاقية الفرثية في بداية القرن الثالث الميلادي، نهضت إيران ثانية بجهود أسرة حاكمة جديدة هي الأسرة الساسانية (224-651) فبعد أن استولى بابك على السلطة في إقليم فارس، أعلن انفصاله عن الملك الفرثي (نحو سنة 208). وادعت الأسرة الساسانية انتماءها إلى البيت الأخميني.

وبعد نضال مُر، أسست الأسرة الساسانية امبراطورية كبرى ضمت معظم إيران [ر الساسانيون] وقامت الدولة الجديدة على أساسين هما وحدة البلاد ووحدة الدين (الزرادشتي) مع احترام حرية العقائد الأخرى (المانوية).

وتعد مدة حكم خسرو (كسرى أنوشروان) التي دامت قرابة نصف قرن (531-579) من أعظم عصور التاريخ الفارسي القديم لما اتخذه من تدابير، وقام به من إصلاحات داخلية وفي عهد كسرى الثاني (591-628) وصلت الامبراطورية الساسانية إلى أوج توسعها، وبدا كأن الامبراطورية الأخمينية قد بعثت من جديد، في الوقت نفسه الذي كانت فيه الجزيرة العربية تتمخض عن عصر جديد في تاريخ الشرق وبلاد العرب. وبعد ظهور الإسلام ارتبط تاريخ العرب بتاريخ إيران لعصور طويلة.

إيران في العصر الإسلامي

ـ الفتح العربي الإسلامي: مهد الصراع الدولي بين الامبراطوريتين الساسانية والرومانية الشرقية (البيزنطية) في عهد هرقل (610-642) بهدف السيطرة على الشرق القديم وما نجم عنه من إنهاك لقواهما، مهد السبيل للقضاء على الامبراطورية الساسانية وتحرير الشام ومصر والجزيرة الفراتية من أيدي البيزنطيين في عهد الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب. وسقطت المدائن عاصمة الساسانيين بيد العرب بعد معركة القادسية (16هـ/637م). وأذن عمر بن الخطاب بالانسياح في بلاد فارس منذ عام 17هـ/638م...، ومثل انتصار العرب على الساسانيين في معركة نهاوند (21هـ/642م) نهاية الحكم الساساني في إيران.

وبسط العرب المسلمون تدريجياً سلطانهم على إيران بكاملها، باستثناء الأقاليم القزوينية. وسرعان ما اعتنق قسم كبير من الإيرانيين الإسلام. واحتفظ العرب بجزء مهم من النظام الإداري السابق ورجاله إلا أن السياسة الضريبية التي اتبعها الولاة المسلمون في خراسان في العصر الأموي أثارت استياء الفرس المسلمين وبعض العرب الذين استقروا في بعض بقاع إيران وأدت هذه السياسة إلى قيام بعض الانتفاضات.

ـ الدعوة العباسية ودور أبي مسلم الخراساني: أدى استياء العرب وسواهم من الفرس والموالي إلى نجاح الدعوة العباسية في خراسان نجاحاً باهراً. في حين أثار الأمويون[ر] عليهم، لأسباب متباينة، فئات مختلفة من السكان. فلم يتحمل العراقيون سيادة الشاميين، وصدمت الميول الدنيوية للأمويين المسلمين الأتقياء، وسيطر الاستياء على الشيعة ولاسيما بعد أحداث كربلاء، وعلى الخوارج والموالي للمكانة الدونية التي خُصُّوا بها واضطهادهم سياسياً واجتماعياً وضريبياً. وكل ذلك أدى إلى نجاح أبي مسلم الخراساني[ر] من موالي الكوفة في إثارة مسلميها على السيادة الأموية وكسب الأنصار للدعوة العباسية بين العرب والموالي الفرس والدهاقنة. واندلعت الثورة (130هـ/747م)، واحتل الثوار مرو وولاية خراسان بكاملها، واجتازت القوات العباسية الفرات، وهزمت القوات الأموية بالقرب من الكوفة وبويع أبو العباس السفاح خليفة. وإثر هزيمة الأمويين في معركة الزاب الأعلى (132هـ/749م) احتلت القوات العباسية دمشق، وانتقل مركز الخلافة إلى بغداد. مما زاد من أهمية دور فارس والفرس في تطور الحضارة الإسلامية.

