logo

logo

logo

logo

logo

أصول الفقه (علم-)

اصول فقه (علم)

Usul al-fiqh - Usul al-fiqh

أصول الفقه (علم ـ)

 

الأصول جمع أصل، والأصل في اللغة: ما يتفرع عنه غيره، أو ما يبتني عليه غيره. ويستعمل في الاصطلاح لعدة معان أبرزها: الدليل والقاعدة. والمراد بالدليل هنا ما يستخلص منه حكم شرعي قطعي أو ظني، وترجع الأدلة إلى القرآن والسنة والإجماع والقياس.

أما الفقه، فمعناه في اللغة العلم والفهم مطلقاً، ومنه قوله تعالى: )قالوا يا شعيب ما نفقهُ كثيراً ممّا تقولُ..( (هود، 91) أي ما نفهم. ومعنى الفقه اصطلاحاً: العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من الأدلة التفصيلية. والمراد بالأحكام في اصطلاح الفقهاء أثر خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين: كالفرضية، والوجوب، والندب، والإباحة، والكراهة، والتحريم، وكون العقد صحيحاً، أو باطلاً، أو نافذاً، أو موقوفاً، أو لازماً، أو غير لازم.

وتقييد الأحكام بالشرعية هو لإخراج الأحكام غير الشرعية: كالحسية والعقلية، والوضعية، كمثل  قولنا: النار محرقة، والعالم حادث، والفاعل مرفوع، ولا علاقة لكل ذلك بعلم الأصول. أما وصفها بالعملية فهو لإخراج الأحكام الاعتقادية والوجدانية الأخلاقية. أما وصف الأدلة بالتفصيلية فهو لإخراج الأدلة الاجمالية، كمطلق الأمر، ومطلق النهي.

 ومعنى «أصول الفقه»، المركب الإضافي، أنه أدلة الأحكام الشرعية العملية، ومعرفة وجوه دلالتها عليها من حيث الجملة. وهذا المعنى جزء من حقيقة علم الأصول بعد أن صار في حكم اللفظ المفرد الموضوع عَلَماً على عِلْم بعينه، وتعريفه من هذه الوجهة هو: مجموعة القواعد والبحوث التي يتوصل بها إلى  استنباط الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية.

والقواعد جمع قاعدة، وهي القضية الكلية التي تنطوي تحتها جزئيات كثيرة، والمراد منها هنا القاعدة الأصولية كقولهم:«مقتضى الأمر الوجوب» و«العام دلالته ظنية» و«لا اجتهاد في مورد النص»، وهي غير القاعدة الفقهية التي هي أحكام متشابهة ترجع إلى قياس واحد أو إلى ضابط فقهي يربطها، كقواعد الملكية في الشريعة أو قواعد الخيارات أو قواعد الفسخ، وثَمَّ فرق آخر هو أن موضوع القاعدة الأصولية دليل شرعي، وموضوع القاعدة الفقهية عمل من أعمال المكلفين.

والمراد من التوصل بالقواعد إلى استنباط الأحكام: أن المجتهد يمكنه بوساطة هذه القواعد الأصولية أن يستخرج الفقه، أي الأحكام الفرعية العملية، فدورها لدى المجتهد كدور قواعد النحو لدى الكاتب أو المتكلم بالعربية، وكلاهما ميزان الصحيح من السقيم، فقواعد الأصول تزن الاستنباط الصحيح وتميزه من الاستنباط الباطل، وقواعد النحو تزن الكلام الصحيح وتميزه من الكلام السقيم.

وهكذا فعلم أصول الفقه هو العلم بالمناهج والقواعد التي تبين للفقيه طرائق استنباط الأحكام من الأدلة، وطرائق التوفيق أو الترجيح بينها عند تعارض ظواهرها، ليسير الفقيه على طريق قويم في استنباطه وترجيحه وتفسيره للنصوص.

موضوعات علم أصول الفقه

إن موضوعات علم أصول الفقه هي، كما تقدم، كل ما يتعلق بالمناهج التي تحدد للفقيه والمجتهد والمفسر طرائق تفسيره واجتهاده واستنباطه حتى لا يخرج عن الجادة، فهو يقف على الأدلة ويرتبها، ويبين من يخاطب بأحكام الشرع ومن هو أهل للاستنباط والاجتهاد، ويبين الموازين التي تضبط الإجماع والقياس، كما يبين القواعد اللغوية التي ترشد الفقيه إلى استنباط الأحكام من النصوص، ويبين المصالح المعتبرة شرعاً وغير ذلك مما يكون له دخل في رسم المناهج التي يتقيد بها.

ويمكن تلخيص هذه الموضوعات بما يلي:

ـ الأدلة من القرآن والسنة والإجماع والقياس وهي التي يطلق عليها الأدلة والمصادر الأصلية للأحكام وما يلحق بها من مصادر تبعية كالاستحسان والاستصلاح وقول الصحابي والعرف، والاستصحاب. وذلك من حيث إثباتها للأحكام.

ـ الأحكام من الوجوب والحرمة والإباحة والكراهة والندب والصحة والفساد والبطلان..، ومتعلقات الأحكام: كالأهلية وعوارضها، والحاكم، والمحكوم فيه، والمحكوم عليه.

ـ التعارض والترجيح بين الأدلة.

ـ الاستنباط، وما يتعلق به من دلالات الألفاظ من الحقيقة والمجاز، والمنطوق والمفهوم، والعموم والخصوص، والإطلاق والتقييد، وغيرها.

ـ والمستَنْبِط، وهو المجتهد، وصفاته ومؤهلاته، وأحكام الاجتهاد، ومجاله، وهل يتجزأ الاجتهاد، وهل ينقص باجتهاد آخر، وهل كل مجتهد مصيب، وأحكام التقليد.

نشأة علم أصول الفقه والأدوار التي مر بها

لم يظهر في حياة الرسول من المصادر والأدلة سوى القرآن الكريم والسنة. فالاجتهاد لم ينتشر في حياته لوجود المشرع وهو الرسول عليه الصلاة والسلام، ذلك لأن الاجتهاد لا يكون إلا حين عدم وجود النص، ففي هذا الدور كان القرآن الكريم ينزل بالأحكام وكذلك كان الرسول يسن التشريع لكل ما يطرأ من جديد.

ومع ذلك  فقد جاء في تاريخ التشريع الإسلامي، وفي كتب السنة أن النبيe حين بعث معاذاً قاضياً على اليمن سأله بم تحكم؟ قال: بكتاب الله؛ قال: فإن لم تجد، قال: بسنة رسول الله، قال: فإن لم تجد، قال أجتهد برأيي ولا آلو، فقال عليه السلام: الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله إلى ما يرضي الله ورسوله.

وقد ورد أن علياً رضي الله عنه اجتهد في بعض الخصومات وأقره الرسول عليها، كذلك كان النبي يقر اجتهادات الصحابة حين تعرض عليه. ولكن إقرار النبي لاجتهاد الصحابة لا يُعَدّ من الاجتهاد كمصدر، بل هو نوع من أنواع السنة، وهو السنة التقريرية.

أما بعد وفاة الرسولe فقد واجهت أصحابه وقائع كثيرة لم ينزل فيها آيات من القرآن، ولم تمض منها عن رسول الله سنة، ولذلك سلك الصحابة السبيل الذي أرشدهم إليه القرآن، وهو الاجتهاد، بنوعيه الفردي والجماعي.

وهكذا فإن المناقشة العلمية التي اتسع نطاقها بعد وفاته صلى الله عليه وسلم بين كبار رجال الفقه رغبة منهم في الكشف عن وجوه الحق، ومحاولة استنباط الأحكام من الأدلة، أشعرتهم جميعاً بخطر التفسير والاجتهاد، إذا لم تكن هناك قواعد يخضعون لها، وموازين يعتمدون عليها، دعماً للحق وحداً للأهواء. فعمدوا إلى اخضاع مناقشاتهم واجتهاداتهم وتفسيراتهم لقواعد محّصوها تمحيصاً، وبنوها على أصول أجمعوا عليها تقريباً، وجمعوا كل ذلك في علم ابتكروه وسموه علم أصول الفقه، فكان من العلوم المستحدثة، لأن السلف كانوا في غُنْيةٍ عنه، وهم العارفون باللغة العربية ومعاني ألفاظها، وما تقضي به أساليبها، كما أن قربهم من رسول اللهe ، ومعرفتهم بأسباب نزول الآيات، وأسباب ورود الأحاديث، أكسبتهم معرفة بسر التشريع، إضافة إلى ما امتازوا به من صفاء خاطر، وذكاء وحدة ذهن، ورسوخ العقيدة، فكان استنباطهم للأحكام منسجماً مع هدي الشريعة وروحها، فكان فقههم مبنياً على قواعد وأسس ثابتة، ولم يكونوا في حاجة إلى جمعها وتدوينها.

ولما جاءت بعدهم أمم أخرى، انقلبت العلوم إلى صناعة، واحتاج الفقهاء والمجتهدون إلى تحصيل تلك القواعد والمناهج، فدونوها فناً قائماً بنفسه.

وتكاد تجمع كلمة المؤرخين على أن أول مصدر مُدَوّنٍ وصلنا في مسائل هذا العلم، هو ما نسب إلى الإمام محمد بن إدريس الشافعي (ت:204هـ) حين أملى رسالته المشهورة؛ أما ما كان قبله من كتب نسبت إلى الإمام محمد بن الحسن الشيباني والإمام أبي يوسف وغير هما فقد ضاعت كما ضاع غيرها من المكتبة الإسلامية العربية. وبعد رسالة الإمام الشافعي جاءت كتب الحنفية وغيرهم في هذا العلم، وحققوا قواعده، وأوسعوا القول فيه.

ومما تقدم يتبين أن علم أصول الفقه لم تدون قواعده، إلا في أواخر القرن الثاني الهجري، لأنه قبل ذلك لم تدع الحاجة إلى تدوينه؛ وليس معنى هذا أن الاجتهاد قبل تدوين علم أصول الفقه لم تكن له قواعد تضبطه، بل كان المجتهدون مقيدين في استنباطهم بقواعد راسخة متفق عليها.

غاية علم الأصول وضرورته

يستدل من تعريف علم الأصول ونشأته وموضوعه أن الغاية من وضع هذا العلم ودراسته تَعُّرف الأسس التي بنيت عليها الأحكام والشرائع والمقاصد التي ترمي إليها، وتحقيق القدرة على استنباط الأحكام لكل الوقائع والنوازل التي لم يرد عن الشارع فيها نص خاص استنباطاً صحيحاً سليماً يحقق المصلحة العامة التي هي مقصود الشارع في كل الأحكام.

وعلماء المسلمين بما وضعوه من قواعد ومناهج للاجتهاد والمجتهد قد أسدوا خدمة جليلة لا تقدر، لا إلى الفقه فحسب، بل إلى علم الحقوق، لأنهم سهلوا للقضاة والمفتين والمحامين طرق فهم الشرائع والقوانين، حتى غدا هذا العلم ضرورة من ضرورات كل دارس للقانون والحقوق وآلة لابد منها لرجال القضاء والمحاماة في كل زمان ومكان.

إبراهيم السلقيني

 

الموضوعات ذات الصلة

 

الاجتهاد ـ الإجماع ـ الإسلام ـ الحكم الشرعي ـ السنة ـ العرف ـ الفقه ـ القرآن الكريم.

 

مراجع للاستزادة

 

ـ محمد أبو زهرة، أصول الفقه (1974).

ـ الإمام محمد بن إدريس الشافعي، الرسالة (204هجرية).


التصنيف : الشريعة
النوع : دين
المجلد: المجلد الثاني
رقم الصفحة ضمن المجلد : 644
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 494
الكل : 31255270
اليوم : 3458

الأحسائي (أحمد-)

الأحسائي (أحمد) (1166 - 1241هـ/ 1753 - 1826م)   أحمد بن زين الدين الأحسائي، عالم ديني ورئيس مدرسة «الشيخية» الشيعية في إيران. ينتمي الأحسائي إلى قبيلة عربية استقرت في منطقة الأحساء، وكانت أسرته حتى الجد الخامس من الشيعة الأثني عشرية. ولد الأَحسائي في بلدة المطيرفي بمنطقة الأحساء في وقت انتشر الجهل فيه وعم منطقته، وقد نبغ بين أقرانه والتفت إلى الدرس عازفاً عن حياة اللهو، وكان ميالاً إلى التأمل في الموت وتقلب الأحوال منذ طفولته، وقد نزح عن مسقط رأسه في سن مبكرة إلى بلاد فارس ومكث في يزد ثم في كرمان، ويظهر أنه عاش بعد ذلك متنقلاً ما بين كربلاء والنجف وقزوين.
المزيد »