تومرت
Ibn Tumart - Ibn Tumart

ابن تومرت

(473ـ524هـ/1080ـ1129م)

 

أبو عبد الله محمد بن عبد الله مهدي الموحدين ومؤسس الحركة الموحدية، ولد في مدينة إيْجَلنْ بمنطقة السوس جنوب المغرب الأقصى، اختلف المؤرخون القدماء في نسبه، فمنهم من جعله بربرياً من قبيلة هَرْغَة وهي إحدى بطون قبيلة مصمودة، كبرى القبائل البربرية، ومنهم من قال إن أسرته تنحدر من شريف إدريسي نزل قبيلة هرغة واصلين بذلك نسبه بالرسول العربيr.

ينتمي ابن تومرت إلى أسرة متوسطة الحال، إلا أنها كانت على شيء من المكانة الدينية، فقد كان أهل بيته أهل نسك ورباط كما ذكر ابن خلدون، وكان والده عبد الله الذي لقب بتومرت كثير الاهتمام بتربيته تربية علمية.

لايُعرف عن حياة ابن تومرت العلمية في الثلاثين عاماً التي سبقت رحلته المشرقية سوى أنه تردد على بعض الكتاتيب لحفظ القرآن، ثم تناول شيئاً من مبادئ العلوم الشرعية، وكان المشرق بالنسبة إلى ابن تومرت كغيره من علماء المغرب محط آمال الراغبين في العلم وعنصراً مهماً في تكوين الشخصية العلمية، وغادر ابن تومرت موطنه متوجهاً إلى المشرق سنة 500هـ/ 1106م، كما هو مرجّح ليقيم أمداً في الأندلس حيث قرأ على ابن حمدين قاضي قرطبة، وتأثر في الفقه والعقيدة بآراء المدرسة الحزمية (نسبة إلى ابن حزم (ت456هـ) مؤسس المذهب الظاهري). ومن ميناء ألمريّة في الأندلس توجه ابن تومرت إلى الإسكندرية عن طريق المهدية التي كانت نقطة الوصل بين الميناءين، والتقى هناك بأبي بكر الطرطوشي، الفقيه المتبحر في السياسة الشرعية، وتتلمذ عليه، وذُكر أنه زار مكة لأداء فريضة الحج قبل رحيله إلى الشام والعراق، وكان ابن تومرت يأخذ العلم ويلتقي المفكرين أينما حل وحيثما نزل.

انكفأ ابن تومرت إلى مسقط رأسه عبر مصر ثم طرابلس، ثم غادرها إلى مدينة تونس حيث قصده طلبة العلم، بعدها غادر المدينة إلى بجاية مع ثلاثة من طلبته المقربين وهم يوسف الدكَّالي والحاج عبد الرحمن، وأبو بكر الصنهاجي المكنَّى بالبيدق الذي أرَّخ لابن تومرت فيما بعد، وقد اتخذ ابن تومرت من مسجد الريحانة مدرسة لطلبة العلم ونصَّب نفسه آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر، مما دفع حاكم المدينة إلى صرفه عنها متخذاً طريق النصح.

غادر ابن تومرت بجَّاية إلى رباط ملالة القريب منها، وواصل هناك مسيرته في التدريس في أحد مساجد المدينة حيث استقطب الطلبة القادمين من الجوار، وكان من أبرزهم عبد المؤمن بن علي الذي ترتب على لقائه فيما بعد أثر أساسي أفضى إلى تأسيس دولة الموحدين [ر:الموحدون].

وفي مراكش عاصمة المرابطين، أمر علي بن يوسف تاشفين أمير المرابطين، بعد أن استفحل أمر ابن تومرت، بإحضاره إلى القصر، وأحضر الفقهاء لمناظرته، ولما انتهت المناظرة بتفوق ابن تومرت على الفقهاء أشار مالك بن وهيب الأندلسي (ت525هـ) على الأمير بقتله، ولكن الأمير اكتفى بإخراجه من المدينة.

غادر ابن تومرت وصحبه المدينة، وحطّ الرحال في مدينة أغمات واستأنف مسيرة التدريس والوعظ والتصدي للفقهاء، ثم لم يلبث أن غادرها عملاً بنصيحة عبد الحق بن إبراهيم المصمودي، ومرَّ في طريقه على عدة قرى وقبائل، وهنا لم يعد يكتفي كعادته بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل أخذ يظهر بمظهر الزعيم الذي يدعو القبائل إلى الثورة على سلطان المرابطين، والانضمام إليه، ونجح في مسعاه هذا إذ انضم إليه عدد من العناصر القوية مثل أبي حفص عمر الهنتاتي الذي سيكون له دور بارز في بناء دولة الموحدين فيما بعد.

