logo

logo

logo

logo

logo

المغرب العربي الكبير (المسرح في-)

مغرب عربي كبير (مسرح في)

Maghreb - Maghreb

المغرب ا لعربي الكبير (المسرح في ـ)

 

بدأت انطلاقة المسرح في بلدان المغرب العربي (تونس والجزائر والمغرب) في مطلع القرن العشرين مع زيارات فرق مسرحية عدة من لبنان ومصر، لكن ردود أفعال الفنانين والجمهور على عروض هذه الفرق انطبعت بخصوصية كل بلد على حدة، ولاسيما على الصعيد اللغوي. أما على الصعيد الفني فقد كانت الزيارات محفزاً على تشكيل فرق محلية.

في تونس، تشكل عام 1909 «الجوق المصري التونسي» و«جماعة الآداب العربية» (1911) و«جماعة الشهامة العربية» (1912)  التي عرضت مسرحيات مصرية، وكانت أولى النصوص التونسية «عبد الحميد بين جدران يَلْدز» لمحمد الجعايبي، و«الانتقام» للشيخ محمد مناشو. إن زيارة «فرقة جورج أبيض» لتونس وبقاءه فيها عاماً ونصفاً لتدريس فن المسرح تعد منعطفاً مهماً على صعيد التعامل العلمي مع فن المسرح. حتى نهاية الستينيات من القرن العشرين تشكلت فرق مسرحية عديدة، منها ما اتبع أسلوب جورج أبيض، ومنها ما بقي على الأسلوب الشعبي المتداول، وظهرت في تلك المرحلة أسماء مهمة أسهمت في استمرار الفن المسرحي مثل خليفة الصنبولي ومحمد البنزرتي والشاذلي جعنورة على صعيد التمثيل والإخراج، كما امتدت الحركة المسرحية إلى الأقاليم وكبريات المدن حيث كانت المسرحيات التاريخية الفصيحة تقدم جنباً إلى جنب مع المسرحيات الاجتماعية المؤلفة بالمحكية التونسية. حتى مطلع الستينيات بقيت أزمة العنصر النسائي قائمة إلا من بعض الاستثناءات، كما في «فرقة المسرح الحديث» التي أدارها المنصف شرف الدين منذ عام 1959 والتي شاركت في عروضها ممثلات من بنات الأسر المعروفة. وبعد الاستقلال حفز الحبيب بورقيبه[ر] على تطوير الفن المسرحي فأدخله إلى المدارس والجامعات، وأوفد الكوادر للتخصص في أوربا، وقامت الدولة من ثم بدعم الفرق مادياً ومعنوياً ونظمت المسابقات المسرحية التي شاركت فيها الطالبات. كما أُتبعت «مدرسة التمثيل» إلى «المعهد القومي للتمثيل والموسيقى والرقص» وصار اسمها منذ عام 1966 «مركز الفن المسرحي».

وفي أثناء تلك السنوات التأسيسية برز اسم المؤلف الحبيب بو الأعراس والمخرج الممثل علي بن عياد. ومنذ مطلع السبعينات لمع الكاتب عز الدين المدني الذي أسهم في حركة تأصيل المسرح العربي شكلاً ومضموناً باستلهام التراث الأدبي والتاريخي بتأويل فكري معاصر، وتعاون مع كبار مخرجي تلك المرحلة ولاسيما مع المنصف السويسي ومع الدراماتورغ رجاء فرحات في تجسيد نص «ديوان الزنج». ثم مهدت «فرقة المسرح الجديد» للعمل الجماعي على جميع مستويات تجسيد العرض الذي يخاطب الجمهور في قضاياه المعاصرة والملحة. وقد لفتت عروض الفرقة مثل «التحقيق» و«غَسّالة النوادر» النظر إلى لغة مسرحية جديدة في التعامل مع الممثل والسينوغرافيا والإضاءة والنص. وضمت الفرقة فنانين مسرحيين رسموا فيما بعد صورة مستقبل المسرح التونسي المتعددة الألوان والمشارب والاهتمامات، مثل محمد إدريس والفاضل الجزيري والفاضل الجعايبي والحبيب المسروقي وجليلة بكار ورجاء بن عمار.