ـ إيران والخلافة العباسية: في حين كان الأمويون ممثلي العرب، فإن العباسيين نجحوا في دمج العناصر العرقية والاجتماعية داخل دولتهم. لكن مع تتابع تردد المحاربين والتجار والعلماء على الطرق التجارية الكبرى التي تمر بفارس، أصبح لدى سكانها شعور متزايد بأنهم يتقاسمون تراثاً مشتركاً يتألف من عنصرين هما الإسلام والإيرانية يقوم بنقله العلماء والأدباء. وقد وجد هذا التأكيد للوعي الفارسي التعبير عنه أولاً في الحركة الشعوبية[ر] في بداياتها، أي حين كانت حركة أدبية في فارس، قبل أن تصبح حركة مناهضة للسيطرة العربية. ومن جهة أخرى، إن نجحت الدعوة العباسية مؤقتاً في لمِّ شمل الجماعات المتباينة المعارضة للأمويين، فإن انشغال الحكام العباسيين بمسؤوليات الحكم حال دون تلبيتهم لتطلعات أنصارهم. فاندلعت الثورات من كل جانب في خراسان ونيسابور وبخارى، وكان أهمها على الإطلاق ثورة المقنع الخراساني (159-163هـ/776-780م) الذي ادعى أنه خليفة أبي مسلم. وأن أبا مسلم قد خلف السيد المسيح بصفته مجسداً للإله. وهي حركة متطرفة ولها سمات اجتماعية أيضاً، وجدت الكثير من الأنصار في خراسان الشرقية وما وراء النهر. كما قام الخوارج بسلسلة من الاضطرابات في خراسان وسجستان وما وراء النهر. وكان أهمها تلك التي تزعمها يوسف البَرْم في بخارى (نحو سنة 159هـ/777م).

كما شهدت العراق حركة تذمُّر ثقافي واضطرابات اجتماعية تمثلت في حركة الزندقة الهادفة عموماً إلى تقليص أهمية الإسلام والحفاظ على التقاليد الفارسية.

وحين تولى هارون الرشيد الخلافة (170-193هـ/786-809م) كانت ولايات فارس في أوج اضطرابها، وسلطة العباسيين في خطر في خراسان والولايات القزوينية. وتوفي قبل أن يتمكن من إعادة الهدوء إلى خراسان وأذربيجان.

وأدى الصراع على الخلافة داخل البيت العباسي بين الأمين والمأمون (194-198هـ/809-813م) إلى إضعاف السلطة المركزية في بغداد وسيطرة الجند على مقاليد الأمور. فأخذت الولايات الفارسية بالانفصال وإقامة دول مستقلة أو شبه مستقلة، وإن دانَ معظمها اسمياً بالطاعة لخليفة بغداد العباسي، ورفض بعضها الآخر الاعتراف به.

هكذا دخلت إيران في عصر جديد من تاريخها بعد أن أصبحت جزءاً من العالم الإسلامي، وامتزج العرب في بلاد فارس بالسكان المحليين. وعمت البلاد حركة الدخول في الإسلام، فاعتنقت الطبقات الحاكمة السابقة أو ما بقي منها الإسلام على المذهب السني، وكذلك جماهير الشعب، وتكوّنت قواعد للتشييع السياسي والديني في بعض المراكز المهمة مثل قم والأهواز[ر] وقاشان والري وسَوا.

وبقدر ما كانت سلطة الحكومة المركزية في بغداد تتدهور، كانت الاتجاهات السياسية والاجتماعية السابقة للعهد الإسلامي تتعزز، وتظهر مراكز قوة جديدة.

ومنذ العقود الأولى من القرن الثالث الهجري /التاسع الميلادي بدأ الحكام الذين يعيّنهم الخلفاء العباسيون على الولايات الحدودية بإقامة أُسر حاكمة محلية وراثية ودول مستقلة عملياً.

 

هكذا قامت الدولة الطاهرية[ر] في خراسان (205-259هـ/821-873م) والدولة الصفارية[ر] في سجستان (253-297هـ/867-910م)، والدولة السامانية[ر] في خراسان وماوراء النهر (261-389هـ/874-998م)، والدولة الغزنوية[ر] في خراسان وأفغانستان وشمالي الهند (351-579هـ/962-1183م)، والدولة البويهية في فارس وميدية (الجبال) وبغداد (320-447هـ/932-1055م). وبعد أن احتل البويهيون[ر] بغداد (334هـ/945م)، اغتصبوا السلطة السياسية من الخلفاء العباسيين وهم في الحكم. وفي عهد البويهيين بدأ نظام الإقطاع العسكري بالظهور.

ـ إيران أيام الأتراك السلاجقة والمغول (443-782هـ/1055-1381م): أدت عوامل جيو سياسية إلى وقوع السهول الحضرية في إيران تحت رحمة الغزاة من البدو القادمين من سهوب آسيا الوسطى. ففي عام 443هـ/1055م، عبر السلاجقة[ر] الأتراك إلى إيران. ونجح المؤسس الحقيقي للأسرة الحاكمة السلجوقية طغرل بك (429-455هـ/1037-1063م) في إخضاع فارس. وفي عهد ملكشاه (465ـ485هـ/1073ـ1092م) بلغت الامبراطورية السلجوقية أوج مجدها. فقد امتد سلطانها من آسيا الوسطى إلى سورية، ومن أرمينية إلى خليج عُمان. وفي العهد السلجوقي تطور نظام الإقطاع العسكري [ر.الإقطاعية].

وبعد وفاة ملكشاه انقسمت الامبراطورية السلجوقية إلى عدة دويلات يحكمها ولاة أتراك يعرفون باسم «الأتابكة»، وسهّل تجزؤ إيران إلى دويلات قيام أُسر حاكمة جديدة تركية الأصل في خوارزم وجنوب بحر آرال[ر] مباشرة. ونجح الخوارزميون[ر الخوارزمية (دولةـ)]. في توحيد إيران وبناء امبراطورية الشاهات الخوارزميين التي كانت نهايتها على يد المغول[ر] الذين بدؤوا غزوهم لإيران بقيادة جنكيز خان. في حين قضى خليفته هولاكو على الخلافة العباسية في بغداد (656هـ/1258م)، وأسس الأسرة الحاكمة الإيلخانية في إيران. وبعد أن اعتنق الإسلام، تملص هولاكو من تبعيته للخان الأكبر في بكين، وحكمت الأسرة الإيلخانية من عاصمتها تبريز في شمال غربي إيران كلاً من إيران والعراق والقفقاس الجنوبي والأناضول. وبعد عام 736هـ/1335م انهار الحكم المغولي في إيران، ونهضت من جديد الأسر الحاكمة الصغيرة المستقلة في كثير من الأقاليم.

وفيما بين 782-808هـ/1381-1405م، تعرضت إيران لغزوات متكررة قادمة من السهوب بقيادة تيمورلنك[ر] الذي ادعى أنه سليل جنكيز خان وحاول إعادة بناء امبراطوريته. لكن الامبراطورية التيمورية لم تعمر زمناً طويلاً إثر وفاته بسبب انقسامها. واحتفظ التيموريون[ر] بسلطة قوية في خراسان. وشهدت عاصمتهم هرات نهضة ثقافية إسلامية.

إيران في العصر الحديث

لئن أدت الحملات المدمرة التي قادها تيمورلنك إلى القضاء على الأسر الحاكمة الصغيرة التي تأسست في أجزاء مختلفة من إيران بعد الغزو المغولي، فقد نشأ في إيران بعد وفاته فراغ سياسي واجتماعي في المنطقة الممتدة بين نهر الاكسوس (جيحون) أو أموداريا، ونهر الفرات، تنازعت فيها قوى متنافسة للسيطرة على السلطة طوال قرن من الزمن.

وفي مطلع القرن السادس عشر، نجحت الأسرة الصفوية في إخضاع الهضبة الإيرانية بكاملها من جديد لإدارة واحدة ومستقرة. وحكم الصفويون[ر] إيران نحو قرنين وربع، وجعلوا منها دولة قوية بالمعنى الحديث للكلمة. ففي عام 907هـ/1501م استولى إسماعيل الصفوي على أذربيجان وتوج نفسه شاهاً في تبريز، وأعلن الفقه الجعفري من المذهب الشيعي الاثنى عشري مذهباً رسمياً للدولة على أمل إيجاد شعور بالوحدة والهوية المميزة لدى أتباعه وبناء دولة قومية في إيران، وتمكن من فرض سيطرته على إيران كلها. وهكذا قامت الدولة الصفوية الشيعية على حدود الدولة العثمانية السنية. وهذا ما أدى إلى توتر العلاقات بين الدولتين ونشوب حروب كثيرة بينهما. وفي عام 920هـ/1514م انتصر العثمانيون على الشاه إسماعيل في جالديران وفرضوا سلطتهم على ديار بكر وما حولها.

وفي عهد طهماسب الأول (930-974هـ/1524-1567م)، احتل الأتراك العثمانيون العراق وبغداد (941هـ/1534م).

وفي عهد عباس الأول (996-1038هـ/1588-1629م) وصلت الدولة الصفوية إلى أوج مجدها. فقد أعاد تنظيم الجيش وتحديثه بمساعدة خبراء إنكليز ونقل العاصمة إلى أصفهان، وقام بطرد العثمانيين من العراق. وشهد عهده نشاطاً دبلوماسياً مكثفاً بين فارس والغرب، وتطورت العلاقات التجارية بينهما. إلا أن السلطة الصفوية بدأت بالتداعي بعد وفاته، وتعرضت إيران إلى مخاطر التدخل الذي جاء من الشرق والغرب على السواء.

ـ التدخل الأفغاني: بدأ التدخل الأفغاني في عام 1134هـ/1722م حين نجح محمود الغازي بالتوغل في إيران مع قوة صغيرة حتى أبواب أصفهان من دون أن يلقى مقاومة تذكر. وضرب حصاراً على المدينة مما اضطرها للاستسلام في تشرين الأول من العام نفسه. واستمر هذا التدخل الأفغاني سبع سنوات. وفي 1142هـ/1729م، استطاع نادر خان تخليص أصفهان من الأفغانيين. وتوّج نفسه شاهاً على إيران باسم نادر شاه (1148-1160هـ/1736-1747م) وقام بطرد الأفغان والأتراك والروس من إيران. كما سار إلى الهند حتى وصل دلهي ، ثم قفل عائداً إلى بلاده يحمل غنائم عظيمة. وأصبح سلطانه يمتد إلى تركستان وأفغانستان والهند. وقد خلّد هذا التوسع باتجاه الشرق بنقل عاصمته من أصفهان إلى مشهد.

لكن سياسته الضريبية أثقلت كاهل أتباعه. فاندلعت الثورات في أماكن مختلفة من مملكته. واغتاله فريق من ضباطه (1160هـ/1747م) وأعقبت وفاته مرحلة من الفوضى والحرب الأهلية.

وسيطرت الأسرة الحاكمة الزَندية التي أسسها كريم خان (1160-1193هـ/1747-1779م) على جنوبي فارس، وأقامت فيها حكومة نظامية. إلا أن النزاعات الأسرية أضعفت الزنديين. وانتهت الحرب الأهلية، التي دامت قرابة نصف قرن بانتصار القاجاريين.

ـ القاجاريون والأسرة القاجارية (1209- 1344هـ /1795- 1925م): مع وصول الأسرة القاجارية التركية -المغولية الأصل والإيرانية الثقافة إلى السلطة يبدأ تاريخ إيران الحديث. فقد نجح آغا محمد شاه (1795-1797)، بما يملكه من مؤهلات وكفاية إدارية، في لمِّ شمل الإيرانيين في ظل إدارة قوية وناجعة، وفرض النظام والأمن في إيران. ونقل العاصمة إلى طهران.

وارتقت إيران في عهد خليفته فتح علي شاه (1797-1834) إلى مستوى دولة، تقوم الإدارة فيها على المبادئ الصفوية التقليدية وبعض الإسهامات العثمانية، وصار لها بلاط ملكي على النمط الشرقي التقليدي.

وبحكم موقعها الجغرافي أصبحت إيران مسرحاً للمنافسات بين الدول الأجنبية، ولاسيما بين روسية وإنكلترة. واضطر حكامها إلى منح هذه الدول امتيازات للحفاظ على التوازن بينها. فبموجب معاهدتي 1813 و1828 تعيّن على فتح علي شاه التنازل لروسية عن أقاليم رئيسة في الشمال (جورجية ومقاطعات ماوراء القفقاس الغنية ويريفان) ومَنْحها حق «الأمة الأكثر رعاية» وامتيازات طالبت بها دول أخرى فيما بعد. في حين أصبح جنوبي إيران فريسة للمطامع الإنكليزية.

وفي عهد محمد شاه (1834-1848)، قام وزيره بنشر الأمن في إيران، وحاول إرساء أسس إيران المستقلة. لكن ثورات الإسماعيليين والبابيين نسبة إلى مؤسسها الملقب بـ «الباب» (1844) والانتفاضات المحلية أدت إلى زعزعة السلطة القاجارية في إيران. ومنذئذ تسارع الانحطاط الاجتماعي ـ السياسي فيها.

وعمل ناصر الدين شاه (1848-1896)، بمساعدة وزيره ميرزا تقي خان، على ترسيخ استقلال إيران، وباشر في تحديثها. وكافح الحركة البابية بالقمع الدموي.

وشهد عصره إطراد التوسع الروسي في آسيا الوسطى حتى أصبح نهر أراكس Araks في الشمال الغربي ونهر أتريك Atrek في الشمال الشرقي يمثلان حدود إيران الجديدة مع روسية. كما حصل الأجانب والأوربيون على امتيازات مهمة في إيران حتى إنهم أصبحوا يستثمرون معظم الموارد الاقتصادية الإيرانية أو يشرفون على إدارتها. وأدى عدم كفاية الحكومة وفسادها وعجزها عن الصمود أمام الضغوط الخارجية والسيطرة الأجنبية على الاقتصاد الإيراني إلى تنامي السخط العام ونشأة الحركات الدينية والليبرالية. والتقى التياران الديني الوطني والليبرالي في ثورة 1906 التي فرضت على مظفر الدين شاه (1896-1907) إصدار الدستور وإقامة نظام نيابي (1906). لكن الحركة الوطنية لم تنجح في الحيلولة دون تزايد السلطة الأجنبية على الاقتصاد الإيراني (حصول الإنكليز على امتيازات للتنقيب عن النفط في جنوبي إيران عام 1901).

ومع حياد إيران في الحرب العالمية الأولى، فقد أصبحت مسرحاً لعمليات الجيوش التركية والبريطانية والروسية. وخرجت إيران من الحرب في حالة من الفوضى الإدارية والخراب المالي. ورفضت الحكومة الإيرانية التصديق على معاهدة إنكليزية ـ إيرانية (1919) تجعل من إيران دولة مستقلة تحت الوصاية البريطانية وتساعدها على الخروج من أزمتها،وقامت حركات شعبية تطالب بالاستقلال والديمقراطية.

وأدى تغيير نظام الحكم في روسية بعد الثورة البلشفية (1917) إلى تخلي روسية عن السياسة القيصرية الامبريالية في إيران وإطلاق يد الإنكليز فيها.

ـ الأسرة البهلوية (1925-1979): في 21 شباط 1921، نجح انقلاب عسكري يقوده سيد ضياء الدين ويدعمه قائد فرقة القوزاق الإيرانية رضا خان في الاستيلاء على السلطة في إيران. وكان لرضا خان دور رئيسي في إعادة الاستقلال والتكاملية الوطنية. وعلّق الدستور وقضى على جميع الانتفاضات في إيران. واستغل شعبيته لخلع أحمد شاه آخر عواهل الأسرة المالكة القاجارية. وتوج أول شاه من الأسرة البهلوية (25 نيسان 1926).

1ـ رضا شاه: شهدت إيران في عهده (1926-1941) تحولات جذرية في المجالات الاقتصادية والإدارية والثقافية وخضعت لرقابة بوليسية صارمة. وفي سبيل تعزيز الحكومة المركزية، حكم رضا شاه إيران حكماً استبدادياً، فقضى على معارضيه السياسيين (إلغاء الأحزاب والنقابات والصحافة) وجعل من المجلس (البرلمان) مجلساً صورياً، وألف جيشاً قوياً، وعمل على تطوير الزراعة، ووضع برنامجاً لتصنيع إيران، وطور نظام التعليم العام، وطبق إلزامية التعليم للجنسين، وأسس جامعة طهران عام1935، وصادر مدارس البعثات التبشيرية. كما عمل على تحرير المرأة، وحارب الأوساط الدينية المتزمتة. وشهد عصره بناء سكة حديدية تصل بحر الخزر (قزوين) بالخليج العربي. وأعاد تنظيم الإدارة العامة على النمط الغربي، ووضع  أسس النظام القضائي الحديث، وأنشأ عدداً من احتكارات الدولة (الشاي والسكر) بهدف تعزيز الاقتصاد الإيراني، وأصدر مرسوماً يقضي بمنح البلاد اسم إيران بدلاً من فارس (1935).

ومنذ عام 1928، أُلغيت جميع الاتفاقات السابقة التي تمنح امتيازات وتنازلات للدول الأجنبية. وفي عام 1932، سحب من شركة البترول الإنكليزية ـ الفارسية جميع الامتيازات الممنوحة لها. وحصل منها على زيادة حصة إيران من العائدات. أسهمت هذه الإجراءات المختلفة في إطلاق سيرورة تحديث إيران وجعلها دولة ملكية دستورية. في حين أثار بعضها معارضة الأوساط الدينية، وأصحاب الملكيات العقارية والفلاحين أنفسهم لأسباب متباينة.

وفي مجال العلاقات الخارجية، شهدت العلاقات الإيرانية ـ السوفييتية هدوءاً نسبياً، لكن سرعان ما ساءت العلاقات بين الجانبين بسبب مواقف إيران المناهضة للشيوعية (حظر حزب تودة الشيوعي عام 1931 واعتقال قادته وتقديمهم للمحاكمة) إثر التقارب بين إيران وألمانية الهتلرية التي أخذت تحتل المركز الأول في مبادلات إيران الخارجية، فقد زودت الشركات الألمانية إيران بمعظم التجهيزات الثقيلة والآلات اللازمة لبرنامج التصنيع في إيران. وفي عام 1941، بلغ عدد الخبراء والتقنيين الألمان في إيران 2000شخص.

كما أقامت إيران في عهد رضا شاه علاقات ودية مع بلدان الشرق الأوسط وتجلى ذلك في عقد حلف سعد آباد مع أفغانستان وتركية والعراق (1937) للدفاع المشترك. ووثقت إيران علاقاتها مع مصر بزواج ولي العهد آنذاك الأمير محمد رضا الأميرة فوزية شقيقة الملك فاروق.

2ـ محمد رضا شاه (1941- 1979): بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية، أعلنت إيران حيادها. وعلى إثر الهجوم الألماني على الاتحاد السوفييتي وأمام رفض الشاه طرد الخبراء الألمان، اجتاحت القوات البريطانية ـ السوفييتية إيران (25 آب 1941) وأجبرت رضا شاه على النزول عن العرش لولي العهد محمد رضا.

بعد تولي محمد رضا شاه بهلوي السلطة أعاد العمل بالدستور، وعاد المجلس (البرلمان) إلى الاجتماع، وأفرج عن المعتقلين السياسيين، وأُعيدت إلى الصحافة حريتها.

وفي كانون الثاني 1942، وقعت إيران معاهدة تحالف مع إنكلترة والاتحاد السوفييتي.

وكانت نتائج الحرب جسيمة في إيران تمثلت بغلاء المعيشة، وما نجم عن الاحتلال البريطاني والسوفييتي من صعوبات، وسعي كل منهما لزيادة نفوذه في إيران. فقد سهّل السوفييت قيام أحزاب سياسية تؤيد قضيتهم في أذربيجان وكردستان وتعاونوا مع حزب تودة (الجماهير) الشيوعي الإيراني للإطاحة بالحكومة المركزية في هذين الإقليمين وإعلان استقلالهما. وعمل الإنكليز على زيادة نفوذ شركة الزيت الإنكليزية ـ الإيرانية.

شهدت إيران في عام 1949 ثلاثة أحداث مهمة تمثلت بفرض حالة الطوارئ من جديد بعد إخفاق محاولة اغتيال الشاه، وبدء تنفيذ الخطة السبعية الأولى للتنمية الاقتصادية، وتأسيس الجبهة الوطنية الإيرانية بزعامة محمد مصدق.

أخفقت جهود زعيم الجبهة الوطنية ورئيس الحكومة محمد مصدق (29نيسان 1951/ 19آب 1953) لتأميم الصناعة النفطية. وانتهت بمثوله أمام محكمة عسكرية، والحكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات. كما أُلغيت الممارسات الدستورية وقوانين البلاد الأساسية. وفي عام 1954، عُهد إلى كونسورتيوم (مجموعة شركات) دولي مؤلف من شركات إنكليزية وهولندية وأمريكية باستخراج النفط واستخدام المنشآت النفطية.

وبعد سقوط حكومة مصدق، أخذ الشاه بممارسة سياسة أكثر ديكتاتورية. فأنشأ عام 1957 جهاز الأمن السياسي (سافاك)، وسعى للقضاء على الفساد والرشوة. لكن الوضع السياسي بقي غامضاً،إذ أخفقت تجربة الشاه مع «الديمقراطية المراقبة» Démocratie Controlée التي تقوم على حزبين سياسيين مصطنعين هما حزب «الحكومة» وحزب «المعارضة المخلصة». إذ ألغى الشاه انتخابات آب 1960. كما ألغى الانتخابات التي بدأت في كانون الأول 1961، لما صاحبها من اضطرابات عامة وحادة اضطرته إلى حل البرلمان (9أيار 1961).

وفي مجال التنمية الاقتصادية، عمل الشاه على تطوير وسائل الاتصال، والزراعة والري، والصناعة والمناجم، والأشغال العامة. فتم بناء عدد من المشاريع الكهرمائية وتوسيع موانئ الخليج العربي. وارتفع إنتاج السكر ومواد البناء والأنسجة.

وفي ميدان العلاقات الخارجية. منذ 1941، حل الخبراء الأمريكيون محل نظرائهم الألمان وتزايدت أعدادهم. وأخذ نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية بالتعاظم مع مرور الأيام.. وفي عام 1955، انضمت إيران إلى حلف بغداد الذي يضم الباكستان وتركية والعراق وبريطانية العظمى، وصار يعرف باسم حلف السانتو بعد انسحاب العراق سنة 1959.

في 9 كانون الثاني 1963، بدأ الشاه ما دعي بـ«ثورة بيضاء» تهدف في المقام الأول إلى تحسين أوضاع الفلاحين. وسرعان ما تلاها تبنّي سياسة التخطيط والتصنيع المتسارع، وإنشاء بنى تحتية حديثة (طرق وموانئ ومترو طهران) وتطوير نظام التعليم.

وقد زودت العائدات النفطية الشاه بالمال اللازم لبناء جيش من أحدث جيوش العالم وأقواها بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية بهدف جعل إيران «شرطي الخليج العربي».

إلا أن ما حققته الثورة البيضاء من تقدم مستمر، وما نجم عن ذلك من تغييرات مهمة أثار قلق الأوساط الدينية واليسارية واستياءها. ففي المستوى الاجتماعي، اتسعت الهوة بين أقلية مميزة (رجال المال والأعمال، وكبار رجال الإدارة والجيش) أثرت ثراءً فاحشاً باستغلالها عملية التحديث أو الرشوة، وغالبية عظمى من الإيرانيين كانت تعاني الآثار السلبية للتوسع الاقتصادي (غلاء المعيشة، وإفلاس صغار الفلاحين، والهجرة من الريف إلى المدينة...) مما أدى إلى القطيعة بين النظام الامبراطوري والشعب. وعبّر عن ذلك الاحتفال المفرط في البذخ بمناسبة مرور 2500عام على النظام الملكي الفارسي في برسيبوليس [ر] (تختِ جمشيد) في تشرين الأول 1971، الذي دُعي إلى حضوره أغنى أغنياء العالم في حين استبعدت الجماهير الإيرانية من المشاركة فيه. وفي المستوى الديني، أدى قيام الشاه بتجريد طبقة رجال الدين من احتكار عملية التعليم والجزء الأكبر من موروثها العقاري إلى توليها قيادة المعارضة ضد عملية تغريب الثقافة والأخلاق (إلغاء حجاب المرأة وإدخال كتب وأفلام إباحية) التي أخذت تجتاح البلاد، وتعكس آثارها السلبية على العادات والتقاليد.

وبدءاً من 1970-1971، استطاعت المعارضة الإيرانية (رجال الدين الشيعة والأحزاب اليسارية) أن تعبئ أعداداً متزايدة من الإيرانيين المعارضين لنظام الشاه. ورد الشاه على ذلك بالقمع القاسي، فقام جهاز الأمن السياسي (السافاك) بعمليات اعتقال جماعية، وأُصدرت الأحكام الصورية، ونفذت أحكام الإعدام بعدد كبير من المعارضين.

ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية، والتضخم النقدي المتسارع، اتخذت حركة المعارضة فجأة، في بداية عام 1978، أبعاداً هائلة بدعم من رجال الدين وأكثرهم نفوذاً آية الله الخميني[ر] الذي كان في منفاه في العراق، ثم في باريس يقود حركة المقاومة في مواجهة الشاه، ويدعو الإيرانيين إلى قلب نظام الحكم الامبراطوري وإقامة نظام جديد على المبادئ الإسلامية. وفي مطلع العام 1979، نجحت حركة المعارضة في الداخل في إرغام الشاه على الرحيل مع أسرته وبعض مقربيه.

وفي مجال العلاقات الخارجية. اتبعت حكومة الشاه في هذه المرحلة سياسة خارجية اتسمت بالديناميكية وبعزم الشاه على أن يكون له دور حاسم في المجال الإقليمي والدولي فعمد إلى توثيق علاقات إيران مع كل من باكستان وتركية بإنشاء «منظمة التعاون الإقليمي للتنمية«، وتأسيس شركات في مجال الاتصالات والصناعة والتعليم والصحة. وسعى الشاه إلى إقامة علاقات طيبة مع الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية. وعمل على توثيق العلاقات مع المملكة العربية السعودية والكويت ومصر. في حين تدهورت علاقات إيران مع العراق بسبب الخلاف على الحدود في شط العرب. ومنحت الحكومة العراقية حق اللجوء السياسي للمعارضين السياسيين الإيرانيين. ولم تتم تسوية الخلافات بين الجانبين إلا في عام 1977 (اتفاقية الجزائر).

وباحتلال إيران لجزر أبو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى في الخليج العربي 30تشرين الثاني 1971 بدا التقارب الإيراني ـ العربي مهدداً.

كما عقدت إيران معاهدات جديدة مع الكونسورتيوم النفطي الدولي ضمنت لها 51٪ من العائدات النفطية.

الجمهورية الإسلامية الإيرانية (1979- ..): كان وصول آية الله الخميني إلى طهران في الأول من شباط 1979 عاملاً حاسماً في إخفاق رئيس حكومة الشاه الجديد شاهبور بختيار في الحيلولة دون سقوط النظام الامبراطوري على الرغم من دعم الجيش له. وأدى سقوطه إلى تأليف حكومة إسلامية جديدة برئاسة مهدي بذرغان في 5شباط 1979.

 

 

وفي بضعة أيام سيطرت اللجان الخمينية على الحياة السياسية في البلاد وأعدمت المحاكم الإسلامية بعض كبار شخصيات النظام البهلوي السياسية والعسكرية.

وأيد استفتاء شعبي في31 آذار 1979 قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية (98٪ من المقترعين). وسيطر كبار رجال الدين وآيات الله الشيعة على مقاليد الأمور في البلاد بعد أن قضوا على منافسيهم من يساريين وعلمانيين. وأخذت إيران بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية. وفي المجال الاقتصادي قامت الحكومة الإيرانية بحل الكونسورتيوم النفطي الدولي في حزيران 1979. وأممت المصارف وشركات التأمين والشركات الصناعية الرئيسية وأعادت النظر في خطط الاستثمار والتجهيزات. فألغت الكثير من العقود المبرمة مع الشركات الأجنبية ولاسيما المتعلق منها بمجال الطاقة الذرية.

كما قضت الحكومة الإيرانية الإسلامية على الحركات الانفصالية في مقاطعة أذربيجان الإيرانية وكردستان والأقاليم التركمانية وشنت حملة عنيفة على حكومة واشنطن، زاد من حدتها لجوء الشاه إلى الولايات المتحدة الأمريكية للمعالجة. وكان من نتائجها قيام الطلاب الإسلاميين باحتلال السفارة الأمريكية في طهران (4تشرين الثاني)، واحتجاز ستين رهينة أمريكية. واشترطوا تسليم الشاه لمحاكمته مقابل الإفراج عن الرهائن.

في بداية شهر كانون الأول 1979، وافق استفتاء شعبي على دستور يمنح الإمام الخميني جميع السلطات التي بقي يمارسها حتى وفاته عام 1989. وأسهمت محاولة الأمريكيين الفاشلة لتحرير الرهائن (عملية تابَسْ = تَبس 24ـ25نيسان 1980) في تعزيز وضع الأصوليين الشيعة المتشددين الذين حققوا انتصاراً ساحقاً في الانتخابات التشريعية لعام 1980.

وبعد وفاة الشاه أواخر تموز 1980، نجحت الجزائر في إقناع إيران بالإفراج عن الرهائن الأمريكيين في كانون الأول 1981، وأدى ذلك إلى تخفيف حدة الأزمة الدولية.

وعلى الصعيد الداخلي فقد انتخب رئيس البرلمان الإيراني المتشدد علي أكبر هاشمي رفسنجاني لرئاسة الجمهورية في 17/8/1989 بأغلبية كبيرة، وأعيد انتخابه للمرة الثانية في 13/6/1993. ثم خلفه زايد محمد خاتمي رئيس الجمهورية الحالي منذ 3/8/1997 وهو من رجال الدين المعتدلين، وتشهد إيران في عهده انفتاحاً على الغرب، كما تسعى إلى تحسين علاقاتها مع الدول العربية المجاورة. ولكن إصلاحاته التحررية في المجال الداخلي تلقى مقاومة من رجال الدين المحافظين المتشددين.

أما على الصعيد الخارجي، فقد نشبت الحرب العراقيةـ الإيرانية (1980- 1988) وتأزمت العلاقات الإيرانية مع الدول العربية (باستثناء سورية وليبية)، ومع الدول العظمى. في حين تعزز نظام الثورة الإسلامية في إيران التي أضحت إحدى القوى الإقليمية الفعَّالة في غربي آسيا وشرقي حوض البحر المتوسط.

 

صباح كعدان

 

 

 


- التصنيف : التاريخ - النوع : سياحة - المجلد : المجلد الرابع، طبعة 2001، دمشق - رقم الصفحة ضمن المجلد : 375 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة