مغنطيسيه مسايره فايقه
Superparamagnetism - Superparamagnétisme

المغنطيسية المسايرة الفائقة

المغنطيسية المسايرة الفائقة

 

تبدي بعض المواد المغنطيسية سلوكاً مشابهاً للمغنطيسية المسايرة [ر] paramagnetism عند درجات حرارة محددة أخفض من درجتي حرارة حرجتين، وذلك حسب نوع المادة المغنطيسية التي تكون إما حديدية المغنطة ferromagnetic وتميزها درجة حرارة كوريCurie temperature ، أو ذات مغنطيسية حديدية مضادة antiferromagnetic وتميزها درجة حرارة نييلNéel temperature، وتُعرَف هذه الظاهرة بالمغنطيسية المسايرة الفائقة superparamagnetism. تتميز الأوساط حديدية المغنطة بأن لها مغنطة تلقائية غير معدومة عند درجة الحرارة العادية، حتى عند غياب الحقل المغنطيسي [ر]. ومن الأمثلة عليها الحديد والنيكل والكوبلت وهي من العناصر المعروفة منذ أمد بعيد، حيث تكون طواعيتها susceptibility المغنطيسية موجبة وكبيرة جداً. عند ازدياد درجة الحرارة عن درجة حرارة كوري يتلاشى العزم المغنطيسي التلقائي للمواد حديدية المغنطة بسبب انعدام الترتيب ordering في توجهات ثنائيات الأقطاب المغنطيسية الفردية للذرات أو الإلكترونات. يحدث الأمر ذاته بالنسبة إلى المادة ذات المغنطيسية الحديدية المضادة إنما عند درجة حرارة أعلى من درجة نييل. وتختلف الأوساط المغنطيسية المضادة عن الحديدية بالطريقة التي تتجه فيها ثنائيات الأقطاب بعضها بالنسبة إلى بعضها الآخر، إذ تأخذ توجهاً واحداً متوازياً ثم منحىً معاكساً للتوجه السابق وذلك بالتناوب مع الإبقاء على الشدة ذاتها، وتحافظ على هذا التشكيل حتى حين انعدام الحقل المغنطيسي. في حين يكون الأمر بالنسبة إلى المادة حديدية المغنطة مختلفاً بحيث تصطف وتأخذ ثنائيات الأقطاب المتعددة فيها اتجاهاً متوازياً متوافقاًً بالنسبة إلى بعضها وتكون لكل منها شدة واحدة.

المناطق المغنطيسية

تتألف الأوساط حديدية المغنطة في الشروط الاعتيادية من مناطق تدعى المناطق المغنطيسية magnetic domains تتوجه ضمنها العزوم المغنطيسية الذرية بشكل موازٍ لبعضها وذلك من وجهة النظر المجهرية. وعلى الرغم من ذلك فإن دراسة المادة ككل تبيِّن أن العزم المغنطيسي الكلي يمكن أن يكون أقل من العزم الموافق لحالة الإشباع saturation ، ويلزم تطبيق حقل مغنطيسي خارجي للوصول إلى درجة الإشباع المغنطيسي للوسط. لا تأخذ كل العزوم الموضعية في المناطق المغنطيسية المنفصلة في حيّز صغير يدعى حائط بلوخBloch wall اتجاهاً متوازياً واحداً بالضرورة. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يمثل حائط بلوخ (من مرتبة 100 أنغستروم في الحديد) منطقة انتقالية تفصل بين منطقتين مغنطيسيتين متجاورتين متمغنطتين باتجاهين مختلفين، ولذلك يمكن في حالات عدم إمكان وجود عزم مغنطيسي إجمالي في قطعة حديدية صغيرة مغنطتها magnetisation بتعريضها لحقل مغنطيسي خارجي حيث يقوم الحقل بتنسيق توجهات العزوم الموضعية للمناطق المنفردة المنفصلة لتتوازى في اتجاه واحد. إذن تستلزم إعادة توجيه هذه المناطق من الحالة الممغنطة إلى حالتها الأصلية غير الممغنطة طاقة تتجلى في تأخر استجابة العيّنة لهذه العملية وتُدعى هذه الاستجابة «البطاء» hysteresis [ر. البطاء المغنطيسي] وتأخذ فيها المغنطة قيماً موجبة وسالبة في إطار دورة تربط شدة الحقل المغنطيسي  ومتجه التحريض المغنطيسي تُسمى دورة البطاء المغنطيسي. كما تمثّل المساحة التي يغطيها منحني هذه الدورة العمل المنجز في واحدة الحجم لإتمام مسار الدورة.