إن الجمالية الراقية في التعامل مع مكونات العرض ولاسيما التمثيل في ارتباطه بالفضاء المسرحي قد شكلت مدرسة استلهمها كثيرون، وليس في تونس فقط. وعندما حان وقت تخطي التجربة اتجه كل من أعضائها نحو تجارب جديدة بالتعاون مع خبرات جديدة، فقدم محمد إدريس عروض «إسماعيل باشا» و«يعيشوا شكسبير» و«ونّاس قلوب» وغيرها، فبرز مخرجاً وممثلاً متميزاً. وخرج الفاضل الجزيري من المسرح المغلق إلى رحاب كنيسة مهجورة وحقق فيها عرض «يا عرب»، عاد بعده إلى الخشبة في «العوَّادة» التي ضربت رقماً قياسياً في عدد عروضها، خاصة أنها استلهمت ملمحاً من التراث الشعبي. وشكل الجعايبي مع بكار ثنائياً باحثاً بدأب عما هو مغاير، كما في عروض «كوميديا» و«فاميليا» و«عشاق المقهى المهجور» وغيرها. وأسست رجاء بن عمار مع آن ماري سلامة والمنصف الصايم «مسرح فو» وقدموا «برج الحمام» و«ساكن في حي السيدة» و«الهوى غلاب» وغيرها. إضافة إلى هؤلاء ظهرت تجارب موازية ومغايرة في آن معاً، تجلت مع فرقة «المسرح المثلث» بإدارة الحبيب شبيل، ومع فرقة «تياترو» بإدارة توفيق الجبالي. وهناك أيضاً ممن برزوا المنجي بن إبراهيم، وعبد العزيز قنون وغيرهم كثير ممن دفعوا العمل المسرحي إلى مداه الأقصى حرفياً وجمالياً وفكرياً. واللافت للنظر هو تعامل هؤلاء مع نخبة كبيرة من خيرة الممثلات والممثلين والفنيين على صعيد الاحتراف. والجدير بالذكر هو أن الدولة لم تدعم «المسرح الوطني» وما شابهه فقط، بل إن «صندوق التنمية الثقافية» قدم معونات مالية مشجعة لجميع الفرق المسرحية ساعد على ضمان الاحتراف واستمراره في جميع مجالات العمل المسرحي. وهنا لابد من الإشارة إلى أن غالبية العروض التونسية كانت تقدم باللغة المحكية، ولاسيما منها ما اعتمد على الارتجال الجماعي، أو تلك التي يكتبها مؤلف فرد. والاستثناءات الناطقة بالفصحى هي تلك المرتبطة بالتاريخ والتراث العربيين.

أما على صعيد المسرح الجزائري منذ نشأته فقد احتلت قضية اللغة المسرحية موقعاً خاصاً في تطوره. فعندما زارت «فرقة جورج أبيض» الجزائر العاصمة عام 1921 وقدمت مسرحيتي جورج حداد «صلاح الدين الأيوبي» و«ثارات العرب» لم يتجاوب المثقفون مع موضوع العروبة والفصحى نتيجة تَغرُّبِهم باتجاه الثقافة الفرنسية. أما المشاهد العادي فإنه لم يجد في مسرح بالفصحى ما يشده ويمتعه. ومنذئذٍ نادراً ما يُقدم عرض مسرحي جزائري بالعربية الفصحى مهما كان أصل المسرحية أو نوعها، حتى إن كانت من عروض «المسرح الوطني» الناطق باسم الدولة. ويفسر أحد رواد المسرح الجزائري، مصطفى كاتب، هذه الظاهرة «بأن نشوء المسرح هناك، على نقيض مصر والمشرق العربي، لم يرتبط بالترجمة والاقتباس ولا بنخبة المثقفين، وإنما بشركة الأسطوانات المسماة «غوموفون» التي أنتجت أسطوانات عدة باسكتشات مسرحية غنائية هزلية اجتماعية ناقدة، وكانت تقدم في مقاهي الأحياء المزدحمة بالسكان، بطابع احترافي وتجاري، وقد لبَّت آنذاك الاهتمامات الشعبية وتقاليدها الفنية الأصيلة، إذ إنها ارتبطت دائماً بالغناء والفكاهة بلغة شعبية خفيفة. واللافت هو أن جميع المسرحيات التي كتبها جزائريون بالفصحى قد فشلت على الخشبة، أما نصوص هذا المسرح الشعبي فكانت تصاغ بالمحكية شفهياً من قبل أحد الممثلين، ويتم تدوينها لاحقاً. ولهذا يمكن الجزم بأن هذه النصوص قد ارتبطت بالعرض وليس بالأدب المسرحي، علماً بأن معظمها كان إعداداً عن حكايات جحا أو لقصص «ألف ليلة وليلة»...». وفي أثناء الثلاثينيات بلغ المسرح الجزائري إحدى ذراه مع الفنان رشيد قسنطيني الذي أدخل أسلوب الأداء المرتجل، وله ما يزيد على مئة مسرحية واسكتش وألف أغنية. وترتبط موضوعاته بالنماذج الاجتماعية المعروفة. وحينذاك ظهر أيضاً محيي الدين باشترزي الذي كان موسيقياً ومسرحياً ومعداً لمسرحيات موليير [ر] بالمحكية، وهو ما غلب على المسرح الجزائري عامة بدلاً من الترجمة، كما في أعمال كاكي ولد عبد الرحمن. أما كاتب ياسين الذي كان يؤلف أعماله بالفرنسية فقد اجتذبته أفكار الثورة الجزائرية ونضالها فتحول إلى المحكية الجزائرية وحقق نجاحاً كبيراً باعتماده أسلوب الفكاهة الشعبية والارتجال على النص. أما نصوصه المكتوبة بالفرنسية قبل ذلك مثل «نجمة» و«الجثة المطوقة» فقد تُرجمت إلى الفصحى وقُدمت في بلدان عربية عدة. لكن المسرح الجزائري عانى ندرة النصوص الجديدة والجيدة التي تتناول قضايا الحاضر الراهن مما دفع المسرحيين الشباب إلى التأليف الجماعي كما فعلت «فرقة البحر» التي استعادت أيضاً شكل «مسرح الحلقة الشعبي» المعروف في المغرب العربي عامة. وهناك فرق أخرى بحثت في بعض النصوص العربية عما يناسب طبيعة عملها وتوجهها فلجأت إلى إعدادها لغوياً إلى المحكية مع اقتباس حكاياتها مثلما فعل روادهم. وفي أثناء الثمانينات لمعت أسماء جديدة بنت تجاربها اللافتة على سنوات طويلة من الخبرة المسرحية، مثل محمد بن قطاف وزياني شريف عيَّاد وعبد القادر علولة، أولهم ممثل صار كاتباً، وثانيهم ممثل صار مخرجاً، وثالثهم بقي كاتباً ومخرجاً، إلى أن اغتاله الأصوليون. وقد شكلت تجارب هؤلاء ذروة جديدة في مسيرة المسرح الجزائري ولاسيما مع تراجع دور وزارة الثقافة والإعلام وإلغائها عام 1989، بحيث انحسر الدعم المادي والمعنوي، فحملت أعمالهم لغة فنية ثقافية بعيدة عن متطلبات السلطة ومؤسساتها، وتداعوا مع جميع زملائهم من فناني وفنيي المسرح الجزائري عام 1990 إلى مؤتمر عام لتوحيد جهودهم ووضع الأسس الناظمة لمهنهم ولتحديد أهدافهم. لكن تطورات الصراع السياسي الاجتماعي منذ مطلع التسعينات قصمت ظهر المجتمع ومعه حركته الفنية ورجالها، بانتظار تحقيق المصالحة الوطنية.

وعند الانتقال إلى دولة المغرب يجد الباحث نفسه أمام كنز من الظواهر المسرحية الشعبية مثل «مسرح البساط» و«مسرح الحلقة» و«سلطان الطلبة» التي أثّرت في تطور المسرح الحديث بمفهومه الأوربي الذي دخل المغرب مع مطلع القرن العشرين من خلال زيارات الفرق الفرنسية والإسبانية والشامية والمصرية، والتونسية أيضاً، والتي حفزت على ولادة المسرح المحلي على مستوى الهواية.

وما يلفت النظر هنا على نقيض الجزائر وتونس هو التأثير الكبير للفصحى التي وجد فيها المغاربة هويتهم الأصلية  في مواجهة الفَرْنَسَة الاستعمارية، فصارت سلامة الفصحى في العرض أكثر أهمية من القصة والتمثيل والإخراج، فعن طريقها تم إحياء الصلات بالماضي العروبي قومياً ودينياً. ومنذ العشرينات تشكلت فرق الهواة في طنجة وفاس انطلاقاً من المدارس الثانوية بالتعاون مع الفرق الزائرة وبعض المشارقة المقيمين في العاصمة، ومنها «جوق التمثيل الفاسي» الذي ضم الكاتب المخرج الممثل عبد الواحد شاوي، والمغني الممثل الكوميدي محمد أبو عباد. وقدمت الفرقة مسرحيات المناضل القري الذي عُرف بعد اغتياله على يد سلطات الاستعمار بلقب «دفين الصحراء». وفي أواخر العشرينات ظهرت «فرقة مدرسة العاصمة الرباطية» و«فرقة مصطفى الجزار» بمراكش، و«جوق النخيل» في مدينة سلا. واستمر هذا النشاط حتى الحرب العالمية الثانية حين تراجع تحت ضغط السلطة الاستعمارية حتى انفراج الأجواء عقب الحرب، فعادت الفرق إلى فعاليتها إضافة إلى فرق جديدة، من أهمها «جمعية أخوان الفن» التي احتضنت الكاتب أحمد الطيب العلج وقدمت مسرحية «الوزير والفنان» التي صادرتها الرقابة بسبب انتقادها اللاذع للملكية. وفي عام 1950 قدم العلج أول مسرحية بالمحكية بعنوان «عمي صالح» مع «فرقة شباب الفن». وقد سافر في تلك المرحلة عدد من الشباب إلى فرنسا لدراسة المسرح وتقاناته، كما أنشأت «مصلحة الشبيبة والرياضة» مركزاً لتدريب الهواة، برز منه الفنان عبد الله شقرون على صعيد التأليف والبحث والإدارة. وعقب الاستقلال أحدثت إدارة الشبيبة فرعاً سمي «مركز الفن المسرحي الوطني» وأقامت مهرجاناً سنوياً لفرق الهواة. ويعد عبد القادر البدوي أحد أهم من أسهموا في إنضاج الفن المسرحي تأليفاً ثم تمثيلاً وإخراجاً، إضافة إلى عبد الهادي بوزوبع الذي اقتبس ومَغْرَبَ كثيراً من الأعمال العربية والأجنبية وأخرج بعضها بنفسه.

أما على صعيد الاحتراف منذ الخمسينات فقد برز اسما العلج والطيب الصديقي اللذين اشتهرا في البلدان العربية بكثير من نصوصهما وعروضهما بالفصحى، والتي استفادت كثيراً من التراث الشعبي المحلي والعربي القديم. وقد اشترك كلاهما في تجربة التأليف الجماعي فأنتجا «الكنَّاس» و«ياقوت ومرجان» و«شمس الضحى» بهدف إبراز الخصوصية المغربية على صعيد الشكل والمضمون. ومنذ السبعينات برز أيضاً اسم المؤلف عبد الكريم برشيد صاحب نظرية «الاحتفالية المسرحية» التي أثارت جدلاً واسعاً حول أصالتها ومصادرها الغربية. كما ظهر أيضاً المؤلف والممثل عبد الحق الزروالي صاحب العروض المونودرامية.

وقد لوحظ في العقدين الأخيرين من القرن العشرين تراجعاً جلياً على صعيد النشاط المسرحي عدا التماعات قليلة هنا وهناك تظهر وتخبو بسرعة، على الرغم من فعالية «المعهد العالي للمسرح» في الرباط.

 

                                               نبيـل الحفـار

 

التصنيف : الموسيقى والسينما والمسرح
النوع : موسيقى وسينما ومسرح
المجلد: المجلد التاسع عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 149
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 598
الكل : 31794010
اليوم : 69471

استذابة الجراثيم

استذابة الجراثيم   اسْتِذَابة الجرثوم lysogeny هي مَقدرة الجرثوم على إنتاج العاثية phage وإطلاقها، وذلك بعدما يحدث ارتباطٌ نوعيٌ بين المادة الوراثية (المجين أو مجموع المورثات genome)  التي تعرف بطليعة العاثية والمادة الوراثية للجرثوم. وتعد الجراثيم مُضيفاً host لزمرةٍ خاصة من الفَيْروسات تُعرَف بعاثيات الجراثيم bacteriophages. أما الفَيْروس، وهو أصغر العوامل الخَمجَّية، فيتألف من الدنا DNA على الغالب أو الرنا RNA، وغلاف بروتيني يعرف بالقُفَيْصَة أو المحفظة capsid، ولا يُرى إلا بالمجهر الإلكتروني، ولا يستطيع التكاثر إلا بعد أن يُسَخِّر آليات مُضيفه الكيمياوية الحيوية، وعلى ذلك فهو لا يتكاثر إلا ضمن الخلايا الحيَّة فقط.

المزيد »