ولما بدأت قوة ابن تومرت تظهر للعيان، وحين أفتى بخلع مبايعة علي بن يوسف عن أعناق تابعيه وأصحابه، أدرك الأمير المرابطي خطورته، وأرسل في طلبه، ولكنه كان قد انتهى إلى قبيلة هرغة، ونـزل في مسـقط رأسـه، وذلـك في عـام 514هـ/1120م بعد رحلة دامت أربع سنوات كاملة، وخمسة عشر عاماً من الاغتراب.

وفي إيجلن أخذ ابن تومرت يعد العدة لقتال المرابطين، وأرسل مبعوثيه لاستمالة القبائل المجاورة، وبعد أن استكمل استعداده أخذ يشن الغارات على المرابطين في الجوار. وأدرك المرابطون خطر الدعوة التي يبشر بها ابن تومرت، وحاولوا القضاء عليه، وكادوا أن ينجحوا في محاولاتهم هذه، ولكنّه نجا بأعجوبة.

شعر ابن تومرت أثر ذلك أنه غير آمن في إيجلن، فانتقل إلى مدينة جبلية منيعة هي تينمل (تين مل-تين ملل)، وميزة هذه المدينة إضافة إلى حصانتها الطبيعية أنها تقع في منطقة كثيرة السكان مما يسهل نشر الدعوة، وخاصة أن أهلها قد بعثوا إلى ابن تومرت يدعونه للقدوم إلى بلدتهم. وهناك بدأ ابن تومرت بتنظيم دعوته التي قامت في الأساس على مبادئ دينية، ولكنها كانت ذات أهداف سياسية أيضاً، غايتها تحطيم دولة المرابطين، وإقامة دولة الموحدين، واتبع ابن تومرت في سبيل تحقيق أهداف ثورته تلك أساليب متعددة منها:

- إعطاء حكمه صبغة شرعية في محاربة المرابطين، والخروج عليهم بإعلانه أنه المهدي المنتظر.

- تأليف مجلس يشتمل على عشرة أشخاص من خيرة أصحابه يقرر معهم الأمور العظام.

- تأليف مجلس يشتمل على خمسين شخصاً يمثلون مختلف القبائل التي تبعت ابن تومرت.

وحفت بالمهدي حاشية خاصة كونّت بمجموعها مجلساً أو مؤسسة ثالثة هي أهل الدار، وعدد أفرادها عشرون رجلاً بعضهم من مجلس العشرة وبعضهم من مجلس الخمسين، ويشرف أربعة منهم على خدمة المهدي الشخصية، ومن مجموع هذه المجالس نشأ مجلس السبعين الذي اعتبره بعض الباحثين مجلساً مستقلاً.

أما سائر الأنصار فقد أوجد لهم المهدي تصنيفاً آخر بحسب القبائل وأحياناً بحسب المهن مثل: صنف الطلبة، وصنف الحفاظ، وأهل هرغة وأهل تينمل، وذلك في سبيل المزيد من الانضباط والانقياد.

تبع ذلك حملة إعلامية غايتها بعث الثقة في نفوس أتباعه، وحثهّم على قتال المرابطين لأنَّهم في نظره مخالفين للشرع، فأرسل إليهم يدعوهم لقبول دعوته سلماً، ولما لم يتلق جواباً جعل يعد العدة لغزوهم، فجهز جيشاً وأمَّر عليه أبا محمد البشير، ولكن النصر لم يكن حليفه، وانهزم هزيمة منكرة في المعركة التي عرفت بموقعة «البحيرة» من عام 524هـ/1129م. ولكن المهدي لم ييأس وطمأن أتباعه بأن الأمر باقٍ، ولكنه لم يعمر بعد هذه المعركة طويلاً وتوفي في العام نفسه، ولكن وفاته بقيت سراً إلى أن أعلن عنها خليفته عبد المؤمن بن علي بعد ثلاث سنوات.

أمّا مبادئ وتعاليم ابن تومرت فلعل أكمل صورة لها موجودة في كتاب «أعز ما يُطلب» الذي جمع فيه عبد المؤمن، خليفة ابن تومرت، كل تعاليمه. وأول ما يميز هذه التعاليم كونها خليطاً متنافراً غير متجانس من الأفكار، وربما نجم ذلك عن قيام ابن تومرت ـ بحماسه الديني وتعطشه للمعرفة بالاستقاء من كل التيارات الدينية والفكرية التي احتك بها في الأندلس والمشرق دون أن يشعر بأي حرج من التناقض الذي حصل في الصورة الكاملة بين المبادئ التي تبناها.

ففي الأندلس تأثر بالمدرسة الحزمية أو بالمذهب الظاهري الذي يدعو لاتباع ظاهر النصوص الدينية لاشتقاق الأحكام منها وأن في مجمل نصوص القرآن والسنة ما يكفي، وأنه لاضرورة للقياس لأن القياس عقلي بينما التشريع إلهي، ويظهر اقتباس ابن تومرت من هذا المذهب بقوله: «العقل ليس له في الشرع مجال» ولكن ابن تومرت لم يسر مع ابن حزم بكليته فهو يرى الابتعاد عن العقل في مجال الفقه، ولكنه في مجال العقيدة يسير على خط مناقض ويتبع طريقة المتكلمين الذين برهنوا على صحة العقيدة مثل وحدانية الله وعدله ببراهين عقلية وأخذوا من النصوص القرآنية ما يدعم حججهم المنطقية العقلية، وما بدا ظاهره أو حرفيته مناقضا لهذه الحجج فسروه تفسيرا تأويليا ليتلاءم معها. واشتهر من هؤلاء المتكلمين المعتزلة، ومن ثم الأشاعرة الذين عمدوا للدفاع عن عقائد السلف أمام المعتزلة بسلاحهم نفسه وهو سلاح العقل والمنطق. وتأتي على رأس مسائل العقيدة التي بحثها المعتزلة وسار ابن تومرت فيها على منوالهم قضية وحدانية الله وتنزيهه إلى أقصى حد، وجعل ابن تومرت هذا المبدأ وهو تنزيه وحدانية الله حجر الزاوية بالنسبة لمبادئه حتى سمي من آمنوا به بالموحدين، ورفع راية الجهاد ضد أولئك الذين يلقبهم بالمجسمين للذات الإلهية (وهو يقصد بهم المرابطين)، ومع ذلك يبتعد ابن تومرت عن المعتزلة في مجالات أخرى فالله عز وجل لا يخضع حسب تفكيره للقواعد والقوانين التي يخضعه لها المعتزلة كالقول إنَّ فاعل الكبيرة على سبيل المثال بالنار وصاحب الحسنة يثاب بل يقول: «إن الباري سبحانه لا حاكم فوقه ولا آمر ولا ناهي غيره، فلو أدخل عبيده كلهم الجنة لكان ذلك منه فضلاً، ولو أدخلهم النار لكان ذلك منه عدلاً، يفعل مايريد» وهو في ذلك يسير مع الأشاعرة الذين يرون أن الكبائر لا تكفر صاحبها وأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.

تجتمع كل المذاهب والتيارات التي سار معها ابن تومرت كلياً أو جزئياً في إطار السنة، وقد خالفها بأجمعها ودفعة واحدة بقوله بعقيدة الإمامة والمهدوية على الطريقة الشيعية، ولم تكن فكرة المهدوية غريبة على أهل المغرب الأقصى نتيجة لنشاط الشيعة في تلك المنطقة، واستغلها ابن تومرت لإعطاء حكمه صبغة الشرعية في محاربة المرابطين.

إنَّ انتشار سلطان الحركة في طول المغرب وعرضه في عشرين سنة تلت وفاة ابن تومرت تدل على أن البذور التي غرسها كانت مليئة بالحيوية وأن الأسس الفكرية والإدارية التي وضعها كانت على درجة كافية من المتانة بحيث لم تتقوض بهزتين شديدتين متواليتين (هزيمة الموحدين في موقعة البحيرة ووفاة ابن تومرت في السنة نفسها).

فارس بوز

 

 الموضوعات ذات الصلة:

 

الموحدون

 

 مراجع للاستزادة:

 

ـ أبو بكر بن علي الصنهاجي البيدق، أخبار المهدي ابن تومرت وابتداء دولة الموحدين، تحقيق عبد الحميد حاجيات (الجزائر 1974).

ـ أحمد بدر، تاريخ المغرب والأندلس ( دمشق 1980- 1981).


- التصنيف : التاريخ - النوع : أعلام ومشاهير - المجلد : المجلد السابع - رقم الصفحة ضمن المجلد : 188 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة