أبو زبيد الطائي
زبيد طايي
Abu Zubayd al-Tai - Abu Zubayd al-Tai
أبو زُبيد الطّائي
أبو زُبيد الطّائي
(…ـ نحو 42هـ/… ـ نحو 662م)
أبو زُبيد، حَرْمَلَة بن المنذر بن مَعْدِي كَرِب الطّائي، وذهب نفرٌ فيهم أبو حاتم السِّجِستاني وابن قتيبة إلى أن اسمه (المنذر بن حرملة) وهو وَهْمٌ صُراح، أعان على فُشُوِّه وانتشاره العيني، حتى جرى على لسان البغدادي في خزانته، وهو مَنْ هو، واضطرب الزِّركلي فيه فترجم له كرّتين؛ الأولى باسم (حرملة ابن المنذر) والثانية باسم (المنذر بن حرملة)، وإنما الصواب: حرملة بن المنذر، لا غير. قال الميمني، روَّح الله روحه، واشيًا بأوّل من صحّف في اسم أبي زُبيد « ولو جسرت على ضعف مُنَّتي وقِلَّة حِيلتي لقُلتُ: إنّ أبا حاتم أوّل من صحّف، على جلالته، فتبعه من عثر على كتابه ».
شاعر جاهليّ مُعَمَّر، سَلَخَ من سِنِيّ هذا الدهر خمسين ومئةَ سنة، عِدادُهُ في المخضرمين، على أنّ الإسلام طلع عليه فلم يُسْلم بل بقي على نصرانيّته، التي لم يَبْقَ منها فيه سوى شُرب الخمر، ولعلّ هذه الأثارة أصابته لِسُكْناه في أخواله بني تغلِب بالجزيرة، ومن زعم أنّه أسلم ـ وفيهم الطّبري وابن الأثير. واحتجّ في ذلك برثائه لخليفتَي رسول اللهr عثمانَ وعليٍّ، رضي الله تعالى عنهما، أشاح بوجهه عن الرّوايات النّامة على شُربه الصَّهباء وتَهَتّكه فيها، ومُعاقرتها الآحادَ في البِيَع.
كان رجلاً طُوالاً عُدّ في جماعةٍ بَذّوا الناس طُولاً؛ ينتهي طول الرجل منهم إلى ثلاثة عشر شبرًا، حتى كان أحدهم يُقبِّل المرأة على الهودج، وكان يقال للرجل منهم: مُقَبِّل الظُّعُن.
قاتل يوم الجسر في صفوف المسلمين حَمِيّةً، واستعمله عمر بن الخطّابt، على صدقات قومه ولم يستعمل نصرانيًّا غيره لأن عمر بن الخطاب كان قد فرض الصدقة مضاعفة على بني تغلب لأَنَفَتِهم عن دفع الجزية. كان من زُوّار الملوك، ولملوك العَجَم خاصّة، وكان عالمًا بسِيرهم، فقُرِّب على ذلك وأُدْنِي مجلسه بين يدي عثمان]، وكان عثمان يستنشده قائلا: «يا أخا تُبَّعِ المسيح، أسمعنا بعض قولك، فقد أُنْبِئتُ أنّك تُجيد». فأسمعه عينيّته، التي تعدّ من جيّد شعره، منها قوله:
مَنْ مُبلغٌ قومَنا النّائين إذ شَحَطوا
أنّ الفؤادَ إليهمْ شَيِّقٌ وَلِعُ
فالدّارُ تُنْبِيهمُ عنِّي فإنّ لهم
وُدِّي ونصري إذا أعداؤهمْ بَضَعوا
إمّا بحدِّ سنانٍ أو محافلِه
فلا قَحومٌ ولا فانٍ ولا ضَرَعُ
انقطع أبو زُبيد إلى الوليد بن عقبة ابن أبي مُعَيْط، بعد أن أخذ له الوليدُ حقَّه من أخواله بني تغلِب، وغشيه مُنْتَجِعًا بالمدينة والكوفة، ولازمه ملازمةً أورثته غنًى ورِفعة وصحبة حتّى ذهب نفرٌ إلى القول: إنّه لم يزلِ الوليد به وعنه حتى أسلم عنده في آخر إمارته، على أنّ هذه الصّحبة قد جرّت الويل على الوليد حياتَه، حتى ارتاب فيه الخليفة فعَزَله عن ولاية الكوفة، بعد شهادة مُبْغِضِيه عليه: بشُربهِ الخمرَ بعد السِّرّ إعلاناً، وأمِّهِ النّاسَ فَرْضَ الفجر سَكراناً.
جُلّ قوافي أبي زُبيد كان في الوصف والرّثاء، فأمّا الوصف فخيره كلّه كان في وصف الأسد، حتى لِيْمَ في ذلك فقال له عثمانt: «تاللهِ تفتأُ تذكر الأسد ما حَيِيت، واللهِ إنِّي لأحْسِبك جباناً». قال: «كلا، يا أمير المؤمنين، ولكنّي رأيت منه منظرًا، وشهدت منه مشهدا لا يبرح ذكره يتجدّد في قلبي، ومعذورٌ أنا بذلك، يا أمير المؤمنين، غير ملوم». وممّا يُنْتَخب من شعره في وصف الأسد قوله:
فباتُوا يُدْلِجون، وبات يَسْري
بصيرٌ بالدُّجَى هادٍ هَموسُ
إلى أن عَرَّسوا، وأغَبَّ عنهم
قريبًا، ما يُحَسُّ له حَسِيْسُ
فلمّا أنْ رآهمْ قد تَدانوا
أتاهمْ وسْط أَرْحُلِهمْ يَمِيْسُ
وجالَ كأنّه فَرَسٌ صَنِيْعٌ
يَجُرُّ جِلالَهُ، ذَبِلٌ شَمُوسُ
كأنّ بِنَحرهِ وبِساعِدَيْهِ
عَبيرًا باتَ تَعْبَؤُهُ عَروسُ
وقال يصف الأسد، وقد دَهَمه في بعض أسفاره حتى رآه مِلْء عينَيْه، في خبر طويل: «فأقبل يتظالع من بَغْيه كأنّه مجنوبٌ أو في هِجارٍ، لصدره نَحِيْط ولبَلاعِيْمِه غَطِيط، ولطَرْفه وميض، ولأَرْساغه نقيض كأنّما يخبِط هشيماً وأنّما يطأ صريماً، فإذا هامةٌ كالمِِجَنِّ وإذا خَدٌّ كالمِسَنِّ، وعينانِ سَجْراوان، كأنّهما سِراجان يَقِدان».
وأمّا الرّثاء فقد كان نُهْبَى للخليفة والأمير وذي القُربى، ومرثيته في ابن أخته اللّجلاج، الذي مات عَطَشًا في طريق مكّة، إحدى مراثي العرب، وقوافيها، التي تنمّ على حبٍّ صِرفٍ للمَرْثِيّ، تشجي الحزين وتستخفّ الرصين في عُلُوّ لفظٍ وفخامة معنًى وحُسْنِ سَمْت، منها:
كلُّ مَيْتٍ قدِ اغْتَفَرْتُ فلا أو
جَعَ من والِدٍ ومن مولودِ
غيرَ أنَّ اللّجْلاجَ قد هَدَّ رُكْنِي
يومَ فارقتُهُ بأعلى الصَّعِيْدِ
في ضَرِيْحٍ عليهِ عِبْءٌ ثقيلٌ
مِنْ تُرابٍ وجَنْدلٍ مَنْضُودِ
وفي هذه القصيدة أبيات في الحكمة مُستملحة، تَشِي بعُمْق التّجربة، منها قوله:
إنّ طولَ الحياةِ غيرُ سُعُودِ
وضَلالٌ تَأَمِيلُ نَيْلِ الخُلودِ
عُلِّلَ المَرْءُ بالرّجاءِ ويُضْحِي
غَرَضًا للمَنُونِ نَصْبَ العُودِ
ومن جيّد شعره، في غير الرّثاء، قصيدته التي يقول فيها:
إنّما مُِتُّ والفُؤادُ عَمِيْدٌ
يومَ بانَتْ بِوُدِّها خْنساءُ
جُمع شعره في كُرّاس، ونُشر نشرةً أولى سنة 1967م، ببغداد، وله أبيات نادّة أخرى لم يشتمل عليها ديوان شعره، ليستْ دون ما جُمع جزالةَ لفظ وقوّة أسر.
مُقْبِل التّامّ عامر الأحمدي
الموضوعات ذات الصّلة: |
الأَدب العربيّ في العصر الإسلامي.
مراجع للاستزادة: |
ـ ابن سلاّم الجمحي، طبقات فحول الشعراء، تحقيق محمود شاكر (مطبعة المدني، القاهرة 1974).
ـ أبو الفرج الأَصفهاني، الأغاني (دار الكتب المصريّة، القاهرة 1935).
ـ ابن قتيبة، الشعر والشعراء، تحقيق أحمد محمد شاكر (دار المعارف، القاهرة 1982).
ـ نوري القيسي، شعر أبي زُبيد الطائي (مطبعة المعارف، بغداد 1967).
- التصنيف : اللغة العربية والأدب العربي - النوع : أعلام ومشاهير - المجلد : المجلد العاشر، طبعة 2004، دمشق - رقم الصفحة ضمن المجلد : 250 مشاركة :