المغنطيسية المسايرة الفائقة للمواد

تتميز الأوساط المغنطيسية المسايرة الفائقة بمناطق منفردة لعناصر تمتلك خصائص مغنطيسية حديدية في معظم حجمها. وتراوح قيمة الطواعية المغنطيسية لها بين تلك العائدة إلى المواد الحديدية المغنطة وبين تلك التي تميّز الأوساط المغنطيسية المسايرة [ر]. وتقوم قوى الاقتران في العيّنات حديدية المغنطة بجعل العزوم المغنطيسية للذرات المتجاورة تصطف، مما يؤدي إلى نشوء حقول مغنطيسية داخلية كبيرة جداً. عند درجة أعلى من درجة حرارة كوري (أو درجة حرارة نييل من أجل عيّنة حديدية مضادة) يوجد قدر كافٍ من الطاقة الحرارية للتغلب على قوى الاقتران، مما يتيح للعزوم المغنطيسية الذرية أن تتأرجح عشوائياً. وبما أنه لم يعد هناك أي ترتيب مغنطيسي في مثل هذه الحالة، إذاً ينعدم الحقل المغنطيسي الداخلي وتبدي المادة سلوكاً مغنطيسياً مسايراً. تحدث المغنطيسية المسايرة الفائقة عندما تتشكل العيّنة من بذور بلورية crystallites غاية في الصغر (من 1 إلى 10 نانومتر). في هذه الحالة حتى وإن كانت درجة الحرارة أدنى من درجة حرارة كوري أو نييل وكانت الطاقة الحرارية غير كافية للتغلب على قوى الاقتران بين الذرات المتجاورة، إلا أن هذه الطاقة الحرارية  تكون كافية لتغيير اتجاه تمغنط مجمل البذور البلورية. وتحدث تأرجحاتfluctuations في اتجاه التمغنط تجعل الحقل المغنطيسي مساوياً الصفر في المحصلة، وتسلك المادة عندئذ سلوكاً مشابهاً للمغنطيسية المسايرة. ولكنّ الذي يجري هو أنه بدلاً من أن تتأثر الذرات بالحقل المغنطيسي الخارجي بمفردها وعلى نحو مستقل، يقوم العزم المغنطيسي الممثِّل لكامل البذور البلورية بالاصطفاف باتجاه هذا الحقل. تدعى الطاقة اللازمة لتغيير اتجاه المغنطة في البذور البلورية «طاقة اللاتناحي anisotropy البلوري»، وتعتمد على عاملين: خصائص المادة وحجم البلورات. عندما ينخفض حجم البذور البلورية تنخفض طاقة اللاتناحي البلوري أيضاً، مما يؤدي إلى انخفاض درجة الحرارة التي تغدو فيها المادة ذات مغنطيسية مسايرة فائقة.

تطبيقات المغنطيسية المسايرة الفائقة

تمثّل الموائع الحديدية المغنطة ferrofluids أحد الجوانب التطبيقية المهمة للمغنطيسية المسايرة الفائقة، وتتألف هذه الموائع من جسيمات غاية في الصغر لمادة مغنطيسية حديدية معلّقة في حالة سائلة. من هذه المواد الشائعة الاستخدام الكوبلت ومنغنيتmanganite خام منغنيز صيغته MnO3 والحديد، إذ يراعى أن تكون هذه المعادن ذات حجم صغير جداً من مرتبة 10 نانومتر (01-9 متر) من أجل أن تبقى في حالتها المائعة عند تعريضها لمغنطيس [ر] magnet. عندما يُستخدم مصطلح المائع الحديدي المغنطة فإنه يتضمن أيضاً في مفهومه «المائع ذا الجريان المغنطيسي» magnetorheological fluid (المائع المغنطيسي) الذي يشبه المائع الحديدي المغنطة في كل خصائصه ما عدا حجم الجسيمات المغنطيسية المكونة له والتي تكون أكبر من مثيلاتها في المائع الحديدي المغنطة. ويقتضي هذا الاختلاف في حجم الجسيمات المغنطيسية أن يغدو المائع صلباً عند تطبيق حقل مغنطيسي عليه ومن ثم يعود إلى حالته المائعة عند زوال الحقل الخارجي.

يمكن تعليق suspension الجسيمات المغنطيسية في المائع الحديدي المغنطة في سوائل مختلفة من أكثرها شيوعاً الماء والزيت. وتضاف إلى السائل الحامل carrier liquid بعض المواد الفعالة سطحياً surfactant التي تجعل قوام المائع أكثر ثباتاً. ومن أكثر التطبيقات أهمية للمائع الحديدي المغنطة استخداماته العسكرية في أواخر الثمانينات مصدراً للمعَاكَسة الرادارية. فعند طلاء الطائرات بالمائع الحديدي المغنطة بوجود مادة غير مغنطيسية في قوام الطلاء يصبح بإمكان هذه الطائرات امتصاص الأمواج الرادارية، مما يجعل الرادار غير قادر على كشفها عند مرورها في الأجواء. ومن المشروعات المقترحة للاستفادة من الموائع المغنطيسية تصنيع لباس شديد المرونة بحيث يتحول إلى درع واقٍ للجسم في أقل من واحد بالمئة من الثانية بتوليد حقل كهرطيسي يقوم بتغيير المائع إلى حالته الصلبة. تستخدم الموائع الحديدية المغنطة في تقنيات كشف السرطان بطرق التصوير المغنطيسية، وفي المكبّرات الصوتية وفي عزل sealing الأجهزة المختلفة. تعمل الموائع الحديدية المغنطة في شروط حرارية قاسية تقع بين -55 و 200سْ، مما يجعلها مواد مرشحة بقوة للاستخدام الجيولوجي في أي بقعة من الأرض وفي الفضاء. كما يمكن التحكم بسهولة بقوام المائع بدءاً من مادته المغنطيسية إلى ناقليته conductivity ولزوجته viscosity وقابليته للتطاير volatility، مما يشجع صناعياً على تحضير المائع وفقاً لما تتطلبه حاجة العلم والصناعة. هناك استعمالات أخرى ذات أهمية للمواد المغنطيسية المسايرة الفائقة تتجلى في تصنيع الذواكر المغنطيسية magnetic memories لتخزين البتات bits في الحاسوب وفي أقراص تخزين المعلومات اعتماداً على توجه شعاع المغنطة في المناطق المغنطيسية الصغيرة بالنسبة إلى شعاع تمغنط المادة الإجمالي (موازٍ أو غير موازٍ). وحسب الاتجاه تأخذ هذه المناطق قيمة الصفر أو الواحد عاملة بذلك وفقاً للنظام العددي الثنائي binary الذي تستعمله الحواسيب في نظام تشغيلها.

سمير الخواجة

 

الموضوعات ذات الصلة:

 

المغنطيس ـ المغنطيسية ـ المغنطيسية المعاكسة.

مراجع للاستزادة:

 

ـ بسام المعصراني، فخري كتوت، فيزياء الجسم الصلب (مطبوعات جامعة دمشق 1983).

ـ شمس الدين علي، الفيزياء الحديثة (الجسم الصلب)، (منشورات جامعة حلب، 1975).

- J. S. BLAKEMORE, Solid State Physics, 2nd ed. (Cambridge University Press., UK 1985).


- التصنيف : الكيمياء و الفيزياء - النوع : علوم - المجلد : المجلد التاسع عشر، طبعة 2007، دمشق - رقم الصفحة ضمن المجلد : 211 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة